بعد إدانته بالسجن 3 سنوات.. طبيب التجميل التازي يغادر أسوار عكاشة    هيئة حقوقية تطالب عامل إقليم الجديدة بوقف سراء سيارتين جماعيتين بقيمة 60 مليون سنتيم    تقرير أمريكي يكشف قوة العلاقات التي تجمع بين المغرب والولايات المتحدة    لقجع: ظلمونا في نهائيات كأس العالم        لقجع يكشف الأسباب الحقيقية وراء إقالة حاليلوزيتش وتعيين الركراكي    كتل ضبابية ورياح قوية بهذه المناطق في طقس يوم السبت    كيف تساعد الصين إيران في الالتفاف على العقوبات الدولية؟    وفرة المنتجات في الأسواق تعيق طيّ "صفحة الدلاح" بإقليم طاطا    إعدام أشجار يخلف استياء بالقصر الكبير    القضاء يسقط جناية الاتجار بالبشر عن التازي.. الطبيب يغادر "سجن عكاشة"    الداكي يستعرض إشكالات "غسل الأموال"    أزيلال.. افتتاح المهرجان الوطني الثالث للمسرح وفنون الشارع لإثران آيت عتاب    "الداخلية" تطمئن موظفي الجماعات المحلية: الحوار سيعود لحل الملفات العالقة    ماركا الإسبانية: أيوب الكعبي الميزة الرئيسية لنتائج أولمبياكوس الجيدة    خبير تغذية يوصي بتناول هذا الخضار قبل النوم: فوائده مذهلة    تفاعل أمني مع شريط فيديو متداول يوقف شابا متورطا في سرقة سيارة    الدورة الثالثة للمعرض الدولي للأركان من 08 إلى 12 ماي الجاري بأكادير    تشييع جثمان النويضي .. سياسيون وحقوقيون يعددون مناقب الراحل (فيديو)    مطالبات في لبنان بحجب تطبيق تيك توك إثر استخدامه من عصابة متورطة بشبهات جرائم جنسية    بانجول.. افتتاح سفارة المملكة المغربية في غامبيا    بالصور والفيديو: شعلة الحراك الطلابي الأمريكي تمتد إلى جامعات حول العالم    الأمثال العامية بتطوان... (589)    حموشي تباحث مع السفير المفوض فوق العادة للسعودية المعتمد بالمغرب بخصوص تطوير التعاون الأمني بين البلدين    صفعة جديدة لنظام العسكر.. ال"طاس" ترفض الطلب الاستعجالي لل"فاف" بخصوص مباراة بركان واتحاد العاصمة    منظمة دولية: المغرب يتقدم في مؤشر حرية الصحافة والجزائر تواصل قمعها للصحافيين    العصبة الوطنية تعلن عن برنامج مباريات ربع نهائي كأس العرش    قضية "الوظيفة مقابل لفلوس".. النيابة العامة فتطوان هبطات اليملاحي المستشار السابق ديال وزير العدل لحبس الصومال    باكستان تطلق أول قمر اصطناعي لاستكشاف سطح القمر    دراسة… الأطفال المولودون بعد حمل بمساعدة طبية لا يواجهون خطر الإصابة بالسرطان    باستعراضات فنية وحضور عازفين موهوبين.. الصويرة تحتضن الدورة ال25 لمهرجان كناوة    المغرب يسجل 13 إصابة جديدة بكورونا    عكس برنامج حكومة أخنوش.. مندوبية التخطيط تكشف عن ارتفاع معدل البطالة في المغرب    ريم فكري تكشف عن معاناتها مع اغتيال زوجها والخلاف مع والديه    "فاو": ارتفاع أسعار الغذاء عالميا    إسبانيا تستقبل أزيد من 16 مليون سائح خلال الربع الأول من العام 2024، ما يعد رقما قياسيا    الملك محمد السادس يهنئ رئيس بولندا    حكومة فرنسا تفرق داعمي غزة بالقوة    