نتنياهو يريد بقاء حماس في السلطة، "ودوافعه الخفية كُشفت" – جيروزاليم بوست    العرجات..أشغال تتسبب بحادثة سير مميتة بفعل غياب التشوير    الدوري التركي.. زياش يسجل ثنائية في شباك سيفاس سبور    إدارة سجن عين السبع تنفي مزاعم تعرض سجين ل"محاولة التصفية الجسدية"    "فنون شعبية على ضفاف درعة".. وثائقي يسلط الضوء على التحولات التي شهدتها فنون زاكورة (فيديو)    السفه العقدي بين البواعث النفسية والمؤثرات الشيطانية    كرة القدم.. بايرن ميونيخ يؤكد غياب غيريرو عن مواجهة ريال مدريد    وزارة الثقافة تسعى لحماية "شباب التيكتوك" من الانحلال الأخلاقي    النقابات ترفع ورقة الاحتجاج والتصعيد لفرض تلبية مطالب الشغيلة الصحية بكل فئاتها    موجة حر مرتقبة من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    بمساعدة المغرب.. إسبانيا تحبط عملية تهريب طن ونصف من الشيرا ب"تينيريفي" (فيديو)        فيلم "من عبدول إلى ليلى" يفوز بالجائزة الكبرى لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    الصيباري يتوج بلقب الدوري الهولندي رفقة أيندهوفن    وصل لأعلى مستوياته التاريخية.. التداول النقدي فات 400 مليار درهم    موجة حر مرتقبة بمناطق في المغرب    مؤتمر القمة الإسلامي يؤكد رفضه التام للمخططات الانفصالية التي تستهدف المس بسيادة الدول    الحكومة التايلندية توضح حقيقة اختطاف عشرات المغاربة واستعبادهم    نتنياهو يغلق مكتب الجزيرة في إسرائيل بزعم أنها شبكة "تحريضية"    حسنية أكادير: 15 مليون ديال الرجاء غير كذوب وحنا اللي خلصنا لاعبينا فبريمات الرباح على ليفار    هل يستسلم المحافظون لمصيرهم في الانتخابات البريطانية بالاستمرار تحت قيادة سوناك؟    الزمالك المصري يلعب ورقة المال للفوز على نهضة بركان    المغربية آية العوني تتوج ببطولة أنطاليا لكرة المضرب    جواد مبروكي: الحمل والدور الحاسم للأب    منظمة تدعو لفتح تحقيق في مصرع عامل بمعمل تصبير السمك بآسفي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    محكمة الحسيمة تدين شخصا افتض بكارة فتاة قاصر    زوجة الدكتور التازي تعانق الحرية في هذا التاريخ    لشكر زعيم الاتحاد الاشتراكي: الشعب الجزائري يؤدي الثمن على دفاع نظامه على قضية خاسرة والعالم كله يناصر مغربية الصحراء    المغرب يسحب أول دفعة من قرض 1.3 مليار دولار من صندوق النقد الدولي    انطلاق عملية " العواشر" بساحة الهوتة بشفشاون    المكتب الوطني المغربي للسياحة غيربط غران كاناريا بورزازات مع شركة بينتر للطيران    فيدرالية ناشري الصحف تدعو لاستثمار تحسن المغرب في تصنيف حرية الصحافة العالمي    قتلى ومفقودون جراء فيضانات البرازيل    حقيبة يد فاخرة بسعر سيارة .. استثمار ذو وزن    نشرة إنذارية.. موجة حر مرتقبة من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    فينسيوس يسخر من لامين يامال    "نوستالجيا" تحصد جائزة الجم للمسرح    برنامج دعم السكن ومشاريع المونديال تنعش قطاع البناء خلال اوائل 2024    التأكيد على أهمية تطوير الشراكة بين الإيسيسكو والسنغال في التربية والعلوم والثقافة    مسيرة شعبية بمكناس تضامنا مع غزة ووقفات احتجاجية للمطالبة بإنهاء المجازر ووقف التضييق على مناهضي التطبيع    اختلاس وتبديد فلوس عمومية جرّات مسؤولين فمركز الاستشارة الفلاحية بالحسيمة لغرفة الجنايات ففاس    برلماني يسائل وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات..    