وزير الصحة في مرمى الانتقاد بسبب إقصاء 8 ملايين مغربي من التغطية الصحية    "رايان إير" تطلق خطا جويا بين طنجة وورزازات    أول تعليق إسرائيلي رسمي على موافقة حماس على مقترح الهدنة    "البوليساريو" أداة وصنع جزائري موجه لتقسيم المغرب الى سرطان يفتك ويهدد الوجود الجزائري    المبادلات الخارجية: المؤشرات الشهرية لمكتب الصرف في عشر نقاط رئيسية    بلاغ جديد وهام من المديرية العامة للضرائب    مرصد يحذر من انفراد الحكومة في تنزيل "إصلاح التقاعد" و"قانون الإضراب"    استعراض تجربة المغرب في مجال مكافحة الفساد خلال منتدى عربي بالقاهرة    النصيري يقتحم قائمة أفضل 10 هدافين في تاريخ إشبيلية الإسباني    ارتفاع الاستثمار الأجنبي المباشر في المغرب ب56,2% عند متم مارس 2024    مئات الفلسطينيين ينزحون من شرقي رفح إلى غربي قطاع غزة    بسبب تصرفات مشينة وعنيفة.. تأجيل محاكمة محمد زيان في قضية اختلاس أموال الحزب الليبرالي    الفيفا تصدر أول تصنيف عالمي لمنتخبات الفوتسال.. وأسود الأطلس في المرتبة السادسة عالميا    لاعبين الزمالك كاعيين قبل الفينال ضد بركان ومدربهم كيحاول يكالميهم    ماكرون يطالب بمشاركة مبابي في أولمبياد باريس    عاجل.. القضاء يعزل رئيس الرجاء محمد بودريقة من رئاسة مقاطعة مرس السلطان    ملف "التوظيف مقابل المال".. دفاع اليملاحي يلتمس السراح المؤقت والقاضي يؤجل الجلسة    المحرشي ..الخياط لي عندو قصر فالرباط رجع من الغربة وبغا يدير وساطة والتمس من الحكومة دير حل لإضرابات طلبة الطب: وها كيفاش تجاهلو وزير الصحة    وفاة المقدّم التلفزيوني الفرنسي الشهير برنار بيفو    تطويق أمني بالعاصمة يحول "مسيرة الصمود" لأطباء الغد إلى "وقفة الحشود"    إسرائيل تغلق مكتب الجزيرة وألمانيا تنتقد القرار    حصيلة منجزات وكالة بيت مال القدس فاقت 13,8 مليون دولار خلال الخمس سنوات الأخيرة    الضمان الاجتماعي الإسباني يتحاوز عتبة 21 مليون منتسب    البرجاوي للدار: حكومة اخنوش تمكنت من إرساء الركائز القانونية والمؤسساتية واللوجستيكية للدولة الاجتماعية    تطوان: إطلاق طلب عروض لإنجاز منطقة الأنشطة الاقتصادية والحرفية "كويلمة"    ارتفاع حصيلة قتلى الفيضانات في البرازيل إلى 83    بلقصيري: أجواء افتتاح مهرجان سينما المرأة والطفل في دورته الأولى    هذه تفاصيل موجة الحرارة المرتقبة في المغرب ابتداء من يوم غد الثلاثاء    وثائقي فريد من وزارة الثقافة والتواصل يبرز 6 ألوان فنية شعبية على ضفاف وادي درعة    اللي كيمشي لطريفة وعزيز عليه الطون والسربيسة والسينما: ها مهرجان وها الافلام المغربية المعروضة فيه    إضراب جديد يشل محاكم المملكة    لأول مرة.. تاعرابت