اتفاق بشأن زيادة عامة في أجور العاملين بالقطاع العام بمبلغ 1000 درهم صافية شهريا.. وترقب لزيادة في أجور القطاع الخاص    يوسف يتنحى من رئاسة حكومة اسكتلندا    بتنسيق مع "ديستي".. الحرس المدني يحجز زهاء طنين من الحشيش بسواحل إسبانيا (صور)    الدرك يوقف مشتبها فيه بقتل تلميذة    مجلس النواب.. انطلاق الدورة الرابعة لجائزة الصحافة البرلمانية برسم سنة 2024    الدورة السادسة من "ربيعيات أصيلة".. مشغل فني بديع لصقل المواهب والاحتكاك بألمع رواد الريشة الثقافة والإعلام    استطلاع: انخفاض عدد الأمريكيين الداعمين لبايدن والغالبية تميل نحو ترامب    الاتفاق رسميا على زيادة عامة في أجور العاملين بالقطاع العام بمبلغ 1000 درهم شهريا    الحوار الاجتماعي..الحكومة ترجئ الحسم في ملفي التقاعد والإضراب إلى حين التوافق مع النقابات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    يوم دراسي حول مكافحة الجرائم الماسة بالمجال الغابوي    المكتب الوطني للسياحة يضع كرة القدم في قلب إستراتيجيته الترويجية لوجهة المغرب        الفنان الجزائري عبد القادر السيكتور.. لهذا نحن "خاوة" والناظور تغير بشكل جذري    التنسيق النقابي لقطاع الصحة…يقرر مواصلته للبرنامج النضالي    ارتفاع أسعار الأضاحي يجر وزير الفلاحة للمساءلة البرلمانية    رسمياً.. رئيس الحكومة الإسبانية يعلن عن قراره بعد توجيه اتهامات بالفساد لزوجته    إدارة السجن المحلي بوجدة تنفي ما نقل عن والدة سجين بخصوص وجود آثار ضرب وجرح على وجهه    المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    وزارة الفلاحة…الدورة ال 16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تكللت بنجاح كبير    فيلم أنوال…عمل سينمائي كبير نحو مصير مجهول !        غزة تسجل سقوط 34 قتيلا في يوم واحد    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الإثنين بأداء إيجابي    عقوبات ثقيلة تنتظر اتحاد العاصمة بعد انسحابه أمام نهضة بركان    التنسيق الميداني للتعليم يؤجل الاحتجاج    التقنيون يتوعدون أخنوش بإضرابات جديدة    أسعار الذهب تتراجع اليوم الإثنين    إليسا متهمة ب"الافتراء والكذب"    الروائي الأسير باسم خندقجي يهزم السجان الإسرائيلي بجائزة "بوكر العربية"    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    طلاب مغاربة يتضامنون مع نظرائهم الغربيين الداعمين لغزة    تزگل باعجوبة. مقرب من العائلة ل"كود": زكريا ولد الناصري ما عندو رالو وها كيفاش وقعات لكسيدة    المنتخب المغربي يتأهل إلى نهائي البطولة العربية على حساب تونس    حكيمي يتوج رفقة باريس سان جيرمان بالدوري الفرنسي    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس الجائزة الكبرى لجلالة الملك محمد السادس للقفز على الحواجز بالرباط    مجلس المنافسة: 40 في المئة من الخضر والفواكه بالمغرب تتعرض للتلف    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    للمنافسة عالميا.. جهود مغربية لتطوير صناعة الألعاب الإلكترونية    جماهير اتحاد العاصمة معلقة على الإقصاء: تم التضحية بنا في سبيل قضية لا تعنينا    الصين: "بي إم دبليو" تستثمر 2,8 مليار دولار اضافية شمال شرق البلد    200 مليون مسلم في الهند، "أقلية غير مرئية" في عهد بهاراتيا جاناتا    ماركا: المغرب يستغل الفرصة.. استعدادات متقدمة لنهائيات كأس العالم وسط فضائح الاتحاد الإسباني    إدارة أولمبيك خريبكة تحتح على الحكام    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    "العدالة والتنمية" ينتقد حديث أخنوش عن الملك خلال عرض حصيلته منددا بتصريح عن "ولاية مقبلة"    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوريد في حوار مع "الأيام": كتبت "الباشادور" قبل "الموتشو" ولم أصدرها لأنني اتهمت بالوقوف وراء كتاب "مؤرخ المملكة"
نشر في الأيام 24 يوم 28 - 02 - 2024


أجرى الحوار: الحسن أيت بيهي


لا يخلو كل لقاء مع الدكتور حسن أوريد حول إبداعاته الروائية من سجال وشد وجذب. قد يبدو متذمرا من محاولة جره إلى زاوية معينة، لكن لا يمكن أن ترتسم ملامح هذا التذمر على وجهه، حتى لو كنت تحاول أن تغير فكرته عن محتوى ما كتبه.


