نتانياهو سد "الجزيرة" فإسرائيل    الزمالك ضحاو بماتش على قبل نهضة بركان    البرتغالي گيريرو غايب على البايرن فماتشها ضد الريال    حكيم زياش ماركا دوبلي لگلطة سراي    حبس بوركايز يستقبل الموظف اللي اختلس 350 مليون من صندوق المحكمة والوكيل العام دار ليه إحالة مباشرة على غرفة الجنايات بعدما اعتبر أن القضية جاهزة للحكم    النقابة الوطنية للعدل تدعو إلى إضراب وطني بالمحاكم لثلاثة أيام    نتنياهو يريد بقاء حماس في السلطة، "ودوافعه الخفية كُشفت" – جيروزاليم بوست    سجن عين السبع ينفي تعرض سجين ل "محاولة التصفية الجسدية"    "فنون شعبية على ضفاف درعة".. وثائقي يسلط الضوء على التحولات التي شهدتها فنون زاكورة (فيديو)    السفه العقدي بين البواعث النفسية والمؤثرات الشيطانية    مسيرة حاشدة بمكناس لإيقاف التطبيع بين المغرب وإسرائيل    هل حصل حسنية أكادير على 15 مليونا من الرجاء بعد فوزه على الجيش؟    وزارة الثقافة تسعى لحماية "شباب التيكتوك" من الانحلال الأخلاقي    موجة حر مرتقبة من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    بمساعدة المغرب.. إسبانيا تحبط عملية تهريب طن ونصف من الشيرا ب"تينيريفي" (فيديو)    الصيباري يتوج بلقب الدوري الهولندي رفقة أيندهوفن    فيلم "من عبدول إلى ليلى" يفوز بالجائزة الكبرى لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط        مؤتمر القمة الإسلامي يؤكد رفضه التام للمخططات الانفصالية التي تستهدف المس بسيادة الدول    الحكومة التايلندية توضح حقيقة اختطاف عشرات المغاربة واستعبادهم    وصل لأعلى مستوياته التاريخية.. التداول النقدي فات 400 مليار درهم    موجة حر مرتقبة بمناطق في المغرب    المغربية آية العوني تتوج ببطولة أنطاليا لكرة المضرب    هل يستسلم المحافظون لمصيرهم في الانتخابات البريطانية بالاستمرار تحت قيادة سوناك؟    جواد مبروكي: الحمل والدور الحاسم للأب    منظمة تدعو لفتح تحقيق في مصرع عامل بمعمل تصبير السمك بآسفي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    محكمة الحسيمة تدين شخصا افتض بكارة فتاة قاصر    زوجة الدكتور التازي تعانق الحرية في هذا التاريخ    المغرب يسحب أول دفعة من قرض 1.3 مليار دولار من صندوق النقد الدولي    المكتب الوطني المغربي للسياحة غيربط غران كاناريا بورزازات مع شركة بينتر للطيران    انطلاق عملية " العواشر" بساحة الهوتة بشفشاون    فيدرالية ناشري الصحف تدعو لاستثمار تحسن المغرب في تصنيف حرية الصحافة العالمي    لشكر زعيم الاتحاد الاشتراكي: الشعب الجزائري يؤدي الثمن على دفاع نظامه على قضية خاسرة والعالم كله يناصر مغربية الصحراء    قتلى ومفقودون جراء فيضانات البرازيل    حقيبة يد فاخرة بسعر سيارة .. استثمار ذو وزن    نشرة إنذارية.. موجة حر مرتقبة من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    فينسيوس يسخر من لامين يامال    "نوستالجيا" تحصد جائزة الجم للمسرح    التأكيد على أهمية تطوير الشراكة بين الإيسيسكو والسنغال في التربية والعلوم والثقافة    برنامج دعم السكن ومشاريع المونديال تنعش قطاع البناء خلال اوائل 2024    اختلاس وتبديد فلوس عمومية جرّات مسؤولين فمركز الاستشارة الفلاحية بالحسيمة لغرفة الجنايات ففاس    برلماني يسائل وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات..    هل زيادة 1000 درهم في الأجور قادرة على مواكبة نفقات الأسر المغربية؟    