زنيبر.. رئاسة المغرب لمجلس حقوق الإنسان ثمرة للمنجز الذي راكمه في مجال النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها    توصيات بمواكبة تطور الذكاء الاصطناعي    هل يتجه المغرب إلى تصميم المدن الذكية ؟    المنتخب المغربي يستقبل زامبيا في 7 يونيو    شبيبة البيجدي ترفض "استفزازات" ميراوي وتحذر تأجيج الاحتجاجات    رفع أسطول الطائرات والترخيص ل52 شركة.. الحكومة تكشف خطتها لتحسين النقل الجوي قبل المونديال    إسرائيل تقول إنه يتعين على مصر إعادة فتح معبر رفح مع قطاع غزة، والقاهرة تستنكر محاولات تحميلها الأزمة الإنسانية    "البسيج" يفكك خلية إرهابية بمدينتي تيزنيت وسيدي سليمان    إدارة الزمالك تسجل اعتراضا جديدا قبل مواجهة نهضة بركان    السيتي يهزم توتنهام ويقترب من التتويج بالبريمرليغ    ميراوي يجدد دعوته لطلبة الطب بالعودة إلى الدراسة والابتعاد عن ممارسة السياسة    طقس الأربعاء.. نزول أمطار متفرقة بهذه المناطق        الطاقة الاستيعابية للأحياء الجامعية.. ميراوي: الوزارة تهدف إلى 410 ألف سرير        توقيف 8 طلبة طب بوجدة بعد يوم واحد من تهديدات ميراوي    توقيع عقد للتنزيل الجهوي لخارطة طريق السياحة بجة الشمال    عميد المنتخب المغربي يتوج هدافا للدوري الفرنسي    الأمثال العامية بتطوان... (598)    رئيس "الليغا" يؤكد انضمام مبابي لريال مدريد بعقد مدته 5 سنوات    كيف يمكن الاستعداد لامتحانات البكالوريا بهدوء وفعالية؟    تاريخها يعود ل400 مليون سنة.. الشيلي تعيد للمغرب 117 قطعة أحفورية مهربة    وزير التجهيز: 3000 كلم طرق سيّارة ستواكب تنظيم المغرب لكأس العالم    تنسيقيات التعليم تؤكد رفضها القاطع ل"عقوبات" الأساتذة وتحذر من شبح احتقان جديد    القضاء يتابع مُقتحم مباراة نهضة بركان والزمالك    الجامعة تعين مساعدا جديدا لطارق السكتيوي    340 نقطة سوداء على مستوى الطرق الوطنية تتسبب في حوادث السير    الاتحاد الأوروبي يمنح الضوء الأخضر النهائي لميثاق الهجرة واللجوء الجديد    "الطابع" لرشيد الوالي يكشف عن مأساة مهاجر مغربي في رحلة بحث عن الهوية    قيمة منتجات الصيد الساحلي والتقليدي المسوقة ارتفعت لأزيد من 3,5 مليار درهم    جماعة طنجة ترصد نصف مليار لتثبيت مئات الكاميرات لمراقبة شوارع المدينة    دار الشعر بمراكش تواصل الانفتاح على التعدد اللساني والتنوع الثقافي المغربي    هذا الجدل في المغرب… قوة التعيين وقوة الانتخاب    "أكديطال" تفتتح مستشفى ابن النفيس    بسبب إياب نهائي الكونفدرالية.. تأجيل مواجهة نهضة بركان والرجاء إلى يوم 23 ماي القادم    ارتفاع حصيلة قتلى العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 35173 منذ بدء الحرب    إدارة السجن المحلي بتطوان تنفي تعرض سجين لأي اعتداء من طرف الموظفين أو السجناء    "أطلنطا سند" تطلق التأمين المتعدد المخاطر منتوج "برو + المكتب"    قُصاصة حول إصدار    الباحث البحريني نوح خليفة: جهود المغرب تأتي موازية لتطلعات العالم الإنساني وعالم الطبيعة    بعد القضاء.. نواب يحاصرون وزير الصحة بعد ضجة لقاح "أسترازينيكا"    هاشم تقدم مؤلف "مدن وقرى المغرب"    دعوات متزايدة عبر الإنترنت لمقاطعة مشاهير يلتزمون الصمت حيال الحرب على غزة    بيع لوحة رسمها الفنان فرنسيس بايكن مقابل 27.7 مليون دولار    الصين تدعو لعلاقات سليمة ومستقرة مع كوريا    المخرج الإيراني محمد