المغرب يفكك خلية كانت تحضر لتنفيذ اعمال إرهابية    سعر الذهب يواصل الانخفاض للأسبوع الثاني على التوالي    بعد إلغاء موريتانيا الزيادة في رسومها الجمركية.. أسعار الخضر والفواكه مرشحة للارتفاع    دراسة تربط الغضب المتكرر بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب    جدول مواعيد مباريات المنتخب المغربي في أولمبياد باريس 2024    تركيا توقف التبادل التجاري مع إسرائيل بسبب "المأساة الإنسانية" في غزة    حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية الاسلامي يعلن ترشح رئيسه للانتخابات الرئاسية في موريتانيا    مراسلون بلا حدود عن 2024.. ضغوط سياسية على الاعلام والشرق الأوسط "الأخطر"    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    بركة يعلن عن خارطة طريق للبنيات التحتية استعدادًا لكأس العالم 2030    اختتام الدورة الثانية لملتقى المعتمد الدولي للشعر    عدلي يشيد بتألق "ليفركوزن" في روما    تكريم حار للفنان نعمان لحلو في وزان    هل ما يزال مكيافيلي ملهما بالنسبة للسياسيين؟    مهرجان أيت عتاب يروج للثقافة المحلية    العقائد النصرانية    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        الطيب حمضي ل"رسالة24″: ليست هناك أي علاقة سببية بين لقاح أسترازينيكا والأعراض الجانبية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصائد...حسن نجمي
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 18 - 03 - 2011


رُخَام
هنا يتكلم الحجر
(إِلى الرَّائِعَة مُنَى السَّعُودِي)
رُخَامُهَا سَاخِنٌ. يَمْلَؤُهَا ضَوْءُ الظَّهِيرَةِ بِالحَيَاةِ. ظِلاَلٌ ثَمِلَةٌ وَتَعْبُرُهَا عَتَمَةٌ غَزِيرَةُ الخَمْرَةِ. قدِ غَمَرَتْهَا ذَبْذَبَاتُ الشَّغَفِ فَمَدَّتْ رُخَامَ يَدَيْهَا إِلَيْكَ.
وَأَنْتَ وَاقِفٌ لاَ تُصَدِّقُ. تَتَنَعَّمُ بِرَذَاذِ رُومَا وَتَشُكُّ في رُخَامِهَا.
تَقَدَّمْ قَلِيلاً وَمُدَّ يَدَكَ. فَفِي إِيطالْياَ يَتَكَلَّمُ الحَجَرُ. يَهْزَأُ المِعْمَارُ بِالأَزْمِنَةِ. وَيُمْكِنُكَ أَنْ تُصَاحِبَ مَنْحُوتَةً. تَغْسِلُ عَيْنَيْكَ كُلَّ صَبَاحٍ.
فِي المَسَاءَاتِ البَارِدَةِ تُحِبُّكَ وتُجَاسِدُكَ. تَحْكِي لَكَ تَارِيخَهَا وكَيْفَ كَانَتْ حَجَراً دَفِيناً فِي جَبَلٍ. وَكَيْفَ حَمَلَهَا عَبِيدُ الإِمْبْرَاطُوريَّةِ. وَكيْفَ مَرَّتْ بِهَا أَصَابِعُ الجِنِّ كَمَا تَمُرُّ بِالجَسَدِ رِيحٌ خَفِيفَةٌ. تَنْحَتُ القِوَامَ وَتَتْرُكُ نَدَبَةً فِي الرُّوحِ.
تَقَدَّمْ قليلاً وَالْمَسْهَا. سَتَرَاهَا تَسْتَيْقِظُ تَحْتَ أَصَابِعِكَ.
وَيُمْكِنُكَ أَنْ تُعَبِّرَ لَهَا عَنْ حُبِّكَ. كَلِّمْهَا بِكُلِّ لُغَاتِ جَسَدِكَ. سَتَسْمَعُكَ.
وَلاَ تَأْسَ إِنِ ابْتَسَمَتْ وَلَمْ تُكَلِّمْكَ. هَكَذاَ يَتَكَلَّمُ الرُّخَامُ - بِلاَ كَلِمَاتٍ.
غُرْفَةٌ في رُومَا
فِي رُومَا، فِيَّا سَالاَرْيَا (*)
فِي فُنْدُقِ «بَّانَامَا غَارْدَنْ» الَّذِي هُنَاكَ.
