لا يمكن لأي كان أن يبرر الهجمات الإرهابية، كما لا يمكن لأي أحد أن ينساها أو يتعايش معها. الذين يفعلون ذلك، بأي مبرر كان، يحتقرون الحياة ويعتبرون أن من حق مجموعة أن تتسلط على الجميع، ومن حقها أن تقتل وتعود الى جحورها سالمة. لا يبدو أن تاريخ 16 ماي كان استثناء ، حالة بركان عمياء لبدت سماءنا وعدنا الى مقود الطائرة سعداء بأن الجرح قديم، بل كانت السنة الأولى في انفتاح البلاد على وجوه الرماد .. لقد أراد الارهاب أن يتحدث باسم الفقراء، وباسم الفقر، فكانت تلك أكبر عملية احتيال إنسانية واجتماعية تمت في تاريخ الأمم. وبدا أن الفقراء يمكنهم أيضا أن يحملوا المشاريع الديموقراطية، ويمكنهم أن يصارعوا من أجل التحديث ومن أجل حياة خارج المقابر وداخل فضاءات العصر.. وأراد الارهاب أن يتجسد في الحديث باسم الدين، فكانت تلك أكبر عملية احتيال روحية تتم أمام أعين الملايين من المتدينين والمؤمنين الذين يعيشون دينهم بدون الحاجة إلى قنابل، وإلى عبوات ناسفة وبدون الحاجة الى حقائب قابلة للانفجار.. وعلى ذكر الانفجار، فإن الذين يريدون أن يكون الارهابي هو الضحية وليس الوطن ، هم كمن يريدون أن نقتنع أن القنابل هي التي تصرخ وليس الضحايا، وأن الذي يموت وهو حول مائدة عشاء، بريئا مثل الشمعة التي تحيط بوجه زوجته أمامه، هو الذي أخطأ في المكان المناسب والوقت المناسب وكان عليه أن يترك الإرهابي يفجر شخصا آخر.. هناك نوع من الإكراه الأخلاقي والمعنوي والإشعار بالذنب يريده قادة التطرف وقادة الارهاب ومن يدعمهم عن حسن نية أو عن سوئها، بالقول بأننا مفرطون في التعلق بحقنا في الحياة وفي عدم البحث عن مبررات لفهم الإرهاب. وفي خضم ذلك، كان علينا ألا نتنازل عن أربعين سنة من الكفاح المرير من أجل تطور بلادنا، وكان علينا أن نثبت أن الحداثة والديموقراطية معنيان بالحل، لأنه لا يمكن أن نتنازل عن الحق والقانون إذا لم يكن هناك ما يجعل الكل يؤمن بأن الديموقراطية قادرة على حماية نفسها بدون الحاجة الى انتهاك الحقوق، وبدون سجل مواز من السواد ومن التردد.. ولكن الذي لا يمكن للدولة التي تريد حماية ديموقراطيتها هو أن تتنازل عن حقها في العنف المشروع، القانوني والمبني على الحق. كل دولة لابد أن تعطي الدليل على الصرامة، على القوة المشفوعة بالعدل والعدل المشروع بالقوة. نحن أمام «سؤال ليس بالسهل»، لا سيما وأن الإرهاب العابر للقارات يتغذى من كل عناصر الإحباط ، القومية والدينية والوطنية .. فعندما لا نقدم وطنا لائقا للكثيرين منا، فقد يلجأون الى صناعته من آلامهم وإحباطاتهم ويشيدونه في رؤوسهم أو هناك مهندسون ومنعشون انتحاريون يقومون بذلك، بتهيئة مواد بناء هذا البلد الوهمي، البلد القابل للموت والانفجار. ومن هنا لا يمكن أن نعتبر الحق في العدالة والاستفادة من الثمرات الحداثية في المجتمع، مسألة ثانوية. وإذا كان علينا أن نستخلص درسا ما، فهو بالذات أن الوطن لا يمكنه أن يتنازل أبدا عن اختياراته، لا لأن ذلك اختيار بدهي، بل لأن الحياة عندنا مرتبطة به. هناك اليوم مقاربة تريد أن تنحشر في النص القانوني أو أخرى في النص الزجري، والواقع أن بينهما عملا لابد منه في النص.. الديني والنص الواقعي، وفي الانحياز التام وغير الموارب الى قيم الديموقراطية والتقدم والشمس..! مازلنا، إلى أمس قريب نفكك الخلايا، كما لو أننا أصبحنا أطباء السرطان الانتحاري، وهو ما يعني أننا لم ندخل هذا الجحيم لنخرج منه ببعض الخدوشات العابرة فقط ، بل لكي نحاربه طويلا .. طويلا. ولعل الإسمنت الروحي والمعنوي هو أن نؤمن بالوطن دائما. وننحني أمام أرواح كل الذين سقطوا في شرف ساحاته وهم يدافعون عنه، وأولئك الذين يقفون دوما في وجه الظلام..