رسولوف يفر من بلاده "سرا" بعد الحكم عليه بالجلد والسجن    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    أسعار النفط تواصل الارتفاع وسط توقعات شح الإمدادات    دراسة: البكتيريا الموجودة في الهواء البحري تقوي المناعة وتعزز القدرة على مقاومة الأمراض    جامعة شعيب الدكالي تنظم الدورة 13 للقاءات المغربية حول كيمياء الحالة الصلبة    اعتقالات و"اقتحام" وإضراب عام تعيشه تونس قبيل الاستحقاق الانتخابي    إسبانيا ترد على التهديد الجزائري بتحذير آخر    لماذا يجب تجنب شرب الماء من زجاجة بلاستيكية خصوصا في الصيف؟    الأمثال العامية بتطوان... (597)    نقابة تُطالب بفتح تحقيق بعد مصرع عامل في مصنع لتصبير السمك بآسفي وتُندد بظروف العمل المأساوية    وفاة أول مريض يخضع لزرع كلية خنزير معدل وراثيا    الأمثال العامية بتطوان... (596)    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تطور سوسيولوجيا التربية

من المعلوم أن سوسيولوجيا التربية أو سوسيولوجيا المدرسة فرع من فروع علم الاجتماع العام. ومن ثم، يهتم هذا الفرع بدراسة علاقة المدرسة بالمجتمع، في ضوء مقترب سوسيولوجي علمي أو تفاعلي تفهمي. ويعني هذا أن هذه السوسيولوجيا تقارب التربية بصفة عامة، والمدرسة بصفة خاصة ، في سياقها الواقعي والاجتماعي، وظروفها السياسية والاقتصادية والتاريخية والدينية والثقافية والحضارية. فضلا عن كونها تهتم بدراسة المدرسة من الداخل باعتبارها نسقا بنيويا وظيفيا، تقوم بأدوار عدة من أجل الحفاظ على نظام المؤسسة ، وتحقيق توازنها المطلوب. ومن جهة أخرى، تدرسها من الخارج على أساس أن المدرسة قاطرة للتنمية المجتمعية المستدامة .
ومن ثم، فما يهمنا في هذا الموضوع هو التوقف عند تطور سوسيولوجيا التربية أو سوسيولوجيا المدرسة في العالمين: الغربي والعربي بالدراسة والتحليل والتوثيق.
المبحث الأول: تطور سوسيولوجيا التربية في الغرب
يمكن الحديث عن مجموعة من المراحل التي عرفتها سوسيولوجيا التربية، ويمكن حصرها في مرحلة البداية والتأسيس التي تمتد حتى حدود الحرب العالمية الثانية؛ ومرحلة التطور والازدهار إبان سنوات الستين والسبعين من القرن الماضي؛ ومرحلة المراجعة والتجاوز ما بين سنوات السبعين والثمانين؛ والمرحلة السوسيولوجيا المعاصرة إبان سنوات التسعين؛ ومرحلة الألفية الثالثة...
المطلب الأول: مرحلة الريادة والتأسيس
من المعلوم أن سوسيولوجيا التربية لم تظهر إلا في أواخر القرن التاسع عشر مع إميل دوركايم الذي يعد من الرواد الأوائل الذين اهتموا بسوسيولوجيا التربية منذ أواخر القرن التاسع عشر، حينما كان يحاضر في جامعة بوردو، ضمن الدروس البيداغوجية التي كان يقدمها للمدرسين. وقد اهتم أيضا بالتنشئة الاجتماعية التي تقوم بها المدرسة، مع التساؤل عن طريقة تكوين المجتمعات لشبابها، ودور المدرسة في المجتمع. بيد أن محاضراته وكتاباته لم تجمع إلا بعد موته .
ومن أهم كتبه، في هذا المجال، نذكر: كتاب (التربية الأخلاقية)1 الذي نشر ما بين سنتي 1902و1903م، حيث تناول فيه بعض المواضيع المتعلقة بالتربية ، مثل: علمانية الأخلاق، وعناصر الأخلاق، وروح الانضباط، والارتباط بالجماعات المجتمعية، واستقلالية الإرادة، والتربية الأخلاقية عند المتعلمين، والانضباط المدرسي، وسيكولوجيا المتعلم، والعقوبة المدرسية، والطفل والغير،وتأثيرات الوسط التربوي، وتدريس العلوم، والثقافة الجمالية، والتعليم التاريخي.
