منذ سنوات وأعوام، ونحن ننتظر فرجة تلفزيونية راقية كهاته التي تتحفنا بها التلفزة في رمضان هذا... شكرا أيتها القناتان لأنكما كنتما في الموعد لإدخال البهجة والفرحة في النفوس الأمارة بالسوء. عاد المغاربة من هجراتهم إلى القنوات الأجنبية، واستقروا أمام تلفاز بلدهم ليقولوا بصوت مرتفع وبكامل الفخر والاعتزاز: هاتلفزيوننا أبان في هذا الشهر الكريم على حنة يديه، وأوضح لنا بالواضح دون المرموز بأن النتائج المتوخاة والأهداف المنشودة سنصل إليها إن تضافرت الجهود وتفاعلت النوايا الحسنة بالإرادة القوية والعمل الدؤوب والأفكار النيرة. المنتوج الرمضاني هذا العام لعب ورقة التحدي، وقدم أعمالا استثنائية وكان الإقبال، وكان الإعجاب، وكان التنويه.. فلماذا لا نعترف بهذا؟ ولماذا لا نصرح بما يخالج صدورنا من أمل كُنا في انتظاره شيئا من الدهر لم يكن مسرورا. في هذا العام، وفي هذا الشهر، عيب علينا أن ننكر الإحسان، وعار علينا أن لا نهنئ تلفزيوننا المحبوب، الحبيب الذي تجاوز كل القنوات العربية والإسلامية و«دار عليها الدورة».. كان يكفي أن نكون متفائلين وبحسن نية.. وكان يكفي أن نتواصى بالصبر بعيدا عن التشاؤم لنرى ما نرى ونشاهد ما نشاهد. الكاميرات الخفية كلها أبانت لنا عن إبداعية لا نظير لها، أفكار عميقة والله!... إخراج من الطراز السكورسيزي، إنتاج ضخم يتجاوز إنتاج التيتانيك، مقالب ومقالب يسقط فيها الفنانون واحدا تلو الآخر... المتفرج يبقى فاتحا فمه إلى آخر الحلقة بقوة الطريقة الذكية التي يستعملها الطاقم، المُقَولَبون لا دارية لهم ولا علم، وهنا تتم الفرجة الحقيقية، فليقل الحساد ما طاب لهم أن يقولوا. فنحن متأكدون بأن هاته الحلقات من الكاميرات الخفية التي يقدمها تلفزيوننا الأغر سنبيعها إلى جميع الأقطار في الكرة الأرضية، هذا إذا لم تطلبها الكواكب الأخرى و«خمسة وخمسين على عين العديان»... خليلي، فيما عشتما، هل رأيتما سيتكومات في هذا المستوى قبل هذا العام؟ الكذب حرام في شهر الغفران يا سادة! سيتكومات «على حقها وطريقها» تقول للأمريكيين: ما تعرفوش! الحبكة الجيدة في السيناريوهات، التجانس الإبداعي بين الشخصيات، الحوارات لا تتمناها أن تنتهي.. إدارة الممثلين بالقياس وعلى المقاس... الديكورات يعلم الله وحده عبقرية من وراء تنفيذها أو تدشينها سيان... طريقة الإخراج ينبغي تدريسها في أكبر المدارس والمعاهد السينمائية، وليس فقط بمراكش أو ورزازات... الأفكار جوهرية وجد متميزة تجعل المتفرج فخورا بكونه ينتمي إلى بلاد مضيئة بالأفكار.. اختيار العناوين ناجح بكل المعايير ولا يوازيه إلا الإختيار الجميل لبعض الممثلات في بعض المسلسلات. وعلى ذكر هذه الأخيرة، فهل بإمكانكم أن تنكروا أن هذا العام هو عام نجاح المسلسلات بامتياز.. أكيد، سنبيعها بعد الشهر الفضيل إلى دول حتى ولو أنها لا تفهم لغة الضاد... سنبيعها ونقتسم أموالها فيما بيننا، واللي ماعجبوا الحال، يعجبوا النعت ولا البدل.. مسلسلاتنا فيها خدمة كبيرة ولا ينكرها إلا أصحاب العقول الصغيرة، مسلسلات هذا العام ستضرب ولا محالة الرقم القياسي العالمي من حيث نسبة المشاهدة، أفلا تلاحظون فراغ المقاهي بعد الفطور منذ دخول الشهر العظيم؟ الأعمال الفكاهية بين الثنائي والجماعي ظهرت بقوة هي الأخرى، ومن هو الأحمق الذي تجرأ على القول إن إضحاك الناس من الصعوبة بمكان.. هاهم الناس يضحكون ملء ذقونهم أمام هذه الأعمال... نشاهد، ولله الحمد، أعمالا جيدة وجدية في قوالب ساخرة وفكاهية.. فكاهة رمضان هذا توزع البسمات والضحكات حتى على الذين عابسة وجوههم.. ومن ينفي الأمر، فليشاهد! الفكاهة سلاح في مواجهة القبح والرذيلة والظلم والطغيان والبسالة، وقد حققت فكاهتنا الرمضانية هذا الهدف لعلكم لا تنكرون! لاحظوا معي أن دفاتر التحملات التي أسالت وديانا من المداد كانت واجبة، بل كانت ضرورية. تحولت من دفاتر الوسخ إلى دفاتر التمارين، وها هي اليوم تعطي أكلها بالزبيب والبرقوق وشوية ديال العصير وبزاف ديال الإشهارات... لو كنا نعلم أن الدفاتر هاته ستحل لنا مشاكل وإشكاليات الإبداع التلفزيوني في شهر رمضان، لقدمناها منذ فجر الاستقلال، ولكُنا أفضل بكثير اليوم كما هو الشأن اليوم. فشكرا للدفاتر، وشكرا للتلفزيون! لا، لست من أولئك الذين ينهجون سياسة «خالف تعرف»، بل أنا من أولئك الذين ينامون بُعَيد تناول وجبة الإفطار، فناموا مثلي ولا تستيقظوا، فما فاز إلا النوَمُ. ناموا هنيئا مريئا، فطريقة تعامل لجان الانتقاء مع المشاريع كانت مهنية واحترافية مائة بالمائة... والدليل هو ما تشاهدونه... ناموا، فإن تلفزيوننا الجميل أخذ بعين الاعتبار وبأذن المراعاة لكل الانتقادات التي وجهت للأعمال التلفزيونية الرمضانية السابقة، والدليل هو ما تشاهدونه.. نستشف من خلال ما نشاهد بأن تلفزيوننا قطع مع الريع التلفزيوني وابتعد عن احتكار شركات بعينيها ورجليها، وكان الإبداع الحقيقي النبيل... وهل تنكرون؟ شكرا لتلفزيوننا بقناتيه لتطبيق ما نزل في دفاتر التحملات .. وبكل استقلالية وشفافية ومصداقية وحكامة لنشاهد ما نشاهد.. فقد وفيت بالوعد، ونحن لك من الشاكرين.