رئيس مجلس النواب يجري مباحثات بالرباط مع رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا    خمري ل"الأيام24″: الإستقلال مطالب بإيجاد صيغة جديدة للتنافس الديمقراطي بين تياراته    الحكومة تكشف عدد رؤوس المواشي المعدة للذبح خلال عيد الأضحى    الزمالك المصري يتلقى ضربة قوية قبل مواجهة نهضة بركان    تحديات تواجه نستله.. لهذا تقرر سحب مياه "البيرييه" من الاسواق    المركزيات النقابية تشيد باتفاق الزيادة العامة في الأجور    أمن فاس يلقي القبض على قاتل تلميذة    بلينكن: التطبيع الإسرائيلي السعودي قرب يكتمل والرياض ربطاتو بوضع مسار واضح لإقامة دولة فلسطينية    شكاية جديدة.. الرجاء يشكو مدرب الجيش الملكي لدى لجنة الأخلاقيات    رسميا.. عادل رمزي مدربا جديدا للمنتخب الهولندي لأقل من 18 سنة    المحكمة تدين صاحب أغنية "شر كبي أتاي" بالسجن لهذه المدة    مجلس النواب يطلق الدورة الرابعة لجائزة الصحافة البرلمانية    برواية "قناع بلون السماء".. أسير فلسطيني يظفر بجائزة البوكر العربية 2024    عملية جراحية لبرقوق بعد تعرضه لاعتداء خطير قد ينهي مستقبله الكروي    سجن الفقيه بن صالح يخلد ذكرى التأسيس    الإيسيسكو تحتضن ندوة ثقافية حول مكانة المرأة في الحضارة اليمنية    المديرية العامة للأمن الوطني تنظم ندوة حول "مكافحة الجرائم الماسة بالمجال الغابوي"    غامبيا جددات دعمها الكامل للوحدة الترابية للمغرب وأكدات أهمية المبادرة الملكية الأطلسية    تحرير ما معدله 12 ألف محضر بشأن الجرائم الغابوية سنويا    بالفيديو.. "الديستي" تساعد إسبانيا في الإمساك بقارب يحمل طنين من الحشيش    الملك يهنئ بركة على "ثقة الاستقلاليين"    هذا هو موعد مباراة المنتخب المغربي ونظيره الجزائري    الشرطة الفرنسية تفض اعتصاما طلابيا مناصرا لفلسطين بجامعة "السوربون"    "التنسيق الميداني للتعليم" يؤجل احتجاجاته    نيروبي.. وزيرة الاقتصاد والمالية تمثل جلالة الملك في قمة رؤساء دول إفريقيا للمؤسسة الدولية للتنمية    الرئاسيات الأمريكية.. ترامب يواصل تصدر استطلاعات الرأي في مواجهة بايدن    الدورة السادسة من "ربيعيات أصيلة".. مشغل فني بديع لصقل المواهب والاحتكاك بألمع رواد الريشة الثقافة والإعلام    يوسف يتنحى من رئاسة حكومة اسكتلندا    المكتب الوطني للسياحة يضع كرة القدم في قلب إستراتيجيته الترويجية لوجهة المغرب    اتفاق بين الحكومة والنقابات.. زيادة في الأجور وتخفيض الضريبة على الدخل والرفع من الحد الأدنى للأجور        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    الفنان الجزائري عبد القادر السيكتور.. لهذا نحن "خاوة" والناظور تغير بشكل جذري    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    رسمياً.. رئيس الحكومة الإسبانية يعلن عن قراره بعد توجيه اتهامات بالفساد لزوجته    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    وزارة الفلاحة…الدورة ال 16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تكللت بنجاح كبير    إدارة السجن المحلي بوجدة تنفي ما نقل عن والدة سجين بخصوص وجود آثار ضرب وجرح على وجهه    فيلم أنوال…عمل سينمائي كبير نحو مصير مجهول !    المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد        غزة تسجل سقوط 34 قتيلا في يوم واحد    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الإثنين بأداء إيجابي    أسعار الذهب تتراجع اليوم الإثنين    إليسا متهمة ب"الافتراء والكذب"    رئيس ريال مدريد يهاتف مبابي عقب التتويج بالدوري الفرنسي    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    المنتخب المغربي يتأهل إلى نهائي البطولة العربية على حساب تونس    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسارات المشاركة المواطنة بالمغرب، من أجل إطار جديد لتعزيز القيم الديمقراطية

المدرسة المواطنة للدراسات السياسية هي برنامج مغربي، تأسس كإطار جمعوي غير ربحي، في دجنبر  سنة 2012، بمبادرة من مجموعة من الهيئات والمنظمات المدنية والجامعية الوطنية، وبدعم من مجموعة من الفعاليات الحقوقية والأكاديمية. وتنخرط مبادرة تأسيس هذه المدرسة في إطار شبكة مدارس الدراسات السياسية التي يرعاها ويدعمها مجلس أوروبا للمساهمة في الاصلاحات الديموقراطية ودعم حقوق الإنسان بمنطقة جنوب المتوسط.
