أثارت قضية متابعة فتاتين بإنزكان، بتهمة الإخلال العلني بالحياء العام، نقاشا واسعا داخل المجتمع المغربي، بين من يعتبر الأمر تضييقا على الحرية، وتأويلا متشددا لما يطلق عليه بالآداب العامة، وبين من ينطلق من تفسير جامد للدين الإسلامي، معتمدا على نصوص قرآنية وعلى السنة، ليعتبر أن ما قامت به الفتاتان يستحق العقاب. وإذا كان موقف المدافعين عن حق الفتاتين واضح، ينطلق من مبدأ معارضة ما يسمى ب"اللباس الشرعي"، ومن أن "الصاية"، سواء "الميني" أو "الميكرو"، ارتدتها فتيات ونساء منذ عقود، دون أن يثير أي رد فعل سلبي من طرف المجتمع، فإن المرجعية التي اعتمدها المدافعون عما يسمى باللباس "المحتشم"، تحتاج إلى تأمل. فموضوع الجلباب ذكر في القرآن، وحظي بمناقشة مستفيضة، ويتعلق الأمر بآية من سورة الأحزاب، "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا". ورغم اختلاف المفسرين، مثل الطبري وابن كثير وغيرهما، في بعض تفاصيل الآية، إلا أنهم يجمعون أن أسباب نزولها تمثلت في أنه كان هناك "ناس من فساق أهل المدينة يخرجون بالليل حين يختلط الظلام إلى الطرق، يتعرضون للنساء ، وكانت مساكن أهل المدينة ضيقة ، فإذا كان الليل خرجت النساء إلى الطرق يقضين حاجتهن ، فكان أولئك الفساق يبتغون ذلك منهن ، فإذا رأوا امرأة عليها جلباب قالوا : هذه حرة، كفوا عنها. وإذا رأوا المرأة ليس عليها جلباب ، قالوا : هذه أمة. فوثبوا إليها" . أما القرطبي فيقول "وكانت المرأة من نساء المؤمنين قبل نزول هذه الآية تتبرز للحاجة فيتعرض لها بعض الفجار يظن أن أمة ، فتصيح به فيذهب ، فشكوا ذلك الى النبي، فنزلت هذه الآية". وتذكر المراجع المختلفة أن عمر إبن الخطاب كان يضرب الجواري بدرته الشهيرة "حتى لا يتشبهن بالحرائر" في اللباس. وأكد هذا الموقف محمد صالح العثيمين، وقد كان عضوا في هيأة كبار العلماء في السعودية، حيث أفتى بأن "الأمة، ولو بالغة، وهي المملوكة، فعورتها من السرة إلى الركبة، فلو صلت الأمة مكشوفة البدن، ماعدا ما بين السرة والركبة، فصلاتها صحيحة، لأنها سترت ما يجب ستره في الصلاة". وقد استأثر موضوع لباس المرأة بتأويلات وفتاوي كثيرة، من طرف من يطلق عليهم ب"الشيوخ"، غير أن التساؤل الذي يمكن طرحه هو أن مسألة إدناء الجلابيب، ارتبطت بحالة معينة، تتمثل في الخروج إلى الصحراء لقضاء الحاجة، والآن لم يبق لهذا الخروج ضرورة ما دامت المراحيض متوفرة، فهل مازالت أسباب النزول سارية في عصرنا الحالي؟