اليسار الإلكتروني تحديدا، كيف السبيل إلى رصده وقياسه ومن ثمة جعله قابلا للملاحظة والقياس على ساحة النشر والإعلام في المغرب؟ وهل يمكن التكهن بوجوده أصلا ضمن تفاعلات المشهد الإعلامي المغربي في ارتباكاته والتباساته الصعبة الارتياد؟ بمعنى أوضح، هل هناك صحافة إلكترونية يسارية اشتراكية بالمعنى الدلالي للكلمة تنشط بالمغرب؟ وأخيرا، ما الفرق بين اليسار السياسي واليسار الإلكتروني؟ إن طرح الموضوع للنقاش والتطوير من قبل أحد الحداثيين الديمقراطيين في العالم العربي اليوم جعله يلقى تجاوبا قلب كل التصورات. ورغم أن الدعوة موجهة إلى كل من يهمه تحديث اليسار والأفق الاشتراكي، ويعمل من أجل خيار سياسي اقتصادي اجتماعي أفضل وممكن للإنسان. إلا أن العديد من المتتبعين والملاحظين والمحللين بادروا إلى عرض وجهات نظرهم وإبداء آرائهم في الموضوع بموضوعية بجرأة وبقليل من الانفعال المشروع في أغلب الأحيان. وحسب رزكار عقراوي دائما فإن «مفهوم اليسار الإلكتروني ليس غامضا في مستوياته وأبعاده، لأنه فضلا عن كونه يستند إلى التطور المعرفي والعلمي العقلاني للفكر اليساري والإنساني، فهو قادر على الاستفادة واستخدام التطور التكنولوجي والعلمي في عمله السياسي والتنظيمي والإعلامي والثقافي من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، كما باستطاعته تحقيق أكبر قدر ممكن من المساواة في ضوء موازين القوى الطبقية والسياسية ومستوى تطور المجتمعات التي يعمل فيها، وبناء مجتمع مدني حر وديمقراطي علماني يحترم حقوق الإنسان». إن التفكير في اليسار الإلكتروني اليوم برأي مبدعه « يطرح سياسات عقلانية واقعية وينطلق من قدراته وقدرات الفئات التي يدافع عنها، ودرجة تطور المجتمعات في تحديد مهماته العملية والمرحلية بالاستناد إلى العلوم الحديثة، لكي لا يبتعد بأهدافه وأطروحاته ويهيم في الأوهام أو النصوص النظرية الجامدة التي تقادم الكثير منها في الوقت الحاضر، والبعض منها عفا عليها الزمن والتي للأسف، حولت من قبل الكثير من اليساريين إلى نصوص مقدسة وحقائق مطلقة معصومة من الخطأ وصالحة لكل الأزمان والأمكنة، حيث إنها لا بد أن تخضع إلى عملية نقد وتطوير وتجديد متواصل ومترابط بشكل وثيق مع التطور العلمي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والبيئي للإنسانية. وتماشيا مع النسق «يتوجه الطرح في انتظاراته وطموحاته بشكل رئيسي نحو الطاقات الشابة المتعطشة للتحديث والتغيير والعدالة والمساواة، ويرى من الضروري الوصول إليها وحشد طاقاتها باستخدام التقنيات الحديثة التي يستخدمونها الآن، ويركز أيضا على القيادة الشابة التي لديها طاقات أكبر وهي ألأكثر مرونة وقبولا للتغيير والتحديث على كافة الأصعدة، ويطرح «كوتا» شبابية في مؤسساته المختلفة وخاصة القيادية». وحيث لا جدال في كون الطرح «يؤكد أن الإنسان وحقوقه الكاملة هي الأساس، وبمفهوم عالمي بغض النظر عن العرق أو الدين أو الجنس، ويبتعد في عمله وتحالفاته عن القوى الاستبدادية اليمينية و الدينية