 وتندرج فلسفة اشتغال المدرسة المواطنة للدراسات السياسية في دعم قيم التعدد عبر تعزيز النقاشات العمومية حول الديموقراطية و المواطنة، وعبر خلق فضاءات للتقارب بين التجارب الميدانية و الخبرة الاكاديمية و كذا المساهمة في تنمية الثقافة السياسية  والحقوقية للأطر والقيادات الشابة المشتغلة في الحقل السياسي، النقابي، الجمعوي، الاقتصادي، الثقافي والبيئي  ببلادنا.
كما تتأسس مقاربة اشتغال المدرسة على كونها "مدرسة بدون جدران" من خلال قيادة وتنظيم الملتقيات واللقاءات الدراسية في الجهات المختلفة للمغرب، لفائدة مجموعة من القيادات الشابة منتقاة على الصعيد الوطني و تمثل أزيد من 30 مدينة وجماعة قروية وإقليم. وتهدف هذه المبادرة إلى تقوية المهارات في المجالات المرتبطة بتدبير الشأن العام المحلي والوطني مع الانفتاح على تجارب دولية مختلفة في سياقات التحولات التي تعرفها منطقة جنوب المتوسط وفي تفاعل مع الديناميات الاجتماعية العالمية .
وترتكز منهجية عمل المدرسة المواطنة على برنامج تكويني سنوي، من خلال تنظيم مجموعة من الندوات الدراسية الكبرى، مع تحليل المضامين في اطار ورشات تكوينية و استكشافها عبر دراسة حالات ميدانية وواقعية، حيث إن هدف هذه المقاربة هو تمكين المستفيدين والمستفيدات من اكتساب معرفة و مهارات ذات طابع تقني و اجرائي و اخرى تندرج في خانة المعرفة السياسية و الثقافة الحقوقية . كما ترتكز هذه التكوينات على دراسة مجالات السياسات العمومية و انخراطها في الاسئلة و الرهانات المرتبطة بتفعيل  مقتضيات دستور 2011.
وينفتح هذا التكوين على الفاعلات والفاعلين المنتمون لأحزاب سياسية (منتخبون محليون وبرلمانيون، أطر حزبية...) والنقابات و جمعيات المجتمع المدني، والعاملين كأطر داخل الجماعات الترابية ومؤسسات الاقتصاد والصحافة....والذين تترواح اعمارهم بين 25 سنة كحد أدنى و 45 سنة كحد أقصى ، والحاصلون على مستوى تعليمي وتجربة ميدانية تسمح لهم/لهن بالتفاعل و الانخراط الايجابي في التكوين وتقاسم تجاربهم وخبراتهم الميدانية.
كما أن المدرسة المواطنة للدراسات السياسية تنخرط في أوراش وأنشطة دولية، وذلك في سياق الشراكة التي يقودها مجلس أوروبا مع عدد من دول جنوب المتوسط بشكل عام ومع المغرب بشكل خاص. ويتجلى هذا الإنخراط في حضور المدرسة كعضو في مجلس قيادة "برنامج جنوب" الذي يشارك فيه ممثلون عن مجلس أوروبا والأتحاد الأوروبي وممثلوا  الحكومات والبرلمانات والمؤسسات الوطنية والمجتمع المدني بعدد من دول جنوب المتوسط .