هل زيادة 1000 درهم في الأجور قادرة على مواكبة نفقات الأسر المغربية؟    وضعية الماء فالمغرب باقا فمرحلة "الإنعاش".. نسبة ملء السدود وصلت ل32 فالمية وبدات فالتراجع    الفنان الجم يكشف حقيقة إشاعة وفاته    قلعة مكونة تحتضن الدورة 59 للمعرض الدولي للورد العطري    ڤيديوهات    رشق إيريك زمور بالبيض خلال حملته الانتخابية    طنجة.. مهرجان "هاوس أوف بيوتيفول بيزنيس" يرفع شعار الإبداع والتلاقح الفني    إدارة المغرب التطواني تناشد الجمهور بالعودة للمدرجات    دراسة.. نمط الحياة الصحي يمكن أن يضيف 5 سنوات إلى العمر    الأمثال العامية بتطوان... (589)    المغرب يسجل 13 إصابة جديدة بكورونا    دراسة تربط الغضب المتكرر بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الإله بلقزيز مفرد بصيغة الجمع
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 30 - 06 - 2015

إنّنا أمام علامةٍ فارقةٍ في الثقافة والفكر العربِيَيْن، وهذا بائنٌ في مُنْجَزه المتعدد. مُنْجَزٌ فكريٌّ، وآخرُ مُسائِلٌ للراهن العربي والعالمي، وآخرُ أدبيٌّ وإبداعيٌّ. فالنظر إلى هذه الأبعاد الثلاثة يلزم من متتبعه قراءة 46 كتابا إلى حدود الآن، والبقية قادمةٌ لا محالة. لذا حاولنا التحاور معه في هذه المجالات، إلا أننا حصرنا الحوار الأول في البُعد الأخير من مُنجزه، عسانا نُتابع الحوار معه في السنة القادمة، وكل ذلك من أجل تقريبٍ عامٍّ لهذه الشخصية المائزةِ في ثقافتنا المغربية والعربية للقراء.
لقد حاولنا خلال سِتِّ لقاءات على مَدَى شهرين الحوار معه انطلاقاً من أسئلةٍ حول الكتابة الروائية، وحول الحرب في لبنان، والأفق السحري في نصيه «رائحة المكان» و«ليليات»، إضافةً إلى النوافذ التي فتحها لنا على ضفاف شخصيته، والظلال التي تحيط بها من قبيل الشعر، الغناء، الموسيقى، بيروت، وعلاقته بشخصيات سياسية وفكريةٍ تواصل معها بطريقة أو أخرى... وبالجملة فإن الإنصاتَ إلى عبد الإله بلقزيز يرفعك إلى مساءلة الجوانية فِيكَ/فينا: كما لو كان الإنصاتُ إليه يحملك إلى آخَرِكَ. هنا تكمن المتعة الفائقة، تستدرجك نحو عوالمَ أرحبَ، تكون فيها الكتابة التزاماً إن لم نقل الشرط الوجودي للكائن. لكن كيف ورطناه في هذا الحوار؟ علماً أنَّه لم يعطِ أيَّ حوار منذ ما يزيد عن عشرين سنةً باستثناء ما قدَّمته القنوات العربية كالمنار، والميادين.. لا أقول إنِّي كنت محظوظاً في تهريبِ صرامَتِه العلميّة إلى القراء. بل أقول له شكراً لأنّه فتح لنا نوافذه، مثلما أشكر الصديق محمد رزيق الذي ساعدني في تفريغ هذا الحوار.
o هناك نقطة جميلة أتذكرها، وأعتذر عن تقليب المواجع، تقول ها نحن انتصرنا، يعني تؤكد لها أننا انتصرنا.
n نعم.
