تفاصيل كادو الحكومة لملايين الأسر المغربية قبل فاتح ماي: تخفيض الضريبة على الدخل غاتربحهم 400 درهم شهريا والزيادة فالصالير والرفع من السميگ والسماگ    الأنفاس مقبوطة فالحركة الشعبية...والسبب: انتظار جلسة النطق بالحكم ضد انتخاب محمد أوزين أمينا عاما    وزيرة الفلاحة: القطيع الموجه للعيد الكبير صحتو بيخير ورقمنا دبا 3 مليون راس والثمن هاد العام غاينقص    محتجون يغلقون "السوربون" بسبب غزة    وزير الشباب والرياضة السابق: "قميص رياضي مغربي أسقط دولة بكاملها في عيون العالم!"    تفاصيل حصرية على كيفاش تشد المجرم اللي قتل تلميذة بطريقة بشعة فصفرو: سبق ليه دوّز 5 سنوات نافذة ديال السجن بسبب تكوين عصابة إجرامية (صورة)    لمكافحة الجرائم الماسة بالمجال الغابوي.. البوليس والوكالة الوطنية للمياه والغابات دارو اليوم اليد فاليوم    ابتدائية فاس فرقات 4 سنين نافذة ديال الحبس فحق صحاب أغنية "شر كبي أتاي"    التنسيق الميداني للتعليم يؤجل احتجاجه    نيروبي.. وزيرة الاقتصاد والمالية تمثل جلالة الملك في قمة رؤساء دول إفريقيا للمؤسسة الدولية للتنمية    بوريطة يستقبل وزير الخارجية الغامبي    الرئاسيات الأمريكية.. ترامب يواصل تصدر استطلاعات الرأي في مواجهة بايدن    السرعة تتسبب في حادثة سير بطنجة وتُخلف 5 مصابين    يوسف يتنحى من رئاسة حكومة اسكتلندا    بتنسيق مع "ديستي".. الحرس المدني يحجز زهاء طنين من الحشيش بسواحل إسبانيا (صور)    مجلس النواب.. انطلاق الدورة الرابعة لجائزة الصحافة البرلمانية برسم سنة 2024    الدورة السادسة من "ربيعيات أصيلة".. مشغل فني بديع لصقل المواهب والاحتكاك بألمع رواد الريشة الثقافة والإعلام    المكتب الوطني للسياحة يضع كرة القدم في قلب إستراتيجيته الترويجية لوجهة المغرب    الحوار الاجتماعي..الحكومة ترجئ الحسم في ملفي التقاعد والإضراب إلى حين التوافق مع النقابات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية        الاتفاق رسميا على زيادة عامة في أجور العاملين بالقطاع العام بمبلغ 1000 درهم شهريا    الفنان الجزائري عبد القادر السيكتور.. لهذا نحن "خاوة" والناظور تغير بشكل جذري    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    وزارة الفلاحة…الدورة ال 16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تكللت بنجاح كبير    إدارة السجن المحلي بوجدة تنفي ما نقل عن والدة سجين بخصوص وجود آثار ضرب وجرح على وجهه    رسمياً.. رئيس الحكومة الإسبانية يعلن عن قراره بعد توجيه اتهامات بالفساد لزوجته    ارتفاع أسعار الأضاحي يجر وزير الفلاحة للمساءلة البرلمانية    المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد    فيلم أنوال…عمل سينمائي كبير نحو مصير مجهول !        غزة تسجل سقوط 34 قتيلا في يوم واحد    أسعار الذهب تتراجع اليوم الإثنين    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الإثنين بأداء إيجابي    إليسا متهمة ب"الافتراء والكذب"    الروائي الأسير باسم خندقجي يهزم السجان الإسرائيلي بجائزة "بوكر العربية"    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    المنتخب المغربي يتأهل إلى نهائي البطولة العربية على حساب تونس    السكوري…المخاطر المهنية يمكن تفاديها بإرساء نظام فعال للسلامة وثقافة وقائية    حكيمي يتوج رفقة باريس سان جيرمان بالدوري الفرنسي    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس الجائزة الكبرى لجلالة الملك محمد السادس للقفز على الحواجز بالرباط    جماهير اتحاد العاصمة معلقة على الإقصاء: تم التضحية بنا في سبيل قضية لا تعنينا    200 مليون مسلم في الهند، "أقلية غير مرئية" في عهد بهاراتيا جاناتا    ماركا: المغرب يستغل الفرصة.. استعدادات متقدمة لنهائيات كأس العالم وسط فضائح الاتحاد الإسباني    إدارة أولمبيك خريبكة تحتح على الحكام    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دور الثقافة في الانحياز الغربي لإسرائيل، ودور المثقف العربي في الصراع العربي الصهيوني