وهذا ما حدث لكاتب هذه السطور شخصيا، في لقاء جمعه مع أوريد بفضاء المكتبة الوطنية بالرباط الأسبوع الماضي، والمناسبة صدور روايته الجديدة "الباشادور" التي يعود المؤلف من خلالها إلى النهل من معين التاريخ الذي لا ينضب، غائصا في تفاصيل أحداث وقضايا وقعت في القرنين الثامن والتاسع عشر، ليواكب من خلالها آخر أيام المولى إسماعيل، والفتنة التي عرفها البيت العلوي بعد وفاته بسبب الصراع على السلطة بين أبنائه، قبل أن يستثب الأمر لابنه عبدالله الذي نجح في تهدئة البلاد عن طريق "ضرب الكبش الأبيض بالتيس الأسود" كما وصف ذلك أحمد الناصري في كتابه "الاستقصا"، ومرورا بابنه سيدي محمد بن عبدالله ثم ابني هذا الأخير مولاي اليزيد ومولاي سليمان وأخيرا مولاي عبد الرحمان بن هشام.

الفضاء الزمني للرواية يمتد تقريبا على مدى قرن كامل، بسبب محورية الشخصية الرئيسية في هذه الرواية، وهي شخصية أبو القاسم الزياني الذي عاش تفاعلات كل الأحداث التي عرفها المغرب خلال هذه الفترة، سواء بصفة شخصية أو من خلال جده ووالده، لكن ما يهمنا هو الزياني نفسه الذي حاول أوريد أن يميط اللثام عن بعض ما اعترى شخصيته من غبن وتجاهل في صفحات التاريخ، ولو من باب الرواية.

ورغم غوصه في التفاصيل التاريخية والأحداث التي كان الزياني مساهما في صناعتها إلا أن أوريد يرفض بإصرار أن تكون روايته بحثا تاريخيا أو أن تتم محاورته كمؤرخ أكثر من كونه كاتبا ومبدعا استعان بالتاريخ واستحضر شخصيات منه من أجل مناقشة قضايا يمكن إسقاطها على الحاضر، ليؤكد أن هذا العمل الذي كتبه قبل رواية "الموتشو" أضحى الآن في متناول الجمهور الذي يمكنه قراءته كل من زواياه رغم اعترافه بصعوبة لغة الكتابة التي اختارها هذه المرة، والتي قد تستعصي على عدد من القراء الذين قد يجدونها مملة، لكنها مهمة بالنسبة للباحثين في مجال التاريخ.


++++++++++++++++++++++


بداية، لماذا "الباشادور"؟ ولماذا اخترت العودة إلى استحضار التاريخ في إبداعاتك، وهذه المرة من بوابة شخصية أبي القاسم الزياني الذي يمكن القول إنه كان قليل الحضور في أجندة المؤرخين وحتى المبدعين؟
شخصية أبي القاسم الزياني جزء من تاريخ المغرب، يؤرخ لحقبة من تاريخ المغرب والحضارة الإسلامية عموما. والحقيقة أن هذا الرجل لم يلق أهمية من قبل أن يُخرجه ليفي بروفنسال إلى دائرة الضوء، في كتابه "مؤرخو الشرفاء". حياة الزياني غنية جدا، تستحق الاهتمام ولو من باب استحضارها كشخصية روائية.

أما في ما يخص العنوان، فترددت بين عناوين عدة، وانتهيت باختيار "الباشادور" لأنه يحيل على مهمة دبلوماسية قام بها لدى الدولة العثمانية العلية، وهي مرحلة مهمة في مساره.