آثَرْتُ أَنْ تَبْقَى الغُرْفَةُ مُتَلَفِّعَةً بِالظَّلاَمِ.
وَأَنْ أَبْقَى وَحْدِي.
بِلاَ أَنْفَاسٍ أُخْرَى تَخْتَلِطُ بِأَنْفَاسِي.
بِلاَ ضَوْءٍ جَذَّابٍ فِي الغُرفَةِ أَوْ فِي الأَبَاجُورَةِ.
بِمَشَاعِرَ مُرَّةٍ تَلِيقُ بقَصِيدَةٍ.
لاَ أُبَالي بِالوَقْتِ يَمْضِي أَوِ بالآخَرِين مُحتَشِدِينَ.
وَحْدِي. بِلاَ ضَوْءٍ. بِلاَ شُمُوعٍ مُنْحَنِيةٍ كَابِيَةٍ -
أَقُولُ لِغُرْفَتِي المُطْفَأةِ: إِنِّي أَثِقُ فِي الظَّلاَمِ.
(*) Via Salaria ( شارع سالاريا)
أَحْلاَم الرُّومَانِي
أَحْلُمُ بِكِ وبِرُومَا.
بِيديْكِ تُوسِعَانِ فَرَاغَ الغُْرفَةِ.
بِأصَابِعِي صَاعِدة إلى صَدْرِِكِ المَغْسُولِ بِاليَاسَمِينِ.
أَحْلُمُ وَ أنَا أتّقدُ وأنَا أنْطَفِئُ علَى ذِرَاعَيكِ.
أَنْظُُر إليك مَغمُورَةً بِغُبارٍ مِنْ ذَهَبٍ في بّورْطا بّورْتيزِي.
َونَحْنُ معًا عند جُدرَانِ الكُولُوسِيُّو نَسْمَعُ نَفَسَ الأمْبرَاطُورْ
كَنَفَسِ أحَدٍ سَيَأْتِي. بِقُرْبِنَا قَرْقَعَةُ حَدِيدِهِ. سَطْوِةُ خُطََوتِهِ فِي نهْرِ
الزّمَنِ. مَعًا فِي مَكْتَبَةِ فِيلْتْرِنيللّي. مَعًا نَتََوقَفُ فِي سَاحَةِ الجَمْهُوِريِةِ
كَيْ نَشْرَبَ الكِينُو أوطّو. مَعًا فِي سَاحَةِ ڤِِينِتْسيَا نَتَبَادَلُ القُبلاتِ
كَمَا يُتَبَادَلُ الأسْرِى. فِي الحُلْْمِ الخَفِيفِ. فِي بياتزَا نَا_ونَا حَيْثُ يَتَراَقَصُ
المَاءُ فِي التّمَاثِيل الحَالِمَةِ بِمَجْدِهَا الرُّوماَنِي.
أحْلُمُ بِكِ الَّليْلة كُلّهَا -
(كَأَنّمَا هِيَ لَيْلَةٌ بِلاَ مَطْلَعِ فَجْرٍ!).
َونَحْنُ نَعْبُُرُ صَامِتَيْنِ كَمَا عَبَََر ريلْكَه كَنَائِسَ نَابّولِي.
تُوقِفُنَا كََمَا أوْقَفَتْهُ شَاهِدَةُ قَْبرٍ.
كَيْ يَتَمَتَعَ بِقَلِيلٍ مِنْ حَيَاةٍ فِي جَلاَلِ سَانْتَا مَاريَّا فُوْرمُوزَا.
.......................................................................
والآنَ. وَالصَّبَاحُ َرطْبٌ عَلَى حَافَةِ الناّفَِذةٍ.
قَدْ جَاءَ يُوقِظُنِي كَمَا يُوقِظُ ظِلاًّ.
أرَى شُعَاعًا حَييًّا يَتَسَلّلُ كَمُفْرَدَةِ مُعْجَمٍ.
يَضَعُ يَدَهُ الجَدِيدَةَ عَلَى مُلاَءَةِ السَّرِيرِ.
دَعِينِي إذنْ أُقيّْدْ صُوَرَ البارحَةِ.
أكْتُبِ القَصِيدَةَ التّي قَضَتِ اللّيْلَة فِي غُرْفَتِي.