ثم أعقبه كتاب آخر هو (التربية وعلم الاجتماع )2 ، وقد نشر سنة 1922م، حيث أورد تعريفات للتربية في ضوء المقترب السوسيولوجي، مع التركيز على الطابع الاجتماعي للتربية، ودور الدولة في مجال التربية، وسلطة التربية ووسائل العمل، وطبيعة البيداغوجيا ومنهجيتها، والبيداغوجيا والسوسيولوجيا، وتطور التعليم الثانوي في فرنسا ودوره.
وعليه، يرى دوركايم أن المدرسة تساهم في التنشئة الاجتماعية بنقل قيم الأجداد إلى الأبناء والأحفاد. كما تعمل على إدماج الأفراد داخل المجتمع الكبير.ويعني هذا أن المدرسة مجتمع مصغر تكيف المتعلمين ليتأقلموا مع المحيط المجتمعي وقيمه وعاداته وقوانينه وأعرافه وتشريعاته. وبتعبير آخر، للمدرسة وظيفة التبيئة الاجتماعية، وخلق مواطنيين صالحين قادرين على التكيف مع المجتمع الخارجي. لذا، تقوم التربية الأخلاقية بدور هام في مجال التنشئة الاجتماعية، وتطبيع المتعلم اجتماعيا للتكيف مع الوضعيات المعطاة، وتكوين أشخاص مستقلين يحترمون ثقافة المجتمع العام...
ولا ننسى كتابه الآخر (التطور البيداغوجي في فرنسا)3 الذي صدر سنة 1938م، ويهتم بالتطور التاريخي للممارسة البيداغوجية الفرنسية في علاقتها ببنيتها المجتمعية.
بيد أن علي أسعد وطفة وعلي جاسم الشهاب يذهبان، في كتابهما (علم الاجتماع المدرسي)، إلى أن جون ديوي هو رائد علم الاجتماع التربوي بكتابه (المدرسة والمجتمع) الذي نشره سنة 1899م4، حيث ركز فيه على المبادىء التالية:
( ربط المدرسة بالمجتمع.
( التربية عملية حياتية ، وليست عملية إعداد للمستقبل.
( الاهتمام بالموضوعات العملية والمهنية وبمبدإ الفعالية بصورة عامة.
( العلاقة بين الديمقراطية والتربية5.
ويقول الباحثان عن جون ديوي:" لقد شكلت أعمال جون ديوي(John Dewey) (1859-1952) المنطلق الأساسي لولادة علم الاجتماع المدرسي الحديث في نهاية القرن العشرين، حيث تمكن بعبقريته التربوية المعهودة، في نسق من أعماله المتواترة، أن يؤسس منهجية علمية رصينة للبحث في مجال المؤسسة التربوية. كان ديوي أول من أسس مدرسة تجريبية في عام 1896، واستطاع عبر تجربته هذه أن ينشر أعمالا عظيمة في مجال التربية المدرسية، حيث نشر كتابه (عقيدتي التربوية) عام 1897(My Pedagogic Creed))، ثم نشر كتابه المشهور (المدرسة والمجتمع) عام 1899 ( The School and Society)، ويشار في هذا الصدد إلى كتابه المعروف (الديمقراطية والتربية) عام 1916م (Democracy and Education: an introduction to the philosophy of education)."6
وبعد هذين الرائدين، ظهرت كتب أخرى، هنا وهناك، تهتم بالمدرسة في أبعادها المجتمعية، مثل: دراسة ألفرد بينيه (A.Binet) حول البيداغوجيا التجريبية التي تسعى إلى تشخيص الفشل الدراسي، ووضع مقاييس الذكاء. وقد اهتم ألفرد بينيه، في كتابه ( الأفكار المعاصرة حول الأطفال)7، بالتشخيص التجريبي للإخفاق المدرسي، ودراسة الدوسيمولوجيا في تقويم فعالية المقررات الدراسية..
