تظهر بقوة مسالة المواطنة وبالتالي التربية من اجل المواطنة عندما يكون المجتمع في حاجة إلى تقوية وتعزيز العقد الاجتماعي ،أو عندما تبدو الحاجة ملحة لإعادة ارتباط الإفراد بثوابتهم الوطنية ،كما أن المناخ السياسي الذي عرفه المغرب خلال العشرية المنصرمة خلق حاجة إلى التربية من اجل المواطنة نظرا لتفشي عدة ظواهر تجلت عوارضها في ضعف الأواصر الاجتماعية، والتشكيك في مفهوم المواطنة والانسلاخ على القيم والتقاليد ،وعدم احترام ما هو مشترك بين الناس من قوانين وسلامة وامن ومؤسسات ، هناك أيضا مسالة التنوع الثقافي والديني التي أصبحت في نهاية هذه الألفية قضية مركزية وموضوعا فتح حوله نقاشات كثيرة ، وهذه التطورات بالطبع كان لها تأثيرا على التربية حيث ظهرت عدة حركات تربوية والثقافية لتشجيع المزيد من الانفتاح والتنوع الثقافي ظهرت معها ثقافات تتبنى التربية المتعددة من اجل السلام والتسامح والتضامن والتربية من اجل الديمقراطية والتربية من اجل المواطنة والتربية على السلوك المدني ...الخ ،مما أعاد إلى الواجهة السؤال حول دور المؤسسات التعليمية ومؤسسة التنشئة الاجتماعية الموازية والإعلام والمؤسسات السوسيو ثقافية والمؤسسات الدينية ، بهدف تقوية وتثمين العلاقة ما بين التربية الأخلاقية والتربية المدنية وجعلها تتمشى مع مطلب الديمقراطية القائمة على المشاركة والمبادرة والحوار النقدي نظرا لما يوجه التربية على المواطنة من تحديات أهمها: * التغيرات الاجتماعية والسياسية * تخفيض سن الرشد إلى 18 سنة وهو ما يعني النضج العاطفي والسياسي للشباب * تعزيز حقوق الطفل * التغيرات المؤسساتية * التغيرات الاجتماعية والثقافية * ظهور التعددية الثقافية * مشكل القيم والتعارض بين العلمانية والدين لقد أصبح من الواضح في ظل هذه الظروف أن التربية المدنية لا يمكن أن تواجه هذه الإشكالات إذا لم تستطع تحقيق المواءمة بين المتغيرات المختلفة الدينية والاجتماعية والثقافية والجنسية، و تقود إلى تحصين الموطنين وفرض شروط وطنية لمكافحة مطالب المجتمع العالمي، ذلك أن التربية المدنية ليست فقط نقل المعرفة ولكن أيضا مفاهيم الاعتزاز والمسؤولية تجاه الوطن والأخر بمعنى التمدن، كما أن التربية المدنية لا يمكن أن تتم في ظل نظام تعليمي لا يعير الأهمية إلى المعرفة كقيمة تحصيلية تجعل الفرد ينسج علاقة إدراكية ومفاهيمية معها تقوده إلى تطويعها و الاشتغال عليها وستحضرها للتواصل والتفاعل مع محيطه بوعي وذكاء ، لهذا يجب التنبيه إلى أن مقولة الحق في التعليم لا تعني بالضرورة الالتحاق بالمدرسة بل هو بناء العقل والوجدان والتمتع بخدمات مهنية مختصة . ومما يجب التأكيد عليه اليوم هو ان المربون والفاعلون في الحقل التربوي والثقافي في حاجة إلى فهم أكثر لهذه القضايا التربوية لتجاوز الحواجز التي تعترض تبني الثقافات وكيف إتاحة الفرص والمساواة للجميع من اجل امتلاكها ، وإدراك الآثار السلبية لهذه العملية في ترسيخ الديمقراطية والمواطنة والتربية المدنية . فاعل جمعوي وباحث في شؤون الطفولة والشباب