من يقرأ الرواية يراوده شعور أنك تكتب سيرة ذاتية للزياني أكثر منها رواية، سواء من حيث أسلوب الكتابة أو الحوارات على قلتها. فضلا عن اللغة الفقهية التي يبدو أنك تعمدت الكتابة بها، ما يجعلها واحدة من أصعب رواياتك التاريخية، فما هي دواعي لجوئك إلى هذه الطريقة؟

"الباشادور" رواية كتبتها بضمير المتكلم واستوحيتها من كتابات الزياني مثل "الترجمانة" و"الظل الوريف في أبناء مولاي علي الشريف"، وكان يحضرني هاجس التعريف بالزياني والتأريخ لجزء من تاريخ المغرب. كتبتها بأسلوب عتيق، أسوة بأسلوب الفقهاء، لأنني كنت أتحدث باسم الزياني. اللغة، أو الأسلوب، جزء هنا من المتن الروائي. ومن المؤكد أن هذه الطريقة في الكتابة، أتعبتني أكثر مما قد تتعب القارئ.


حاولت أيضا في الرواية تسليط الضوء على بعض الأحداث التي لا يعرفها جمهور اليوم خصوصا الفتنة التي أعقبت وفاة مولاي إسماعيل والتي دامت 30 عاما، والصراع على السلطة الذي كان يغذيه قادة جيش البخاري، كما قمت باستحضار بعض فضائع السلطان مولاي عبدالله من خلال ما فعله، مثلا، ببربر أيت إدراسن الذين كان يريد البطش بهم، وكان هناك نوع من الإطناب في هذا التاريخ وهذه الفتنة، وكأنك كنت تريد تسليط الضوء على جزء من تاريخ المغرب غالبا ما يتفاداه المؤرخون، فهل كان هذا هو القصد؟

وبم سأختلف عن باقي المؤرخين إذا كنت أتناول التاريخ بنفس أسلوبهم ومقاربتهم؟ أعتقد أن التستر لن يؤدي إلى تقديم الجديد. والجديد هو أن أميط اللثام عن أحداث معروفة لدى المختصين، ويجهلها الجمهور، علما أن الشعوب التي تجهل تاريخها تكرر نفس الأخطاء. كان هاجسي أن أُعرَّف بتاريخنا. من المؤكد أنني لم أكن روائيا مائة في المائة في هذا العمل، وكنت تحت ضغط احترام ضوابط التاريخ، كما كنت وفيا للمصادر، لكن ليس هناك أي تجني أو اختلاق. أما في ما يخص الإطناب، فهذه المسألة متروكة إليك. حاولت أن أكون ديدكتيكيا. قد يكون العمل مملا في بعض الفصول، ولكنه قد يفيد المؤرخ أو من يريد أن يذهب أبعد من قراءة التسلية.

هل يمكن القول إن تلك الرسائل التي ناقشت الوهابية كان الغرض من ورائها الإيحاء للقارئ بأن المغرب كان يمكن أن يكون وهابيا لو وجدت تلك الدعوة هوى لدى السلطان ولولا موقف العلماء؟

قدّمت النصوص في ثنايا العمل الروائي، وأترك للقارئ استخلاص النتيجة التي يريدها. كان هناك تبادل رسائل بين السلطان مولاي سليمان ومحمد بن عبد الوهاب، وأوفد السلطان مولاي سليمان ابنه مولاي إبراهيم إلى الحجاز والتقى بابن عبد الوهاب وأجرى معه علماء المغرب مناظرة. ولكن أفضل أن أبقى في الجانب الروائي في تناولي لهذه الأحداث.


لماذا وصفت مولاي عبدالله بالسلطان الغاشم وكأنك تحمله مسؤولية النفي الاختياري لعائلة أبي القاسم الزياني التي اختارت عدم العودة إلى المغرب إلا بعد وفاته، مفضلة ذلك على البقاء في ظل سلطان جائر، كما ورد على لسان البطل، وما مدى صحة هذا الأمر؟

كنت وفيا للسرد التاريخي. وتماديا في التحري كنت أشير إلى المراجع حتى لا يُظن أني أتحامل على أحد، ويمكن الرجوع إلى كتاب "الاستقصا في أخبار المغرب الأقصى" لأحمد الناصري للتأكد من بعض الأحداث.