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 17 - 05 - 2010

قد يكون ثيودور هرتزل، مؤلف كتاب «الدولة اليهودية» عام 1896 هو مؤسس الصهيونية السياسية في نهاية القرن التاسع عشر، والداعي للمؤتمر الصهيوني الاول في بازل عام 1897، إلا أنه لم يكن أول من دعا الى إنشاء دولة إسرائيل في فلسطين. فقد سبقه الى ذلك بعدة قرون، شخصيات يهودية وغير يهودية، من أبرزهم نابليون بونابرت أثناء غزوه للمنطقة في 1798، وهو الذي دعا يهود العالم للهجرة الى فلسطين (أرض أجدادهم) لإحياء إسرائيل الثانية في ظل الامبراطورية الفرنسية. ولم يأت المؤتمر اليهودي الأول لخلق الصهيونية عام 1897 إلا بعد جهود كبرى قام بها الغربيون من غير اليهود ومن اليهود الذين طوروا الافكار والبرامج لما أصبح يعرف بالصهيونية السياسية. فاللورد شافتسبري البريطاني هو أول من ابتدع مقولة «فلسطين أرض بلا شعب يجب أن تعود لشعب بلا أرض هو الشعب اليهودي» منذ عام 1834، كما أن كتاب «الدولة الصهيونية» لهيرتزل كان مسبوقا بكتاب موسى هيس «روما والقدس» عام 1862 والذي كان يدرس في مدارس الاتحاد الاسرائيلي الذي أنشأه روتشيلد عام 1860 وبتأييد من «أرنست لاران» سكرتير نابليون الثالث، كما أن هيرتزل نفسه في لقاءاته مع زعماء أوربا والسلطان العثماني كان مدفوعا من قبل القنصل البريطاني في النمسا آنذاك «وليم هشلر» الذي التقى هرتزل وقدمه لعدد كبير من زعماء أوربا، بعد أن قرأ كتاب «الدولة اليهودية» من أجل الدعوة للفكرة الصهيونية. كما أنشأت بريطانيا صندوت استكشاف فلسطين في عام 1865. ولم تكن الثقافة والجهود الغربية، والحماس لعودة اليهود الى فلسطين بتأثير من النصوص التوراتية والتي تجذرت في الوعي البروتستانتي أولا والمسيحي الغربي عموما وحسب، وانما جرى استغلال ديني وثقافي وسياسي لينسجم مع التطورات التاريخية في أوربا القرن 19، ومنها حركة الاستعمار الغربي للعرب والمسلمين، للأسباب الاقتصادية والاستراتيجية المعروفة، هذا الاستغلال الذي بدأ فرنسيا في عهد نابليون الاول، ثم بريطانيا في عهد «بالمرستون» (رئيس وزراء بريطانيا) عام 1840، ثم فرنسيا في عهد نابليون الثالث ثم بريطانيا ومن ثم أمريكيا فيما بعد، لتحقيق سياسة استعمارية بأفكار مسيحية غربية وبأدوات يهودية.
ولم تأت نهاية القرن التاسع عشر حتى كانت اسطورة «فلسطين وطن الأجداد لكل اليهود» وعودة شعب اسرائيل لأرض اسرائيل» تمهيدا لعودة المسيح المنتظر، وفكرة «الوعد الإلهي» و«شعب الله المختار» قد تجذرت في الوعي الاوربي و تنتظر نهاية الدولة العثمانية «الرجل المريض» لاقتسام تركتها ووضع هذه القناعات موضع التنفيذ العملي في القرن العشرين . ولاتزال هذه القناعات واضحة في تأييد الغرب للسياسات الاسرائيلية، وعلى الاخص في الولايات المتحدة الامريكية، حتى إن الرئيس جيمي كارتر (صانع كامب ديفيد الاولى) خاطب الكنيست الاسرائيلي في مارس 1979 بقوله: «لقد آمن وأظهر سبعة رؤساء امريكيون أن علاقة أمريكا بإسرائيل أكثر من مجرد علاقة خاصة، لقد كانت ولاتزال علاقة فريدة، وهي علاقة لايمكن تقويضها لأنها متأصلة في وجدان وأخلاق وديانة ومعتقدات الشعب الامريكي نفسه.