دَمٌ على جَنَاحِ طائِرِ
إِلى خالد بلقاسم،
«مَنْ رَآنِي جَازَ النُّطْقَ والصَّمْتَ»
(النفري)
كُلَّمَا التَقَيْتُهُ رَأَيْتُه يَلْتَفِتُ يَمِيناً وَشِمَالاً وَيُكَلِّمُ نَفْسَهُ. رَأَيْتُهُ فِي الظَّهِيرَةِ يَجْمَعُ رَاحَتَيْ يَدَيْهِ الخَاوِيَتَيْن وَيَقُولُ لِي: أَلاَ تَرَى هَذَا المَاءَ؟ إِنَّ عَصَافِيرَ الدُّورِيِّ تَشْرَبُ. وَلَمْ أَرَهَا. أَسْأَلْهُ عَنْهَا... يَقُولُ لِي: قَدْ عَطِشَتْ وَلَهَا خَجَلٌ يَمْنَعُهَا مِنْ أنْ تَجْلُوَ للنَّاسِ. قُلْتُ: لِمَ تَخْجَلُ مِنِّي، وَأَنَا صَدِيقٌ لَهَا وَلَكَ؟ قَالَ هِيَ بِقُرْبِكَ يَا صَديقِي وَلكِنَّكَ لاَ تَرَى. وَقَدْ رَأَيتُهُ فِي العَشِيَّةِ يُقَلِّدُ هَدِيلَ النَّوارِسِ وَيَجْمَعُ قَبْضَةَ يَدِهِ. قَالَ لِي: إِنَّ طُيُورَ البَحْرِ جَائِعةٌ. أَلا تَرَى مَا في يَدِي مِنْ زُؤَانٍ؟ وَلَمْ أَرَ أَثَراً لِطَيرٍ مِنْ حَوْلِهِ. يَدُهُ الفَارِغَةُ فَقَطَُّ. قَالَ لِي صِرْتَ أَعْمَى يا صَدِيقِي. أَكُلُّ هَذَا الامتِدَادِ الأَزْرقَ وَلاَ تَرَى بَحْراً؟ وَهَذَا الهَدِيلُ كُلُّهُ وَلاَ تَرَى جَذَلَ النَّوَارِسِ مِنْ حَوْلِكَ؟ أَلاَ تَرَى أَمْ جئْتَ تُفْسِدُ سِرِّي؟ وَمَدَّ يَدَهُ فِي الهَوَاءِ. وَكَمَا لَوْ أَمْسَكَ بِطَائِرٍ سَأَلَني: أَلاَ تَرى هَذَا الجُرْحَ فِي الجَنَاحِ الأَبيض؟ أَلاَ تَرَى هَذا الرِّيشَ مُلطَّخاً بِالدَّمِ؟ َحَدَّقْتُ -وَلمْ أَرَ شَيْئاً. حَدَّقْتُ وَلَمْ أَرَ أَحَداً.
...........................
وَرَأَيْتُهُ يَشْلَحُ عَنْ جَسَدِهِ كُلَّ ثِيابِهِ. يَعْرَى مِثْلَ وَلِيدٍ بِلاَ أَقْمَاطٍ. رَأَيْتُهُ يُرَفْرِفُ بِذِرَاعَيْهِ. ويَهُبُّ مُسْرِعاً في الشَّارِعِ الطَّوِيلِ المُقْفِرِ: ما أَجْمَلَ أَجْنِحَتَهُ! ورَأَيْتُهُ يَقْتَحِمُ غَيْمَةً بَيْضَاءَ كَأَنَّ مَلاَكاً أَلْقَى عَلَيْهِ بِجَنَاحِهِ. وَلَمْ أَعُدْ أَعْرِفُ هَلْ رُفِعَ أَم تَحَلَّلَ سُكَّراً فِي الغَيْمِ.
رجل يطل على حياته
« أنا فارغ وأسود مثل فرن»
( ماكس جاكوب- Poèmes épars)
الشّرفات عارية تُلقِي ببعض الضّوء.
لعلّها تواصل السهر أو تَتَصَابَى في آخر اللّيل.
أرى الألوان على حبال الغسيل،
غامضة..