ويمكن الحديث أيضا عن مجموعة من الدارسين والفلاسفة والباحثين الذين اهتموا بسوسيولوجيا المدرسة إما بشكل صريح، وإما بشكل ضمني، أمثال: كارل ماركس(Karl marx) في كتابه(رأس المال)8 ، وماكس فيبر(Max Weber) في كتابه (الاقتصاد والمجتمع)9 ، وبول لاپي(Paul Lapie)10 في كتابه(المدرسة والمجتمع)، وثورستاين فيبلين ((Thorstein veblen11 في كتابه (التعليم العالي في أمريكا)، ووالر(Waller)12 في كتابه (سوسيولوجيا التدريس)...وقد امتدت هذه المرحلة إلى غاية سنوات الخمسين من القرن العشرين.
وبعد الحرب العالمية الثانية، تطورت المؤسسة التربوية بتطور النمو الديمغرافي، وارتباطها بالعوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وأضحت مشاكل المؤسسة التعليمية متفاقمة بتزايد الإقبال على المدرسة، والسعي نحو تقوية هذه المؤسسة ، والبحث عن استقلاليتها المادية والمالية والمعنوية. وفي الوقت نفسه، تطورت سوسيولوجيا المدرسة بشكل لافت للانتباه، بفضل تعدد مراكز البحث والمختبرات العلمية التي تعنى بدراسة المدرسة في علاقتها بالمحيط المجتمعي، ونشرت آلاف من الكتب في هذا النطاق، وخاصة ما كتبه كارل مانهايم (Karl Manheim)13، مثل: (السوسيولوجيا كسياسة للتربية)...
بيد أن علم الاجتماع التربوي له تاريخ آخر في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد استخدم مصطلح سوسيولوجيا التربية (Educational Sociology)" لأول مرة في كلية المعلمين بجامعة كولومبيا بمدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1910م، كعلم يدرس في المعاهد العليا على يد البروفسور هنري سوزالو (Henry Sozzallo) ، واستخدم هذا المصطلح فيما بعد هذا التاريخ كعلم مستقل، وما أن جاء عام 1914م وصار هناك حوالي 16 جامعة أمريكية تدرس مواد بعنوان علم الاجتماع التربوي، وفي حين كان هناك حوالي 60 جامعة في أمريكا تدرس علم الاجتماع العام وفروعه المختلفة (غير التربوي).
وما أن جاء عام 1933م حتى تم تأسيس وتنظيم الجمعية الوطنية لدراسة علم الاجتماع التربوي، وقامت هذه الجمعية بنشر ثلاثة كتب سنوية خلال الأعوام 1933-1931م، ثم توقفت هذه النشرات عن الصدور، لأن نشرة أخرى أسسها البروفسور بين (E.G.Payne) عام 1928م، أصبحت هي النشرة الرسمية للجمعية بعد ذلك.
ومع مرور الأيام صار علماء الاجتماع المهتمون بالتربية يلتقون في اجتماعات سنوية باسم فرع علم الاجتماع التربوي للجميعة الأمريكية لعلم الاجتماع.
وكان تدريس علم الاجتماع التربوي يتأرجح بين الازدهار والتراجع، وذلك لاستبدال بعض المؤسسات التربوية من كليات التربية ومعاهد المعلمين تدريس مواد اجتماعية بأسماء أخرى بدلا من اسم علم الاجتماع التربوي.وعلى الرغم من ذلك استمر تدريس هذا العلم في المعاهد العليا والجامعات، وصارت تعطى بهذا العلم الدرجات العلمية العليا في الماجستير والدكتوراه، ولايزال علم الاجتماع التربوي يدرس في الجامعات الأمريكية والأوروبية، ولكن دخوله للجامعات العربية جاء متأخرا."14
ويعني هذا كله أن سوسيولوجيا التربية ظهرت - أولا- في الولايات المتحدة الأمريكية، ففرنسا ثانيا، ثم انتقلت إلى باقي البلدان الأخرى.
المطلب الثاني: مرحلة التطور والازدهار
لم تعرف سوسيولوجيا التربية تطورها الحقيقي إلا في سنوات الستين من القرن الماضي؛ إذ كانت هذه الفترة مرحلة التطور والازدهار العلمي والمنهجي لهذه السوسيولوجيا مع مجموعة من الباحثين ، أمثال: الفرنسيين: بيير بورديو(Pierre Bourdieu)15، وكلود باسرون(Jean-Claude Passeron)16، ورايمون بودون(Raymond Boudon)17، وإستابليت18(Roger Establet)، وكريستيان بودلو(Christian Baudelot)19؛ والبريطاني بيرنشتاين(Bernstein)20، والأمريكيين: باولز (Bowles)21، وجينتيس(Gintis) 22...