كما قال «جو بايدن» نائب الرئيس الامريكي الحالي قبل أيام مخاطبا الشعب الاسرائيلي أن والده علمه «أنه ليس من الضروري ان يكون يهوديا لكي يكون صهيونيا»، وذلك عندما كان يتحدث عن نشاطه في خدمة الصهيونية منذ نعومة أظفاره.
وهكذا فإن قوة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الامريكية لاترجع الى حسن التنظيم واختيار الوسائل (المشروعة وغير المشروعة) لدعم اسرائيل، وممارسة الضغوط الهائلة على صانع القرار السياسي الامريكي فقط، ولكن ما لم يحظ بالدراسة الكافية، هو المناخ الروحي والثقافة الدينية والتاريخية التي تمهد لقبول هذا الضغط الذي يجعل السياسة الامريكية تتكيف مع المتطلبات الاسرائيلية. فالثقافة السياسية وصنع السياسة يكملان بعضهما بعضا، والثقافة تعبر عن نفسها بأنماط سلوكية ثابتة، توجه السلوك الحالي لصانع السياسة الغربي بشكل عام والامريكي على وجه الخصوص. فاللوبي الصهيوني لايخلق الثقافة السياسية المؤيدة لاسرائيل، ولكنه يقوم بجهود جبارة لاستغلالها ولابتزاز اصحاب القرار للحصول على مواقف وسياسات قد لاتكون في مصلحة الشعب الامريكي وعلاقاته الدولية، خاصة وان وجهة النظر الاخرى (العربية) غير ممثلة بشكل فعال في الثقافة الغربية بشكل عام وفي الثقافة الامريكية على وجه الخصوص. كتب «هارون ولدافسكي» العالم السياسي اليهودي الامريكي في مجلة ميدل ايست ريفيو عام 1977 ما نصه: «ان اسرائيل من الغرب، ومن صنعه وله، سواء أحب الناس ذلك أم كرهوه، انها ليست جزءا من المحيط الخارجي للغرب، لكنها لبه».
دور المثقف في الثقافة العالمية المعاصرة:
بعد كل هذا الحديث عن دور الثقافة في تأييد الغرب لاسرائيل، يحق لنا ان نتساءل عن دور المثقف العربي في القضية الفلسطينية، وهل يكفي من المثقف العربي تمجيد الشهادة والشهداء؟ وهل يكفي التصفيق لأطفال الحجارة؟ هل يكفي ان يتمحور الكتاب والمثقفون والمفكرون حول هذا الفصيل الفلسطيني او ذاك؟ أين دورنا في الساحة الدولية؟ وهل يكفي اقتناعنا السلبي بعدالة قضيتنا لتغيير العالم من حولنا؟
انطلاقا من هذه الخلفية الثقافية والفكرية والسياسية، فإنه من المستبعد ان يكون الحل الذي يقدمه الغرب لقضيتنا عادلا، ما لم يقتنع العالم والغرب على وجه الخصوص بالطبيعة الحقيقية للصهيونية التي قدمت على أرض الشرق الاوسط ممارسات تتناقض تناقضا جذريا مع القيم الانسانية التي تدعمها الحضارة الغربية، وما لم يتوضح لكل ذي نظر أن جرائم اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني لاتجعلها بأي حال من الاحوال مجتمع الفضيلة الذي يمهد لعودة المسيح المنتظر. ان توضيح الصور الاجرامية البشعة التي لاتستطيع وسائل الاعلام الغربية تجاهلها، من هدم البيوت وقتل الاطفال وممارسة الإبادة العرقية ضد شعب بأكمله، والصلف الذي تتعامل به اسرائيل مع الرأي العام العالمي، والطغيان الذي أجبر حتى الرئيس الامريكي الجديد على التراجع المهين عن الوعود التي قطعها على نفسه في خطابه الموجه للعالمين العربي والاسلامي من القاهرة منذ سنة، والتحدي الصهيوني للعالم بمواصلة تهويد الارض الفلسطينية
بما فيها القدس، وتجاهلها لجميع قرارات الشرعية الدولية الداعية لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة والاستهزاء بها، لابد أن تدفع العالم الغربي في النهاية الى المقارنة بين الصهيونية في التراث الثقافي والديني وبين جرائمها على أرض الواقع.
