حفظ النفس والحياة يسبقان أحيانا الحفاظ على الدين. هذا ما أكده العلامة مصطفى بن حمزة، رئيس المجلس العلمي لوجدة، في حوار أجرته معه الزميلة الأسبوعية" الوطن الآن" مفسرا لماذا يتم حصر عدد الحجاج في كل دول العالم بالنظر إلى أن منطقة منى مثلا ضيقة لا تسع لتدفق غير متحكم فيه في صبيب الحجاج، خاصة أمام استحالة توسيعها. وهذا ما يبرر في نظره إجراء القرعة كحل إداري وشرعي. * بعد إقصاء العديد من المغاربة من الاستفادة من أداء مناسك الحج بسبب القرعة، بدأ عدد من المواطنين يتساءلون إن كان الحج مازال ركنا من أركان الإسلام، أم تحول إداريا إلى قرعة. كيف تعلق على هذه المفارقة؟ ** بدوري أطرح سؤالا على الرافضين لمبدأ القرعة، ما هو البديل عنها؟ من خلال استقصاء الراغبين في أداء فريضة الحج في العالم، فإن ما يزيد عن 20 مليون مسلم يتشوقون لزيارة الحرمين الشريفين، والمغاربة بدورهم يشكلون نسبة منهم قد تصل إلى 6 ملايين، فهل يتسع فضاء الحج لكل هذه الملايين من المسلمين؟ والاستيعاب المقصود به الإيواء أو أداء بعض المناسك التي تكون محددة في الزمان والمكان، كالوقوف بعرفة، ورمي الجمرات.. ورغم كل التراخيص الشرعية في هذا المجال على المنتقدين لحل القرعة في الحج أن يعطوننا بدائل، وليس الكلام فقط. القرعة في الكثير من الأحيان حل شرعي شرط أن يتوفر فيها العدل والوضوح.. وهي ليست مرتبطة فقط بفريضة الحج، وإنما في مسائل شرعية أخرى، من قبيل قسمة الأموال بالنسبة للورثة في بعض الأحيان، كما تحدث الإسلام عن القرعة في أمور أخرى. وعليه، ففي الظرف الحالي لا أعتقد أن هناك حلا عادلا غير اللجوء للقرعة. * وهل قرعة الحج في المغرب، في نظرك، يتوفر فيها العدل والوضوح؟ ** أنا شخصيا لم يسبق لي أن حضرت عملية القرعة، ولا يمكنني أن أعطيك رأيي فيها، فهناك مصالح الداخلية هي التي تسهر عليها.. وهي (أي القرعة) تكون مفتوحة أمام جميع المسجلين في لوائح الحج. * هل هناك تأصيل شرعي للقرعة؟ ** طبعا هناك فتوى للمجلس العلمي الأعلى، يمكن الرجوع إليها .كما أن من لم تصبه القرعة، فقد رفع عنه تكليف أداء فريضة الحج، وهو ليس مخاطبا من الناحية الشرعية.. * لكن، أليس هناك تفكير ومشاورات بين المسؤولين عن قسم الحج في المغرب وبين نظرائهم في منظمة التعاون الإسلامي، قصد الرفع من نسبة الحجاج المغاربة؟ **فرق كبير أن نتحدث من خارج الواقع المعيش. تصور أن منطقة منى لا تكاد تجد لك فيها موطئ قدم في الظروف الحالية، وهي محصورة جغرافيا، ومن الصعب توسعتها، فكيف يعقل أن نطلب من أي جهة كانت أن ترفع عدد الحجاج المغاربة.. هل تريدون منا أن ندفعهم للتهلكة؟ إن حفظ النفس والحياة يسبقان أحيانا الحفاظ على الدين، فكلاهما من مقاصد الشريعة الإسلامية. ومع ذلك، فإن هناك مشاريع لتوسعة عدد من البقاع المقدسة في أفق استقبال 10 ملايين حاج.. لكن هذا على الصعيد الاستراتيجي.. أما حاليا فغير ممكن بالمرة، لأن البيت الحرام ضيق والتوسعة فيه محصورة بعدد من العوائق، وهناك إشكالات حقيقية تعترض ذلك.. وليس هناك رغبة من أي جهة في التضييق على المسلمين، ومنهم المغاربة، بمنعهم من أداء فريضة الحج التي تبقى مقرونة بالاستطاعة. * لكن، لماذا اللجوء إلى القرعة والمغاربة منذ قرون ألفوا الحج بدون قيود؟ **القرعة ليست وليدة هذه السنة، بل انطلقت منذ 2006، وهناك دول تجريها بالنسبة لمواطنيها، وعندما نتحدث عن ظروف الحج في العقود أو القرون الماضية فهناك تطور، وأعداد الحجاج المغاربة في تزايد ملحوظ بحكم تطور وسائل النقل وتحسن الدخل. ولكم أن تعودوا لأعداد المسجلين في لوائح الحج خلال العقد الأخير لتروا الفرق. وكما قلت لك: لو تُرك الحج بدون قيود في المغرب لأصبح محتكرا من قبل المغاربة كل موسم. القرعة حل إداري وشرعي ومتوافق عليه على مستوى العالم الإسلامي وليس مقتصرا على بلد معين. تصور أنه في السابق كان العلماء في بعض البلدان يحثون المسلمين في بلدانهم على أداء فريضة الحج، ومع ذلك كانوا لايحجون بالنظر إلى الصعوبات المالية التي كانت تعترض الراغبين في ذلك. أما اليوم فالجميع متشوق لزيارة الأماكن المقدسة من مختلف البقاع، فكان لابد من التنظيم. ثم بالعودة لتاريخ الحج القريب، وبالضبط سنة 2006، فقد لقي أزيد من 300 حاج مصرعهم في تدافع أثناء رمي الجمرات خلال أيام التشريق، هذا دون الحديث عن الأحداث السنوية التي تقع في عدد من مخيمات الحجاج بشأن الحرائق وصعوبة الإنقاذ في حالة الحوادث.. وهنا تبرز مسؤولية القائمين على شؤون الحج في كل البلدان الإسلامية بتحمل مسؤولياتهم وعدم دفع الناس للتهلكة. * إلى متى ستبقى المملكة السعودية، في نظرك، محتكرة لشؤون الحج، دون وجود هيئة ممثلة فيها الدول الإسلامية؟ **هذا نقاش قديم، وطرحته بعض الدول مثل إيران وليبيا لحسابات مع السعودية، ولا أريد العودة له. وما يهمني كمغاربة هو أنه لحد الساعة تبقى القرعة وسيلة عادلة وبدون محاباة، والنقاش الدائر حاليا حولها سبقه نقاش كبير عندما تم فرض جواز السفر على الراغبين في الحج، وعندما تم فرض إجراء التلقيحات الطبية على المتوجهين للحج.. هذه أمور إدارية ينبغي اتخاذها بالضرورة لدواع تنظيمية.