يبدو قطعا أن مويس بوتان المحامي الفرنسي للشهيد المهدي بن بركة لم يتعب ولن يتعب أبدا من قضية اختطاف واغتيال عريس الشهداء المغاربة التي اعتبرها طول حياته منذ أول محاكمة في باريس سنة 1966 إلى يوم الجمعة 21 نونبر 2014 الذي جاء فيه للمغرب من أجل توقيع كتابه ?الحسن الثاني..ديغول بن بركة ما أعرف عنهم?، وذلك بنادي المحامين بالرباط. يقول موريس بوتان، أن محمد الخامس قرر غداة استقالة حكومة بلافريج خوض «تجربة يسارية» خاصة، اعتمادا على شباب حزب الاستقلال.. ويضيف بوتان إن القرار يبدو لأول وهلة جريئا، وفي الحقيقة كانت الأهداف محسوبة وبسيطة: مواصلة الشقاق في صفوف حزب الاستقلال بين شيوخ الحزب التقليديين «المحافظين» وشبابه «الثوري»، والتمكن من زرع الفتنة مستقبلا بين اليسار العمالي وزعيمه بن الصديق والذي يمثله عبد الله إبراهيم، واليسار الذي يتزعمه بن بركة، وأخيرا الزج بهذا الأخير في «مؤامرة» مزعومة بعد تحميله مسؤولية المطالبة بحل الحزب الشيوعي المغربي. ويضيف بوتان مهما يكن، فان العاهل المغربي المغربي استدعى عبد الله إبراهيم العضو الإصلاحي في حزب الاستقلال، وكلفه برئاسة الحكومة في دجنبر 1958، ورغم مطالبة «معارضي اليسار» بحكومة استقلالية منسجمة، فان بعض الوزارات ومنها أساس وزارة الداخلية والشرطة أسندت إلى بعض المقربين من القصر، ومن بين هؤلاء الكومندان المدبوح الذي وضع على رأس وزارة البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية، وهو رئيس الحرس الملكي. ومع ذلك اعتبر مولاي الحسن أن هذا العدد من الوزراء في حكومة عبد الله إبراهيم المحسوبين على القصر غير كاف، لهذا أنشا ديونا يعد «حكومة ظل» حقيقية ستعمل على عرقلة كل أعمال الحكومة الرسمية، ومضت الأمور على هذا النحو... بينما بدأت الحكومة ترسي هياكلها، انفجرت في بداية 1959 الأزمة التي ظلت شهورا طوالا في طور الكمون داخل حزب الاستقلال، واحتمت المواجهة بين المحافظين التقدميين، وفي ماي 1958 انسحب الجناح اليساري من اللجنة السياسية للحزب، وفي شهر غشت، جاهر المهدي بن بركة بالصراع القائم بينه وبين قادة الحزب المحافظين، ورأى البعض أن الأمر يتعلق بطموح شخصي، ليصبح القضية «قضية شخص»، أما البعض الآخر فقد اعتبره تعبيرا عن صرامة وتوجه سياسي، وبالتالي فالقضية «قضية بنية». وفي 10 يناير 1959، وباءت بالفشل محاولات عقد مؤتمر لقي رفض اللجنة التنفيذية، وفي 24 منه استقال بن بركة من هذه اللجنة وأعلن تأسيس «الجامعة المستقلة لحزب الاستقلال»، وفي 25 يناير تمخضت المؤتمرات الشعبية التي ترأسها المهدي بن بركة بمختلف الأقاليم عن إنشاء «لجان جهوية مستقلة لحزب الاستقلال»، زادت في تعميق الانشقاق... وفي مارس، طرد بن بركة من حزب الاستقلال مع كل المنخرطين في اللجان الجهوية المستقلة حزب الاستقلال ولكنه ظل مع ذلك يولي محمد الخامس تقته، ويرى انه سيفي بوعده القاضي بإنشاء المجلس التأسيسي، ومع ذلك، فبن بركة سيمنع في شهر يوليوز من دخول مكتبه بالمجلس الاستشاري بأمر من الأمير، بل أن مكتبه خضع لتفتيش دقيق على يد أفراد الشرطة الدين منعوه من الدخول، وسيطلب منه أيضا تسليم مفاتيح المكتب، في تصرف يعد إهانة شخصية لبن بركة.. ومع ذلك سيرى حزب الاستقلال أن الأمر لا يستحق سوى إخبار بسيط في صحفه... وهكذا أقبر المجلس المجلس الاستشاري الذي سيصدر محمد الخامس قرارا رسميا بحله.