o من الأمور التي توقفنا عليها في هذه الكتابات حضور المرأة بكثافة رمزية متعددة، في الكتابة عن بيروت 2006 الأخوات يهاتفنكم باستمرار لهذا تعتبر المرأة رافعة رئيسة في المجتمع، أو لهذا يكون لها تقدير خاص بالنسبة إليكم؟
n للمرأة رمزية كبيرة في الحياة وفي الأدب؛ في الحياة لأنك لا تستطيع أن تتخلص من منطقة وجدانية شاسعة فيك، تلحظ مكانة الأم أو الجدة أو الأخت أو الزوجة أو الحبيبة بحسبانهن من يُحِطنك كإنسان بهذا الغلاف العاطفي الذي يدفئك. هذا لا يمكنك أن تشعر به مع الأب أو مع الإخوة. المرأة، هذا الكائن العظيم المذخور بهذا الدفق العاطفي الاستثنائي، لا تستطيع أن تتنكر له. حتى وإن كنت قاسياً تجاه المرأة تدرك أنك في لحظة ما من صحوك ومن استعادتك الضمير، تدرك أنه شطط لا يليق بها. أنت إذن ضعيف أمام أمك، أمام جدتك، ثم حينما تكبر وتحب تصبح ضعيفاً أمام المرأة التي تحب. تعترف بأن هذه المرأة أركعتك حينما سعيت وراءها لكي تطلب ودها، روضت فيك هذا الوحش الذكوري، وجعلته وحشاً أليفاً مثل الكلب الذي رُوِّض. الوحش الذي رُوِّض تخاطبه بالمفردات الأخرى، بمفردات عاطفية. ولا تحسبن أنه حين تصطدم بحبيبتك التي كنت متزوجاً إياها أو غير متزوج، تَطَّرِح الموضوع كله وتشتم المرأة ومن أنجبها، لا: تبحث لك عن امرأة أخرى لأنك لا تستطيع أن تعيش من دون المرأة. فإذن، هناك مكانة لها في الحياة، ولكن هناك رمزية لها ومكانة خاصة في الأدب. أنا لا أتخيل أنه كان سوف يظهر في تاريخ البشرية مؤلفون، وموسيقيون كبار، وشعراء كبار، وروائيون كبار، من دون أن تكون المرأة واحدة من أولئك الذين صنعوا قريحتهم، ليس بمعنى أنه زوجتك أو أختك أو حبيبتك وراء مجدك، لا ولكن وراء إلهامك كمبدع. لذلك تقترن المرأة بالإبداع، وقد لا يقترن الرجل بالإبداع، لست في حاجة إلى الرجل لكي تكون مبدعاً، أنت في حاجة إلى المرأة. المرأة كموضوع، المرأة كماهية، المرأة كرمزية، لأنها رمز للخصب، للعطاء، للوداعة، للفطنة، للعواطف النبيلة. ولذلك أشعر أنه حتى في المجتمعات الذكورية والبطريركية، مثل مجتمعاتنا، أي مثل المجتمعات التي يُفترض أنها تحيط المرأة بالحرمة وتهمشها وغير ذلك، لا تزدهر فيها الثقافة إلا متى اقترنت بالمرأة.
o إن المرأة تتغير حسب الموقع الذي تحتله في رواية «صيف جليدي»؛ تكون الأم، ودادا مبروكة، حاضنتين لأوجاع وعذابات وجراحات عليّ السارد، والأخت الصغيرة سميرة وعائشة، وليلى، ووفاء؛ كل واحدة منهن تتداخل مع السارد بفضل قيمتها المائزة. سؤالي هو كيف بنيتم هذه الشخصيات النسوية في اختلاف وضعهن؟
n ما أستطيع أن أقوله لك باختصار شديد أنني لا أتخيل نفسي أنحت شخصية روائية أنثوية تقترن بالشر، لا أستطيع حتى إن أتت أفعالاً أحسبها في جملة الشر. أعدُّها لا تكون مسؤولة عنها، سميرة لم تكن مسؤولة عن ذلك المآل الذي آلت إليه.
o سؤالي أستاذ هو أن نموذج المرأة ليس نموذجاً واحداً بل يتعدد وهذا هو الجانب..
n أريد أن أميز بين أمرين؛ طبعاً إذا أخذت شخوص الروايات الذكور، تستطيع أن توزعهم على نصابات، من يمثل الخير والفطرة السليمة عبد الرحمن مثلا في «سراديب النهايات»؛ من يمثل الفكرة المستقيمة مثلاً أمجد في «الحركة» أو علي الزهراوي في «صيف جليدي»؛ من يمثل البشاعة مثل أعوان السلطة والإقطاعيين وغيرهم وغيرهم. لكن هذه القسمة لا تناسب النساء، لا أستطيع أن أتصور نساء يأتين الشرّ. ولذلك كنت أقول، ولو على سبيل الهزل، لو آلت أمور المجتمعات والدول إلى النساء ربما لما كان هناك لا نظم طغيان ولا استبداد ولا قهر ولا حروب ولا غير ذلك، كما لو أن هذه الممارسات تقترن بأفعال ذكورية. لكن هذا المشترك بين الإناث، بين النساء، لا يُخفي أن ثمة بينهن تمايز في الأخلاقيات العامة، في السلوك، في النظرة إلى العالم