والقومية المتعصبة المناهضة لحقوق الإنسان الأساسية». فمن ناحية ثانية فهو «يؤمن بالمساواة الكاملة للمرأة و التميز الايجابي، بتكريس حصة «كوتا» تصاعدية في مؤسساته لحين تحقيق المساواة الفعلية والتامة، ويتوجه نحو تحقيق ذلك في كافة هيئاته القاعدية والقيادية ونشاطاته المختلفة». مرسخا إيمانه «بتعدد المنابر والاجتهادات والكتل الفكرية والتنظيمية المختلفة داخل الحزب الواحد، ويرفض تقديس النصوص وعبادة وتأليه القادة بمن فيهم منظرو الماركسية واليسار وقادة الأحزاب، ولا يدعي احتكار الحقيقة. من ناحية أخرى، يعمل التصور على عقد مؤتمرات علنية مفتوحة بعد تحضير واسع يضمن مشاركة الجميع من الاتجاهات والكتل المختلفة داخل مؤسساته. ويلتزم بالجماعية في وضع وإقرار السياسات، واحترام الرأي والرأي الأخر، يسار يرفض الشمولية ويؤمن بالعملية الديمقراطية والتداول الديمقراطي السلمي للسلطة. ويركز على التفاعل المتبادل مع الجماهير ودعوتهم للمشاركة في إقرار سياساته والحوار عليها وبشكل متواصل يطلب التغذية العكسية من فئات المجتمع المختلفة من اجل تقييم السياسات، وقياس مدى نجاحها. في مرحلة ما، يبدي رزكار عقراوي أسفه لكون «الكثير من قادة اليسار في العالم العربي ينافسون حكام وملوك العالم العربي في البقاء في كرسي القيادة، بل أن البعض منهم حولها إلى مملكات عائلية وراثية ! مما خلق حالة سلبية أضرت كثيرا باليسار وأدت إلى جمود نظري وعملي وتنظيمي وهو بعيد كل البعد عن التقاليد الديمقراطية اليسارية، لذلك يركز اليسار الالكتروني على تداولية القيادة ويعتبرها بند رئيسي في أنظمته الداخلية بحيث لا يحق تبوء المناصب القيادية لأكثر من دورتين انتخابيتين وحد أعلى 6 8 سنوات. إن تجديد القيادات وعلى مختلف المستويات مهمة ضرورية باستمرار وليست رغبة عبثية و بدون فائدة كما تروج له بعض القيادات الحزبية التقليدية». ولأن العالم بشكل عام يتجه نحو الشفافية، حيث التقنيات الحديثة أتاحت كسر حواجز الرقابة وحجب الحقائق عن الجماهير، فإن اليسار الالكتروني يستند في عمله إلى الشفافية الكاملة في أنشطته الداخلية والخارجية ماعدا التي من الممكن أن تلحق ضررا امنيا به في الدول الاستبدادية. وتلتزم مؤسساته وقيادته وأعضائه بالشفافية المالية الكاملة على المستويين الحزبي والشخصي شريطة أن يعمل في إطار حركة اجتماعية واسعة متجاوزة للأطر الحزبية ويرفض التعصب التنظيمي والمؤسساتي والنخبوي، ويعمل وينسق مع القوى اليسارية والعلمانية والديمقراطية الأخرى وفق نقاط الالتقاء المشتركة ويمارس الحوار الحضاري البناء حول الاختلافات. ويستخدم الإدارة الحديثة والبحث العلمي والتطور التقني والمعرفي في عصرنة آليات التنظيم الحزبي والنشاط السياسي والاتصال الداخلي والخارجي مع المجتمع ومكوناته. حتما سيعمل على تنمية «قدرات أعضائه وقياداته في استيعاب التطور التكنولوجي والتقني، واستخدامها في المجالات المختلفة السياسية والإعلامية والتنظيمية، مما سيؤدي التي تطوير العمل كماً ونوعا، وإلى