اتفاق بشأن زيادة عامة في أجور العاملين بالقطاع العام بمبلغ 1000 درهم صافية شهريا.. وترقب لزيادة في أجور القطاع الخاص    الدرك ينجح في توقيف مرتكب الجريمة المروعة بإقليم صفرو..    مجلس النواب.. انطلاق الدورة الرابعة لجائزة الصحافة البرلمانية برسم سنة 2024    الدورة السادسة من "ربيعيات أصيلة".. مشغل فني بديع لصقل المواهب والاحتكاك بألمع رواد الريشة الثقافة والإعلام    المكتب الوطني للسياحة يضع كرة القدم في قلب إستراتيجيته الترويجية لوجهة المغرب    استطلاع: انخفاض عدد الأمريكيين الداعمين لبايدن والغالبية تميل نحو ترامب        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية        يوم دراسي حول مكافحة الجرائم الماسة بالمجال الغابوي    الاتفاق رسميا على زيادة عامة في أجور العاملين بالقطاع العام بمبلغ 1000 درهم شهريا    الحوار الاجتماعي..الحكومة ترجئ الحسم في ملفي التقاعد والإضراب إلى حين التوافق مع النقابات    الفنان الجزائري عبد القادر السيكتور.. لهذا نحن "خاوة" والناظور تغير بشكل جذري    وزارة الفلاحة…الدورة ال 16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تكللت بنجاح كبير    التنسيق النقابي لقطاع الصحة…يقرر مواصلته للبرنامج النضالي    رسمياً.. رئيس الحكومة الإسبانية يعلن عن قراره بعد توجيه اتهامات بالفساد لزوجته    إدارة السجن المحلي بوجدة تنفي ما نقل عن والدة سجين بخصوص وجود آثار ضرب وجرح على وجهه    المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد    ارتفاع أسعار الأضاحي يجر وزير الفلاحة للمساءلة البرلمانية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    فيلم أنوال…عمل سينمائي كبير نحو مصير مجهول !    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الإثنين بأداء إيجابي    عقوبات ثقيلة تنتظر اتحاد العاصمة بعد انسحابه أمام نهضة بركان    التنسيق الميداني للتعليم يؤجل الاحتجاج    أسعار الذهب تتراجع اليوم الإثنين        غزة تسجل سقوط 34 قتيلا في يوم واحد    إليسا متهمة ب"الافتراء والكذب"    الروائي الأسير باسم خندقجي يهزم السجان الإسرائيلي بجائزة "بوكر العربية"    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    طلاب مغاربة يتضامنون مع نظرائهم الغربيين الداعمين لغزة    تزگل باعجوبة. مقرب من العائلة ل"كود": زكريا ولد الناصري ما عندو رالو وها كيفاش وقعات لكسيدة    المنتخب المغربي يتأهل إلى نهائي البطولة العربية على حساب تونس    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس الجائزة الكبرى لجلالة الملك محمد السادس للقفز على الحواجز بالرباط    مجلس المنافسة: 40 في المئة من الخضر والفواكه بالمغرب تتعرض للتلف    السكوري…المخاطر المهنية يمكن تفاديها بإرساء نظام فعال للسلامة وثقافة وقائية    للمنافسة عالميا.. جهود مغربية لتطوير صناعة الألعاب الإلكترونية    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    حكيمي يتوج رفقة باريس سان جيرمان بالدوري الفرنسي    جماهير اتحاد العاصمة معلقة على الإقصاء: تم التضحية بنا في سبيل قضية لا تعنينا    ماركا: المغرب يستغل الفرصة.. استعدادات متقدمة لنهائيات كأس العالم وسط فضائح الاتحاد الإسباني    الصين: "بي إم دبليو" تستثمر 2,8 مليار دولار اضافية شمال شرق البلد    200 مليون مسلم في الهند، "أقلية غير مرئية" في عهد بهاراتيا جاناتا    تقرير: المغرب وإسرائيل يسعيان تعميق التعاون العسكري رغم الحرب في غزة    إدارة أولمبيك خريبكة تحتح على الحكام    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    "العدالة والتنمية" ينتقد حديث أخنوش عن الملك خلال عرض حصيلته منددا بتصريح عن "ولاية مقبلة"    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جموع غفيرة تودع المناضلة والحقوقية زهور العلوي
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 25 - 11 - 2013

في جنازة مهيبة وبقلوب يعتصرها الألم، ودعت الأسرة التقدمية والحقوقية الراحلة زهور العلوي التي بصمت عقودا من النضال السياسي والحقوقي دفاعا عن الحرية والعدالة الاجتماعية وحقوق المغاربة والنساء على وجه الخصوص.
وقد حضر جنازة الفقيدة قياديو وأطر ومناضلو الاتحاد الاشتراكي والأحزاب الوطنية التقدمية ونشطاء حقوقيون وجمعويون، ولم يفتهم أن يشيدوا بما أسدته الفقيدة لبلدها خلال سنوات النضال المريرة. وكانت الفقيدة توفيت، زوال يوم الجمعة الماضي، بإحدى المصحات بالرباط، بعد صراع طويل مع المرض.