هناك فوق سُطُوحِ الجيران،
والحارس المغربيُّ يغتسل في حديقة السفارة.
واقفا أُطِلُّ من شرفة كأنها في لوحة زيت.
أََشُكُُّ في الغيم الذي يَعبُر على عجل في سماء مرتجفة.
أرى عُمَّالَ البلدية ينظفون الشارع.
فوق رؤوسهم لافتات نسيها المنظمون الكسالى.
آخر النَبَّاشِينَ يركن عربته.
يَدُُّّسُّ رأسه في قمامة الشارع الفارغ.
كلاب شاردة تداعب كلبة بدت محتارة في اللّيل.
أحصنة تتعانق على شاحنة عابرة.
كأنها في طريقها إلى الذبح.
سائق يَعْبُرُ سَكْرانَ كاد ينقلب عند المنعطف.
نوافذ ساهرة أثارتها الفرملة المضغوطة.
وألتفت لأنظر إلى نظرتك.
شيء بيننا مرتاب.
أفتح عينين واسعتين على شعاع وجهك.
كأنما أراه يسقط في الجهة الأخرى.
مثل َوتٍَر فقد رغبة الرّنين.
واقفا أنتظر أحدًا أو شيئًا.
أضع يدي على لوح الخشب البارد في الليل.
صرت أذْعَنُ للظلام كأن لم تعد روحي تشبهني.
في الشرفة - واقف أطلُّ على حياتي.
صَوْتُكِ..
كَأَنَّهُ الرَّبْوُ أَصَابَ الرِّيحَ!
هَذَا الزُّكَامُ. هَذَا السُّعَالُ. هَذَا العُطَاسُ. هَذَا الخَريفُ الطَّوِيلُ.
وَهَذِهِ البُرُودَةُ فِي الطَّابَقِ الثَّالِثِ. وَنَوَافِذُ الرِّبَاطِ عَالِيَةٌ تَسْتَدعِي منَاخَ الشَّمَالِ البَعِيدِ
(كُلُّ هَذَا الجَلِيدِ مِنْ حَوْلِي - مِنْ أَيْنَ يَهُبُّ الغُبَارُ؟).
غَدِرَ بِي صَوْتِي -وَأَصْعَدُ دَرْجَ العِمَارَةِ لاَهِثاً.
مَنَحْتِنِي أَنْفَاسَكِ لأَقْوَى
وصَوْتَكِ لأَتَأَلَّمَ.
الكَمَنْجَاتْ
عندما كان سقراط في سجنه ينتظر تنفيذ الحكم بإعدامه،
سمع موسيقيا يُغنّي قصيدةً للشاعرالصِّقلي سْتيزيكُوري
Stesichore )القرن6 ق.م) فالتمس منه أن يُلقنه الأغنية.
سأله الموسيقي عن الجدوى من تعلُّم هذه الأغنية، فأجابه
سقراط:عليّ أن أعرفها قبل أن أموتَ.
( Ammien Marcellin, XXXVIII,4)
أَنَا مِنْ هُنَاكَ.
تَأْتِينِي الرِّيحُ بِأَصْوَاتِ الكَمَنْجَاتِ.
وَأُغَنِّيَ أُغْنِيَةَ حُبِّي القَدِيمِ.
كَأَنَّ كَمَنْجَةً عَلَى رُكْبَتِي.
الخَيْلُ هُنَا فِي الأُغْنِيَةِ.
مَا مِنْ شَيءٍ غَيْرُ الشَّرَاشِفِ والمَلاَءَاتِ
(بَيْضَاءُ بَارِدَةٌ).
مَا مِنْ أَحَدٍ مَعِي غَيْرُ ذِكْرى صَوْتِكِ.
غَنِّي لِيَ غِنَاءَكِ.
غَنِّي لِي مَا لاَ يَطْلُبُهُ المُسْتَمِعُونَ.
سَأَسْمَعُكِ وَلَوْ مِنْ بَعِيدٍ.. وَلَوْ مِنْ وَرَاءِ التُّرابِ.
أُرَدِّدُ الكَلِمَاتِ الَّتِي غَنَّيْنَاهَا مَعاً.
أَطْفُو فِي صَوْتِكِ.
