حفلت الإنتخابات التشريعية في تونس الشقيقة بالدلالات و الحقائق السياسية الوازنة. هذا الشعب الذي أزاح أعتى الأنظمة الديكتاتورية في تاريخه يعاند بكل إصرار وإيمان في بناء تونس ما بعد الثورة. نعم سيسجل تاريخ الثورات في العالم لهذا الشعب قدرته الفائقة على تدبير المرحلة الإنتقالية بأعلى منسوب للنجاح و ثمة معطيات تفسر ذلك. أولا لابد أن نسجل للطبقة السياسية التونسية بمختلف مشاربها مساهمتها الإيجابية في أن تتمكن البلاد من اجتياز مرحلة الإضطرابات و الارتجافات، خصوصا لحزب حركة النهضة الذي تحلى مسؤولوه بما يكفي من منسوب الواقعية و تفضيل الوطن على الحزب. الفرقاء السياسيون في تونس اشتغلوا لفائدة بناء البلاد على أسس متينة لكسب رهان التحديات الخطيرة التي تواجهها تونس و لم يشتغلوا يوما أو حتى لحظة واحدة بخلفية الحسابات السياسوية الضيقة. وهذه نقطة مشعة في مسار كادت تجره العتمة إلى دهاليزها. ثانيا لابد أن نقف إجلالا لعظمة شعب تونس الذي نفذ برنامجا ثوريا متكاملا بدأه بتحطيم عرش الديكتاتورية وأنهاه اليوم بإنجاز انتخابات ديمقراطية نزيهة تمثل بحق نموذجا وضاء يقتدى به ، وبفضل وعي هذا الشعب و بفضل إصراره على النجاح قارب ركب تونس أن يصل اليوم إلى شاطئ أمنه و استقراره. بكل تأكيد كانت ولا تزال الصعاب كثيرة والطريق مكتظة بالمسامير والقنابل الموقوتة انفجر بعضها أثناء المسير لكن شعب تونس العظيم وقواه الحية الناضجة تحملوا وعاندوا وكابروا وصاغوا اليوم جوابا مقنعا وواضحا. النتائج الأولية لهذا الاستحقاق الناجح جدا أعطت جواب شعب تونس على كثير من الأسئلة التي تراكمت طوال المسار و اختار بديلا لما ساد خلال المرحلة السابقة ، لأن هذا الشعب جرب ثالوث حكم تأكد اليوم أنه لم يكن راضيا عن أدائه لاعتبارات كثيرة لا يتسع المقام اليوم للتفصيل فيها . ثالوث حكم كان لحزب النهضة الإسلاموي نصيب الأسد في تدبير شؤون الحكم فيه ، لأنه ترك كعكة الرئاسة بعدما أفرغها من الداخل و أدار وجهه لرئاسة المجلس التأسيسي لأن وزنه العددي يعطيه التحكم في شؤون المجلس و قبض بالسلطة التنفيذية بداية من رئاسة الحكومة و وزارات السيادة الحقيقية ، سلطة تنفيذية مثقلة بالصلاحيات راح يشتغل بها لتصريف قناعاته السياسية و الإديولوجية ، و من حق الرأي العام أن يلاحظ اليوم أن الناخب التونسي اختار التغيير، قرر إزاحة الوجوه والأسماء والمرجعيات التي دبرت المرحلة السابقة وأضحى من اللازم أن يتم احترام خيار شعب تونس. ومن المؤكد فإنه سيكون لاختيار شعب تونس تداعياته على الأوضاع في منطقة شمال إفريقيا وفي المغرب العربي الكبير على وجه التحديد، والأكيد أن شعوب المنطقة تنتبه جيدا لما يحدث في بلاد أبو القاسم الشابي الخالد. فتحية إجلال واحترام لشعب تونس العظيم الذي شرف الوعي العربي والإسلامي بممارسة ديمقراطية ناضجة أبهرت العالم بأسره وأضحت مرجعا من مراجع الممارسة السياسية التي يجب أن تدرس في الجامعات والمعاهد المتخصصة.