ألا يصلح كل ذلك مادة خصبة للخروج بها نحو العالم ليرى حجم الخطر الذي يمثله هذا السلوك المتوحش على القيم والأفكار والتقدم والسلام في القرن الحادي والعشرين؟ نعم هناك قصور، بل تراجع في الثقافة والفكر الفلسطيني الذي تمحور حول المقاومة الفلسطينية في سبعينات القرن الماضي،والذي كان يبشر بثقافة تتمحور حولها الثقافة العربية للخروج بها الى العالم، بهدف إنساني يرمي إلى تصحيح المسار في هذه المنطقة الحيوية بالنسبة للعالم أجمع. إلا أن الثقافة الفلسطينية لم تتجاوز صراعها الآني مع الصهيونية، وذلك لحاجة الفلسطينيين الملحة لصيانة هويتهم الوطنية، واستعادة كيانهم الممزق، ووطنهم السليب، فلم تتعمق ثقافتهم السياسية لأبعد من وعد بلفور، ولم تتسع أهدافهم لأكثر من الاعتراف بهم على جزء صغير من أرضهم، وقصر بهم الطموح عن خلق حملة عالمية مساندة على قواعد القيم الحضارية، والنضال العالمي المشترك للتقدم الانساني و شايعهم في ذلك المثقفون العرب، درءا للخطر الصهيوني الذي يهدد انظمتهم وبلدانهم دون أن يتم الالتفات للفكر الاخر و مرتكزاته التاريخية والثقافية. و ترك التاريخ الفلسطيني نهبا للصهاينة و أتباعهم من الغربيين، يمعنون فيه تقطيعا وتزييفا لصالح دولة اسرائيل، و مستقبل المشروع الصهيوني في المنطقة العربية وذلك باستثناء بعض المؤلفات النادرة مثل كتاب «الاستشراق» للراحل ادوارد سعيد، الذي انبرى للرد على المؤرخين التوراتيين والصهاينة الذين مسحوا التاريخ الفلسطيني واختلقوا وعظموا الدولة اليهودية القديمة، التي لم تكن الا خيطا رفيعا في النسيج التاريخي و الحضاري الفلسطيني الكنعاني الغني، لأنه ادرك ان الربط المباشر بين الدولة اليهودية القديمة واسرائيل الحديثة، ماهو الا محاولة لتبرير الجريمة التاريخية الصهيونية باغتصاب فلسطين، وتجريد الفلسطينيين من تاريخهم قبل وبعد تجريدهم من ارضهم. وكذلك الباحثة ريجينا الشريف في كتابها الصهيونية غير اليهودية وجذورها في التاريخ الغربي، والتي تتبعت تغلغل الثقافة التوراتية في الثقافة الغربية، والجهود الغربية لاختلاق الايديولوجيا الصهيونية منذ حركة الاصلاح الديني في القرن السادس عشر حتى قيام اسرائيل عام 1948 ، وهو الكتاب الذي لم تسلط عليه الاضواء رغم صدوره باللغة الانجليزية ورغم ترجمته ونشره في سلسلة «عالم المعرفة» منذ عام 1985
بوادر الصحوة العالمية على خطر السياسة الاسرائيلية على السلام العالمي
إن الجرائم التي قامت اسرائيل بتنفيذبها ضد الشعب الفلسطيني والشعوب المجاورة، على مدار اكثر من ستين عاما من تاريخ الصراع العربي الصهيوني من دير ياسين 1948 الى غزة 2009 وما بينهما، واتساع رقعة الوعي بين الشعوب على خطورة هذا المسار الدموي العنصري على الحضارة والقيم العالمية والسلام العالمي، قد دفع العديد من الكتاب الغربيين وبعض الاسرائيليين في العقدين الأخيرين الى اماطة اللثام عن طبيعة وتفاصيل المؤامرة التي حيكت ضد الشعب الفلسطيني، والجرائم التي واكبت انشاء اسرائيل ومسيرتها الى الآن، وقام البعض بتأليف الكتب لكشف حقيقة هذا الكيان ومبررات و جوده في التاريخ الحديث، ودشنوا بداية المقاطعة له (كما حصل في الجامعات البريطانية)، بل ومقاطعة المنتجات الاسرائيلية القادمة من المصانع المقامة على الأراضي الفلسطينية المغتصبة عام 1967، وبدأنا نرى تنظيم الحملات ضد جدار الفصل العنصري بمساهمة متطوعين غربيين واسرائيليين، وتنظيم حملات الاغاثة للشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة هذا ولم يبق كتاب «الاستشراق» للدكتور ادوارد سعيد وحيدا في الميدان الثقافي الغربي لتفنيد التشويه الصهيوني للحضارة العربية، والرد على المؤرخين التوراتيين، اذ ظهر في فرنسا كتاب «الاساطير المؤسسة للسياسة الاسرائيلية» للفليلسوف روجيه جارودي والذي فند المبادئ التى قامت عليها السياسة الاسرائيلية، وتصدى للابتزاز الاسرآئيلي للغرب في موضوع المحرقة النارية.
