إذا كانت الدارالبيضاء هي قاطرة المغرب الاقتصادية، فمن المفروض أن تولي لها كل الهيئات عناية خاصة، خصوصا الهيئات المنتخبة، وعلى المسؤولين في الشأن المحلي أن يكونوا في مستوى هذه المهمة، للحفاظ ، على الأقل، على بريقها الاقتصادي. الملاحظ أن المسيرين للشأن المحلي لا يتحكمون في الجانب المالي المتعلق بالمدينة الذي يجب أن يكون من أولى أولوياتهم، ولا يجتهدون في عملية إيجاد موارد تنموية من شأنها أن تنمي المداخيل، بدليل أن خزينتها مازالت تستقبل نفس المداخيل من سنة 2004 إلى حدود الآن إن لم نقل إن هناك نقصا فيها إذا ما سجلنا إحجام بعض الشركات عن أداء ما بذمتها لها ، وإذا ما سجلنا أيضا سوء تدبير مجال التدبير المفوض الذي يعنى بأهم القطاعات الحيوية. فشركة النقل التي من المفروض أن تغني خزينة الدارالبيضاء، في كل شهر، يعلن مسيروها إفلاسهم وبأنهم في حاجة إلى دعم من مال الجماعة أو الدولة! شركات النظافة ، بالإضافة إلى الأزبال المؤثثة لشوارع وأحياء العاصمة الاقتصادية، أثقلت كاهل الخزينة، وأصبحت تتحرك برقم مالي يصل إلى 50 مليارا سنويا في الوقت الذي تعاقدت فيه مع المدينة بأقل من نصفه. وشركة ليدك المكلفة بتوزيع الماء والكهرباء، تحولت الى دائن للمدينة، بدل أن تكون مدينة لها. أما المرافق الأخرى ذات المراتب الموالية لما ذكرناه، فمشاكلها تشكل أضعاف مداخيلها. فسوق الجملة، الذي لم تتعد مداخيله 9 أو 11 مليارا في أحسن الأحوال، أصبح اليوم ساحة للتحقيق والتمحيص حول الاختلالات المالية التي تشوب تسييره، والمجازر البلدية، ولسوء تدبيرها ، لا تدر على صندوق الدارالبيضاء إلا ما يسد أجور العاملين في هذا المرفق، الذي هجره أصحاب الأبقار والأغنام إلى الأسواق الضاحوية المجاورة، فيما التجأ عدد كبير منهم إلى الذبيحة السرية، ولحومها الآن هي الرائجة في معظم الأسواق، فيما تركت الأسواق الصغرى الأخرى عرضة لعبث العابثين. أمام هذا الخراب المالي، الذي لم نذكر إلا جزءا منه، نجد القاعدين على كراسي المسؤولية، يصرون على عدم اهتمامهم بالمجال المالي، ورغم علمهم بالمستوى المتدني للمصالح التابعة لها التي تعنى باستخلاص مستحقات الجماعة المالية. فهم لا يقومون بتأطير العنصر البشري في هذه المصالح ولم يعملوا على تحفيزه، بل ليس لهم أي اتصال مباشر معه حتى من زاوية المساءلة على الأقل!؟ مما يعني أن شعار «الدارالبيضاء قاطرة الاقتصاد الوطني» لا يوحي لهم بأي شيء، بل إن عدم الاكتراث لديهم، جعل المدينة تلجأ الى القروض تلو القروض حتى في الشق المتعلق بتمويل استثماراتها، خصوصا حصصها في وضع رساميل في شركات الاقتصاد المختلط، وهو ما يفيد أننا اليوم أمام «عاصمة اقتصادية» لا تسير بأموالها، بل بأموال الأجيال القادمة!