يحكي قصة خلافه مع البرازيلي "كاكا"    بسبب الهلال.. لجنة الانضباط تعاقب فريق الاتحاد السعودي وحمد الله    تسجيل بقوة 2.5 درجات على سلم ريشتر بإقليم تاونات    مبادرة التنمية البشرية تمول 4174 مشروعا بأكثر من ملياري درهم بجهة طنجة    المغرب يحتضن الدورة 16 للبطولة الإفريقية للدراجات الجبلية    حماة المال العام: "حفظ طلبات التبليغ عن الجرائم من شأنه أن يوفر الحصانة لمتهمين متورطين في مخالفات جنائية خطيرة"    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    تفاصيل جديدة حول عملية نقل "درب عمر" إلى مديونة    أسعار النفط العالمية تعود إلى الارتفاع    الذهب يصعد وسط توترات الشرق الأوسط وآمال خفض الفائدة في أمريكا    وفاة مدرب الأرجنتين السابق لويس مينوتي بطل مونديال 1978    بعشرات الصواريخ.. حزب الله يستهدف قاعدة إسرائيلية في الجولان    مهرجان الجونة السينمائي يفتح باب التسجيل للدورة السابعة من "منصة الجونة السينمائية"    "الثّلث الخالي" في القاعات السينمائية المغربية إبتداء من 15 ماي الجاري    دراسة: السجائر الإلكترونية قد تسبب ضررا في نمو الدماغ    المشاهد الجنسية في أفلام هوليوود تراجعات بنسبة 40% وها علاش    باحثة: الضحك يقدر يكون وسيلة واعرة لعلاج الناس    اعتصامات طلاب أمريكا...جيل أمريكي جديد مساند لفلسطين    رأي حداثي في تيار الحداثة    دراسة حديثة تحذر المراهقين من تأثير السجائر الإلكترونية على أدمغتهم    السفه العقدي بين البواعث النفسية والمؤثرات الشيطانية    جواد مبروكي: الحمل والدور الحاسم للأب    منظمة تدعو لفتح تحقيق في مصرع عامل بمعمل تصبير السمك بآسفي    الأمثال العامية بتطوان... (589)    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القرار الاتّهامي : لبنان الى أين؟

أخيراً، وبعد انتظار ست سنوات، صدر القرار الاتّهامي في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري. ومع أن نصّ القرار ولائحة الاتّهامات لم ينشرا ولم تتّضح خلفيّاته بعد، فإن لبنان بعد صدوره لم يعد يشبه لبنان قبل صدوره، فاتّهام أربعة من عناصر «حزب الله» بتنفيذ جريمة الاغتيال، قطع الشك باليقين من جهة، وأدخل البلد كلّه في مسار جديد ومواجهة سياسية مرشّحة لأن تطول، علماً بأن المسار القضائي لم يبلغ بعد مرحلة الادانة. والمفاجأة أن لبنان استقبل بهدوء مذكّرات الجلب الأربع التي أصدرتها المحكمة الدولية، بعد ست سنوات وأربعة أشهر ونصف على 14 فبراير الذي أودى بحياة رئيس الوزراء السابق. لكن مثلما أحدث الاغتيال تغييرات حادّة في المشهد السياسي، فإن القرار الاتّهامي من شأنه أن يحدث أيضاً شرخاً نفسيّاً عميقاً بين مؤيّديه ورافضيه.
