المخاض العسير الذي بات يعيشه قطاع الصيدلة لايؤشر على وضع صحي وسليم، وليس مدعاة للتفاؤل في أفق تنظيم وممارسة عنوانهما الحكامة، بل هو يبعث على القلق مما تحمله الأيام المقبلة، بالنظر إلى حالة الغليان التي تتفاقم حدّتها وهي تتفشّى بشكل أعمق في أوساط الصيادلة الذين باتوا يهددون، ليس فقط بعدم تأمين الحراسة الليلية وخلال نهاية الأسبوع والعطل والأعياد فحسب، بل هم يلوّحون اليوم بخوض إضراب وطني وإغلاق أبواب صيدلياتهم، وهو مايعني بأن «الأمن الدوائي» للمغاربة هو على المحكّ، وبأن حياة المواطنين هي في خطر، سواء بالنسبة لمن يعانون من أمراض مزمنة كالربو، والسكري، والضغط الدموي، وأمراض القلب والشرايين وغيرها، أو من قد يصابون بعارض صحي طارئ يتطلب تدخلا دوائيا مستعجلا، إذا ما تمت بلورة الفكرة التي يتداولها الصيادلة منذ مدة، والتي اتخذت أبعادا أكبر على أرض الواقع، لأنهم لن يجدوا حينها دواء لعللهم! ناقوس الخطر هذا تم دقّه، والتقط رنينه المرعب المرضى أولا، وهم يضعون أيديهم على قلوبهم وجلا، في انتظار معرفة إن كان القائمون على الشأن الصحي، قد بلغتهم ترددّاته، أو أن «صمما» قد حال دون ذلك، فهم وحدهم اليوم القادرون على إيقاف نزيف المسّ بالقوانين والنظم المؤطرة لمهنة الصيدلة، وضرب شرعية المؤسسات والتنظيمات المنتخبة، وبمصداقية قراراتها. فبعد أن خرج الصيادلة من نفق عهد طويل الأمد عنوانه التيه بانتخاب هيئاتهم بكيفية ديمقراطية شكّلت سابقة، التي انخرطت في معالجة ترسّبات العهد السابق والإشكالات التي نخرت الجسم الصيدلاني، وعقدت مجالس تأديبية بحضور قضاة وممثلين لوزارة الصحة، لتنظيم المهنة تحت ظل القوانين، وصون حقوق الصيادلة على قدم المواساة، التي أسفرت عن جملة من القرارات أحيلت منذ حوالي سنة على الأمانة العامة للحكومة لنشرها في الجريدة الرسمية حتى يتم تفعيل مضامينها، يتم تجميدها في الرفوف، وهو مايعني منح الضوء الأخضر للمخالفين لإبداع طقوس أكثر فوضوية، والمقامرة بصحة، بل وبحياة المغاربة؟ التعاطي المؤسساتي مع مايحبل به قطاع الصيدلة من تناقضات هو يطرح أكثر من سؤال حول الدوافع والخلفيات، التي تجعل من مؤسسات للدولة المفروض أنها الضامنة لاحترام القانون تصبح حجر عثرة في طريق التنظيم والتخليق، وهذا كلام ليس وليد الفراغ، مادام نشر الخلاصات التأديبية التي تهمّ بعض المخالفين كان من الممكن أن يكبح جماح المتربصين للعدول عن مخططاتهم، والحال أن التعطيل أسّس لممارسات أخرى تم منحها «الشرعية» الإدارية، التي ينضاف إليها، على سبيل المثال لا الحصر، التسيير الغيابي وعن بعد لعدد من الصيدليات الفارغة من الصيادلة أصحابها الحاصلين على رخصة المزاولة باسمهم، والحال أن المهمة منوطة بغيرهم، إضافة إلى مشكل التخفيضات والشراكات وغيرها من الممارسات التي تضر بالمهنيين. الحديث عن الصيادلة، يطرح وبالضرورة إشكالات كبرى عميقة، ومنها غياب «دستور للأدوية»، مما يطرح أكثر من علامة استفهام بشأن المرجع المعتمد لمراقبة جودة الأدوية، وهذا الموضوع لوحده المفروض أن يفتح فيه نقاش مجتمعي جدي بعيدا عن منطق المحاباة، إلى جانب موضوع مصادرة «حق الاستبدال» الذي من شأنه الرأفة بالمواطنين وتحصينهم من جشع بعض الوصفات الطبية التي يتحكّم في مضمونها منطق مناقض لقسم أبو قراط، ثم هناك مشكل المستلزمات الطبية التي تباع في كل مكان معرّضة المواطنين للخطر، ولنا سوابق في هذا الباب، كما هو الحال بالنسبة لانفجار «السليكون» في أثداء بعض النساء، دون إغفال إشكالية ضريبة القيمة المضافة على الأدوية، والتغطية الصحية للصيادلة، والقائمة طويلة بالاختلالات التي تؤشر كلّها على أن الوضع الصيدلاني معتلّ، وبأن أفقه بات مسدودا في ظل غياب أي نفس حقيقي للإصلاح، باستثناء مبادرات الغيورين على القطاع من بناته وأبنائه، الذين يصرّون على مواجهة التناقضات وسط مخاض عسير أدى بكثير منهم إلى التعرض لأعطاب نفسية وجسدية وإلى إعلان حالة الإفلاس!