وضعية الماء فالمغرب باقا فمرحلة "الإنعاش".. نسبة ملء السدود وصلت ل32 فالمية وبدات فالتراجع    الفنان الجم يكشف حقيقة إشاعة وفاته    قلعة مكونة تحتضن الدورة 59 للمعرض الدولي للورد العطري    ڤيديوهات    رشق إيريك زمور بالبيض خلال حملته الانتخابية    طنجة.. مهرجان "هاوس أوف بيوتيفول بيزنيس" يرفع شعار الإبداع والتلاقح الفني    إدارة المغرب التطواني تناشد الجمهور بالعودة للمدرجات    دراسة.. نمط الحياة الصحي يمكن أن يضيف 5 سنوات إلى العمر    الأمثال العامية بتطوان... (589)    المغرب يسجل 13 إصابة جديدة بكورونا    دراسة تربط الغضب المتكرر بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مؤشرات شعرية ديوان «الخيل والبعوض» لمحمد الغرملي
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 11 - 06 - 2012

لاتوجد وصفة جاهزة لتحليل الأدب وتحليل النصوص الأدبية، ذلك أن مفهوم الأدب وكذلك مفهوم النص، مفهومان يتغيران باستمرار بحكم تغير، إبدالات مختلفة أبرزها، في منظومة الإبداع والتخيل، مفهوم الكتابة. هناك الأدب إذن، وهناك النص وبينهما مفهوم الكتابة. الكتابة هي الفعل الذي يغير الأدب ويتحكم في إبداع وتناسل النصوص الشعرية والنثرية بحكم أن الكتابة محرك دينامي يشكل بذرة الإبداع في رحم اللغة. والأدب العربي، بحكم قدمه، شأنه في ذلك شأن آداب كونية أخرى، يثير عدة قضايا واشكالات وأسئلة منها، على سبيل المثال، كيف »نقرأ« هذا الأدب العربي؟ ما المقصود بقراءة« الأدب العربي؟ أين تتجلى »أدبية« الأدب العربي، في اللغة / اللغات؟ في الشكل / الأشكال؟ في الأجناس الأدبية؟ في الأساليب؟ في الموضوعات؟ في المتخيل؟ ثم: لماذا هو »عربي«، هل لأنه مكتوب بلغة محددة هي اللغة العربية أم تتدخل معايير أخرى متحولة بدورها باستمرار بحسب الزمن والتاريخ والمجتمع وبحسب القيم الذوقية والجمالية والمعرفية؟
هذه قضايا إشكالات أسئلة تجد لها أجوبة في حدود ما يتفرع عنها وتوفره تصورات نظرية ونقدية على مستوى »التفكير الأدبي« على أن المقصود ب »القراءة هنا ليس الإمساك بالنصوص واستعراضها وإنما معرفة منطق وصيرورة التعبير من خلال نصوص وأشكال أدبية يفترض أنها تنتمي إلى أجناس وجنسيات أدبية ترسخت في صيرورة الأدب، وذلك من أجل الاهتداء إلى هوية الأدب المتحولة في ظل تقاطعات واكراهات تشخصها التجربة الذاتية للكاتب المبدع، شاعرا كان أو ناثرا، أو جامعا بينهما منذ أبي العلاء المعري وبديع الزمان الهمداني وابن زيدون أو القاضي عياض مثلا، إلى عباس محمود العقاد وميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران ومحمود درويش، بالنسبة إلى الأدب العربي قديمه وحديثه ومعاصره باعتباره أن هؤلاء وغيرهم جمعوا بين الشعر والنثر وبشروا بإلغاء الحدود بين هذين القطبين اللذين يتحكمان في قوانين الأدب بحيث نجد فرقا بين الشعر والنثر بقدر ما نجد تداخلا بينهما.
ويجرب هذ الفعل كتاب ومبدعون آخرون كالذين ذكرتهم بالنسبة إلى الأدب العربي وفي آداب أخرى، في المسرح كما في الرواية والقصة القصيرة وقصيدة النثر، يكفي هنا أن نذكر بالكتابة المسرحية التي بدأت شعرا وتحولت إلى النثر مع ظهور ما يسمى »المسرح الشعري« عند أمثال أحمد شوقي وصلاح عبد الصبور، وكذلك الرواية التي استقطبت النثر الشعري كما يمثل ذلك نص »الزمن الموحش« لدى حيدر حيدر أونص »ذاكرة للنسيان« لمحمود درويش الذي يقترب من أدب اليوميات والسيرة الذاتية.
