بدأت تباشير صغيرة لشرطة دينية في العديد من المدن والقرى، وبدأت فصائل من المواطنين تقوم بجولات تفتيش خاصة عادة بقوات حفظ الأمن في البلاد من درك وشرطة وقوات مساعدة. وبدأت الرقعة تتسع، لتشمل كل من يزور بعض المدن كعين اللوح و مدن في شمال المغرب. ومن محاربة الرذيلة إلى بيع الخمور، تعطي هذه الحركة، من حيث الجغرافيا ومن حيث طبيعة التحركات، أنها متناغمة وتتوجه نحو مراقبة المجتمع. التعزير، في لغة العديد من فصائل الإسلام الجهادي، مكون لا يقف عند البلاغة، ولا يتوقف عند الدعاية بالتي هي أحسن، بل يتجاوز ذلك إلى الفعل المنظم والذي يفضي في قراءاته السيئة والجديدة إلى القتل. وقد ذهل المغاربة، ومعهم المتتبعون، إلى الحقائق التي كشفتها أحداث 16 ماي الإرهابية في البيضاء، عندما وجدنا أنفسنا أمام جماعات - كجماعة أبو يوسف فكري - التي سعت، باعتقاد راسخ، بالرغم من أنه منحرف، إلى تطبيق شرع الله. وتم اغتيال وكيل للملك في إحدى الغارات، لأن الصدفة السيئة أو قدره قاده إلى المكان غير المناسب في الوقت غير المناسب. وتم إصدار الحكم، وتم إعدام الرجل، وبقيت الحكاية طي السر إلى أن تم «تعزير» مجتمع برمته والتمثيل به في أولى محاولات الإرهاب المأفغن. لقد رأينا التعزير وهو يستغل في السر، ورأيناه وهو يعمل بتنظيم الخفي، ويمكننا أن نتخوف اليوم من أن تكون الحركية الجديدة تسويغا للتعزير في درجاته الكبرى. ويمكننا أن نتخوف من أن طريقة المبادرة، الخارجة عن كل التقنينات، يمكنها أن تصير إلى ما لا تحمد عقباه. الدولة هي المالكة لقوة القانون، وعندما يتم التنكيل بأهل تازة، لأسباب تتعلق بهيبة الدولة وبقوتها العنيفة المشروعة، يمكننا أن نتساءل أين تذهب هيبة الدولة عندما يكون الغطاء هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. إن الدولة لا تحتاج إلى مساعدة «عقابية»، كما هو حال المتهم الفقير الذي لا يملك نفقات الدفاع عن نفسه ويحتاج من الدولة المساعدة القضائية!! الدولة ليست في حالة الوهن التام إلى درجة البحث عن «حلفاء» في الشارع لمساعدتها وتقديم العون لها. والدولة إذا كانت في حاجة إلى الهيبة فلن تأتيها ممن ينافسها في تطبيق القانون. لا شك أن النزوع الروحي للمغاربة وسعيهم إلى محيط نظيف، مسألة شبه فطرية في بلادنا، والدولة عندما تعتبر نفسها دولة إسلامية، كما في دستورها، فهي لا تعني بأنها تتخلى عن هذا الحق للآخرين، لأنها ببساطة تملك الحق في العنف المشروع، ولأن الطرف المعني يكون له خصوم من رأي آخر، ومن مشارب أخرى، ومن ميولات ونزوعات أخرى. نحن نسعى جميعا إلى دولة الحق والقانون، وليس إلى دولة الحق والمعروف، لأننا نتفق على القانون وقد لا نتفق، كمسلمين من مذاهب متباينة على معنى المعروف وطريقة تطبيقه ..الخ. إن المغاربة قد حققوا تطورات كثيرة في تنميط حياتهم، وهم يعتزون بأن لهم قيما راسخة، وهم أيضا يحاربون كل استغلال لفقرهم أو لفقرهن، ولا بد من العمل الاجتماعي الذي يساعد الناس على الخروج من كل بؤر الفساد والاضمحلال وتعريض الجسد المغربي للوحل الاجتماعي.. كل هذا لا يمكن أن يخبيء أننا كمغاربة سجلنا مسافات في الطريق القويم لحداثة نظيفة، لا يمكن أن ترتبط بانحرافات منصوص على عقوباتها في النصوص القانونية في البلاد.