(مقاطعا) لكن ما هو معروف عن هذا السلطان أنه قام بتهدئة القبائل والقضاء على جيش البخاري وإعادة الأمن إلى المغرب بعد سنوات الفتنة التي أعقبت وفاة مولاي إسماعيل…

(مقاطعا) إذا كان هناك من مؤاخذة فيجب أن تُوجهها إلى الناصري في كتابه "الاستقصا" أو إلى محمد بن أحمد الكنسوسي في "الجيش العرمرم" اللذين أوردنا هذه المعطيات. هي ليست من بنات خيالي، وكما يقال، ناقل الكفر ليس بكافر.


(مقاطعا مرة أخرى) حتى مولاي إسماعيل قدمت وفاته بطريقة تراجيدية بعد أن أصيب بمرض جنسي من جارية أجبر زوجها على تطليقها، رغم أن مولاي إسماعيل كان لديه جيش من الجواري فهل كان في حاجة إلى جارية أخرى كانت سببا لوفاته…

(مقاطعا مرة أخرى أيضا) أنت بصدد التشكيك في المصادر التي اعتمدتها وأنا أريدك أن تقرأ العمل كرواية. لسنا في نقاش حول التاريخ.


لكن أنا كصحفي من حقي أن أناقش بعض الأفكار الواردة فيها…

بل تناقشني في أحداثها ويمكن العودة إلى المراجع. وليس هنا في هذه الرواية أي تجنّ على أي أحد، إلا إن أردت أن نتستر على أشياء وردت لدى الإخباريين والمؤرخين.

طيب، هل يمكن القول إن الاستقرار الذي عاشته الدولة العلوية مع مولاي عبدالله جاء بعد أن نجح في تحييد خطر جيش البخاري وقادتهم الذين قام بتشتيت شملهم، كما وثقت ذلك في الرواية حيث وصفت طريقة تصفيتهم بمثل تلك الطريقة التي تعرض لها الأمويون من طرف العباسيين في موقعة الفخ، أو الطريقة التي قام بها محمد علي باشا عند دخوله إلى مصر نهاية القرن 18 بالقضاء على المماليك؟

عن أي استقرار تتحدث؟ السلطان مولاي عبدالله تم عزله ست مرات من طرف جيش البخاري وكان ناقما على هذا الجيش وقال قولته الشهيرة التي أوردها أحمد الناصري في كتاب "الاستقصا": "كنرمي عتروس كحل على كبش بيض"، أي أنه يؤلب جيش البخاري على البربر، وهو المصطلح المستعمل حينها. من فضلك يجب أن تقتنع بأن هذا العمل رواية وليس كتابا للتاريخ. لكن مع ذلك أنا سعيد جدا أن يكون قد هزّك لأن هذا هو المفترض من أجل تصحيح بعض الرؤى التي استقرت في الأذهان.


لنعد إلى أبي القاسم الزياني، فبعد كل النكبات التي عاشها رفقة أسرته، يبدو أنه نعم بفترة من الاستقرار في ظل حكم السلطان محمد بن عبد الله الذي قربه إليه، وأوفده في سفارة إلى السلطان العثماني، بل أكثر من ذلك فإن المغرب في هذه الفترة، كما ورد في الرواية، قدم مساعدة مالية كبيرة لمواجهة تكاليف حرب العثمانيين ضد الروس، فهل كان هذا بمثابة رد للاعتبار لهذه الشخصية بعد كل ما تعرض له؟

قلت لك، ليست هناك أي فكرة مسبقة ولا أي تجني على أحد. صورت الوجه الناصع للسلطان سيدي محمد بن عبد الله، سواء في ما يخص دفاعه عن بيضة الإسلام أو بناء الصويرة أو ورعه وتقواه واهتمامه بالآداب إلى آخره. فهل تريدني أن أقول إن ما قام به مولاي عبد الله في طمر فتيان أحياء في كهف عمل رائع، أم تريدني أن أتستر عنه.

الشخصية المحورية في هذا العمل هي أبي القاسم الزياني، وسلطت الضوء عليه، في السياقات التي عاشها، في ركاب سيدي محمد بن عبد الله، ومع مولاي اليزيد، ومولاي سليمان. العمل ليس حول السلطان سيدي محمد بن عبد الله أو غيره من السلاطين بقدر ما هو عن الزياني الذي اشتغل كاتبا وعاملا في العرائش وتافيلالت وسفيرا للدولة أو باشادور كما كان يقال في الدولة العثمانية العلية.