وتعتبر الفقيدة زهور المدغري العلوي، التي رأت النور سنة 1940 بفاس، من الرعيل الأول للحركة الديمقراطية بالمغرب ومن الرائدات الأوائل اللواتي ولجن أسلاك التعليم وعملن فيها. كما تعد من المناضلات الأوليات في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، ومن مؤسسي العديد من الهيئات والمنظمات الحقوقية والنسائية العريقة والعتيدة بالمغرب، حيث تبوأت مراكز القيادة في الكثير منها لعدة سنوات من قبيل المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، واتحاد العمل النسائي، ومركز محاربة العنف ضد النساء (لارميطاج)، كما كانت عضوة في هيئة تحرير جريدة 8 مارس.
وتعتبر الفقيدة رمزا من رموز الحركة النسائية بالمغرب حيث كرمت لمرات عديدة من قبل هيئات حقوقية وسياسية ونسائية وتوجت كامرأة السنة لمرتين.  وقد بعث جلالة الملك محمد السادس ببرقية تعزية إلى أفراد الراحلة أعرب فيها بهذه المناسبة المحزنة، لنجلتي الراحلة بهية وكنزة أومليل، ومن خلالهما لجميع أفراد أسرة الفقيدة المبرورة، ولعائلتها الحقوقية الوطنية والدولية، عن أصدق التعازي ، وخالص المواساة في هذا المصاب الأليم، الذي لا راد لقضاء الله فيه، سائلا الله العلي القدير أن يعوضهم جميعا عن فقدانها جميل الصبر وحسن العزاء.
واعتبرت دراسة ماكنزي أن المغرب وجنوب أفريقيا يمثلان مرجعا يحتذى في مجال التطوير الرقمي في القارة السمراء.
وحسب الدراسة فقد نمت خدمات الإنترنت في أفريقيا باطراد بفضل الاستثمارات الكبرى التي تم صرفها لنشر شبكات الجيل الثالث 3G. وهو ما يمكن اليوم الملايين من الأفارقة من الولوج الى الإنترنت للمرة الأولى. ورغم أن 16% فقط من أصل مليار شخص في القارة مرتبطون اليوم بالانترنيت، غير أن هذا الرقم يتزايد بسرعة مع ظهور الشبكات و تكلفة الأجهزة التي تدعم خدمة الانترنت المستمرة في الانخفاض .
وقال ماكنزي إن 720 مليونا من الأفارقة يتوفرون اليوم على الهواتف المحمولة ، في حين أن حوالي 167 مليون شخص بالفعل يستخدمون الإنترنت و 52 مليون يستعملون الفيسبوك للتواصل. و وفقا للتقرير الذي درس بعمق نسبة الولوج إلى الإنترنت ، فإن المغرب لديه أعلى معدلات الانتشار في أفريقيا. كما أنه مرشح ليصبح في وضع أفضل في المستقبل, خصوصا اذا ماتم تفعيل مخطط «المغرب الرقمي» - وهو المخطط العشري الذي وضع في عهد الوزير السابق أحمد رضا الشامي- والذي سيسمح بالوصول الشامل إلى شبكة النطاق العريض. وأوضح ماكينزي أن القارة هي الآن في وضع أفضل من حيث عرض النطاق الترددي الدولي. « المغرب ضاعف من بنياته التحتية و من تجهيزاته بخطوط الربط و بالكابلات البحرية «.
ويتزعم المغرب و جنوب أفريقيا قائمة البلدان المستفيدة من تطور بياناتها الرقمية حيث تمكنه الاستعانة بمصادر خارجية للعمليات التجارية (BPO ) ، التي تمكن من جني أكثر من 1.5 مليار دولار من العائدات ، كما تساهم في خلق 54 ألف وظيفة مباشرة . وهذه الوضعية متشابهة بين المغرب وجنوب افريقيا .
ومع ذلك تعتقد الدراسة أن المغرب مازال متخلفا على مستوى مساهمة الانترنيت في الناتج الداخلي الخام ، ففي هذه الخانة، لايحقق المغرب كمعدل على سلم PWMF سوى 2.3% وهو معدل ضعيف مقارنة بدول ذات الاقتصادات الأصغر بكثير مثل السنغال وكينيا. كدليل على ذلك، فإن هذا المعدل يبلغ 3.3 % في السنغال و 2.9% كينيا. واعتبر تقرير ماكينزي أنه كي يحقق الإنترنت أعظم تأثير له في أفريقيا ، ينبغي أن يتم التركيز على ستة قطاعات هي: الخدمات المالية ، والتعليم ، والصحة ، والتجارة بالتقسيط والزراعة و الحكومة.
بعدها انتقل المؤتمر الوطني الرابع الى انتخاب مجلس وطني يصل عددهم الى 81 عضوا الذي سيجتمع فيما بعد من أجل انتخاب مكتب تنفيذي للمنتدى. وبحسب القانون الأساسي سيكون على المنتدى انتخاب رئيس للمنتدى، خلفا للرئيس الحالي مصطفى المانوزي. يذكر على القانون الأساسي السابق للمنتدى يخول للرئيس أن يتولى ولايتين فقط، وكما هو معلوم المانوزي قد تولى فقط سوى ولاية واحدة والى حدود صباح يوم الأحد لم يتسن للجريدة معرفة الأسماء المرشحة لرئاسة المنتدى.   