الطرف الرئيسي المؤيّد للقرار، أي فريق 14 آذار، وخصوصاً «تيار المستقبل» الذي أسّسه الرئيس الراحل، بالتفجير، ويتزعّمه الآن ابنه الرئيس سعد الحريري الوصي على الدم، وجد في القرار انتصاراً سياسياً كبيراً بعد الصدمة التي تلقّاها أخيراً بخروجه من السلطة وانتقاله الى صفوف الأقلّيّة، فيما اعتبره انقلاباً سياسياً كبيراً نفّذته قوى 8 آذار مدعومة بالسوريين والإيرانيين لوضع اليد على لبنان، سارع الى نفي تهمة التسييس عن المحكمة الخاصة بلبنان التي يطلقها خصومهم السياسيون اللبنانيون وحلفاؤهم، وخصوصاً »حزب الله« الذي وفّر كل ما يلزم من وثائق وشهادات وثبوت ودلائل وقرائن على أن المحكمة مسيّسة، ونشرها في مؤتمرات صحافية تولاّها الأمين العام للحزب السيّد حسن نصر الله مباشرة، وكان آخرها مساء السبت الفائت بعد 48 ساعة من صدور القرار، وقدّم فيها ما يكفي من براهين للنيل من صدقيّة المحكمة وعدم شفافيّتها، وارتباط قضاتها الكبار ومحقّيقيها الرئيسيّين بأجهزة الاستخبارات الدولية، وخصوصاً الأميركية والإسرائيلية والبريطانية، مؤكّداً بوثائق مبرمة الدور الإسرائيلي في حرف مسار التحقيق نحو المقاومة اللبنانية، التي هزمت نخبة الجيش الإسرائيلي في العام 2006 للنيل من قادتها الكبار، الذين ورد اسم أحد كبارهم مصطفى بدر الدين كمتصدّر للائحة الاتّهام، وعدم أخذ المحكمة بإثباتات عن تحرّكات إسرائيلية مريبة ومشبوهة يوم الجريمة وقبلها. واعتبرت قوى 14 آذار في دفوعها عن القرار، أنه يوفّر لأول مرّة في تاريخ لبنان »الفرصة المواتية لتأخذ العدالة مجراها، بما يضع حدّاً للجريمة السياسية على الساحة اللبنانية«، مؤكّدةً في هذا المجال أنّ »قوى الرابع عشر من آذار بعيدة كل البعد في تأييدها المحكمة عن منطق التشفّي والانتقام، وهي تميّز تمييزاً تامّاً في مطالبتها بإنزال العقاب بالمجرمين بين شخص المجرم وبين المجموعات والطوائف والمذاهب والعائلات التي ينتمي إليها«. وأعرب قادتها في المقابل عن »عزم قوى الرابع عشر من آذار على العمل بكل قواها لئلا يستفيد أي طرف طائفي أو متشدّد أو حزبي، مما سيرد في القرار الاتّهامي، في سبيل إطلاق عملية تجييش طائفي ومذهبي في أي اتجاه كان«.
الحزب المتّهم

وفي المقابل، ثمّة استحالة لدى »حزب الله« الاعتراف بدور بدر الدين ورفاقه الثلاثة الحزبيين المتّهمين بالتورّط في الاغتيال، ولا التساهل في التعاطي مع وقفهما، ولا تقبّل فكرة تورّطهما في اغتيال الرئيس السابق للحكومة، على نحو يؤول حكماً إلى توجيه الاتّهام إلى المرجعيّة الأرفع في الحزب. وما كان يصحّ في قول نصر الله أن اتّهام القيادي الرفيع السابق في الحزب عماد مغنيّة بالضلوع في اغتيال الحريري الأب هو اتّهام لنصر الله ذاته، يصحّ في قياس مماثل مع بدر الدين ورفاقه سليم العيّاش وأسد صبرا وحسين عنيسي.
ولا ريب في أن توقيت الاطلالة الأولى للأمين العام ل»حزب الله«، بعد نحو 48 ساعة على تسليم المحكمة الدولية قرارها الاتّهامي الى السلطات القضائية اللبنانية، ينطوي على معنى أساسي، هو أن قيادة الحزب قرّرت، عن سابق وعي وتصميم، فتح باب المواجهة باكراً مع هذا القرار الذي كانت تعرف سلفاً وقبل زمن بعيد، تفاصيله وحيثيّاته، وهي أشارت إليه مراراً وتكراراً، والهادف الى تشويه صورتها وقتل روح المقاومة فيها. وبهذا المعنى لن يتوارى الحزب، كما ردّد بعضهم، خلف مقولات انتظار مضمون التقرير نفسه وخلف مسألة الاطّلاع على حيثيّاته.
ولم يعد سرّاً، أن مواجهة الحزب لهذا القرار الزاحف إليه كالقدر، لم تبدأ من الآن، فقد بدأت عملية المواجهة من زمن بعيد، وتحديداً منذ التقرير الذي نشرته مجلّة »در شبيغل« الألمانية، والذي تضمّن الأسماء والمهمّة نفسها التي وردت في الطبعة الأخيرة للقرار، وقبلها منذ تبلّغت »بلسان رسمي« عن هذا القرار، من أعلى المستويات عند الطرف الآخر الى أعلى المستويات عندها، على أمل أن يكون هذا التبليغ بداية »صفقة« تضع الحزب في موضع المتّهم المحمي، في مقابل أن يعترف ويقرّ بواقع يجعله أسيراً له.