إلخ. البنت المتعلمة ليست هي الدادا التي لم تدخل إلى المدرسة، بمعنى أن تمثلاتها للعالم تختلف، وقد تكون أخلاق الدادا أرفع من الطالبة الجامعية. هذا إذا شئت من تفاصيل الحياة، لكن سأعود إلى سميرة بالذات؛ ثمة شخصيتان رئيستان في رواية «صيف جليدي» هما عائشة وسميرة؛ عائشة أودعتُ فيها كل تناقضات المرأة العاطفية، كل المسكوت عنه في هذا الجانب، وسميرة التي كان يعتقد علي أنها نسخة منه، حاولت أن أقرأ لا أقول انحرافتها ولكن انتقالتها نحو الشرانق الأصولية كقتلٍ للأب. وهي تنتقم منه حينما تتمرد على علي، تقتل الأب بهذا المعنى، وقتل الأب هذه ظاهرة طبيعية، ولم يعد ثمة مجال للحديث عنها كظاهرة مرضية.هي ظاهرة طبيعية، وربما ساعدها على قتل الأب الذي هو الأخ علي الزهراوي فترة غيابه في السجن، والصدمة العاطفية التي تعرضت لها حينما كان مختفياً اختفاء قسريا وظنَّت أنه مات أو ضاع. وقتل الأب هو جزء لا يتجزأ من تكوين شخصية من يقوم بهذا الدور. لكن عليّ يستعير عواطف المرأة في الأخير، في علاقته بسميرة، فيحضر خلسةً حفل زفافها ويلقي نظرة من بعيد. يعني هناك شيء من تبادل الأدوار بين المرأة والرجل في هذا المشهد، يعني باختصار شديد كما ستلاحظ مثلا في رواية «الحركة»، إحدى شخصيات الرواية وهي إيمان تبدو قوية، ملتزمة وقوية ومدافعة عن رأيها بجرأة وشجاعة، لكن وراء قوتها وصلابة شخصيتها قدر كبير من الوداعة والحنو والعواطف. أنا لم أكن أجد مبرراً لأن أنتزعه من أيِّ امرأة. وكما قلت حينما تسلك مسلكا قد يبدو شريراً أو ما في معنى ذلك، لا تكون قاصدة إياه. خذ، مثلا، شخصية حليمة في رواية «سراديب النهايات»؛ كان يمكنني أن أدينها في الرواية، ولكنني أحجمت عن ذلك، لأنني لا أريد لهذا الخطاب الذكوري، وهو الخطاب الرائج والسائد في الثقافة العربية، أن يخدش صورة المرأة كما أريد أن أتصورها في النص الأدبي.
o شخصية سميرة تشكل تحولاً في المغرب الراهن، وبالأحرى ألا يشكل حجابها وارتباطها بفصيل إسلاموي متطرف إعلاناً عن تحول القيم عندنا؟
n ذلك أمر لا شك فيه، الرواية تلتقط هذا المتغير الذي حصل في منظومة القيم السياسية في المجتمع المغربي وفي المجتمع الجامعي. سميرة تمثل هذا الوجه من التحول في اللحظة التي أصبح فيها الحجاب رمزاً اجتماعياً ودينياً وسياسياً في الجامعة المغربية، حتى عليّ لم يصدمه حجاب سميرة في الأول؛ كان يعتبر أنه شغفٌ وهوىً، ولكن ما صدمه هو حجاب العقل، هو اللغة التي أصبحت تخاطبه بها، هذا هو الذي رفضه. عليّ متسامح حتى في هذا المستوى، ولكنه لا يتسامح مع ما يعتبره أفكاراً ليست تقليدية فحسب، بل أفكارا غريبة؛ وخاطبها يقول لها والدك ذهب إلى الحج كذا مرة وذهب إلى العمرة كذا مرة، وكان ولوعا بسماع عبد الباسط عبد الصمد في الوقت نفسه الذي كان يسمع أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، هذا هو المجتمع المغربي. فإذن أنتِ ومن وراءك يقترحون علينا منظومة قيم أخرى لا علاقة لها بقيم المجتمع، لا تنتمي لا إلى التقليد ولا إلى الحداثة، بمعنى أنكم تنتجون مجتمعاً برانياً تقحمونه على مجتمعنا. هذا هو الذي صدم عليّ الزهراوي بينما كان متسامحاً كما قلت مع الحجاب. أعتقد أن علي الزهراوي في هذا يشبهني، أنا لا أتدخل في هذا الأمر أن يلبس المرء ما يشاء، هذا شأنه الخاص، ولكن يصدمني فقط حينما يفرض الحجاب بالقوة على الزوجة أو على البنت، أن يفرض عليها ولا تكون هي من اختارته اختيارا حراً وطوعياً، ثم يصدمني أكثر حينما يتحول هذا الحجاب من محض لباس من محض خرقة توضع على الرأس، إلى حجاب على العقل وعلى التفكير، هاهنا فقط أنا أنزعج ربما في هذه الجزئية أنا وعليّ متفقان.
الأعمال التي دار حولها الحوار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.