وكانت فعاليات المؤتمر الوطني الرابع للمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والانصاف قد انطلقت في جلسة افتتاحية يوم 22 نونبر الجاري بجامعة محمد الخامس أكدال كلية العلوم بالرباط، بحضور متميز لقيادات وممثلي القوى الديمقراطية والحية بالبلاد وفي مقدمة هؤلاء ادريس لشكر الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ثم قيادات المنظمات الحقوقية المغربية  أهمها المنظمة المغربية لحقوق الانسان والجمعية المغربية لحقوق الإنسان وفرع المغرب لمنظمة العفو الدولية، فضلا عن عدد كبير من الفعاليات السياسية والحقوقية المغربية.
وما ميز هذه الجلسة الافتتاحية الكلمة التي ألقاها مصطفى المانوزي، رئيس المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف التي تطرق فيها إلى وضع حقوق الإنسان بالمغرب والتراجعات الملحوظة على مستوى الممارسة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بالنظر إلى دستور 2011 الذي جاء بعدد من المكتسبات التي تهم الحقوق والحريات، ثم سجلت الكلمة التأخير الحاصل على إخراج القوانين التنظيمية المكملة للدستور والتي تتضمن عددا من المكتسبات الحقوقية لفائدة المجتمع المدني المغربي ثم المجالس الاستشارية التي نص الدستور على خلقها وتكوينها. كما طالب المانوزي باستكمال جبر الضرر الجماعي والفردي المتعلق بالملفات العالقة، ومواصلة تنفيذ توصيات تقرير هيئة الانصاف والمصالحة، داعيا في نفس الوقت لتضافر الجهود وتنسيق العمل الحقوقي من أجل انتزاع مكتسبات حقوقية جديدة والتصدي لكل الانتهاكات الحقوقية المسجلة مؤخرا على أكثر من صعيد، خاصة تلك التي تهم الاحتجاج السلمي والحضاري.      وكعادته يكرم المنتدى إحدى الشخصيات في كل مؤتمر، لكن هذه السنة فقد اختار المكتب التنفيذي  تكريم حركة وليس شخصا بعينه، هي حركة «20 فبراير» الاحتجاجية باعتبارها خلقت «دينامية» جديدة في المشهد السياسي بالبلاد.
وأوضح ممثل المكتب التنفيذي المنتدى خلال هذه الجلسة الافتتاحية، أن «20 فبراير» من خلال احتجاجاتها في الشارع مع بداية «الربيع العربي»، استطاعت أن تخلق دينامية جديدة في المشهد السياسي، وأن تعيد تسليط الضوء على عدد من الموضوعات، خاصة تلك المرتبطة بالانتقال الديمقراطي في البلاد، وتحسين وضعية حقوق الإنسان.
واستضاف الحضور بالقاعة هذا الاعلان الاختيار بتكريم حركة 20 فبرارير بنوع من الارتياح والاعتزاز ، حيث رفع الحقوقيون شعارات أثناء التكريم شبيهة بتلك التي كان يرددها شباب الحركة خلال الاحتجاجات التي ينظمونها منذ سنة 2011، تطالب بالكرامة والعدالة الاجتماعية والقيام بالإصلاحات سياسية واقتصادية.
ويذكر أن حركة « 20 فبراير» كانت قد دعت إلى التظاهر، يوم الأحد الماضي ، بكافة أرجاء البلاد، للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين في السجون المغربية، والتعبير عن مواصلة ما تسميه ب «النضال ضد الاستبداد والفساد» في المغرب.
وفي هذا الإطار، تندرج ورقتنا التي نريدها صافرة إنذار، لإثارة الانتباه إلى ما بات يتهدد المجتمع من أخطار داهمة، في غياب سياسة وطنية صحية ذات فعالية، تعنى بحقوق المواطنين في توفير الأمن الصحي وحمايتهم من المخالفين للقانون، وتساهم في انطلاق المشاريع التنموية البشرية. ذلك أنه بالنظر إلى تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، أمام انسداد الآفاق وانعدام فرص الشغل، وفي ظل تسيب صارخ، من أسطع عناوينه «الحاجة أم الاختراع»، نبتت كالفطر بيننا حرف عشوائية، وظهر عدد من الدجالين في شتى الميادين، سيما ما يتعلق ب: طب الأعشاب وطب الأسنان، مستغلين تراجع القانون وعجزه حيال بعض المستبدين وبؤس المواطنين...