وليس خافياً أن مواجهة الحزب للقرار وهو جنين، يتلمّس طريقه للخروج في اللحظة السياسية المواتية التي تنوّعت عبر محطّات عدّة وليس أقلّها »التشهير« بالمحكمة، وإلقاء الضوء على الثغر التي اعتبرتها، بدءاً من زجّها الضبّاط الأربعة في السجن، الى التنبيه الى مخاطره، فضلاً عن النيل من الأسانيد التي يمكن أن يعتمد عليها القرار، حتى قيل للحزب وللمتابعين أحياناً إن هذا القرار أفرغ من مضمونه ومن جوهره، وفقد الكثير من صدقيّته قبيل أن يظهر بالصورة التي ظهر عليها.
ولعلّ المحطّة التصادمية الكبرى التي اختارها الحزب مع القرار، هي خطوته بإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري وما أعقبها من تطوّرات متسارعة.
في ذلك الوقت، كانت »أجواء« الحزب تعيش في أن القرار قد بات في حكم الصدور، وتالياً لم يكن أمام الحزب إلاّ أن يلج مرحلة ما بعد الصدور، بكل ما تعنيه من مخاطر ومهمّات وألوان عدّة من الضغوط والصعوبات، وأشكال شتّى من المواجهات، وأوّلها مسألة التعامل مع الرئيس الحريري، واستطراداً الحريرية السياسية بكل معالمها داخل الدولة وخارجها. وبمعنى آخر، أفهم الحزب من يعنيهم الأمر بأن »الثمن« الأول للقرار قبيل صدوره هو إبعاد المتشبّثين من سدّة الحكم كخطوة أولى، تمهيداً للبدء بالمرحلة الثانية، والتي كانت ولا ريب النجاح في تمهيد الطريق نحو تأليف حكومة أخرى تخلو تماماً من فريق المحكمة الدولية وقرارها الاتّهامي.
وإذا كانت تلك »الضربة«، على بلاغتها وضراوتها، خطوة المواجهة الأولى مع القرار قبيل صيرورته أمراً واقعاً، فإن السؤال بات ما هي خطوات الحزب المقبلة لاستيعاب مفاعيل ما حصل قبل يومين، وتداعيات ما سيطرأ في المقبل من الأيام.
وفق دوائر الحزب المعنيّة، فإن لدى الحزب خططاً عن سابق تصوّر وتصميم للضربة الأولى، وما يلي من الضربات الوقائية والاستباقية في آن، لا سيما عندما تكون المعركة بهذه الشراسة، ويكون الشعور لدى الحزب بأن هذه المواجهة التي شنّت عليه عبر القرار هي امتداد لحرب تموز (يوليو)، أهدافاً واستهدافاً، التي شنّت عليه صيف عام 2006، وعليه فهو لم يفاجأ عندما بدأت أصابع الاتّهام بجريمة اغتيال الرئيس الحريري توجّه إليه بعدما كان بريئاً بلسان المحقّق الأول في الجريمة ثم بلسان الرئيس سعد الحريري نفسه.
وفي كل الأحوال، فإن الحزب ربما كان فوجئ بتزامن صدور القرار، في اللحظة التي كانت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تناقش فيها بند المحكمة الدولية وسبل مقارنة هذه القضية الشائكة. وعليه، كان الرد الأول بإقرار البند في الصورة التي ورد فيها، ومن ثم كان التعجيل في إقرار البيان الوزاري كلّه، مما أكّد للحزب أن إصدار القرار في هذه اللحظة لم ينجح في تحقيق أهدافه، فلا مسار الحكومة الجديدة توقّف ولا مضمون البيان الوزاري انحرف عن وجهته، وهذا يعني بالنسبة للحزب نجاحاً أوليّاً في خيار المواجهة، على مستوى مؤسّسات الحكم التي لم تعد بيد خصومه، مما يبرهن له على أن خياره في إسقاط حكومة الحريري قبل نحو ستة أشهر كان خياراً صائباً وفي اللحظة المناسبة.