الأمر يتعلق بدينامية الكتابة ودينامية الأدب والأجناس والأشكال واللغات، غير أن اختبار السرد تارة والشعر تارة أخرى، كما هو الشأن في تجربة المبدع محمد الغرملي، من خلال نص سنوات المجاعة 2008 وديوان الخيل والبعوض 2010 يعيد الى الواجهة، بالنسبة الى الكتابة عموما سؤالا مركزيا هو: لماذا الاقامة في نمطين من انماط الكتابة؟ بل يعيد ايضا سؤال: لماذا الاقامة في لغتين هما من جهة لغة النثر ولغة الشعر، ومن جهة اخرى، اللغة الفرنسية واللغة العربية، من (وما) الذي يقيم في (الاخر) في (غيره)، في سواه؟ السؤال الاول، سؤال مشترك بين عدة كتاب ومبدعين ينتمون الى منظومة الادب العربي والي غيرها داخل منظومة الادب الكوني، بينما السؤال الثاني يسري على قلة قليلة، خاصة في الوقت الراهن». لا أتحدث هنا عن انتقال النصوص من «لغة» الى «لغة» عن طريق الترجمة والتعريب وغير ذلك، بل اتحدث عن ناصية امتلاك لغتين أوأكثر، وتحضر هنا بإلحاح حالة الكاتب والباحث المفكر عبد الله العروي، بالنسبة الى الكتابة باللغة الفرنسية واللغة العربية معا مع مراعاة مدلول اللغة ومدلول الكتابة هنا، فهو يكتب بحوثه ودراساته باللغة الفرنسية، لكنه يكتب رواياته باللغة العربية، واتجه، في بعض كتبه الى العربية ايضا حتى في مجال الكتابة الفكرية، كما يكشف عن ذلك كتابه «من ديوان السياسة» 2008 وكتابه «السنة والاصلاح «(2008)
«حالة» محمد الغرملي، حالة أخرى لانه الى حد الان، اختار اللغة الفرنسية لكتابة رواية تشغل المكون السيري والسير ذاتي واختار العربيةلكتابة الشعر، وبين هذا وذاك يمكن أن تنقلب الاية: يمكن أن يكتب الرواية بالعربية ذات يوم كما يمكن ان يتجه الى الشعر باللغة الفرنسية. هل الامر «اختيار ام رغبة؟ انهما معا وليسا كذلك ايضا. هذا امر طرحه رولان بارت طويلا واشار الى أن الاختيار لا يتحقق دفعة واحدة بينما الرغبة قائمة باستمرار، وعندما يختار الكاتب لغة او اسلوبا او شكلا فانه يختار «كتابة» والكتابة هي الرغبة ليس بالمعنى السلوكي او النفسي او المعرفي وانما بالمعنى الميتافيزيقي الانطلوجي. انا اكتب لانني ارغب، لأنني اريد تحقيق هوية اخرى غير هوية انا (الانا) هي هوية الكائن، ذلك الذي يوجد حيث تتقاطع عدة هويات مباشرة وغير مباشرة. الكتابة هي التي تخلخل منفى الاقامة في اللغة والاسلوب و الادب وتجعل الذات تتراجع لصالح الكائن، وهنا تتدخل إشكالات القراءة: القراءة التعاقدية، القراءة الاستكشافية، القراءة الجدولية، القراءة الحضرية. وكلها قراءات ممكنة بالنسبة الى اي نص ادبي بغض النظر عن لغته وشكله وجنسه وموضوعاته ومتخيله، مع مراعاة معمارية (تكون) هذا النص او ذاك.
النص الروائي محكوم بالاسترسال، بينما النص الشعري محكوم بالمقطعية، هذا حد ادنى من الحدود اللازمة عندما نميز، داخل تجربة محمد الغرملي، بين نص «سنوات المجاعة» ونص «الخيل والبعوض»، هذا يعني ان النص الروائي يفرض ان يقرأ باعتباره كتلة نصية واحدة بينما النص الشعري سيد فضائه النصي الخاص ورهين زمن كتابته وانفصاله عن سواه«.
إلى حد القول بأن لكل نص شعريته الخاصة به، بدءا بالعنوان وانتهاء بزمن - تاريخ كتابته الذي يحيل إليه - إليها في خاتمته، ومن ذلك نص »قتلته الرقابة« ص6/7 ) أو نص »قضاء القدرص8/9* أو نص »مسرحية بلاوجوه» (ص17/15) وهكذا.
