«انقلاب».. هذا ما وصف به الإعلامي وضاح خنفر الحالة الراهنة للإعلام العربي عامة والمصري خاصة، محذرا من أن «الكاميرا أخطر من البندقية والقلم أخطر من القنبلة إذا أسيء استخدامهما». واعتبر في حوار خاص في اسطنبول، حيث مقر منتدى الشرق للإعلام الذي أسسه خنفر بعد استقالته من منصبه كمدير لشبكة «الجزيرة» القطرية، أن نتائج انتخابات المحليات التركية الأخيرة، والذي حل فيها حزب العدالة والتنمية أولا «تعطي رسالة أن التيار الإسلامي عموما ما زال حاضرا وفاعلا ومؤثرا في المنطقة». وفيما يلي تفاصيل الحوار: { كيف ترى دور الإعلام في صناعة الانقلابات؟ الأصل في الإعلام ألا دور له في صناعة الانقلاب أو عدمه، فالمفروض من الإعلامي المهني الشريف، أن يكون أمينا في نقل الواقع، ويمكن الناس من فهم الواقع كما يشاءون، أما أن يكون هو في ذاته فاعلا في الواقع السياسي، ومنبرا لبيانات أو تحريض أو تحرك فهذا لا ينتمي لعالم الإعلام بشيء، وإنما هي محنة يمر بها الإعلام، وأعتقد أن الإعلام العربي الآن يمر بمحنة في منتهى الخطورة، كونه في ذاته يمر بانقلاب، فهناك انقلاب إعلامي حقيقي على القيم المهنية. كنا نريد من الربيع العربي أن يكون انعتاقا للإعلام العربي من كونه جزءا من النظام السياسي أو الحالة الحزبية، أو أن يكون عميلا لأجهزة المخابرات والقوى التي حكمت إعلامنا في الفترة الماضية، ولكن للأسف وعلى سبيل المثال في الواقع المصري فإن الإعلام عاد أبشع مما كان، كأداة أمنية سياسية تحريضية وحتى تقسيمية للمجتمع، بعيدا عن كل شيء اسمه معايير أو دقة في نقل الوقائع. { ما أسباب هذا الواقع الإعلامي العربي الذي أشرت إليه في رأيك؟ أولا كما حال معظم القطاعات في عالمنا العربي، التي دمرت بفعل الأنظمة الديكتاتورية عبر العقود الماضية، الإعلام عانى أكثر من أي شيء آخر، وصودرت حرية الإعلاميين منذ الخمسينيات والستينيات (من القرن الماضي)، وأصبحت وسائل الإعلام جزءا من النظام الأمني والمخابراتي، وكأن الإعلامي جزء من النظام الحاكم، وهو لسانه ويده وكتابه، وهذه مشكلة كبيرة جدا. ثانيا، للأسف لم نحظ بوقت كاف من الحرية في ظل ثورات الربيع العربي، لتترسخ لدينا تقاليد مهنية عريقة تعصمنا من أن نقع فريسة لهذا الغول السياسي الذي يريد الاستئثار بكل مصادر القوة مرة أخرى. { ألا تعتقد أن من تولوا السلطة في دول الربيع العربي تقع عليهم مسؤولية كبيرة في هذا «الانحدار»؟. أعتقد أن السلطة السياسية بطبعها تحب أن تتغول على الإعلام، وبطبيعتها لا تفضل الإعلام المستقل، ولكن أنا ألوم الإعلاميين أنفسهم، الإعلامي الذي يقبل أن يصبح أداة رخيصة بيد ضابط عسكري أو ضابط مخابرات، أو حزب، وأن يصبح فقط مجرد أداة يعبر عن أولويات هؤلاء دون اعتبار لأي قيم مهنية أو أخلاقية، أعتقد أن هذه هي مسؤولية الإعلامي في حد ذاته، فقد أصبح أداة في غاية الابتذال، على الأقل في مراحل الديكتاتوريات الأولى كان هناك قدر من محاولة التجمل، ولكنها انتهت الآن. أيضا الثقافة السياسية التي لم تنضج بعد في عالمنا