هل أضحى تخريبُ الممتلكات العامة والخاصة وترويعُ الغير، أمرا مُقدرا، لا مناص من القَبول به والتعايش مع تداعياته مهما بلغت درجةُ قتامتها؟ سؤال «يطرق» الذهن، بدون استئذان، كلما بُرمجت مباراة كروية بمركب محمد الخامس، في نهاية الأسبوع أو وسطه ، ليلا أو نهارا، بل حتى ولو كانت المناسبة تهُم رحلة خارجية، حيث يُحكم على ساكنة الأحياء المجاورة للمحطة الطرقية ومحطتي القطار الرئيسيتين ( المسافرين والميناء)، وأصحاب محلاتها التجارية ب«إمضاء لحظات استثنائية» قوامها الخوف والتضرع إلى الخالق تعالى بأن«تسْلم الجرّة على خيْر»! هكذا استحالت مواعيد رياضية ، في «زمن العجائب هذا»، إلى بُعبع يؤرق «الآمنين المطمئنين» من الصغار والكبار، يكتفي الجميع بإحصاء خسائره، وبعبارات «الاستنكار» الفضفاضة في أحسن الأحوال. إن تجليات «الشغب»، التي مافتئت دائرتها تتسع من «موسم تخريبي» إلى آخر، تؤشر على نقائص عدة تخص كيفية التعاطي مع هذا النوع من «الانحرافات» الخطيرة، من خلال اعتبار«الظاهرة» ذات حلول أمنية صرفة، في وقت أثبتت تجارب مدن عالمية، أن «بلطجة الملاعب» وشظاياها بالشوارع والأزقة تسائل أكثر من طرف (أمن، سلطات محلية ومنتخبة، جمعيات المحبين...)، بحثا عن سبل التصدي لها. وللوقوف على هذه «الحقيقة»، يكفي التمعن في النهج المتبع لاحتواء «شغب» مجموعة من جماهير ليفربول أو باريس سان جرمان على سبيل المثال لا الحصر التي اتُّخذت في حقها قرارات «تأديبية» بلغت حد المنع «الأبدي» من ولوج الملاعب وإشهار صور المخربين أمام مداخلها، والتشطيب من لوائح المنخرطين، زيادة على العقوبة الحبسية بالنسبة ل«الزعماء»، والقيام بالحملات التحسيسية والتوعوية تجاه «صغار المحبين» بشكل دائم لا مناسباتي، من خلال التنسيق مع مسؤولي المؤسسات التعليمية وفضاءات (دُور) الشباب. حملات تتخللها ندوات ولقاءات يشارك فيها مُنتخبون، باعتبار أن الملاعب مِلكية جماعية في غالبيتها الجماعة الحضرية تشرف على تسيير مركب محمد الخامس ورؤساء الأندية ولاعبوها «المشهورون»، وممثلون لجمعيات الأنصار، وباحثون اجتماعيون ، وقانونيون وأمنيون... الكل «يُدلي بدلوه» في «بئر» اللارياضة هذا منْعا ل«فيضانه» المدمّر إذا ما تُرك لحاله! قد يقول بعض المسؤولين، مثلا، إن الحل يكمن في «ترحيل» المركب إلى الضواحي، ومن ثمَّ يستعيد قاطنو وتجار منطقة المعاريف وغيرها الهدوء المفقود منذ سنوات، وتقام بدله مشاريع أكثر مردودية (مالية طبعا)، تَخلق فرصَ عملٍ عديدة. رأي يُرد عليه بأن أجنحة المدينة كلها أدركها «الغزو الأسمنتي» الذي أفقدها فطرتها الفلاحية الأولى، كما أن ملاعب عدة، في أنجلترا، مثلا، مهد «الشغب الكروي»، ليست بها سياجات حديدية، ومع ذلك صارت تُسجل بها أضعف نسب «مظاهر البلطجة»، بفضل تظافر جهود جميع الأطراف المسؤولة / المعنية، من أجل محاصرة «داء التخريب» هذا، باعتباره يشكل تهديدا ل«الطمأنينة العامة». فالمسؤولون هناك لا يكتفون ب«التبندير» في الكراسي الأمامية بمناسبة إقامة مباريات «من الوزن الثقيل» تحضرها هذه الشخصية أو تلك، مع الإدلاء بالتصريحات العقيمة أمام «الكاميرا الشاعلة»، ولكنَّ تدبيرهم للفضاءات الرياضية، يدخل ضمن مرتكزات «جدول أعمال» دورات مجالسهم البلدية وغيرها، الذي تُسطّر نُقطه عبر الإنصات ل«نبض المدينة» الناطق بآمال وآلام الساكنة. إن أعمال التخريب التي باتت تصاحب إقامة المباريات الكروية بالعاصمة الاقتصادية، وأجواء الحصار التي تفرض على «محيط» المركب، ومعظم الشوارع التي تمر منها الحافلات المتجهة نحوه، تحمل في طياتها أكثر من رسالة على الجميع «قراءة» مضامينها بالجدية اللازمة، بعيدا عن «لعبة» قذف الكرة في «مرمى» هذه الجهة أو تلك، أمنية كانت أو غيرها!