ويمكن القول :إن بيير بورديو وكلود باسرون هما اللذان أعطيا ولادة ثانية لسوسيولوجيا التربية، وقد انطلقا من فرضية سوسيولوجية أساسية هي: لايملك المتعلمون الحظوظ نفسها في تحقيق النجاح المدرسي. وقد ترتب عن هذا الاختلاف في الحظوظ تنوع طبقي ومجتمعي، ووجود فوارق فردية داخل الفصل الدراسي نفسه. ومن ثم، فقد قادت الأبحاث السوسيولوجية والإحصائية التي أجراها كل من بورديو وباسرون إلى استنتاج أساسي هو أن الثقافة التي يتلقاها المتعلم، في المدرسة الفرنسية الرأسمالية، ليست ثقافة موضوعية ومحايدة، بل هي تعبير عن الثقافة المهيمنة أو ثقافة الطبقة الحاكمة. ومن ثم، فالتنشئة الاجتماعية ليست تحريرا للمتعلم، بل إدماجا له في المجتمع في إطار ثقافة التوافق والتطبيع والانضباط المجتمعي.ومن ثم، تعيد لنا المدرسة الطبقات الاجتماعية نفسها عن طريق الاصطفاء والانتقاء والانتخاب.ومن ثم، فهي مدرسة اللامساواة الاجتماعية بامتياز.
ويعني هذا كله أن سوسيولوجيا التربية النقدية قد عرفت منحنى مهما في سنوات الستين إلى غاية سنوات السبعين، واتخذت بعدا علميا أكثر مما هو سياسي، بعد أن توسعت الهوة بين النظرية والتطبيق، أو بين المؤسسة التربوية والمجتمع، وخاصة بعد تحول المدرسة الرأسمالية إلى فضاء للتطاحن والصراعات الاجتماعية والطبقية، أو تحولها إلى مؤسسة تنعدم فيها العدالة الطبقية، وتغيب فيها المساواة على مستوى الفرص والحظوظ؛ حيث الفشل والإخفاق مآل أبناء الطبقات الشعبية. في حين، يكون النجاح حليف أبناء الطبقات الغنية وأبناء الطبقة الحكمة.أي: أصبحت مدرسة فارقية بامتياز أو مدرسة للانتقاء والاصطفاء الطبقي والتمييز الاجتماعي.
ويعني هذا أن السؤال الذي ركزت عليه سوسيولوجيا التربية، في سنوات الستين والسبعين، هو سؤال اللامساواة المدرسية التي تعكس اللامساواة الطبقية والاجتماعية. وتعكس مدى اختلاف أبناء الطبقات العمالية عن أبناء الطبقات المحظوطة، واختلاف المستوى التعليمي الطويل الذي يرتاده أبناء الطبقات المحظوظة، والتعليم القصير الذي يكون من حظ أبناء الطبقات الدنيا، ولاسيما أبناء الطبقات العمالية وأبناء المهاجرين .لذا، كان التوجه الماركسي النقدي الجديد يغلب على هذه السوسيولوجيا الصراعية. والدليل على ذلك الثورة العارمة على المدرسة الرأسمالية التي كانت مدرسة طبقية بامتياز، وخاصة ثورة 1968م. وكان البديل هو دمقرطة التعليم، وتحقيق المساواة الاجتماعية الشاملة، والحد من الفوارق البيداغوجية والديدكتيكية والثقافية والطبقية والمجتمعية، وخلق مدرسة موحدة تحقق النجاح لجميع المتعلمين بدون تمييز أو انتقاء أو اصطفاء.
وعليه، يمكن القول: إن دراسات بيير بورديو هي، في الحقيقة، نقد للدراسات الكلاسيكية حول سوسيولوجيا التربية؛ إذ اعتمدت على المقاربة الماركسية الجديدة في دراسة المدرسة الفرنسية بصفة خاصة، والمدرسة الرأسمالية بصفة عامة، بغية الدفاع عن مشروع التعليم الديموقراطي.
