يبدو أن آذان مجلس مقاطعة المرينيين بفاس في شكلها الحالي مصممة على نحو مذهل، كي لا ترى ولا تسمع مايجري ويدور من حولها وفي منطقة نفوذها الترابي الشامل من تجاوزات وخروقات وفساد على الأقل في مجال البناء العشوائي والأكشاك الليلية يطال المنطقة ويشوه العمران ويصيبه في مقتل . تشويه عمراني في الأحياء السكنية الأكثر شعبية يمر إلى السرعة القصوى ، من مؤشراته الدالة أطنان ملفوظات البناء المتراكمة في مطارح تنبت في الليل، و أمام أعين مستشاري مقاطعة تتمتع بأغلبية ساحقة ومريحة، لا ينازعها أحد أو يعارضها أي لون، ولها مطلق الصلاحية في اتخاذ القرار واختيار الزمن المناسبين. إن فداحة ما يحدث اليوم على مستوى تمليك الملك العام الذي تم الاستحواذ عليه بلبوس انتخابي في الآونة الأخيرة سيظل أكبر عملية تواطؤ في تاريخ هذه المدينة التي أرادوا لها أن تكون عاصمة علمية، بتدبير سياسي واجتماعي متخلف، وهو ما يطرح في الآن نفسه أكثر من علامة استفهام. فكيف يرفع حزب سياسي شعار استرجاع الملك العام وحمايته على رأس برنامج انتخابي، وفور تسلمه دفة القيادة بأغلبية مريحة، يدير ظهره، ويفسح المجال أمام تناميه، ويتغاضى ويتفادى ويتجنب الدخول في نقاشات موجعة بشأنه؟ هل هي لعبة غامضة، كما هو شأن التجارب السياسية الانتهازية؟أم أن أوامر حزبية عليا صدرت مفادها « أن لي فاز بشي حاجة فازبها» وأن منطق عفا الله عما سلف الذي نهجته حكومة بنكيران، هو ما يمكن اعتماده اليوم، وكفى الله المومنين شر القتال ؟ وكمثال فقط نجد نافورة بندباب تم تدشينها قبل سنتين، وتدفق شلالها المائي بالألوان الزاهية، ظلت متنفسا حقيقيا للساكن الأكثر بؤسا في المنطقة لفترة طويلة، قبل أن يطالها الإهمال المقصود كي تتحول اليوم إلى تجمع دائري عشوائي لبيع الخوردة تحت أنظار السلطات المحلية والمنتخبين؟ والأخطر من ذلك، تم اقتلاع مقاعدها المرمرية وهدم جنبات الطوار لتسهيل الولوجية لأصحاب العربات والهياكل الصدئة المجرورة، لمجرد إثبات الوجود والأقدمية . ما يحصل اليوم من اغتصاب لكل ما هو ملك للدولة يستدعي بالقوة والفعل تدخلا استعجاليا مركزيا بالقوه مادامت السلطات هنا بفاس عاجزة تماما، والمنتخبون مرتهنون بالتهدئة الاجتماعية انسجاما مع وعودهم الانتخابية إلى حين مرور العاصفة، بحيث لم يعودوا قادرين على مجرد تغيير المنكر من الدرجة الثالثة. فما لذي ينتظره قياديو العدالة والتنمية بفاس من أجل وضع حد لتنامي الأعشاش الانتخابية، وقد بسطواسيطرتهم على اقتراح القرار واختيار الزمن الملائم لتنفيذه؟ ما نلاحظه اليوم من اغتصاب للفضاء على امتداد حي بنسليمان مرورا بلابيطا وكاريان الحجوي حتى بن زاكور عبورا نحو منطقة بندباب، وتشويه لكل ما هو يحمل صفة ملك عام يقم الانطباع بأن لا شيء تغير ولا إمكانية في بروز بوادر تغييره، إن الحد من إنشاء وتركيب أكشاك حديدية وتثبيت العربات البلاستيكية وأخرى بالقصب، وثالثة بالإسمنت، ورابعة رسمت علامات تشييدها بالحجر نهاية كل الأسبوع، ووضع حد لامتداد فضاءات المقاهي كما تمتد اللحي 4 و5 مرات خارج وضعها الطبيعي في تقديرنا لا يحتاج إلى مرسوم وزاري ومناقشة بالأمانة العامة للحكومة. إنه قرار يتخذه أعضاء المجلس الجماعي هنا بكل حرية، ويختارون توقيتا مناسبا لتنزيله دون معارضة انسجاما مع الذات و خدمة للصالح العام. ولمن لا ذاكرة له، نجدد التذكير أن حزب العدالة والتنمية بفاس وفي إطار الاستحقاقات الانتخابية ليوم 4 شتنبر 2015 راهن على استعادة مكانة مدينة فاس كحاضرة مدنية لها من المواصفات ما يوفر لساكنتها إطارا ملائما وآمنا للعيش الكريم، وأقسم أن يجعل منها مركزا اقتصاديا جذابا للمستثمرين والمقاولين حتى تساهم في ربح رهان التنمية المستدامة. الآن وبعد بعد ثلاثة أشهر من بسط المصباح لنفوذه على فاس مالذي تغير ؟ وضع التجار التقليديين غير مريح، الجريمة في اضطراد، سيما بعد الجريمة الشنعاء التي تعرض لها سياح ألمان في فاس، حيث قرر التجار في خطوة تصعيدية إغلاق محلاتهم التجارية، ومن المنتظر أن يتخذ التجار خطوات احتجاجية جديدة، خصوصًا وأن العديد من أزقة فاس تعرف انتشارا واسعا لمختلف أنواع الانحراف وتعاطي كافة أنواع المواد المخدرة. شعار "فاس تستحق الأفضل"، الذي رفعه حزب العدالة والتنمية برهانه حول تحقيق مجموعة من الأهداف الكبرى اعتمادا على تدابير وإجراءات مبتكرة تهم مختلف القطاعات خاصة المرتبطة بحياة الساكنة كالتنمية والتشغيل وتدبير الموارد المالية والبشرية وتحسين خدمات القرب وغيرها. لا نرى له أثرا، فما يحدث هو استمرار لضخ دم فاسد بنفس الحقن وبالرتابة المعهودة ، بدليل أن الأوراش المفتوحة اليوم من هيكلة للطرق وفتح مسالك وتهيئة المساحات والممرات تحسب للمجالس السابقة ، والسؤال أين الابتكار؟ وأين التدابير والإجراءات المبتكرة التي لا تعني سوى تلك التي لم يسبق القيام بها في عهد المجالس السابقة؟ المطلوب اليوم من المجالس البلدية للعاصمة العلمية إحصاء الأسواق العشوائية وجرد رسومها المحلية وضبطها ، وعقلنة استغلالها مع النهوض بالإدارة الجبائية الجماعية، في أفق تنمية الوعاء الجبائي للجماعة والعمل على تدبير ملف الملك العمومي بيد من حديد ، بدل هذه الفوضى المنتشرة كالسرطان إن تحديات التعمير والعمران، يفرض اليوم أكثر من أي وقت مضى ضرورة التمديد العمودي للمدينة ، واعتماد التصاميم الهيكلية لتأطير الأحياء العشوائية والمساهمة في إنجاز ميثاق تعمير المدينة العتيقة لتوحيد مواصفات المعمار والبناء، بالإضافة إلى الاهتمام بالبيئة والصحة الوقائية وترشيد تدبير جمع النفايات المنزلية والحد من الآثار السلبية للمطارح العمومية مع الرفع من المساحات الخضراء وتشجير المحاور الرئيسية. لكن حالة فاس اليوم في هذا المجال تحديدا تدمي القلب وتوجع تفاصيل الطوبوغرافية كما هومتعارف عليها عندما قلنا إن فاس التي أرادوا لها أن تكون علمية بجيش انتخابي أمي بلا أفق مجتمعي، ضحكت من جهلنا الأمم، هاهي ذي فاس العريقة، تتقهقر كعاصمة للعلم وحاضنة للعلماء، وتتراجع بالسرعة القصوى إلى الوراء عقودا وعقودا ، تراجع يجوز توسيمه بكل الصفات، ويشمل كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية ، مع تنام مطرد للبؤس التي يتبع عادة كل استحقاق انتخابي ، سوف لن نستبق الأحداث ونتحدث عن الوعود والبرامج الانتخابية فقط، سنرصد بأمانة لمن لا يزال في حاجة إلى التأكيد أن ما يزدهر في فاس اليوم هو تجارة البيصارة التي أصبح أصحابها ضمن قائمة أصحاب الملايير، والمقاهي التي تتمطط خارج مجالها 5 مرات، ومقدمي الأحياء الذين يقبضون بيد ويبلغون بالأخرى نهاية كل أسبوع، وبعض رجال السلطة صنف «المنهشين « العقاريين الذين استولوا على أجمل البقع وجزؤوها واستثمروا بشكل فاحش أما ماعدا ذلك، فخارج نطاق السيطرة أو تحت الحساب.