احتضنت مدينة ورزازات أيام 20،21 و22 يونيو, الندوة الثانية للمدرسة المواطنة للدراسات السياسية في موضوع:" مسارات المشاركة المواطنة بالمغرب، من أجل إطار جديد لتعزيز القيم الديموقراطية "، وذلك بمشاركة أحزاب سياسية ونشطاء المجتمع المدني والنسيج الجمعوي وممثلي المؤسسات المنتخبة, فضلا عن خبراء وأساتذة باحثين.
توزعت أشغال الندوة على محاضرات وطاولات مستديرة وورشات، تناولت قضايا الديمقراطية والمواطنة والحكامة السياسية والحزبية وما يتصل بها من موضوعات حاولت جميعها تشخيص الواقع ورسم آفاق المستقبل من خلال مقاربة أسئلة أساسية :
*ماهي الدلالات السياسية والقانونية للمشاركة في السياق المغربي الراهن؟ وما هي الأدوات ومنهجية العمل المتاحة للفاعلين في أفق تقوية المشاركة وتعزيزها؟ وما هي مسارات المشاركة، وطنيا ومحليا المتاحة، في مواجهة خطاب أزمة الديمقراطية التمثيلية ؟ وما هي الدروس الممكن استخلاصها من التجارب الدولية في مجال مشاركة المجتمع المدني في اتخاذ القرار؟
في محاولة لمقاربة هذه الأسئلة وصياغة بعض عناصر الاجابة عنها، تفعيلا للوثيقة الدستورية، كما جاء في كلمة الافتتاح لمدير المدرسة الأستاذ يوسف العيرج، تقدم مؤطرو الندوة بمداخلات قيمة أعقبتها تعقيبات ونقاشات ساهم فيها ممثلو أكثر من 40 مدينة مغربية.
في الجلسة الأولى تقدم الاستاذ سعيد الخمري بمداخلة همت التشاور والحوار والمشاركة: أية مقاربة تشاركية وفق الدستور المغربي الجديد. عمل المتدخل في البداية على تحديد مفهومي المشاركة والديمقراطية التشاركية، فبين أن المشاركة في بعدها السياسي تعني مشاركة المواطنين في صنع القرار السياسي من خلال الاستفتاء والانتخابات وصيغ أخرى مثل الاحتجاج والإضراب وغيرها، وتعني الديمقراطية التشاركية نموذجا سياسيا يستهدف توسيع انخراط ومشاركة المواطنين في النقاش العمومي واتخاذ القرار السياسي، وفي وضع وتتبع وتقييم السياسيات العمومية عبر المبادرة التشريعية ورفع العرائض وآليات أخرى. وتساءل عن علاقة المقتضيات الدستورية بالمشاركة السياسية معتبرا أن دستور 2011 رسخ المشاركة باعتبارها من مرتكزات الدولة الحديثة الى جانب التعددية والحكامة وجعل الديمقراطية المواطنة والتشاركية احدى أسس النظام الدستوري المغربي بموازاة فصل السلط والحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة . وأكد المتدخل أن الوثيقة الدستورية تتضمن أحكاما مهمة جدا بخصوص الديموقراطية التشاركية, مما دفع بالأستاذ الخبير عبد الله الساعف الى اعتبارها تشكل قطيعة حقيقية مع النظام الدستوري والسياسي السابق، وقد قدم الأستاذ الخمري تحليلا لعدد من فصول الدستور للاستدلال على هذه القطيعة. وبخصوص الديمقراطية التشاركية، أشار المحاضر الى أن دستور 2011 ينص على حق المواطنين في تقديم ملتمسات تشريعية وعرائض الى السلطات العمومية، وعليه فهو دستور متقدم يؤطر لمبادئ عامة ويضع آليات لممارسة الديمقراطية التشاركية .