ومن أهم الباحثين السوسيولوجيين المعاصرين الذين تركوا بصمات واضحة في مجال سوسيولوجيا التربية نذكر : ببير بورديو ( P.Bourdieu) وكلود باسرون(Passeron) في كتابيهما (الورثة)23، و(إعادة الإنتاج)24، ورايمون بودون في كتابه (عدم المساواة في الحظوظ)25، وكلود ?رينيون(26 Claude Grignon) في كتابه( نظام الأشياء)، والبريطاني بازيل بيرنشتاين (Basil Bernstein) في كتابه (اللغة والطبقات الاجتماعية)27 ، ومحمد الشرقاوي في مجموعة من كتبه، مثل: (سوسيولوجيا التربية)28،و(تحولات النظام التربوي بفرنسا)29، و(مفارقات النجاح المدرسي)30، وفيفيان إيزامبير جماتي (Viviane Isambert-Jamati) في كتابيها( أزمات المجتمع وأزمات التعليم)31، و(الإصلاح التربوي الفرنسي في التعليم الأساسي)32، وجان ميشيل بيرتيلو (Jean-Michel Berthelot) في كتابه (المدرسة، والتوجيه، والمجتمع) 33، وبودلو وإستابليت(Baudelot et Establet) في كتابهما (المدرسة الرأسمالية في فرسا)34، وآن فان هايشت(Anne Van Haecht) في كتابها (المدرسة في محك السوسيولوجيا أو سوسيولوجيا التربية وتطوراتها)35، وماري دورو بيلا وأنيس ڤان زانتين (Marie Duru-Bellat, Agnès Van Zanten) في كتابهما (سوسيولوجيا المدرسة)36...
المطلب الثالث: مرحلة
المراجعة والتجاوز
ومع سنوات السبعين من القرن الماضي، ظهرت سوسيولوجيا تربوية في الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد على التفهم أو المناهج التأويلية والمقاربة الهرمونيطيقية ذات المنحى الفينومينولوجي والإثنومنهجي، فركزت جل أعمالها وأبحاثها النظرية والتطبيقية على الظواهر التربوية الميكرومجتمعية بدل الظواهر الماكرومجتمعية. وقد جاءت رد فعل على المقاربات المعيارية والوظيفية والماركسية الجديدة. ثم اعتمدت على الإثنوغرافيا، وعلم النفس الاجتماعي، والتاريخ، ونظريات التنشئة الاجتماعية، وكانت البنيوية الوصفية مهيمنة في هذه الدراسات. وقد ركزت هذه السوسيولوجيا على أبنية الأدوار، ومصير المدرسة، والمناهج التربوية، وتطور المؤسسة التعليمية...
وبعد النظرة السوداوية المتشائمة إلى المدرسة الرأسمالية، ظهرت دراسات لمجموعة من الباحثين متسمة بطابع التفاؤل ، بعد النجاح النسبي للأنظمة التربوية الغربية، ووضوح المعايير والقوانين، كما يبدو ذلك جليا في كتابات كل من : محمد الشرقاوي(Cherkaoui)37، وروتر (Rutter)38، وهالسي(Halsey)39، وكولمان (Coleman)40، وشوب ومو (Chubb et Moe)41 ...
المطلب الرابع: المرحلة
السوسيولوجية المعاصرة
تمتد المرحلة السوسيولوجية المعاصرة من سنوات الثمانين من القرن الماضي حتى أواخر سنوات التسعين. فقد انصب الاهتمام على المناهج الدراسية ، وإعادة النظر في المحتويات والمقررات الدراسية، ورصد تاريخ المعارف، والاهتمام بالمؤسسات التعليمية من جهة أولى، والعناية بالطرائق البيداغوجية من جهة ثانية، والتركيز على المدرسين من جهة ثالثة. ويعني هذا كله ضرورة تشخيص العملية الديدكتيكية أو العملية التعليمية-التعلمية بوصفها وتحليلها وتقويمها ، بتحديد سلبياتها وإيجابياتها، بعيدا عن التصورات الذاتية و السياسية والإيديولوجية.