ومما زاد »اطمئنان« الحزب وثقته وهو يقرّر المواجهة أن الحلفاء الذين اختار التعاون معهم في المرحلة »الصعبة«، وفي مقدّمهم الرئيس ميقاتي، أثبتوا بالبرهان والدليل أنهم ماضون في خياراتهم وثابتون في قرارهم، وهذا ما تجسّد أكثر ما يكون في إطلالة الرئيس ميقاتي، بعد وقت قصير على تسليم القرار الاتّهامي، في المواقف الجليّة والواضحة والحازمة التي أطلقها والتي تؤكّد ثبات الرجل، وتبرهن على أنه ما قرّر خوض المواجهة من 25 يناير، إلا عن سابق رغبة في إحداث تحوّل في الحياة السياسية اللبنانية، ولا سيما على مستوى رئاسة الحكومة.
وإذا كان ذلك يوحي بأن الحزب بات يسند ظهره في المواجهة الى سند رسمي قوي مستعدّ للذهاب معه الى أقصى الحدود، فإن السؤال ماذا سيفعل هو للذود عن حياضه في هذه »التهمة« التي شاء خصومه أن يحاصروه بها، ويعتبروها الفرصة الذهبية لتصفية الحساب معه، وفاق ما لهجت به ألسنتهم بصريح العبارة؟
إطلالة السيد نصر الله هي إشارة البدء بالمواجهة السياسية، وبعدها ستكرّ سبحة المفاجآت والمواجهات، التي لن تخلو بطبيعة الحال من العودة الى النهج الذي اتّبعه سابقاً في »تعرية« المحكمة وإظهار مكامن الضعف في سلوكها ونقاط الوهن في القرار نفسه.
وبهذا سيكون للحزب أسلوبان في المواجهة: الأسلوب السياسي المستند الى الدعم الرسمي، والأسلوب القانوني الذي سبق أن استخدمه. ولا يفوت الحزب أن الذين وجدوا في القرار الاتّهامي قارب عودتهم الى الصدارة والواجهة، باتوا يعتمدون في أمر عمليّاتهم على مسألة وضع حكومة ميقاتي في مواجهة المجتمع الدولي، وهو أمر يأخذه الحزب في الحسبان، ويدرك أيضاً أن عليه أن يأخذ احتياطاته في هذا المجال، و»يحصّن« الحكومة التي باتت أحد دفاعاته الأساسية.
الى أين؟

لكن هل هذا وحده كفيل بتثبيت الاستقرار في البلد وعدم الانجرار الى الفتنة الطائفية، التي يقول الحزب إن الدوائر الغربية والإسرائيلية تخطّط لها منذ لحظة اغتيال الرئيس الحريري، وبذلت محاولات مستميتة لجرّ اللبنانيين إليها بعد فشل عدوان تموز (يوليو) 2006 الإسرائيلي على لبنان ومقاومته، ولا سيما في محطّة 7 أيار (مايو) 2009، وما سبقها وما تبعها من أحداث تصبّ في هذه الخانة؟ وهل ستصمت 14 أذار على تحدّي الحزب للقرارات الدولية وعدم تسليمه المطلوبين أم ستنزل الى الشارع، الأمر الذي قد يستدرج الشارع الآخر الى النزول المضاد؟ أم أنها ستكتفي برفع الصوت عالياً في المؤسّسات الدستورية مثل مجلس النواب، والاحتجاج السلمي بالمسيرات الشعبية المسالمة والاحتفالات الجماهيرية، والتركيز في المقابل على الحكومة، واستثمار الضغط الدولي المتوقّع ضدّها، في محاولة لإسقاطها في أسرع وقت ممكن تحت شعار شعبوي رابح وخطر، وهو أن الحكومة الميقاتية هي »حكومة حماية القتلة«، وجعل الرئيس ميقاتي أسير »قفص المحكمة«؟
وهل ستقف مسألة المحاكمة عند حدود لبنان، أم أن هناك أجندات سياسية أخرى مدرجة على جدول الأعمال الغربي والأميركي والإسرائيلي، لا سيما في ظلّ ما يحصل في سورية والمواجهة المفتوحة مع إيران؟