ونود هنا ملامسة ما تتعرض له ممارسة طب الأسنان من تشويه، وما تعرفه من اختلالات تسترخص حياة الأشخاص. ففي الوقت الذي يستدعي فتح عيادة طبية لعلاج الأسنان، توفر صاحبها على شهادة الدكتوراه في طب الأسنان، ترخيص من الأمانة العامة للحكومة، مصادق عليه من لدن السلطات المحلية، ومسجل بالمحكمة الابتدائية التابعة لمحل مزاولة المهنة، نجد جيلا جديدا من الممارسين اللاشرعيين بدون مؤهل علمي، تطاولوا على المجال في واضحة النهار، يغرون زبائنهم بتبسيط تكاليف «العلاج»، يستعملون مواد غير ذات جودة، يحاولون محاكاة الأطباء الحقيقيين، يباشرون أعمالهم الرعناء بشكل عشوائي دون حسيب أو رقيب، لا يكترثون بما قد يلحقونه من أضرار جسيمة بالمواطنين، جراء جعل أفواههم مراتع خصبة لإجرامهم، ووحدها الدولة من يتحمل المسؤولية المزدوجة، إن على مستوى تركها الحبل على الغارب، لدرجة اختلط فيها على بسطاء الناس التمييز بين الطبيب الفعلي والمنتحل لصفته، وغضها الطرف عن استمرار الممارسة اللاقانونية للمهنة من حيث السماح بإنشاء جمعيات وهمية، وتنامي محلات المتاجرة بصحة المواطن في المدن والقرى، مما يتنافى والقوانين المنظمة للمهنة، أو على مستوى تردي أوضاع صحة الفم والأسنان وما يلزمها من ميزانية لعلاج الأضرار الناجمة عن تهور أشخاص بلا ضمير، يجهلون أبجديات قواعد حقن المرضى، التطهير وتعقيم أدوات العمل، ناهيكم عن وصف الأدوية باعتباطية، مما يؤدي إلى وقوع وفيات أوظهور أمراض فتاكة: السيدا، التهاب الكبد الفيروسي ومضاعفات لا تقل عنها خطورة... علما أنه بقوة القانون، يمنع عن غير المختصين في المجال مزاولة المهنة، سواء تعلق الأمر بتشخيص المرض أو علاج الأسنان وقلعها أو تبييضها وتعويضها، إذ لا يعقل والحالة هذه، أن يقضي الطبيب قبل التخرج ما يقارب عشرين سنة بنهاراتها ولياليها، بحلوها ومرها، بزمهريرها وأمطارها، بشموسها وحرارتها في الكد والتحصيل، في حضور الدروس النظرية والمشاركة في الأعمال التطبيقية، وإجراء تدريبات عملية في الكلية وعيادات طبية خاصة... ويأتي في الأخير شخص بدون صفة، بتجربة ذاتية ضحلة تشكلت في الأسواق أو في محلات تقليدية، لا يتوفر حتى على شهادة البكالوريا، أو حاصل بطرق ملتوية على دبلوم مزور، يملك رصيدا ماليا يسمح بفتح محل وتجهيزه، ثم يشرع في «سلخ» المواطنين بلا أدنى شفقة...
بيد أن ما يحز في النفس ويؤسف له حقا، أن يتم التلاعب بصحة وسلامة المواطنين،أمام أعين السلطات وتجاهل الآفة من قبل شخصية مرموقة، خاضت صراعا ضاريا مع أطباء القطاع العام، للحيلولة دون العمل في القطاع الخاص بدعوى لا قانونيته، خبرت ميدان الطب في المغرب، عبر تدرجها في العديد من المسؤوليات الكبرى، تتميز بالاستقامة ولها من الكفاءة العلمية والخبرة المهنية، ما يؤهلها للعب أدوار طلائعية في النهوض بقطاع الصحة بشكل عام وفك العزلة عن طب الأسنان بوجه خاص، شخصية تقدمية وازنة تمسك اليوم بمقود سفينة الصحة بالبلاد، إنه السيد: الحسين الوردي وزير الصحة، الذي ما انفك المواطنون يراهنون على جديته ورغبته الأكيدة، في تصحيح الأوضاع الكارثية، والمرشحة للمزيد من التفاقم إن لم نقل للانفجار، سيما في كل ما له صلة بعلاج الفم والأسنان. ومما زاد من مضاغفة القلق وارتفاع منسوب الغضب والاستياء، أنه طيلة السنتين المنقضيتين من عمر حكومة «الإخوان» برئاسة السيد ابن كيران، لم يلح في الأفق ما يبشر بالتغيير المنشود، وأثبتت التجربة «الفتية» إخفاقها في إدارة الشأن العام، وتخليق الحياة العامة على جميع المستويات والأصعدة، لم تستطع الحكومة في نسختها الأولى، تقديم النزراليسير مما يقنع في تفكيك بنيات الفساد، ولا في الاستجابة لمتطلبات أفراد الشعب، بما يوفر لهم العيش الكريم، الأمن الصحي، التعليم، الشغل والعدالة الاجتماعية...ولن تستطيع صنوتها الثانية تدارك الزمن الضائع، إن لبث الحال على ما هو عليه من تخبط وارتباك، في غياب استراتيجيات واضحة المعالم...