أَنْحَنِي بِقُبَّعَتِي تَحِيَّةً أَوِ اعْتِذَاراً لِلطَّرِيقِ.
وَأنَا أَمْشِي فِي الأُفْقِ وَحْدِي.
.........................
.........................
آهٍ.. لَوْ يَتَرَفَّقِ العَازِفُ بِالكَمَنْجَةِ قَلِيلاً -
إِنَّ قَوْسَهُ لا تُحْسِنُ الذَّبْحَ.
صَبيُّ المَسَاء
أُعَدِّلُ جُرْحاً بِجُرْحٍ
ذَلِكَ الصَّبِيُّ المُمْتَلِيءُ بِلَحْظَةِ المَسَاءِ.
الصَّامِتُ. المُتَكَِتِّمُ عَلَى أَسْرَارِهِ مِثْلَ أَكْمَامِ الوَرْدِ.
لَمْ يَعُدْ يَلْعَبُ الكُرَةَ أَوْ تُغْرِيهِ أَعْشَاشُ الدُّورِيِّ.
وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكْبُرْ بَعْدُ -كَلَّمْتُهُ أَمْسِ فِي اللَّيلِ:
عِنْدَمَا كُنْتُكَ لَمْ تَكُنْ ذِرَاعِي فَارِغَةً. لَمْ يَكُنْ جَسَدِي وَحِيداً.
لَمْ أَكُنْ بِلاَ حُلْمٍ. لَمْ أَكُنْ بِلاَ حُبٍّ.
وَلَمْ أَكُنْ بِلاَ صَلْصَالٍ يَتَنَفَّسُ فِي قَامَةٍ عَارِيةٍ هُنَا، فِي جِوَارِي.
إِنَّمَا تَعَطَّلَتِ الآنَ سَاعَةُ الرَّمْلِ.
لَمْ أَعُدْ أَقُولُ فِي القَصِيدَةِ أَيَّ شَيءٍ.
مَا زِلْتُ كَمَا كُنْتُكَ جَرِيحاً.
لََمْ أُشْفَ بَعْدُ - إنَّمَا أُعَدِّلُ جُرْحاً بِجُرْحٍ.
ذَلِكَ الصَّبِيُّ - هُنَاكَ تَبْقَى حَيْرَتُهُ.
البَنَاتْ
(إِلى بَنَاتِي: رِيمَا، لِينَا، شَامَة)
جَلَسْتُ لأَكْتُبَ قَصيدَةً جَديدَةً، اليَوْمَ - يَوْمَ أَحَدٍ بَعْدَ الظَّهِيرَةِ.
كُنْتُ فَكَّرْتُ فِي بَنَاتِي الثَّلاَثِ. فِي مَا يُوشِجُ بَيْنَنَا. ثُمَّ تَوَقَّفْتُ.
تَذَكَّرْتُ رِيتْسُوسْ. تَذكَّرْتُ قَصِيدَتَهُ (Graganda) وَالبَنَاتِ الثَّلاَثِ لِصَانِعِ التَّوابِيتِ. كُنَّ يَجْلِسْنَ عَلَى حَافَةِ النَّافِذَةِ وَهُنَّ يَكْسِرنَ الجَوْزَ - وَاحِدَةٌ بِحَجَرٍ فِي يَدِهَا. وَاحِدَةٌ بِأَسْنَانِهَا. وَاحِدَةٌ بِيَدِ مَهْرَاسْ.*
................................
هُنَّ بَنَاتِي.. غَيْرَ أَنِّي صَانِعُ حَيَاةٍ.
رَجُلٌ فِي المُفْتَرَقْ
وَاقِفٌ فِي مُفْتَرَقِ الطُّرُقِ.
يُشَيِّعُ العَابِرينَ بِتَلْوِيحَاتِ يَدَيْهِ.
مِثْلَ مُتَرَنِّحٍ لَمْ يَتَسَاهَلْ مَعَ كَأْسِ اللَّيْلَةِ -
كَانَ يُكَلِّمُ نَفْسَهُ بِصَوْتٍ عَالٍ.
(يده لَمْ تَكُنْ تَعْرِفُ كَيْفَ تُلَوِّحُ).
