يسعدني أن أتدخل باسم الفريق الاشتراكي في هذه الجلسة المخصصة للدراسة والتصويت على مقترح قانون يقضي بتغيير القانون رقم 99.71 المتعلق بالفنان. ولابد أن أشير في البداية إلى المنطلقات الموجهة لموقفنا والمؤسسة لمقاربتنا لهذا المقترح الذي تقدمت به فرق الأغلبية مشكورة، اعتبارا لهذه الدواعي سأوزع مداخلتي على محورين اثنين؛ أولهما يتعلق بالمنطلقات المحددة لموقفنا ،والمحور الثاني يتعلق بالمقترح في حد ذاته وبالتعديلات التي تقدمنا بها كفريق اشتراكي، رغبة ومساهمة في تطوير النص المقترح وإغناء مضامينه. إن المحددات المؤسسة لتعاملنا مع هذا المقترح، تنطلق من مبدأين اثنين أولهما المفاهيم والتقويمات الجديدة التي عرفها المجال الفني وكذا الأدوار المستجدة المنوطة بكل الفاعلين والمتدخلين في هذا المجال. فلا يخفى على أحد، أهمية تنظيم المقاولة الفنية تقديرا للدور التاريخي والراهن الذي اضطلع به الفنانون المغاربة في محطات حاسمة من تاريخنا الوطني والذين ناضلوا وما زالوا انطلاقا من موقعهم في ظروف قاسية ومن أجل أن ترقى الخدمات الفنية إلى تطلعات وانتظارات الرأي العام الشعبي، سواء بالمسرح الهادف أو بالكلمة الشعرية الصادقة، أو من خلال القصيدة الغنائية المقاومة والتي مازالت بعض ألحانها تعيدنا إلى جو الحماس الوطني والتعبئة النضالية، أو من خلال الأغاني التي تؤكد على الوحدة الترابية لبلادنا والدفاع عن سيادتنا الوطنية، فمن منا لا يتذكر «حطيت الطبيلة سيدي» للمغني محمد فويتح التي تتحدث عن نفي المغفور له محمد الخامس أو أغنية «العيون عينية» التي ألهمت بحسنها المغاربة في المسيرة الخضراء ومازالت. لكن، وبالرغم من أهمية الدورالطليعي للفن والفنانين من موسيقيين ومسرحيين وتشكيليين وكل المنتسبين إلى أشكال التعبير الفنية الحديثة بمختلف تمظهراتها، في أغناء الروح المغربية والرقي بشاعرية الذوق والسمو بالمجال الخلاق من أجل تحصين الذات المغربية بقيم الفن الراقي وتأكيد الاعتراف بهذه المهنة النبيلة وذلك من أجل ضمان الشروط المادية والموضوعية التي توفر للفنان وللمبدع استمرارية العطاء الفني وجودة الإنتاج ضمن شروط المنافسة المتكافئة على المستوى الوطني، التي تتطلب الدعم والحماية من طرف الدولة لكي يفرض الفنان نفسه بجدارة في معركة المواجهة على المستوى الخارجي كذلك، كما أن التأكيد على أهمية تنظيم العمل الفني وترشيد وضبط آليات تدبير شؤونه، سيعمل حتما على تنمية ما يميز المغرب من تعدد الفنون، ورد الاعتبار، من خلال ترسيخ شروط العدالة المتوازنة لما تزخر به أقاليمنا من تراث فني يتسم بالتنوع المثمر الذي يجسد تنوع جهات المملكة والمراتب الثقافية التي لا تميز بين الثقافة العالمية والشعبية باعتبارها خزانا للتراث غير المادي الذي يثبت جدارة الشعوب في التعبير عن مكوناتها الجماعية. إضافة إلى ما تقدم، يمكن القول كذلك ،أن الحاجة ماسة إلى الرفع من الأوضاع الاجتماعية والمعيشية للفنانين وتعميم التغطية الصحية وضمان تقاعد مريح لهم أسوة بغيرهم من باقي فئات الموظفين والمستخدمين، من أجل توفير الأمن الثقافي والفني، حتى لا تتكرر حالات المعاناة القاسية التي مر بها العديد ن الفنانين والفنانات بسبب العجز عن تغطية مصاريف العلاج الطبي. إن ظروف الإنتاج الفني وتشييد صناعة فنية والنهوض بها في زمن العولمة وصعود ظاهرة الإرهاب أصبح يتطلب استثمارا ماديا من أجل ربح التنافسية الكبيرة التي صارت تعرفها المبادلات الفنية على المستوى العالمي، نظرا لما تتملكه الفنون وصناعتها من أدوار جديدة على مستوى تنشيط السياحة الثقافية والتعريف بالسير الذاتية للشعوب وحضارتها وكذلك من خلال تأهيل الدبلوماسية الثقافية عبر أصوات تنتمي إلى عالم