تخفيض المصاريف في ظل الأزمة المالية المزمنة التي تعاني منها معظم فصائل اليسار. ويتوجه نحو اكتساب قدرات تقنية متقدمة وسريعة تتيح له الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الجهة أي المجموعات التي يستهدفها وحشدها باستخدام التقنيات الحديثة، كما يستطيع مواجهة اختراقات الخصوم، وأحيانا الرد عندما يتطلب الأمر ذلك، إضافة إلى إمكانية اختراق شبكات الأنظمة الشمولية الحاكمة وخاصة الأمنية والسياسية عندما تقتضي الحاجة تجربة ويكلكس مثلا. ولا بد أن يكون في عملية تطوير مستمرة على الصعيدين التقني والمعلوماتي. إن تحويمة خفيفة حول موجة النقد التي واجهت هذا الطرح يمكن مقاربتها وتصنيفها إلى نوعين وجهات نظر معارضة كرد فعل أولي، لكنها مشيدة في المجمل ومسجلة في الآن نفسه أن الأمر يتعلق بمبادرة رائعة لتقوية وتعزيز اليسار من خلال الحوار الديمقراطي و التلاحم بين فصائل اليسار.. فقد أعتبر الكثير من مرتادي الشبكة العنكبوتية أن الاتجاه العام الذي يقترحه هذا الطرح (حول مفهوم اليسار الإلكتروني) جيّد ومعقول لسبب رئيسي، هو أن اليسار بأفكاره، وتكتيكاته، وأساليبه، وبرامجه، التي كان يعمل بها خلال سنوات 1970، لم تعد ملائمة في كثير من جوانبها». كما ثمن البعض الآخر التحليل المصاحب للطرح بما يخص اليسار والتكنولوجيا، لكنه اشترط أن يكون التغير الأساسي في التفكير والتنظيم أي الانتقال من مفهوم العامل الأساسي إلى تداخل العوامل ومن مفهوم التنظيم الهرمي إلى الشبكة كتنظيم ، هذا ينطبق على كل جوانب الحياة الإنسانية، ولكن وعينا يأتي لاحقا لهدا التغير». فيما اعتبر أحد المتواصلين أن «هذا ليس طرحا علميا، وانما هروب إلى الأمام، فليس اليسار قوة تنظيميه لها ثقلها، ولن تهرب باتجاه رحم الإلكترون وإنما تستفيد منه كموجة إعلام ليس إلا. وفيما عبر الكثير عن اعتقاده أن من الممكن بل ومن الضروري الاستفادة من التقنيات الجديدة وتحديث أساليب العمل... بل ربما يمكن عقد اجتماعات عن طريق أجهزة اتصال إلكترونية لتجاوز المسافات.. فقد أثنى الجميع على المبادرة، ولم يساورهم أدنى شك في قدرة وكفاءة وجرأة من ساهم في بناء وتقديم الدعم لعشرات المواقع التابعة للأحزاب اليسارية ومنظمات حقوق الإنسان والمرأة. وصاحب تحصيل علمي و دبلوم عالي في علوم الكومبيوتر 2000 كلية كوبنهاكن الدولية ومؤطر العديد من الدورات المتعلقة بالأنترنت والبرمجة وتقنية المعلومات بشكل عام. لن نغوص في أسئلة حول متطلبات الانتقال من الصحافة الورقية إلى الصحافة الإلكترونية، بيمينها ويسارها، لكن الجدير التذكير به هو انتقال العديد من المنابر الإعلامية العربية والأجنبية بمرجعياتها السياسية والأيديولوجية وسائلها الإعلامية المكتوبة سواء صحف أو مجلات أو منشورات من الورق إلى مواقع إلكترونية، كما لا تهمنا الأسباب، لكننا معنيون فيما إذا كانت عملية الانتقال قد تمت وفق الخط التحريري المعتمد، أم تم تكييفه وتعديله تماشيا مع المتطلبات البرغماتية للوجود الفعلي للمنبر الإعلامي».