* سفير فلسطين الأسبق بالمغرب
وهناك كتاب اختلاق اسرائيل القديمة واسكات التاريخ الفلسطيني،للكاتب كيث وايتلام الذي يرد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني ويكشف التزييف والتزوير الذي لحق بالتاريخ القديم للشرق الاوسط، من خلال اختلاق سيرة مزيفة ووهمية ومضخمة للدولة اليهودية القديمة. هذا الكتاب الذي نال إعجاب الدكتور«ادوارد سعيد» واعتبره أعظم كتاب واصدقه في الرد على الاقصاء والتهميش الذي لحق بتاريخ الشعب الفلسطيني في الثقافة الغربية. وكذلك الحال بالنسبة لكتاب «سطوة اسرائيل في الولايات المتحدة الامريكية» ل «جايمس بتراس» وكتاب «هيمنة اللوبي الاسرائيلي على الحياة السياسية الامريكية» للمؤلفين: جون ميرشامبر وستيفن و الت الذي اثار ضجة إعلامية كبيرة في العام الماضي في الولايات المتحدة الامريكية وخارجها، ولكن هذه الضجة ما لبثت ان خبت بتأثير الهيمنة الصهيونية على ميدان التأليف والنشر في الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي اسرائيل نفسها
وحتى في اسرائيل نفسها، التي تقوم سلطاتها بجهود مستميتة لتغيير الوقائع على الارض، ويتكفل فيها قادة الجيش بالاشراف على الحفريات تحت مدينة القدس الشريف، وفي جميع انحاء الاراضي المحتلة، كمكمل للاعمال العسكرية، ولاخفاء كل ما يمت للتاريخ العربي الفسلطيني بصلة، ولتثبيت المزاعم التاريخية الصهيونية. فقد وجد من جيل المؤرخين وعلماء الاثار الجدد، من اعترفوا بعدم وجود اية اثار للدولة الصهيونية، فقد وجد من جيل المؤرخين وعلماء الاثار الجدد، من اعترفوا بعدم وجود أية اثار للدولة اليهودية القديمة في فلسطين، كما وجد بعض اساتذة الجامعات ممن يحترمون علمهم، ويدحضون بشكل علمي و رصين المسلمات التي ارتكزت عليها الاسطورة الصهيوينة من أمثال شلوموساند الذي الف كتابا اسماه بعثرة اسطورة قومية، الذي انكر وجود امة يهودية في اسرائيل او في الشتات، انكر فيه وجود تاريخ موحد او أصل و احد للشعب الموجود في اسرائيل حاليا، وقال ان هؤلاء وأجدادهم لم يهاجروا من فلسطين، وانما اعتنقوا الديانة اليهودية في أوطانهم وبين أقوامهم، وفي فترات متباعدة عن التاريخ وفي مناطق متباعدة في الجغرافيا، وذلك بعد زوال مملكة اسرائيل القديمة بقرون عديدة. فهؤلاء لم يخرجوا من فلسطين، ولا علاقة لهم بما سوى الارتباط الديني فقط. وقد ترحم هذا الكتاب الى الفرنسية تحت عنوان «متى وكيف اكتشف الشعب اليهودي» كذلك الحال بالنسبة لمواطنه المؤرخ المعاصر «ايلان بابي» الذي اماط
اللثام عن التخطيط الصهيوني المبرمج مسبقا للمجازر التي ارتكبتها القوات الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني منذ عام 1948، تطبيقاً لسياسة اسرائيلية رسمية بهدف تفريغ فلسطين من الفلسطينيين، لمحاولة إقناع العالم أن فلسطين كانت أرضا بلا شعب، جاء الاسرائيليون من أجل تعميرها وخلق النموذج الحضاري الغربي الوحيد في المنطقة العربية المتوحشة، وألف كتابا بالوقائع والتواريخ والأسماء، يدمغ الصهاينة ويكشف أكاذيب ادعائهم أن اللاجئين الفلسطينيين هاجروا عام 1948 بمحض إرادتهم، كما يثبت مسؤولية اسرائيل عن النكبة الفلسطينية برمتها، وألف كتابا ترجم للغة الانجليزية بعنوان «التطهير العرقي في فلسطين» (The ethnic cleansing fo Palestine) وهو يجهر برأيه في اسرائيل نفسها ويطوف الدول الغربية بمحاضراته في هذا الموضوع الهام الذي يثبت حق العودة للاجئين الى بيوتهم وممتلكاتهم.