وإذا كانت غالبية الأسر الفقيرة وذات الدخل المتوسط تضحي بالغالي والنفيس، عاقدة الآمال الواسعة، ومتطلعة إلى إشراقة يوم يحصل فيه أبناؤها على شهادات عليا، تبوئهم وضعا اعتباريا في المجتمع ومنصبا وظيفيا محترما، فإنها سرعان ما تنكمش خائبة ومحبطة وهي تراهم يتجهون مكرهين إلى غير تخصصاتهم، أو يفنون بقية أعمارهم في الاحتجاج والتظاهر، لإسماع أصواتهم المبحوحة بلا جدوى... ومن المفارقات الغريبة التي لا يستوعبها ذو عقل سليم، أن نجد فئة عريضة من خيرة شبابنا الطموح، المتعطش إلى رفع مستوى عيش أسرته وخدمة وطنه، خصوصا من خريجي كلية طب الأسنان بالمغرب على قلتهم، وفي ظل انعدام الإمكانيات والتسهيلات لمباشرة أعمالهم الحرة في عيادات شخصية، وتعذر إيجاد فرص شغل مناسبة، حيث يشكو القطاع العام من شح المناصب المالية، فيما القطاع الخاص يبحث عن أبسط طرق الاستغلال بأقل الرواتب وبعقود عمل تخضع لشروط «الباطرون»، تضطر فئة إلى طرق أبواب أولئك الدجالين من «صناع الأسنان»، المتوفرين على محلات مجهزة بأحدث التجهيزات، للاشتغال تحت إمرتهم ووفق إملاءاتهم... ولنا أن نتساءل، إذا كان قطاع طب الأسنان الخاص، يتوفر على هيأة مهنية من بين مهامها المتعددة: السهر على احترام ضوابط المهنة، التزام الأطباء الممارسين بأخلاقياتها، الرفع من قيمتها وتلميع صورتها، كبح جماح المندفعين نحو الربح دون مراعاة صحة الزبون/المواطن، زجر المخالفات، التأديب والعقوبات التي قد تصل إلى حد التشطيب. فمن يا ترى يتصدى لهؤلاءالمشعوذين الذين دمروا صحة العباد وأساؤوا إلى مجال طب الأسنان وسمعة البلاد؟
إن الواجب الأخلاقي يدعونا إلى استجماع كل قوانا لمكافحة هذا الوباء، الذي تغلغل وتجذرفي مدننا وقرانا، ونعجل بالقضاء عليه حماية للمواطن ودفاعا عن حقوقه الكونية المشروعة، ولن يتأتى إحرازالتقدم والفوز إلا عبر تضافر جهود الجميع، بدءا بوزارة الصحة من خلال ضمان مستقبل خريجي كليات الطب وطب الأسنان، بتوفير العمل بالمستشفيات العمومية والمراكز الجامعية، وتوسيع دائرة الاستقطاب في التخصصات، كالإفراج مثلا عن مباراة: الإقامة أي ((Résidanat، إعادة الثقة لأبناء الطبقات المعوزة والمتوسطة المتفوقين، وتحفيزهم للإقبال على كليات الطب، حتى لا يبقى المجال حكرا على الفئات الميسورة من أبناء الأسر المخملية، الذين يجدون أمامهم عيادات جاهزة بأحدث المستلزمات الضرورية، تقديم رعاية نوعية وخدمة صحية ترتقي بصحة المواطن، العمل على إصدار قانون جديد لتنظيم مهنة طب وجراحة الفم والأسنان، بدل الإبقاء على ظهير 1960 المتجاوز، وإصدار قانون آخر خاص بطاقمي أو تقنيي مختبرات الأسنان. أن تبادر وزارة الداخلية إلى الضرب بيد من حديد على كل الخارجين عن القانون، وإغلاق محلاتهم فورا وبدون تلكؤ... أن تستثمر النقابات المهنية وفعاليات المجتمع المدني ما لهما من قوة ضغط هائلة، لإلزام المسؤولين باتخاذ قرارات جريئة ووضع حد للعبث القائم، وأن يقوم الإعلام بما عهدنا فيه من فضح للفساد عبر دوره التوعوي، دون إغفال الدور الحاسم للمدرسة في حسن التنشئة والتوجيه...
لقد وقف المغرب إلى جانب أمريكا في حروبها الأهلية، عندما أراد بعض الأمريكيين الانفصال عنها، حيث ظل المغرب متشبثا بموقفه الرافض لمحاولات تشطير أمريكا ، ومؤكدا على وحدة ترابها وتماسك جميع أطرافها ،عندما استجابت السلطة المغربية آنذاك لطلب الأمريكيين بشأن متابعة الانفصاليين الذين حطوا بمدينة طنجة، كما لم تسمح لهم برسو سفنهم بمراسي البلاد حين وصولهم. موقف المغرب هذا تجاه بلد بعيد عنه كأمريكا يمكن اعتباره إرثا دبلوماسيا وتراثا سياسيا و نموذجا للتعاون الثنائي المشترك عز نظيره، يجب تثمينه وإحياؤه والتعريف به في العالم، بل واستثماره لصالح قضايانا العادلة، كما يمكن اعتباره كذلك بمثابة دين ثقيل لدى الأمريكان تجاه المغرب، دين دائم ومتواصل عبر الأجيال، من المفروض أن يمنعهم من اتخاذ أي موقف أو مباركة أي قرار، من شأنه أن يضر بمصالح المغرب ويمس بسيادته ووحدة أراضيه.
وبعد تحرير وثيقة المطالبة باستقلال المغرب سنة 1944، أرسلت نسخة إلى الولايات المتحدة الأمريكية للإطلاع عليها. وفي سنة 1956 ،كان الرئيس الأمريكي إيزنهاور أول زعيم يعين سفيرا له بالمغرب. وبذلك تكون أمريكا بدورها أول دولة تعترف عمليا بالمغرب المستقل.
ومنذ ذلك الحين، والاتصال قائم ببين الطرفين، في إطار من الود والتقدير والاحترام المتبادل.
لقد تعددت مجالات التعاون بين المغرب وأمريكا، وذلك من خلال عدة اتفاقيات تم التوقيع عليها بين الجانبين، لعل أبرزها اتفاقية التعاون الثقافي والتربوي، التي تهدف إلى تسهيل التعاون الجامعي والتبادل الثقافي لفائدة رعايا البلدين ، والتي انعقد بموجبها في سنة 1982 أول اجتماع لما سمي مؤسسة مغربية أمريكية للتعاون الثقافي. وفي ما بعد، ولأهمية هذه المؤسسة، قبل رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أن يكون رئيسا فخريا لها كما قبل محمد السادس أن يكون رئيسها الشرفي.