وقد تساءل المحاضر عن امكانية تنزيل هذه المبادئ والقوانين تنزيلا ديمقراطيا يتيح للمواطنين والمواطنات مشاركة فعلية في الحياة السياسية. وفي هذا السياق تساءل عن ماهية الديمقراطية التشاركية، أهي بديل أم استكمال للديمقراطية التمثيلية التي تعيش اليوم أزمة حقيقية تتجلى في تحولها الى مجرد اجراء بدل أن تكون عملية مستمرة . ان اختزال الديمقراطية التمثيلية في المشاركة في الانتخابات أدى الى تهميش الفئات الشعبية وسيطرة الأقلية على المجال العام وبزوغ أزمة الثقة الناتجة عن الفساد السياسي وتهميش الكفاءات في التمثيل السياسي. هذه الأزمة فرضت التفكير في صيغ جديدة لتقوية الديمقراطية وحفظها من هيمنة الأقلية، فالديمقراطية التشاركية ليست بديلا عن الديموقراطية التمثيلية وإنما هي مكمل لها دون أن تكون تابعة. وعليه من المفروض أن تحافظ جمعيات المجتمع المدني على استقلاليتها واعتماد سياسة القرب وآليات التداول والمشاركة الواسعة للمواطنين في النقاش العام. تواجه الديمقراطية التشاركية في الحالة المغربية ثلاث تحديات: تحدي سياسي يتمثل في استقلالية المجتمع المدني عن الفاعل السياسي والسلطة، والتحدي القانوني يتعلق بالنصوص التنظيمية ومدى تقويتها لمشاركة المجتمع المدني، وتحدي ذاتي يخص التأهيل الذاتي بالمجتمع المدني حتى يكون قادرا على ممارسة عمل احترافي ومهني متطور يساير التحولات التي يعرفها العالم .
في الجلسة الثانية قدم الخبير الدولي جان ماري هيدت، رئيس المجلس العام للمنظمات الدولية غير الحكومية بالاتحاد الأوروبي، "مدونة قواعد الممارسة السليمة للمشاركة المدنية في عملية صنع القرار.
يرى "هيدت" أن من اهم انشغالات الديمقراطيات المعاصرة خيبة امل المواطنين اتجاه العملية السياسية، ويعتبر المجتمع المدني احد البدائل الممكنة الى جانب مجموعات الضغط والأحزاب السياسية. وقد اعترفت لجنة وزراء المجلس الاوروبي سنة 2007 بالإسهام الهام للمنظمات غير الحكومية في تنمية الديمقراطية وحقوق الانسان وتطويرهما... وفي هذا الاطار وضع المجلس مدونة للممارسات الجيدة من اجل مشاركة المجتمع المدني في اتخاذ القرار، وهي وثيقة تتضمن اطار ووسائل تقوية المشاركة المدنية. وتعتبر المدونة أداة منهجية للعمل تتصف بالإجرائية والبراغماتية يمكن استعمالها من قبل اصحاب القرار والمجتمع المدني المهيكل، من شأنها تيسير التفاعل والتعاون بين الفاعلين وتعزيز وسائل العمل وتقوية مشاركة مختلف الفاعلين في العملية الديمقراطية. تتضمن المدونة الممارسات الجيدة، باعتبارها مبادئ موجهة وأداة منهجية تختلف مضامينها باختلاف الحالات والسياقات. وتضم المدونة الاطار العام للمشاركة المواطنة وأدوار المجتمع المدني والمبادئ الاساسية للمشاركة (المشاركة، الثقة، الشفافية، الاستقلالية )، والشروط المطلوبة للمشاركة المدنية وأنماط المشاركة ودرجاتها (الاعلام، التشاور، الحوار والشراكة ) ومراحل عملية اتخاذ القرار (وضع البرامج، صياغة البرامج، اتخاذ القرار، التنفيذ، التتبع والتحيين ) الأدوات والآليات الافقية للمشاركة المدنية.
رهانات المشاركة المواطنة: دور الحركة الجمعوية في التأسيس للديمقراطية التشاركية بالمغرب: كان موضوع مداخلة الفاعل الجمعوي "الحبيب كمال" الذي أفصح في البداية عن وجود توتر حقيقي بين الحركة الجمعوية والدولة. في بداية الاستقلال، كان هناك ارتباط وثيق بين الحركة الجمعوية وبناء الدولة الوطنية المستقلة. لكن سرعان ما هيمنت الدولة على المجال العمومي وانقلبت على المجتمع المدني وعملت على خنقه والتضييق عليه ضمن منهج سلطوي استبدادي، ثم جاءت مرحلة ثالثة تميزت بمحاولات تجاوز الازمة عبر آلية التناوب التوافقي.