وبعد ذلك يحق لنا أن نتساءل:
هل نحن مقبلون الآن على عالم بلا صهيونية؟
هل انفصمت عرى التحالف الصهيوني الغربي بما يؤذن بتخلي الغرب عن اسرائيل؟
هل يحق لنا الرهان على تطرف السياسة الاسرائيلية في تعاطيها مع السياسة الدولية؟
لابد لنا أن نقر هنا أن الأصوات التي تنفلت من سياق السياسة الغربية الداعمة للصهيونية هنا وهناك، والنقد المباشر لجرائم اسرائيل وتغولها في المنطقة العربية، لا يعني إطلاقا تحولا جذريا باتجاه إعادة النظر في المشروع الصهيوني بأكمله، وإنما هي صحوات ضمير فردية لازالت في بداياتها، علينا استثمارها وتغذيتها حتى نصل بها الى أن تغدو تياراً فكريا وثقافيا منسجما مع القيم الحضارية الإنسانية، ومناهضا للعنصرية الصهيونية.
وأغلب ما نسمع ونرى لا يخرج على الاحتجاج من بعض المثقفين على همجية الجرائم التي تمارسها اسرائيل، وعلى إمعانها في «الاستخدام المفرط للقوة» ضد شعب أعزل، ترى اسرائيل في وجوده عائقا أمام مخططاتها التي تسابق الزمن في استكمالها بشكل فج، واستفزاز صارخ للضمير الإنساني ووسائله المتحضرة.
ولابد من القول كذلك، ان الأساطير التي تسللت منذ قرون الى العقائد الدينية والمفاهيم الاجتماعية الغربية، لا تنتهي بهذه السرعة وفي جبل واحد، وما يسمى بالضغط الغربي على اسرائيل الآن، لايزيد عن كونها محاولة من ولي أمرها لتهذيب وسائلها وترسيخ وجودها، وتأهيلها لتكون ركيزة سياسية عسكرية واقتصادية للغرب في المنطقة العربية، بعد أن اكتمل الاعتراف بها كدولة من دول المنطقة بشكل مباشر أو غير مباشر.
وهنا يأتي واجب المثقفين والمفكرين العرب لأخذ دورهم في الاشتباك والاندماج في المعركة الحضارية، باستمرار إثارة المشكلة كنقطة توتر ساخنة تعيق السلام العالمي، وتفوض القيم والركائز التي تستند عليها المساعي الدولية لتوحيد الجهود لبناء حضارة كونية واحدة، تنسجم مع التقدم الهائل للعلوم والمواصلات، وحوار الحضارات، والتبادل الثقافي والفكري بين الشعوب. وترسيخ دورهم الفاعل على الساحة الدولية، لتوسيع رقعة الوعي على لا إنسانية عدونا الصهيوني، المعيق لسعي البشرية نحو التوحد والتقدم.
وكما ولابد من التساؤل أيضا: هل نحن أحرار في تصدينا الفكري والثقافي للمبادىء والممارسات الصهيونية؟ وما علاقة كل ذلك بمنع التحريض الذي التزمت به دولنا في اتفاقياتها مع اسرائيل؟
مع من نتحاور؟ وبمن نبدأ أولا؟ بأوربا، أمريكا، بأصدقائنا في العالم؟ أم بإسرائيل؟ وما علاقة كل ذلك بالعامل البشري في نجاح أو فشل المشروع الصهيوني؟؟؟
ماذا تعني مقاطعة اسرائيل؟ وماذا يعني التطبيع معها؟ هل يشمل ذلك في اسرائيل وهل من الحكمة مقاطعة القدس والشعب الفلسطيني تحت الاحتلال؟
كل هذه الأسئلة وغيرها تصلح لأن تكون موضوعات للبحث وتنظيم ورش عمل ثقافية للإجابة عنها، وتحليلها والتعاطي معها بما يلزم من الجدية والالتزام.
وجيه حسن علي قاسم
سفير سابق، عضو المجلس الوطني الفلسطيني
حفيظة ثقافة 3 ص: زوايا الاثنين انتهى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.