العربي بالشكل المناسب مازالت أضعف من أن تحمل الأطر الإعلامية والتوجيهية بالشكل المناسب، وأن تحفظ لها مكانتها بعيدا عن أن تحاول احتضانها، كذلك الأحزاب السياسية لعبت دورا سيئا، فلكل حزب وسائل إعلامه التي سخرها لمحاربة الآخرين دون احترام الحد الأدنى من معايير الإعلام. يجب أن نصل لمرحلة نعترف فيها نحن كعرب أنه إذا لم يكن لدينا إعلام مستقل سنستمر في كراهية بعضنا البعض والتحريض على بعضنا البعض وقتل بعضنا البعض. الإعلام المستقل هو الضمانة للدول والأحزاب والأفراد لكي يفهموا الواقع بشكل أكثر موضوعية ويحكموا عليه بشكل أكثر مهنية، ويحاولوا أن يصلوا إلى المستقبل بطريقة تجمعهم ولا تفرقهم. { تتحدث عن الإعلام المستقل وكأنه غير موجود في عالمنا العربي، بينما العشرات من وسائل الإعلام وفق نمط ملكيتها ليست حكومية ولا حزبية، والمفروض أنها مستقلة؟ كلمة الإعلام المستقل استخدمت زورا وبهتانا في عالمنا العربي، فقد كان أسوأ من الإعلام التابع للحكومات والأحزاب، والمشكلة هنا كانت في مصادر التمويل، فالممول إن كان ذا انتماء سياسي أو مصلحة مباشرة في وضع سياسي معين، وتصبح المؤسسة الإعلامية منبرا له، فهي في الحقيقة تصبح أخطر من الإعلام الرسمي الذي تملكه الدول. لذلك ما سمي بالإعلام المستقل في العالم العربي خاصة بعد فترة الربيع العربي، أصبح فريسة للتمويل، ورأينا قنوات كثيرة تسمي نفسها مستقلة ولكنها تمارس الدور السياسي الذي يطلبه الممول. كنا نأمل أن تقدم شبكات التواصل الاجتماعي بديلا، ولو مرحليا على الأقل، يستطيع الإنسان العربي من خلاله أن يتلمس شيئا من الحقيقة، ولكن، أيضا بسبب حالة غياب الثقافة السياسية المتوازنة في العالم العربي، أصبح هناك استقطاب حاد على شبكات الإنترنت أدى إلى حملات واسعة من التضليل والكراهية. ولذلك نحن الآن خسرنا عالمين.. الإعلام التقليدي، وإعلام التواصل الاجتماعي، وأصل المشكلة هو أن ثقافتنا السياسية لم تصل بعد للنضج الكافي. { وأين موقع الإسلاميين الذين تصدروا المشهد في ظل الربيع العربي من هذه الحالة الإعلامية؟ مثل قطاعات كبيرة من العالم العربي همشوا لعقود من الزمن، كانوا خلالها محجوبين عن المنابر الإعلامية، وربما الممارسة السياسية أيضا، وبعد الربيع العربي تحتاج المؤسسات إلى الكثير من الإنضاج، والموارد البشرية المتمكنة، والحقيقة أن الموارد البشرية في رأيي أهم من التمويل، لأن المال بدون ثقافة إعلامية متأصلة في بشر لا تخدم الهدف، بالعكس قد تدمر، وللأسف الموارد البشرية المتاحة في العالم العربي فيها عجز حقيقي، يجعل من الصعب أن ترتقي لمستوى المؤسسات الإعلامية المحترفة، وهذا لا ينطبق على الإسلاميين فحسب، بل على الجميع.. ونتيجة لذلك للأسف تم إدخال المهنة من يعرف ضوابطها ومن لا يعرف، وصار هناك اختلاط كبير بين من هو مهني ومن هو ناشط ومن يعبر عن موقف حزبي. إذا صعب على الشعوب في ظل هذه الفترة ?القصيرة? من الحرية أن تمتلك أدوات الإعلام الحرفي، فكيف هي بعد العثرات التي يمر بها الربيع العربي الآن؟