وقد عرفت هذه المرحلة مجموعة من الكتابات السوسيولوجية التي ارتبطت بالتربية والمدرسة على حد سواء، منها كتابات الباحثين السويسريين فيليب بيرنود وكليوباترا مونتاندون (Philippe Perrenoud et Cléopâtre Montandon,) اللذين كتبا مجموعة من الدراسات والأبحاث عن صعوبات التواصل بين المدرسين والآباء ، ولاسيما المنحدرين من أصول شعبية ، كما يتضح ذلك جليا في كتابهما ( الحوار المستحيل بين الآباء والمدرسين)42؛ وريجين سيروتا (Régine Sirota) في كتابها (يوميات المدرسة الابتدائية )43، حيث ركزت الباحثة على التصرفات اليومية للمدرس في علاقاته بتلامذته (كثرة النظر، والابتسامات، والتهاني، والأسئلة)، وعلاقة ذلك بجذورهم الاجتماعية.
أما فرانسوا دوبي (François Dubet)، فيهتم بحياة تلاميذ التعليم الثانوي، ورصد معاناتهم داخل المدرسة ، كما يتبين ذلك جليا في كتابه (تلاميذ الثانوي) الذي ألفه سنة 1991م44 . ويصف الباحث كذلك الحياة المدرسية التي يعيشها المراهق داخل المؤسسة التربوية، وخاصة في كتابه( إلى المدرسة : سوسيولوجيا التجربة المدرسية) الذي ألفه مع دانيلو مارتيشولي (Danilo Martuccelli) سنة 1996م45. ويركز الباحثان معا على الفجوة الموجودة بين ذاتية المراهق ذي الأصول الشعبية وعملية التطبيع الاجتماعي، ومسافة التوتر التي توجد بين الحالتين. أي: بين الثقافة الشعبية للعائلة وثقافة المدرسة؛ مما يخلق نوعا من الفشل في الاندماج وتحقيق النجاح. وهناك آن بارير (Anne Barrère) في كتابها (عمل تلاميذ الثانوي ) الذي نشرته سنة 1997م، وقد تحدث الكتاب عن العمل المدرسي في ضوء سوسيولوجيا الشغل 46.
وثمة مجموعة من الباحثين الذين عمقوا إشكالية العمل المدرسي، أمثال: إليزابيت بوتي، وبرنار شارلو، وجان إيف روشي ( (Elisabeth Bautier, Bernard Charlot et Jean-Yves Rochex)، في كتابهم (المدرسة و المعرفة في الضواحي وغيرها) ، وقد نشر سنة1992م47...
المطلب الخامس: مرحلة الألفية الثالثة
أصبحت المدرسة ، في سنوات الألفية الثالثة، ظاهرة مركبة ومعقدة، ومن اللازم أن تقوم بأدوار أخرى غير الأدوار التي كانت تقوم بها سابقا، فبالإضافة إلى دور الإدماج والتنشئة الاجتماعية، وتقديم ثقافة موحدة ومعممة، أصبح هم المدرسة الأساس هو تأهيل المتعلمين تأهيلا جيدا للتوافق مع قانون الطلب والعرض الذي تستوجبه السوق الرأسمالية، بتطوير كفاءاتهم المهنية والأدائية والإنجازية ، وتنمية مهاراتهم التطبيقية للاندماج في سوق الشغل، بخلق مجموعة من الوضعيات المشكلات لإيجاد حلول مناسبة لها. ويعني هذا أن التعلم بالوضعيات هو الشاغل الأساس للبيداغوجيا المعاصرة ، وأصبح الاهتمام منصبا على بيداغوجيا الكفايات، والأخذ بالشهادات الكفائية بدل الشهادات المعرفية النظرية، علاوة على الاهتمام بالتكوين المهني والاحترافي. ويعني هذا أن وظيفة المدرسة الرئيسية هي وظيفة التكوين والتأهيل والتمهير، وخلق الكفاءات المتمكنة القادرة على التأقلم مع الوضعيات الحياتية المعقدة والصعبة.