كَانَ بِلاَ أَمَلٍ لِيَخِيبَ.
كَانَ بِلاَ كِيَّانٍ لِيَتَجَذَّرَ فِي كِيَّانِهِ.
كَأَنَّمَا كَانَ بِلاَ طَرِيقٍ لِيَمْشِيَ.
................
وَاقِفٌ فِي المُفْتَرَقِ.
وَحِيداً يُبَدِّدُ مَا تَبَقَّى مِنْ غيْمٍ.
وبِلاَ عَيْنَيْنِ، كَانَ، لِيَرَى.
الأَعداء
»عند كل انهيار للأَدِلَّة
يُجِيبُ الشَّاعرُ بِرشْقَةِ مُسْتَقْبَلٍ«
(روني شار)
عَاصِفَةٌ تَجْتَاحُ رَأْسَكَ -
تُدَاعِبُ الرِّيحُ أَوْرَاقَ خَرِيفِكَ اليَابِسَةَ.
السَّمَاءُ قُرْبَ يَدَيْكَ.
الصَّمْتُ الذي حَوْلَكَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُسْعِفَكَ أَكْثَر.
لَكَ أَنْ تَسْتَمِعَ إِلى صُراخِكَ القَدِيمِ كلّه.
لَكَ أَنْ تُطِلَّ مِنْ نَافِذتِكَ المُشْرِفَةِ عَلَى النَّهْرِ.
وأن َتَنْظُر إِلى العَصَافِيرِ المُحَلِّقَةِ كَأَسْْمَاك الأَكْواريُومْ.
لاَبُدَّ أَنْ تَسْتَعِيدَ نَظْرَتَكَ الأُولَى.
...........................
كَجُنْدِيٍّ قَدِيمٍ نَسِيَتْهُ الحَرْبُ فِي الخَنْدَقِ -
يُمْكِنُكَ أَنْ تَرْفَعَ عَيْنَيْكَ قَلِيلاً.
(حَذِراً كَأَيِّلٍ يَقْتَرِبُ مِنْ غَدِيرِ السِّبَاعِ).
لِتَتَأَكَّدَ مِنْ أَنَّ رَصَاصَ الأَعدَاءِ نَفَدَ.
وَأَنَّ الأَعدَاءَ انْصَرَفُوا.
وَأَنَّ الشَّمْسَ مَا زَالَتْ هُنَا.
وَحَدَهَا، الشمس، لَمْ تَتَخَلَّ عَنْكَ.
الانْصِرَافْ
»إنَنَا خَارْجَ العَالَم.. هو القَبْر«
(رَامْبُو)
الفَمُ المُمْتَلِئُ بِكَلِمَاتِكَ زَمَّ شَفَتَيْهِِ.
يَدُكَ تَمْسَحُ حَبَّاتِ العَرَقِ عَنْ جَبِينِكَ.
صِرْتَ تَبْحَثُ عَنْ زُرْقَتِكَ مِثْلَ بَحْرٍ.
صِرْتَ بِلاَ خُضْرَةٍ كَشَجَرةِ حَطَّابٍ.
امْتَلأْتَ بِالنََّبِيذِ لَعَلَّكَ تَعْثُرُ عَلَى ذِكْرَى الدََّالِيَةِ.
تَقَدَّمْتَ فِي الفَرَاغِ كَأَنكَ تَخَتَرِعُ نَهَاراً آخَر لِيَدَيْكَ.
أَرَاكَ تَتَرَجْرَجُ مِثْلَ حَيَاةٍ انْكَسَرَتْ أَجْنِحَتُهَا.
تَعْلُو كهَوَاءٍ خَانِقٍ وتَنْخَفِضُ سَطْحَ مَاءٍ تَأَسَّنَ.
تَسْقُطُ كَسُلَّمِ خَشَبٍ لَهُ طُمُوحُ السَّمَاءِ.
ثُمَّ تَكَثِّفُ الضَّوْءَ لتَمُوتَ قُرْبَ جِدَارٍ -
كَمَا يَمُوتُ ظِلٌّ فَقَدَ الأَمَل.
..........................
أَيْقِظِينِي مُبَكّراً -
أُرِيدُ أَنْ أُسَافِرَ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.