تتعدد قصص المعاناة وتفاصيل الألم، التي يعيشها مرضى التلاسيميا في كل لحظة وحين، آلام عضوية وأخرى نفسية بطعم الحرمان. فأطفال التلاسيميا على غرار أطفال آخرين مصابين بعدد من الأمراض النادرة منها والمعروفة، يجدون أنفسهم محرومين من حقوقهم، ومن الإحساس بطعم الطفولة بكل ماتحمل هذه الكلمة من معنى ودلالة، التي تفتح الباب على مصراعيه من أجل اللهو والمرح. فهم ، على العكس، وجدوا كل الأبواب موصدة في وجوههم، أبواب اللعب، والركض والشغب الطفولي، أبواب التمدرس المتعثر بفعل وضعيتهم الصحية، أبواب العلاج، وأبواب العيش والحياة بشكل طبيعي إسوة بالآخرين. أيوب، أحد هؤلاء الأطفال، ما أن أبصرت عيناه نور الدنيا مغادرا أحشاء والدته التي لم يكن عمرها آنذاك يتجاوز 17 سنة، حتى تبين خلال أشهر عمره الأولى بعد التشخيص الطبي ، أنه مصاب ب «التلاسيميا»، مما جعل فرحة الأم بطفلها الاول لاتكتمل، حيث وجدت نفسها في مواجهة مرض لم تكن تعلم في البداية شيئا عن طبيعته وكيفية العلاج، لكونه لا يحظى باهتمام إعلامي على غرار أمراض أخرى، بالرغم من أن مضاعفاته تلازم المصاب مدى الحياة، وتتسبب في معاناة جسمانية ونفسية شديدة. بدأت هذه الأم رحلة علاج للتخفيف من حدة مرض مزمن بات يهدد صحة فلذة كبدها، سلاحها في ذلك الإرادة والصبر ومحاولة التأقلم مع هذا الداء الذي ينجم عن خلل وراثي يؤدي إلى تكسر سريع في خلايا الدم الحمراء، ونقص كمية الأوكسجين، التي تصل إلى أجزاء الجسم المختلفة. ويتعين على المصاب به القيام بنقل الدم مرة كل شهر مدى الحياة وتناول الأدوية «مشطبات الحديد» بصفة يومية. صعوبات كثيرة اعترضت سبيلها خلال المرحلة الأولى من العلاج، لأنها لم تكن على دراية كبيرة بهذا الداء الوراثي! ومما يحز في نفس هذه الأم فضلا عن صعوبة الحصول على العلاج التي مازال يعاني منها بعض المرضى، تعثر المسار الدراسي لابنها أيوب، على غرار باقي الأطفال المصابين بالتلاسيميا، فهي ترى بأنه يتوفر على حظ مهم من الذكاء، وكثير من الحماس والإرادة للتحصيل العلمي والتمدرس، إلا أن كثرة التغيب عن الدراسة بسبب العلاج، وحالات الإعياء ونقص المناعة التي تعتبر من بين أعراض هذا المرض، أثرت على تحصيله الدراسي، فأيوب الذي كان من المرفوض أن يكون جالسا في مدرجات الجامعة اليوم، لايزال يدرس في السنة التاسعة إعدادي! لكن والدته مصممة على تشجيعه ودعمه لمواصلة دراسته، محملة المسؤولية في ذلك لنقص التوعية بهذا المرض، سيما في الوسط المدرسي، حيث أن بعض الأطر المدرسية تساهم ، على حد قولها، في عدم تحفيز الأطفال المصابين على الدراسة بسبب عدم معرفتهم للمرض واعتقادهم الخاطئ بأنه مُعد!؟ يرافق أيوب والدته أينما حلّت وارتحلت، هما معا أضحيا مناضلين تجندا لتجاوز العقبات الصحية والنفسية، من أجل الحياة، ومن أجل أن يحيى الآخرون بكيفية طبيعية من خلال التحسيس والتوعية، سواء بالنسبة للمرضى أو بالنسبة للشباب المقبل على الزواج، وذلك بضرورة الخضوع للتحليلة التي تمكن من معرفة مدى حمل احد الزوجين أو كلاهما للجين المسبب للتلاسيميا لتفادي إنجاب أطفال مرضى بهذا الداء.