وهكذا عرف المغرب أيام حكومة التناوب وبعدها تجارب مهمة للحوار العمومي حول تأثيث الفضاء العمومي واستثماره والولوج الى المعلومة، فتم احداث مؤسسات في اتجاه بلورة تصور جديد لعلاقة الدولة بالمجتمع. وما زلنا بحاجة أكيدة للحوار بغية تطوير علاقة الدولة بالمجتمع. ان الحوار آلية مهمة، لذلك تقدم فضاء النسيج الجمعوي باقتراحات تضمن استقلالية المؤسسة المؤطرة للحوار برئاسة شخصية محايدة، إلا أن الحكومة الحالية رفضت كل الاقتراحات البناءة، مما يوضح انها ربما لا مصلحة لها في حوار حقيقي، ليس فقط بسبب ميلها الى التحكم في المجال العمومي والسياسي، ولكن أساسا من منطلق محاربة المجتمع المدني الذي أضحى أول معارض في الساحة السياسية في ظل تطور ملحوظ للوعي الاجتماعي وللحركات الاحتجاجية للمواطنين في استقلال عن الأحزاب:
في الماضي كان هناك صراع تناحري بين القوى الديمقراطية والحكم، فكان هناك قمع وترهيب وخنق للحريات. منذ حكومة التناوب هناك تحسن لكن دون قطيعة مع أساليب الماضي، بل هناك تراجع عن كثير من المكتسبات من قبل حكومة محافظة ذات اختيار نيوليبيرالي في مواجهة حركة مدنية قوية راكمت تجارب وساهمت في صياغة اقتراحات. في ظل هذه التناقضات أكد المتدخل أننا بحاجة ماسة الى الحوار لاعتبارات اهمها: اختلاف المرجعيات والتصورات حول أسس الدولة الديمقراطية، نزوع الحكومة الى التحكم في المجتمع المدني.
تواجه الحركة الجمعوية اليوم، وضمن السياق السياسي الراهن، تحديات أولها سياسي، ويتطلب معركة قوية حول القوانين ومنهجية صياغتها وموقع المواطن من ذلك، وثانيها مضمون القوانين المتعلقة بشتى المجالات،وثالثها الواقعية في خوض المعركة، فالحركة الجمعوية لا تسعى الى المشاركة في السلطة وإنما تهدف الى ارساء الديمقراطية.
وختاما لهذه المداخلة، دعا المتدخل فعاليات المجتمع المدني الى الانخراط في العمل السياسي وفتح حوار مع الأحزاب السياسية وتطوير الحركة المدنية الى حزب سياسي كصيغة من ضمن صيغ أخرى ممكنة.
خصصت الجلسة الرابعة الى تقديم وتقييم التجربة الجماعية، وخاصة المشاركة في بناء مخططات التنمية الجماعية بتأطير للأستاذ "سعيد بنيس" ومشاركة رؤساء جماعات بجهة سوس ماسة درعة.
في تأطيره مداخلات رؤساء الجماعات، تطرق الأستاذ بنيس الى آثار المخطط الجماعي للتنمية الذي أقرته وزارة الداخلية باعتباره أداة منهجية وتصورية الزامية بالنسبة للجماعات المهنية. وتوقف عند الآثار التالية: تنظيم معلوماتي جماعاتي بالنسبة للجماعات التي تتجاوز 35000 نسمة، مرافقة 106 جماعة اثناء انجاز المخطط ( الدعم التقني، تقوية الكفاءات، التجهيزات...) تطوير آليات التخطيط الخدماتي ( الحكامة، الديمقراطية )،ادماج حقوق الطفل والمرأة، تحليل الميزانية والتوقعات، تقويم المخططات، انتاج كراسة حول مرافقة الجماعات لانجاز مشاريع التنمية، التزم 1203 جماعة و53 اقليم بالمخطط. انها تجارب ايجابية رغم بعض النواقص المتمثلة في عدم الاهتمام بالمخاطر الايكولوجية، وعدم الالتزام بالمناصفة ومقاربة النوع...