وقصد تحقيق التوازن في العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية و المغرب، تم منذ منتصف السبعينات الشروع في توسيع علاقاتهما الاقتصادية، والتي ظلت لفترة طويلة متأخرة جدا وتعيش تهميشا ملحوظا، ومحرومة من الهياكل والوسائل الكفيلة بإعطائها بعدا نوعيا وطموحا وفي مستوى التعاون السياسي القائم بين البلدين. فجاء التوقيع سنة 1975 على اتفاقية لتفادي الازدواج الضريبي وفي سنة 1985 على اتفاقية لتشجيع الاستثمارات ، كما بدأ المغرب يطبق معايير للتخفيف من العراقيل، من أجل الرفع من الاستثمارات والتجارة ، مما قد يفتح معه المجال واسعا أمام الاستثمارات الأمريكية، وخاصة عقب الزيارة التي قامت بها «بعثة هيئة الاستثمارات في القطاع الخاص لما وراء البحار» للمغرب سنة 1989. وفي سنة 1995، تم إبرام اتفاقية إطار، تنص على خلق مجلس مغربي أمريكي للتجارة والاستثمار، بهدف فتح آفاق جديدة في مجالات تطوير المبادلات التجارية وجلب الاستثمارات. وفي سنة 1998، تم التوقيع على مبادرة «إيزنشتاين» متعددة الأطراف، والتي ركزت على المجال المغاربي، كمنطقة مندمجة وعلى القطاع الخاص كقاطرة للتنمية.
وفور اعتلاء الملك محمد السادس عرش المملكة، قام في سنة 2000 بأول زيارة رسمية له لأمريكا، سعى من خلالها إلى تحقيق شراكة استراتيجية، انطلاقا من رغبته الأكيدة في الرفع من مستوى العلاقات الاقتصادية إلى مستوى العلاقات السياسية، حيث تكلم جلالته مخاطبا الأمريكيين «... وإني أثمن في هذا السياق إرادتنا المشتركة في إعطاء علاقات بلدينا الثنائية الممتازة مزيدا من الوضوح والاتساع والازدهار، من خلال تحقيق اتفاقية التبادل الحر التي ستمكن علاقاتنا السياسية من عمق اقتصادي «.
وفي هذا الإطار، واعتبارا لما تسميه الولايات المتحدة الأمريكية « بدائرة التنمية المتسعة»، تم التوقيع بواشنطن في 15 يونيو 2004 على اتفاق للتبادل الحر، وذلك تكريسا وتعميقا للعلاقات المتميزة بين البلدين عبر التاريخ من جهة، واختبارا حقيقيا من جهة أخرى لقياس الرغبة في دعم الشراكة الاقتصادية إلى جانب الشراكة السياسية، التي تتمثل أساسا في تطابق المواقف وتناغم وجهات النظر، تجاه العديد من القضايا في العالم.
وإذا كان هذا الاتفاق يتسم بشموله لمختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والحقوقية والعلمية والثقافية، ويمنح إمكانات هائلة للنشاط الاقتصادي، التجاري والمالي والإنتاجي، في كلا البلدين، من دون قيود حمائية، جمركية أو إدارية أو تفضيلية، إلا في حالات استثنائية جدا، تهم أساسا قطاعات الفلاحة والنسيج والملابس وصناعة الأدوية و القطاع المالي وخدمات التأمين في النقل البحري والجوي والطرقي .... فإنه لم تواكبه، في الوقت ذاته ، و بالموازاة معه، أي تعبئة ، من طرف الدولة و المقاولات والمؤسسات العمومية والجمعيات... وذلك من أجل فهم فحواه والوقوف على أهميته ، والفرص التي يتيحها والرهانات التي يفرزها والتحديات التي يطرحه. لأن الجميع هنا معني ، سواء المنتجين أو المستهلكين أو السياسيين أو الحزبيين أو النقابيين أو المفكرين أو الأكاديميين أو العمال أو المأجورين...، كما لم تواكبه منذ البداية أية إجراءات عملية موازية كفيلة بتدبير المرحلة الانتقالية ، قبل الوصول إلى المراحل النهائية . كما جاء هذا الاتفاق في ظل تفاوت اقتصادي وتكنولوجي وتجاري وصناعي وثقافي كبير جدا بين البلدين، وفي غياب تام لأي إصلاحات اقتصادية وسياسية وإدارية وقانونية ومؤسساتية، هيكلية ، تمكن من ضمان الشفافية في تفويت الصفقات العمومية والقضاء على الرشوة وإصلاح منظومة العدالة، كما كان يطالب بذلك دائما الشركاء الأمريكيون ، وفي غياب كذلك لأي دعم مالي مقدر من طرفهم - باستثناء بعض الدعم التقني المحدود جدا- قد يساهم في تأهيل النسيج الاقتصادي وتنويعه وتقويته والرفع من طاقاته الإنتاجية، مما قد ينتج عنه امتلاك المغرب لمقومات ومزايا نسبية وتنافسية معتبرة ، تمكنه أولا من الاستجابة لطلبيات السوق الأمريكية الواسعة، ثم بعد ذلك غزو الأسواق الخارجية، وبالتالي تحقيق ربح اقتصادي أكيد، يتيح له تعزيز موقعه في علاقاته السياسية والدبلوماسية ،الإقليمية و الدولية.