(مقاطعا) لكن ذلك لا ينفي أن الزياني كانت له مكانة خاصة لدى هذا السلطان تحديدا، بل وكان بمثابة مستشار يتم الأخذ بآرائه، كما حدث مثلا في قضية الخلاف الذي حدث بين السلطان وولده اليزيد إلى درجة أنه قرر سجنه، لكنه تراجع عن ذلك وقام بإرساله إلى الحج بعد أن نصحه الزياني بذلك، رغم أن هذه النصيحة كانت من أسباب نقمة اليزيد عليه بعد أن اعتقد أنه فعلها من أجل إبعاده عن مربع السلطة.

كلامك صحيح، وهذه النقمة كانت لها أسباب متعددة. حيث تعرض الزياني لما يسمى نكبة من طرف مولاي اليزيد، ومنها محاولة قتله. وهذا كله واقع لا يمكن إنكاره ولم يتم اختلاقه.


لو تحدثنا عن ظروف سفارة أبي القاسم الزياني إلى اسطنبول وكذلك تصويرك لمراسيم الاستقبال والحظوة التي كانت له وظروف سكنه والخدمات التي قدمت، فما هي أهمية هذه السفارة في وقت بدأت فيه الدولة العثمانية تدخل مرحلة الضعف؟

رصدتُ حادثا يتمثل في إيفاد سفارة وأسبابها وسياقها. حاولت من الجانب الديداكتيكي أن أصور ملابسات السفارة والطقوس المصاحبة، والمهم هو السياق التاريخي، أي هزيمة الدولة العلية أمام روسيا، أو الموسكوا، كما كانت تسمى، وضياع جزيرة القرم التي كانت جزءا من الإمبراطوية العثمانية، أو الدولة العلية كما كانت تسمى.


إذا تركنا التاريخ جانب واعتمدنا السرد الروائي، نجد أنك قمت بإقحام قصة حب عاشها الزياني خلال هذه السفارة من خلال علاقته بالجارية خديجة جنكر ذات الأصول التترية، والتي ظلت حاضرة في عدد من الفصول دون أن يلتقي بها مرة أخرى، فهل كان ذلك مقصودا رغم أنه خلال عودته الثانية إلى إسطنبول سأل عنها وأخبر أنها اتهمت بالحمل سفاحا، وكنا ننتظر أن تكشف عن مصيرها ومصير ولدها لكن لم تقم بذلك؟

إن لم يتم إقحام قصة الحب، فستفقد الرواية جانبا من جاذبيتها. تعمدت اختلاق هذه القصة، وهذه الشخصية، وطبعا لها دلالة. لا أُراني ناقدا لأعمالي، فلندع القراء يقرؤون ويحكمون، وللنقاد أن يحللوا. اختلقت خديجة جنكر كي أعبر عن الوشائج التي كانت بين المغرب والمشرق. ولست مطالبا أن أكشف ما حلّ بخديجة. أدعك تتصور ما وقع لها.


حصرت علاقة أبي القاسم الزياني مع السلطان مولاي سليمان في ما هو علمي أكثر مما هو سياسي أو دبلوماسي، فهل يعني ذلك تراجع الزياني عن الخوض في القضايا السياسية؟

الزياني عاد إلى مُربّع السلطة بمجرد أن تولى مولاي سليمان الحكم، وكانت بينهما علاقة جيدة حتى قبل ذلك. لم ينسلخ الزياني عن السياسة فور تولي مولاي سليمان، لكنه تعرض لنكبة، بعد اعتراض قطاع طرق للقافلة المخزنية التي كان يترأسها، ثم اضطُر أن يهاجر للشرق. أظن من الضروري أن نميز بين الزياني التاريخي، وأنا لست مخولا للحديث عنه، والزياني في العمل الروائي. كل شيء فيه ينضح بالسياسة، حتى حينما يظهر أنه نأى عنها. هذا ملمح الزياني في الرواية.


هل يمكن اعتبار العلاقة التي كانت تجمع مولاي سليمان وأبي القاسم في جانبها العملي بمثابة نوع من جبر الضرر على ما تعرض له من طرف أخيه مولاي اليزيد؟

لا أظن ذلك، وعلى كل حال أنت تسألني في قضايا مرتبطة بالتاريخ، ووددت أن تبقى في الرواية.