وهكذا، فعلى " امتداد القرن العشرين تفجرت ينابيع البحث السوسيولوجي في مجال المدرسة والمؤسسات الأخرى التربوية، وجاء حصاد هذه الأعمال بلورة لعلم الاجتماع المدرسي بوصفه النواة الحقيقية لعلم الاجتماع التربوي.لقد تقاطرت الدراسات والأبحاث السوسيولوجية في ميدان المدرسة والمؤسسات المدرسية وشكلت نتائجها نظاما متماسكا من المقولات والمفاهيم والنظريات السوسيولوجية ومناهج البحث التي تؤسس لعلم اجتماع خاص هو علم الاجتماع المدرسي. وهناك آلاف مؤلفة من الكتب والدراسات والأبحاث المكثفة التي عالجت جوانب الحياة المدرسية بتفاعلاتها وأنظمتها الداخلية وقضاياها التربوية والاجتماعية."48
ونخلص من هذا كله إلى أن سوسيولوجيا التربية أو المدرسة قد عرفت، في الغرب ، أربع مراحل كبرى هي: مرحلة التأسيس من القرن التاسع عشر إلى سنوات الخمسين من القرن العشرين؛ ومرحلة التطور والازدهار مابين سنوات الستين والسبعين؛ ومرحلة المراجعة والتجاوز ما بين السبعين والثمانين ؛ ومرحلة السوسيولوجيا المعاصرة في سنوات التسعين؛ ومرحلة سنوات الألفية الثالثة.
المبحث الثاني: سوسيولوجيا التربية في الوطن العربي
ثمة مجموعة من الكتب ، على الصعيد العربي، التي تناولت سوسيولوجيا التربية أو المدرسة، إما بشكل جزئي، وإما بشكل كلي . ومن أهم هذه الكتب نذكر: كتاب (دراسات في سوسيولوجيا التربية) لعلي أسعد وطفة وعبد الله شمت المجيدل 49،و(علم الاجتماع المدرسي) لعلي أسعد وطفة وعلي جاسم الشهاب50، و(التربية والإيديولوجية) لشبل بدران51، وفايز مراد دندش في كتابه (علم الإجتماع التربوي بين التأليف والتدريس )52، وفادية عمر الجولاني في كتابها (علم الاجتماع التربوي)53، وحمدي علي أحمد في كتابه (مقدمة في علم اجتماع التربية)54، وعبد السميع السيد أحمد في كتابه (دراسات في علم الاجتماع التربوي)55 ، وعلي السيد الشخيبي في كتابه ( علم اجتماع التربية المعاصر)56، وعبد الله الرشدان في كتابه (علم الاجتماع التربوي)57، وحسن حسين الببلاوي في كتابه (الإصلاح التربوي في العالم الثالث)58، وعبد الله رشدان في كتابه (علم اجتماع التربية)59، وسمية أحمد السيد في كتاب (علم اجتماع التربية)، وفرحان حسن بريخ في كتابه (المدرسة والمجتمع)60، ورنده خليل سالم في كتابها(المدرسة والمجتمع)61، وحسن أحمد الطعاني في كتابه (مفاهيم تربوية: المدرسة والمجتمع)62، و إبراهيم ناصر في كتابه (علم الاجتماع التربوي)63...إلخ
ومن جهة أخرى، يمكن الحديث عن مجموعة من الكتب والدراسات المتعلقة بسوسيولوجيا التربية أنجزها باحثون مغاربة أمثال: محمد عابد الجابري في كتابيه (أضواء على مشكل التعليم بالمغرب64) (ورؤية تقدمية لبعض مشكلاتنا الفكرية والتربوية)65 ، وخالد المير وإدريس قاسمي وآخرون في كتابهم( أهمية سوسيولوجيا التربية ، والمدرسة ووظائفها)66، والصديق الصادقي العماري في كتابه ( التربية والتنمية وتحديات المستقبل: مقاربة سوسيولوجية)67، وعبد النور إدريس (سوسيولوجيا التمايز:ظاهرة الهدر الدراسي بالمغرب)68،وعبد الكريم غريب في (سوسيولوجيا التربية) 69و(سوسيولوجيا المدرسة)70، ومحمد فاوبار في كتابه ( سوسيولوجيا التعليم بالوسط القروي)71، ومصطفى محسن في كتبه (الإطار السوسيولوجي العام للنظام التربوي)72 و( في المسألة التربوية ، نحو منظور سوسيولوجي منفتح)73 و( الخطاب الإصلاحي التربوي بين أسئلة الأزمة وتحديات التحول الحضاري، رؤية سوسيولوجية نقدية74) و(مدرسة المستقبل)75 و(رهانات تنموية - رؤى سوسيوتربوية وثقافية ونقدية)76 ، والمصطفى حدية في كتابه (الشباب، التربية والتغيير الاجتماعي)77، وهلم جرا...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.