فقدت الحركة النسوية الفرنسية أخيراً مناضلة وكاتبة من العيار الثقيل، كرست حياتها لقضية المساواة في الحقوق والواجبات، ألا وهي زبونوات غرولتس. وباستعراض حياتها الحافلة استرعت انتباهي جملة بليغة قالتها: زوُلدتُ بصفر حقوق سنة 1920س (Je suis née avec zéro droits en 1920). رغم بساطة هذه العبارة نشعر فوراً بالطريق الشاق الذي يتطلبه الانطلاق من الصفر للحصول على المعدل على الأقل، أو الحد الأدنى للآدمية، فكيف بالوصول إلى درجات أعلى منه. كفاح وتضحيات مرت بدءاً بصمود النساء جنبا إلى جنب مع الرجال إبان الحرب العالمية الثانية، الخروج إلى العمل، حق التصويت، ماي 1968، انتهاء إلى ما تعرفه فرنسا وباقي العالم حالياً من التباس عام وتحولات متسارعة تجعل الجميع يدرك جيداً ماذا يترك وراءه، أي الماضي، لكنه يجهل تماما إلى أين يسير، لأن الحاضر هو لحظات من انتقالات متتالية تجري نحو المجهول ولا تترك مجالاً للتحليل حتى بالنسبة لأعتد المحللين الاستراتيجيين. ما هو ثابت حقاً هو التغيير، فحتى القيم ومفاهيم مثل الحقوق والواجبات طالها الاختلال. وكمثال على ذلك، يمكن الاستدلال باستطلاع رأي فوق تراب الجمهورية الفرنسية خلصت نتائجه إلى أن أكثر من نصف المواطنين يؤيدون اللجوء إلى التعذيب (نعم التعذيب!) للحصول على معلومات تخص الإرهاب. أكيد أن من التحقوا بالرفيق الأعلى من النساء والرجال الذين ناضلوا من أجل إنسانية الإنسان وحقوقه منذ قرون هم الآن يتقلبون في قبورهم، لأن محاكم التفتيش عادت بصيغة 2.0 في أذهان مواطني الزمن الرقمي. قد يصبح التعذيب مستساغاً في ألعاب الفيديو وأفلام الحركة، لأن الأمر يتعلق بحقيقة افتراضية، لكن أن يتسلل تأييد التعذيب إلى النفوس وإلى الثقافات خلسة في زمن الدعوة إلى إلغاء عقوبة الإعدام، فأمر يجعلنا نكره زمن زتعذيب 2.0س ونَحِنُّ إلى زمن ز0 حقوقس، ويجعل أمثال زبونوات غرولتس يرقدون غير مطمئنين على مستقبل بني ، أي الجنس البشري كافة. في موروثنا المشترك، تحضرنا دائماً مقولة الفاروق: زكيف استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراس، والاستعباد يقع على سلم الحقوق في أقل من درجة الصفر...فلكم أن تتساءلوا معي هل هذا التراجع عن المكتسبات الحقوقية سيعود بنا إلى 0 حقوق أم إلى أقل منه؟ هل تعيش الأجيال الحالية والقادمة عبودية القرن الواحد والعشرين؟