(مقاطعا) لأن الرواية تاريخية…

مولاي سليمان جدّ في طلب أبي القاسم الزياني لأنه كان محتاجا لخبرته وكانت له تجربة ميدانية.


طيب. ما هي أهمية هذه الشخصية في النسق السياسي المغربي وأهمية كتابه "الترجمانة" في استحضار أحداث بارزة عرفها مغرب القرنين 18 و19؟

أولا تسعفنا تجربة الزياني في الوقوف على ملمح شخصية مخزنية، من حيث تكوينها، وتدرجها، ووظائفها. وتسعفنا في معرفة المخزن، وطقوسه وثقافته، والوقوف على الجوانب الثقافية في تلك الفترة، ولذلك أقحمت الجيلالي متيرد شاعر الملحون، وشمقميقة ابن الونان، وطقوس كتابة البيعة، إلخ.

وتسعفنا كذلك لمعرفة وشائج علماء دار الإسلام. هل تذكرت السجال الذي تم في رحاب مكة بعد الفراغ من الحج، بين ثلة من علماء المسلمين؟ أو النقاش ما بين الزياني ومتصوف من الهند هو جعفر الهندي، أو تحفيظ قصيدة أبي الفتح البُستي (من أفغانستان الحالية)، في زاوية اليوسي بصفرو، أو زيارة الزياني لبيت المقدس وتصويره له. هذه جوانب مهمة، في سياق الحضارة الإسلامية.

وإلى ذلك، عاش الزياني مرحلة مفصلية في التاريخ. أزمة السلطة في المغرب، هزيمة العثمانيين أمام الروس، بداية الحركة الوهابية. وعاش في مصر قبيل حملة نابليون، وعرف المؤرخ الجبرتي بها، وعاش في الجزائر قبيل الإنزال الفرنسي. لقد كان حقا شاهدا على حقبة حاسمة، وهي الفترة التي يمكن أن تعبر عن الشرخ الذي وقع بين الحضارتين الإسلامية والغربية، إذ أصحبت الحضارة الإسلامية في جَزر على خلاف الحضارة المسيحية التي كانت في مرحلة مدّ.


هل تعتقد أنك أنصفت هذه الشخصية من خلال هذه الرواية؟

الإنصاف أو الإجحاف غير وارد في قاموسي. أنا أخرجتها إلى الضوء، والحال أن الذين اهتموا بتاريخ المغرب استثارتهم هذه الشخصية. وفي جانب كبير يعود الفضل إلى ليفي بروفنسال الذي اكتشفها من خلال كتاب الترجمانة الذي كان حينها مخطوطا، وكذلك ربما في جانب كبير يعود الفضل إلى عبدالكريم الفيلالي الذي أخرج الترجمانة في كتاب، على علِاّت الإخراج. وعلى كل حال، أظن بأن العمل الروائي يعطي حياة أكبر للزياني من مجرد دراسة تاريخية. هنا أستحضر مثلا رحلة ابن عثمان المكناسي (وهي الرحلة التي حققها محمد بوكبوط) فهي عمل جوهري وتفوق من حيث أهميتها العلمية شهادة أبي القاسم الزياني في الجوانب المرتبطة بالإمبراطورية العثمانية ولكن حياة الزياني أغنى مما عاشه ابن عثمان المكناسي. دعنا نتحدث هنا في الرواية وليس في التاريخ. أتمنى أن يسهم هذا العمل في تعريف أوسع لدى الجمهور بأبي القاسم الزياني، لكن ما يهمني هو توظيف شخصية أبي القاسم الزياني الذي اتخذته ذريعة لكي نعرف تاريخنا ولكي أحدّثَ عن قضايا آنية.

هل بدأت تتلمس بعض ردود الفعل حول الرواية بعد صدورها؟

الرواية صدرت شهر يناير 2024، ولذلك لم ترد بعدُ الكثير من الردود، وإلى الآن لم أقرأ عنها سوى إشارات في بعض المواقع، فضلا عن أن الأحداث الجارية في غزة صرفت الاهتمام عن قراءة الروايات. ولكن ما استقيته وسمعته ممن قرأها أنها أضاءت جوانب معتمة من تاريخ المغرب واستحبوا ذلك. نفدت الطبعة الأولى، وهذا في حد ذاته مؤشر.


