فقدت بلادنا صبيحة يوم الأربعاء الماضي أحد أبرز مبدعيها في ميدان التمثيل المسرحي و التلفزيوني و السينمائي ، و يتعلق الأمر طبعا بالفنان الكبير و المحبوب الفقيد محمد البسطاوي الذي كان ا لإقبال الجماهيري المكثف على مراسيم دفنه عربونا واضحا للحب الكبير الذي يكنه له الجمهور المغربي من مختلف الفئات الاجتماعية و الثقافية و الفنية و السياسية و الرياضية و غيرها، و هذا لم يأت طبعا من عبث أو من لا شيء بل لأنه رحمه الله استطاع بفضل موهبته و طبعه أن يغزو كل القلوب بأدائه الرائع و النافذ لمختلف الأدور التي يجد المشاهد نفسه فيها. . كان رحمه الله متميزا في تشخيص مختلف الأدوار الهزلية و التراجيدية بتلقائية و احترافية كبيرة ، و حتى أدوار البدوي التي شخصها في مختلف الأعمال لم تكن متشابهة و لم تكن نمطية كما هو ملاحظ على سبيل المثال لا الحصر في "أولاد الناس" و "جنان الكرمة" و "حائط الرمل" و "خط الرجعة" و "علال القلدة" و غيرها. كان من طينة الممثلين الكبار ، أي كان ينسلخ في أدائه من شخصيته الطبيعية العادية و يغوص بعمق في الشخصية المتقمصة قبل أن يخرج منها و يعود إلى طبعه الإنساني الهادئ و المتواضع و الشعبي دون غرور أو تعال مفتعل. عمل على تطوير مؤهلاته و تثقيف نفسه بقراءة الكتب و الروايات و مشاهدة أروع الأفلام والمسلسلات و المسرحيات القديمة و الجديدة موازاة مع مواكبته للمستجدات الثقافية و السياسية و الرياضية و كل ما يشهده المغرب و العالم من تطورات و أحداث. كان رحمه الله فنانا ذكيا و ذواقا و قادرا على التمييز بين العمل الجيد أو العادي أو الرديء، لا يستحمل التطفل على ميدان التمثيل خاصة و الميدان الفني عامة لأهداف أخرى. . كانت بدايته كما هو حال أكبر الممثلين العالميين بممارسة المسرح الذي انتقل فيه من الهواية إلى الاحتراف إتقانه الكبير لدور امرأة بدوية في مسرحية "بوغابة" هذا الدور الهزلي الذي أسند له اضطراريا لأنه كان من المقرر أن تقوم به إحدى الممثلات، و شاء القدر أن يكون من نصيبه كان رحمه الله مشهودا له بالرزانة و الأخلاق الحميدة و حبه و اهتمامه الكبيرين رفقة رفيقة دربه الفنانة سعاد النجار بأسرته الصغيرة و بمستقبل أبنائه ، مؤمنا بالتخصص و عدم التطفل على مهن فنية أخرى في المجال الدرامي. شارك رحمه الله كممثل ناجح في عدة أعمال مسرحية و تلفزيونية من سلسلات و مسلسلات و أفلام ، من أحدثها سلسلة "دار الغزلان" من إخراج ادريس الروخ هذه السلسلة التي صورت مؤخرا بمدينة أصيلا و أنتجت من طرف القناة المغربية الأولى و التي شارك في بطولتها ابنه أسامة البسطاوي . شارك المرحوم أيضا في عدة أفلام سينمائية من بينها الأفلام الطويلة "كنوز الأطلس" لمحمد العبازي، "طرفاية" و "باي باي السويرتي" و "في انتظار بازوليني" لداوود أولاد السيد، "جوهرة" لسعد الشرايبي، "ألف شهر" لفوزي بنسعيدي، "أولاد البلاد" لمحمد إسماعيل، "طيف نزار" و "الصوت الخفي" لكمال كمال، "عند الفجر" للجيلالي فرحاتي، "ذاكرة الطين" لعبد المجيد الرشيش، "الطفل الشيخ" لحميد بناني، "أياد خشنة" لمحمد العسلي، "فيها الملح و السكر و عمرها ما غاد تموت" لحكيم نوري، و شارك كذلك في فيلم "جوق العميين" لمحمد مفتكر الذي تم اختياره للمشاركة في المسابقة الرسمية للدورة الرابعة عشرة للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش التي نظمت ما بين 5 و 13 من شهر دجنبر الجاري، و من أحدث أفلامه السينمائية التي لم تشاهد بعد فيلمي "أكادير إكسبريس" ليوسف فاضل و "الوشاح الأحمر" لمحمد اليونسي. هذا طبعا مجرد غيض من فيض ، و لا يمكن ختم هذا الغيض دون الإشارة إلى شرف التكريم الذي حظي به المرحوم قبل سنتين بالمهرجان الدولي للفيلم بمراكش اعترافا له بتألقه و بكفاءته و بكل ما قدمه من عطاء خدمة للميدان الدرامي ببلادنا، تغمده الله برحمته و أسكنه فسيح جناته و إنا لله و إنا إليه راجعون.