فالأستاذ عبد الله إبراهيم سافر من سحر الشعر والأدب إلى وجع السياسة والنضال، وفر ولع الكلمة ليسقط في وجع الفعل الوطني، ولذلك فعندما تودعه السياسة أو يودعها يعود إلى كنف الكتابة وحضن التدريس وفردوس البحث العلمي الأكاديمي .
وهو كما عبرت عنه برقية التعزية التي بعث بها جلالة الملك محمد السادس حفظه الله إلى أفراد أسرته الصغيرة، « قيادي حزبي حصيف، ومثقف مخضرم، ومجتهد في المزاوجة الخلاقة بين الجوانب المشرقة في ثقافتنا المغربية، والانفتاح على الفكر العالمي وثقافة العصر، والجمع بين دماثة الخلق والعمل السياسي بمفهومه النبيل، الملتزم بخدمة قضايا الأمة والتشبث بمقدساتها».
والرجل أيضا كما تحدث عنه المرحوم أبو بكر القادري، عَلَمٌ بالأوساط الثقافية وطود في ساحة الوطنية. برزت موهبته النضالية وهو طالب بجامعة بن يوسف حيث استطاع أن يلف حوله جموع الشباب الوطني المراكشي، كما برزت ملامح نبوغه الأدبي وهو يحرر مقالات أدبية ويكتب قَصَصا قصيرة بالإضافة إلى أبحاث ودراسات ذات طبيعة تاريخية وفلسفية تصدر بجرائد ومجلات ثلاثينيات القرن الماضي.
وهو كذلك الرجل الذي يتصف « بتواضع لا تكاد تميزه عن الحياء. وإذا رأيته لا تحسبه رئيسا للحكومة، وإنما تخاله نبيلا من النبلاء الصغار، يحسب حساب النبلاء الكبار « كما جاء في شهادة الكاتب روم لاندو. وهو كما قال المناضل السيد أحمد الخراص رجل « ذو بعد في النظر وصفاء في الذهن ووجاهة في التحليل وقوة في الإدراك والملاحظة. هو السياسي المرن والمناضل المتشدد العصامي القاسي حتى على نفسه وذويه في مواطن الحق، وهو المتكلم حتى دون أن ينطق أو كما يقول الشاعر:
حلو الفكاهة مُر الجد قد مَجَجَت / من شدة البأس منه رقة الغزل
تفتقت ملامح الوطنية عند ابن درب الحمام بحي المواسين بمراكش الحمراء منذ ريعان شبابه، فلا هو انتظر حتى يشتد عوده أو يُشَد أزره أو يُقوى عضده، بل ارتمى في حضن النضال ليجرب السجن والاعتقال وهو ابن 16ربيعا من عمره بتهمة توعية الحرفيين وتنظيمهم والدفع بهم إلى تنظيم الاحتجاجات؛ كما سيزج به في غياهب السحن سنة 1936 بعد عودته من اجتماع للكتلة الوطنية بالدار البيضاء؛ وفي سنة 1937 سينفى إلى تارودانت بعد تزعمه لمظاهرة انطلقت من دروب المدينة نحو ساحة جامع الفنا، حيث سيحكم عليه بالأشغال الشاقة أجبر على قضائها في تبليط الطرقات وكنس مجاري المياه العادمة مع ثلة من الوطنيين والعلماء من أبناء مدينة مراكش، وليكون بذلك أصغر مثقف وعالم خلال مرحلة الأربعينيات يتم اعتقاله  ونفيه جنوب  المغرب . لكن النفي والاعتقال لم يحولا دون استمراره في مقاومة الاستعمار، والنضال ضد الظلم والإقصاء الاجتماعي. بعد حصوله على شهادة العالِمية، توجه الفقيد عبد الله إبراهيم إلى أوربا لاستكمال تكوينه الأكاديمي والعلمي عوضا عن المشرق العربي، الوجهة المعتادة للطلبة المغاربة، حيث الأزهر، والقيروان. وهناك بجامعة السوربون اغترف الطالب الموهوب عبد الله إبراهيم من معين الفلسفة الغربية، خصوصا من مكتبتي «هيغل» و»جون بول سارتر» اللتين سيكون لهما تأثير الخيمياء في المعادن على شخصية الرجل. سافر إلى فرنسا ليس فقط طلبا للعلم وللاستزادة منه، لكن أيضا وكما جاء على لسانه كان السفر فرارا من واقع الاضطهاد وفقدان الأمل في سياسة الحكومة الفرنسية تجاه مطالب الشعب المغربي في الاستقلال، وثانيا لتشَوُّش الرؤية لدى الحركة الوطنية بعد الحملة القمعية لسلطات الحماية خلال سنة 1944 وما بعدها على إثر تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال التي كان فقيدنا من الموقعين عليها.
أحدثت مرحلة الهجرة طفرة خاصة في حياة الفقيد حيث سينغمر وينغمس في لجة النضال العالمي الذي كانت دمائه تسري دافئة دافقة في عروق فرنسا المتحررة توا من الاحتلال النازي والتي أضحت قبلة للكثير من أبناء العالم العربي والغربي والآسيوي على حد سواء ممن يبحثون عن الحرية والانعتاق.