ألست نادما على إصدار الرواية في هذا التوقيت المزدحم بالأحداث، ما قد يجعلها لا تأخذ حقها كما ينبغي كما حدث مع الرواية السابقة "الموتشو"؟

كيف أكون نادما. أنا كتبت هذه الرواية قبل الموتشو ولم أرد أن أصدرها لأنه في تلك الفترة صدر كتاب باللغة الفرنسية بعنوان "مؤرخ المملكة" فأحجمت عن إصدارها حينها، خاصة وأنني اتُّهمت بأنني كنت وراء هذا الكتاب. وحتى لا أزيد النار زيتا فضلت ألا أخرجها في تلك الفترة وأصدرت "الموتشو" بدلا منها.


لكنها تبقى مغامرة أن تصدر روايتين في وقت متقارب رغم أن "الموتشو" لا زالت تلقى إقبالا، وبالتالي ألا تخشى أن يضر ذلك برصيدك لدى القراء؟

مرت سنة بالضبط على صدور "الموتشو". حينما يصدر لي كتاب يصبح ملكا للجمهور والقراء. قضية تعامل الجمهور مع إصداراتي ليس من هواجسي. لقد اعتبرت حياة الزياني غنية وهي تفيدنا في فهم التاريخ، وهذا هو هاجسي. وإذا استطاع القارئ أن يعرف جزءا من تاريخنا من خلال هاته الرواية فطبعا سأكون قد بلغت ما أرومه وما أتوخاه.


قلت إن رواية "الباشادور" كتبت قبل "الموتشو" التي اتهمت عند صدورها بكونك استنفدت رصيدك في الرواية التاريخية، فهل هذه الرواية هي رد على مثل هذه الأقاويل وبأن زادك من الرواية التاريخية لا ينضب؟

ككل شخص، في المواجهة لا بد أن يكون له رادار يرصد كل تحركات وذبذبات ما يكتب عنه. وأنا أتابع وأطلع على كل ما يكتب عني، لكن دون أن أرد عليه بالضرورة. هاجسي في هذه الرواية لم يكن الرد على بعض الأحكام. فهذا العمل كُتب، وكان ينبغي له أن يخرج، وخرج. أصبح مِلكا للقراء، وأنا أتابع تفاعلهم دون أن أتدخل. وإذا لم يكن عملي قادرا على أن يدافع عن نفسه فليس خليقا أن يُقرأ. وأنا لن أكون وراءه لأدافع عنه أو أشرح. أريد في التقييم أن يتم التمييز بين العمل والشخص، وبتعبير آخر يمكن للشخص ألا يروق لبعض الأشخاص، ويمكن لأشخاص ألا يحبوا الكاتب، لكن يلزمهم أن يدعوا أحكامهم المسبقة، وينظروا للعمل بغض النظر عن الشخص. هناك بعض الأحكام تشخصن وتسيء لأصحابها أكثر مما تسيء إلي.


كل الروايات التي أصدرها الدكتور حسن أوريد كان أبطالها شخصيات من التاريخ سواء في "رباط المتنبي" أو "زينة الدنيا" وشخصية المنصور بن أبي عامر، أو "الموريسكي" وغيرها. ألا تفكر في إصدار رواية بنفس تاريخي تكون بطلتها إحدى نساء المغرب اللواتي لعبن أدوارا في صناعة تاريخه؟

هذا اقتراح وجيه ربما قد آخذ به في المستقبل.


كسؤال أخير، هل يمكن أن نرى مستقبلا الدكتور حسن أوريد يصدر رواية تتناول تاريخ المغرب المعاصر وقد تكون سيرة ذاتية لأوريد نفسه وما عاشه في دواليب السلطة، أو من خلال شخصية تتناول أبرز القضايا التي عرفها المغرب اليوم ويمكن من خلالها الكشف عن بعض القضايا التي عشناها ولا زلنا؟

رواية تعالج القضايا الآنية ورادة جدا، وأنا أضع اللمسات الأخيرة لتنقيح وتصحيح عمل في هذا الإطار، لكن السيرة الذاتية غير واردة، على الأقل خلال الفترة الحالية، ربما قد أفكر في ذلك عندما أستنفد كل ما في جعبتي، لكني حاليا لا أفكر في ذلك بتاتا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.