الثقافة والفن تساهم في دعم الدبلوماسية السياسية وإنقاذها من ممارستها النمطية ولغتها المسكوكة. أما بالنسبة للمحدد الثاني، فيتعلق الأمر بدستور المملكة حيث عبرنا باسم الفريق الاشتراكي عن الدوافع الموجهة لنا عند تعاطينا مع هذا المقترح وتفاعلنا معه ممثلة في دستور 2011، الذي ينص في الباب الأول على تبني الاختيار الديمقراطي واعتباره أحد ثوابت المملكة إلى جانب الثوابت الأخرى كالدين الإسلامي في صورته السمحة والوحدة الترابية والملكية الدستورية. كما أكد دستور المملكة في الباب الثاني المتعلق بمجال الحريات العامة والحقوق الأساسية في الفصول التالية 25-26-31 و33 على حرية الفكر والرأي والتعبير والإبداع وعلى أن تقوم السلطات العمومية بدعم الإبداع الفني والإنتاج الثقافي والفكري وتوفير شروط الولوج والتمكن من التربية الفنية. لقد استرشدنا بهذه المقتضيات الدستورية أثناء مناقشة هذا المقترح ضمن أشغال اللجنة،وبناء عليها تقدمنا باسم الفريق الاشتراكي باثنين وأربعين تعديلا وذلك بهدف إغناء وتجويد هذا المقترح لكي يرقى إلى مستوى تطلعات كل الفاعلين في المشهد الفني، ولم نكن عند طرح مقترحاتنا وتعديلاتنا منحازين ولا سلبيين بقدر ما كنا نسعى ونتطلع إلى المساهمة الفاعلة والجادة في الدفع إلى الرقي بالحقل الفني ببلادنا لكي يتبوأ الصدارة التي يستحقها ولكي يكون في مستوى انتظارات الرأي العام الوطني وطموح الفنانات والفنانين من أجل بلورة أدوار جديدة متناسبة مع التحولات العالمية التي يعرفها مجال الإبداع عموما. لقد تم قبول 39 تعديلا بصيغة توافقية تراعي التعديلات الأخرى المقدمة من طرف باقي الفرق النيابية وكذلك من طرف وزارة الثقافة، كما قمنا بسحب تعديلين اثنين وتشبثنا بتعديل واحد خضع للتصويت، وفي هذا الصدد لابد من تسجيل بعض الملاحظات المهمة: الملاحظة الأولى: نسجل إيجابا تجاوب الأغلبية مع التعديل الذي قدمناه بخصوص المقترح الذي جاء لتغيير قانون 99.71، بقبول الإحالة على النص الأصلي المتعلق بقانون الفنان والمصادق عليه سنة 2003، لأنه شكل منعطفا حاسما وهاما في المجال بهدف ترسيخ ثقافة الاختلاف والحق في الاعتراف الذي يؤسس للتراكم الإيجابي في إطار الاستمرارية وحفظ الذاكرة التشريعية. الملاحظة الثانية: فإنها تقتضي ،رفعا لأي لبس، أن نؤكد على أن هاجسنا وهدفنا من ذلك، أن نعمل على إدخال بعض التعديلات على هذا المقترح بما يعزز مضمونه ضمن سياق دمقرطة العلاقة بين جميع الفاعلين في المجال الفني وضمان حقوق كل فئة على حدة والتأكيد على الوضع الاعتباري للفنان المغربي المحترف والمهني مع ضمن حرية الممارسة المهنية كما يكفلها الدستور لجميع المواطنين والمواطنات، وتوفير هامش متواز للمنتجين في توظيف غير المحترفين والمهنيين. أما بالنسبة للملاحظة الثالثة: فلقد تقدمنا بتعديل في إطار تفعيل مقتضيات الفصل 19 من الدستور وذلك بإعمال مقاربة النوع على مستوى الصياغة اللغوية، بإضافة تاء التأنيث إلى كلمة فنان، خاصة في عنوان المقترح من هذا التعديل لم يلق آذانا صاغية ولم يتلق سوى ردود فعل كانت مخيبة لآمالنا وطموحنا، وتم التصويت ب (3 مع و 11 ضد ) وهذا ما نعتبره دليلا على ممانعة ومحدودية تمثل الأغلبية لفلسفة وروح مقتضيات الفصل 19 ،اعتبارا لما تقدم أيها السادة والسيدات نؤكد تصويتنا لصالح هذا المقترح الذي يعد مشروع قانون 2003، بنيته القاعدية والمادية، ولأنه جاء ليؤكد استمرارية التأسيس والتشريع لسياسة تنموية وثقافية عقلانية تدعم صناعة فنية وطنية، تكون في مستوى التحديات الكونية ، والحروب الحضارية والثقافية التي علينا أن نستعد لمواجهتها الفنية الراقية التي تؤهلنا لكي نكون في مستوى اللحظة الفنية التاريخية التي نحيا فيها.