وفي حال عدم تلبية الحكومة اللبنانية الجديدة مطلب المحكمة في وقف المطلوبين الأربعة، أو غيرهم بعد إجراء محاكمات غيابية في لاهاي، هل سيصار الى جرّ لبنان الى مجلس الأمن ما دامت المحكمة تأتي تحت بند الفصل السابع، الذي يسمح للأمم المتحدة بالتدخّل مباشرة وعسكرياً في الشؤون الداخلية للبلد، وما يترتّب على ذلك من تداعيات وخيمة ليس على لبنان فقط, بل على المنطقة برمّتها، لا سيما في ظلّ عجز المجتمع الدولي على التوصّل الى إجماع في مجلس الأمن على إدانة سورية والتدخّل في شؤونها، وتكون هذه القضية تالياً المنصّة لضرب عصفورين: المقاومة اللبنانية والنظام السوري، بحجر واحد؟
هنا تجدر الاشارة الى أن الاجراءات القانونية الصادرة عن المحكمة تعطي السلطات اللبنانية شهراً واحداً لتنفيذ قرارات الجلب في حق المتّهمين الأربعة، اعتباراً من 30 يونيو تاريخ إصدار المذكّرات، علماً بأنه يحق لها أن تلجأ، في حال عدم الانصياع، الى مجلس الأمن لتنفيذ قراراتها، بموجب التفاهم القائم بين لبنان والمحكمة. وطبعاً المتّهمون لن يجري تسليمهم أبداً، فهكذا أمر يبدو من المستحيلات. وتالياً، فإن المشهد اللبناني لن يكتمل إلا مع اكتمال صدور مذكّرات الجلب. هنا لا يستبعد فريق من المراقبين أن يتخلّل الأسابيع والأشهر المقبلة، صدور دفعات جديدة من القرارات الاتّهامية، تتّصل بالمحرّضين والقيادات السياسية والأمنيّة التي تعهّدت عملية الاغتيال، أو أمرت بها وبالاغتيالات التي سبقتها وعقبتها، لأن المتّهمين الأربعة بالتنفيذ الذين صدرت قرارات بجلبهم، ليسوا وحدهم في العملية، ولو أنهم الدفعة الأولى أو الخيط الأول الذي يفترض أن يقود الى الحقيقة. فضلاً عن احتمال توسيع دائرة الاستهداف السياسي ليطاول كل أفرقاء الثالوث السوري الإيراني اللبناني المقاوم، وربما أيضاً بعض الأطراف الفلسطينية السابقة، لا سيما بعد صدور تلميحات سابقة في الصحافة الغربية الى احتمال توجيه أصابع الاتّهام الى أعضاء في الجبهة الشعبية القيادة العامة.
وهنا يجدر التذكير أيضاً بأن أصابع الاتّهام في هذه القضية سبق وأن حوّرت في اتجاهات عدة منذ حصول عملية الاغتيال. بداية اتُّهمت سورية، ثم اتُّهم أصدقاء سورية في لبنان، أي »حزب الله«، ثم قد يتّهم الاثنان مع إيران!. وقد نجح الاتّهام الأول لسورية في الضغط على سورية لإخراج ما تبقّى من فرقها العسكرية في لبنان، وكانت تلك المهمّة تتصدّر أولويات المجتمع الدولي آنذاك لكفّ يد دمشق عن لبنان. فإلامَ يهدف استهداف »حزب الله« في هذه اللحظة بالذات؟ هل لتشويه صورته فقط، أم أن هناك أجندة ما أبعد من هذه المهمّة وهذا الهدف المحدود؟ وماذا لو امتدت لائحة الاتّهامات الى الجيران الأقرب السوريين والجيران الأبعد الإيرانيين؟ فهل سينجح الاتّهام الجديد في تحقيق مأربه مثلما نجح في تحقيق الهدف الأول في العام 2005 عندما أخرج سورية من لبنان؟
عن مجلة الدستور اللبنانبة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.