عاد عبد الله إبراهيم إلى المغرب خريف سنة 1949 بعد أربع سنوات من الغياب. عاد، لكن رجلا آخر أو كما قال الحبيب الفرقاني في شهادته « لقد ذهب أستاذنا لفرنسا شخصا معينا، وعاد شخصا آخر في أفكاره وتوجهاته ومنهاجه». عاد ليتقلد عدة مناصب وتُوكل إليه عدة مسؤوليات ومهام، إذ عرض عليه المرحوم الزعيم علال الفاسي أن يكون مساعده في العمل السياسي ليعتذر الرجل بلباقة الحاذق المتمرس المجرب، ليعهد إليه بمهمة تدبير ملف الشؤون النقابية ورئاسة هيأة تحرير جريدة العلم.
سيتعرض الفقيد الأستاذ عبد الله إبراهيم للاعتقال جراء الاحتجاجات العمالية والشعبية التي نظمت عقب اغتيال المناضل النقابي المغاربي فرحات حشاد، ليظل رهنه إلى صيف 1954 رفقة مجموعة من الوطنيين. وكانت التهمة المس بأمن الدولة «المستعمرة « الداخلي و الخارجي.
سيعين الفقيد الأستاذ عبد الله إبراهيم في أول حكومة مغربية تتشكل سنة 1955 ككاتب للدولة في الأنباء وناطقا رسميا باسم الحكومة، ثم وزيرا للشغل والشؤون الاجتماعية بين سنتي 1956 و 1957 وهي المرحلة التي كان من أولوياته فيها يقول الفقيد « إصدار التشريع الوطني الخاص بالنقابات على عهد الاستقلال». ليتولى رئاسة الحكومة بتكليف من جلالة المغفور له محمد الخامس سنة 1958 و هي المهمة التي ستكون خاتمة عقد قرانه القسري بالسياسة.
وعلى الرغم من أن الحكومة التي ترأسها فقيدنا المرحوم الأستاذ عبد الله إبراهيم لم تعمر سوى 16 شهرا، فإنها ظلت أيقونة في الذاكرة السياسية والوطنية المغربية وبصمة عصية على المحو من تاريخ المغرب المعاصر، باعتبارها تجربة رائدة اتخذت جملة من القرارات الوطنية الجريئة والشجاعة ما زالت ليومنا مفخرة الدولة المغربية والاقتصاد الوطني.
بعد مغادرته لقارب السياسة، ركب الفقيد الأستاذ عبد الله إبراهيم سفينة العلم مساهما بثراء وسخاء وغزارة وتنوع في شتى فروع الفكر من علوم سياسة وعلم الاجتماع والفلسفة والدبلوماسية والتاريخ، إضافة إلى الكثير من المباحث التي أبدع في تلقينها لطلابه الجامعيين على امتداد أكثر من ثلاثة عقود. لقد كان كما عُهد أكاديميا متمرسا وأستاذا صارما، وحريصا على تلقين المعلومة الدقيقة، والسهر على التكوين والتعليم الرصين.
ولقد جمعتني به فترة التدريس التي قضيناها معا لمدة سنوات بالمركز الجهوي للتكوين الإداري لأطر الداخلية بالدار البيضاء، وكذا بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء وبجامعة محمد الخامس بالرباط.
ظل الفقيد محل تقدير واحترام وإجلال من طرف جل شرائح المجتمع ومكوناته السياسية والأكاديمية، وقد أنعم عليه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في 11 يناير 2005 بوسام ملكي سامي.
وإننا لنعتبره في المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، علما من أعلام النضال، رائداً عصامياً مستقيماً ، شجاعاً مقداماً لا يهاب في قول الحق لومة لائم، حظي باحترام وتقدير كل من كان حوله حتى الخصوم منهم، كان مندفعا في تنفيذ المهمات إلى أقصى الحدود، تحمل الصعاب وتجشم المشاق برحابة صدر، وبذل الجهد والتعب والعرق بصمت. فكان بحق مزيجاً من العطاءات، جمعت بين طيبة أهل مراكش وصلابة أهل الجبل المطل عليها وبريق الشمس التي تدفئ نهارها.
وها نحن اليوم نطلق اسمه على واحد من أهم شوارع مدينة الدار البيضاء فطوبى لنا وهنيئا لنا جميعا، لعائلته الصغيرة ومؤسسة عبد الله إبراهيم للثقافة والأبحاث ولعائلته الكبيرة في الحركة الوطنية وفي المقاومة وجيش التحرير ولكافة الحضور الكريم من معايشيه ومجايليه ورفاقه على درب الكفاح الوطني والتحريري وكل محبيه ومقدري أفضاله وشمائله.
ولن أجد قولا أحسن من قول الفقيد نفسه مسك الختام لهذه الكلمة وهو قوله رحمه الله: « المغرب يتحرك ليسمو. إن الذين ظنوا أنالمغرب قد خمد مخطئون. إن نهضات الأمم ليست فورات ولا مظاهر، ولكنها ثقافة تتجلى وحياة تنشأ».
رحم الله فقيدنا العزيز مولاي عبد الله إبراهيم وتغمده بواسع رحمته وعميم رضوانه.
و السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.