النصوص في ديوان »الخيل والبعوض« (151 صفحة) خمسة وأربعون نصا. تطول وتقصر أو تقبل متوسطة، وهي تتوزع منبسطة على فضاء الصفحة - الصفحات مشفوعة بعناوين فرعية لا علاقة لعنوان الديوان المركزي بها بستثناء الغلاف (لوحة من لوحات حسن العلوي)، وحين تقصر النصوص تقود بنا الى «الشذرة»، إلى الكتابة الذرية التي تخترق منظومة الكتابة الأدبية وغير الكتابة الأدبية. بهذا الحد أو ذاك من مقومات الكثافة والاقتصاد والإيحاء كما هو شأن النص الديني والكتابة الفلسفية أو الصوفية وكذلك الحكم والأمثال أو ما نهتدي إليه أحيانا في لغة - لغات الإشهار على أن الكتابة الشذرية المعاصرة، في العالم العربي، توفر لهذا النزوع الشذري مجالات خصبة من خلال قصيدة النثر، وكان النثر الشعري قد مهد لذلك في الشهر الحديث وبعض الشعر القديم. هذا يعني أن مقاربة النصوص الشعرية من خلال تجربة محمد الغرملي في ديوان «»الخيل والبعوض»« قابل لقراءات متعددة كالتي أشرت إليها في البداية من جهة، وإلى ما تقترحه نظريات النص الشعري المعاصرة منذ اقتراحات المقاربات اللسانية للغة الشعرية منذ الشكلانيين الروس ورومان ياكبسون وجان كوهين، ويعني، في نفس الوقت، استدراج مفاهيم القراءة التناصية الخاصة بالغلاف والعناوين وفضاء النصوص وعلامات الترقيم والتأشير مع التركيز على آليات اشتغال الملفوظ الشعري في حد ذاته لإدراك دينامية هذا النص أو ذاك باعتباره علامة، دالا ومدلول، على مستوى التلقي الشكلي أولا، ثم التداولي بعد ذلك، وهنا تتدخل سلطة القارئ معرفيا وجماليا حيث ينتج القارئ نصه الخاص.
عموما: تتحكم في صيرورة كتابة محمد الغرملي الشعرية عدة أطر فكرية، معرفية وثقافية، مما يجعل نصوص ديوانه تميل الى ما يمكن أن نسميه »»شعر الموقف»« من خلال عدة مقاطع، من ذلك مثلا: »ممنوعون من الحديث والرفث إلى يوم البعث(4) أوما نجده في نص »في ميناكلب(ص14) مع الميل إلى نبرة خطاب الحكمة كما نجد في »جوامع الكلم» أو »»القول المأثور»« ومن خلال ذلك تقترب الكتابة الشعرية لدى محمد الغرملي من ميسم «»الحكمة الشعبية«« كما نقرأ في نص» »إفن» (ص12)، وبين هذا وذاك تميل اللغة داخل هذه الكتابة الشعرية من سجلات العتاقة اللغوية ويشكل نص »»دور اليتم»« ما يؤكد هذا المنحى، خنجر، بسمة، دور، يم، وسن، عز، هجر، غيم، ترفد، أكوان، خلد، خلد، شجي، بل إن النص بأكمله يذكر بلغة مصطفى المعداوي ومحمد علي الهواري ونماذج كثيرة من المتن الشعري المغربي الستيني، إلى جانب تحول الملفوظ الشعري من ضمير المتكلم (أنا) إلى (نا) الدالة على الجمع والجماعة (نص رسالة من المواصل)، ص 26 مثلا)، وكما يحضر امرؤ القيس أو السندباد في ديوان «»الخيل والبعوض» يحضر جلجامش (نص كل كامش يرفع حصن بابل« (ص134/128) الذي يتميز بشحنة لغوية، أسلوبيا وتركيبيا، تساعد على غنائيته من حيث الإنشاد والإلقاء.
هذه بعض مؤشرات شعرية ديوان »»الخيل والبعوض»» وتظل مؤشرات أخرى قابلة للطرح والمساءلة، شأن هذه التجربة التي يقتحمها محمد الغرملي، بعد نص »»سنوات المجاعة» (بالفرنسية)، شأن عدة تجارب شعرية أخرى في المغرب وخارج المغرب خاصة عندما نركز على تعدد الكتابة الشعرية وتعدد قضايا تجريب هذه الكتابة واعتماد ممكنات نظرية محددة في قراءة النص الشعري، ومنها قضية اشتغال الملفوظ الشعري من منظور النصية والتناص، ليس بالمعنى البنيوي الضيق فقط، بل بالمعنى الثقافي والجمالي والمعرفي دفعة واحدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.