انطلاقا من هذا التأطير النظري العام، تقدم أربعة رؤساء جماعات بعروض قيمة عن تجارب جماعات حضرية ( زاكورة، وارزازات ) وقروية، تتعلق بكيفية بناء مخططات التنمية الجماعية ومدى التزامهم بالمقاربة التشاركية في بناء تلك المخططات. وقد أكد ممثلو الجماعات نجاعة المقاربة التشاركية في كل مراحل بناء المخطط بدءا بالتشخيص وانتهاء بالانجاز والتحيين، وركزوا على حيوية ودور المجتمع المدني في اثراء الحوار حول اشكالات التنمية الجماعية وطرح البدائل. في ذات الوقت استحضرت مختلف التدخلات عوائق المقاربة التشاركية المتمثلة في سلطة الوصاية والوعاء العقاري وكفاءة العنصر البشري والتواصل مع المصالح الخارجية للوزارات ، ناهيك عن الصراعات داخل المجالس وضعف الامكانات المادية وتعدد المتدخلين وعسر الولوج الى المعلومة الخ ...
في الجلسة الخامسة، كان للمنتدين لقاء مع ممثلي الأحزاب السياسية، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حزب الاستقلال، حزب العدالة والتنمية، لمقاربة سؤال مركزي: التحديات السياسية والمشاركة المواطنة: ما هي أدوار الأحزاب السياسية؟ وقد قدم لهذه الندوة الأستاذ " أبادرين أحمد" ، محام وفاعل حقوقي، بعرض موجز حول المحددات الدستورية لأدوار الأحزاب، دون تقييم الأداء الحزبي والحياة الداخلية لكل حزب.
أشار المتدخل إلى أن هناك رأيين حول دور الأحزاب، رأي يعتبر أن للأحزاب دور هام في تأطير المواطنين والنهوض بدور الوساطة بين الدولة والمجتمع، ورأي يعتبر الحزب حصان طروادة لتحقيق مآرب فردية والتقرب من السلطة.
في بداية الاستقلال يشير " أبادرين "، كانت هناك ميولا لإقامة الحزب الوحيد، لكن دستور 1963 حسم الاختيار وكرس التعددية وأقر بدور الاحزاب في بناء الدولة المغربية الحديثة. وقد أورد المتدخل في هذا الباب المقتضيات الدستورية المختلفة التي أكدت على دور الأحزاب في الحياة السياسية، فضلا عما تضمنته مدونة الانتخابات والقانون التنظيمي لمجلس النواب.
بعد ذلك، تقدم ممثلو الأحزاب الثلاثة بمداخلات اختلفت من حيث مقارباتها للموضوع وطرحها للإشكالات المرتبطة بدور الاحزاب في تقوية المشاركة المواطنة.
أكد الأستاذ عبد السلام رجواني، باسم الاتحاد الاشتراكي على أن المغرب الراهن هو نتاج صراع طويل مرير بين القوى الوطنية الديمقراطية وقوى التقليد والاستبداد، لعقود من الزمن يمكن التمييز فيها بين ثلاث مراحل أساسية: مرحلة الاجماع الوطني غداة الاستقلال، مرحلة الصراع التناحري، مرحلة المسلسل الديمقراطي الذي افضى الى التناوب التوافقي كمدخل وقاعدة للانتقال الديمقراطي والدستور الجديد الذي يحتاج الى تنزيل ديمقراطي يجنب الوطن مخاطر الارتداد عن الديمقراطية.
وقد لعب الاتحاد الاشتراكي في هذه الصيرورة وما يزال دور رياديا، وقدم من أجل ذلك تضحيات جسام، وأسهم بقسط وافر وحاسم في الانتقال بالمغرب من زمن الاضطهاد الى زمن الديمقراطية التي ما زالت تعاني من نواقص مرتبطة بطبيعة النظام السياسي والتأخر التاريخي والهشاشة الاجتماعية والفساد السياسي، والنزوع الثقافي المحافظ، وارتباط السياسة بالمال، وتشتت القوى اليسارية والديمقراطية والاختلالات الداخلية للأحزاب السياسية عموما وللأحزاب الديمقراطية على نحو خاص. وبخصوص واقع الاتحاد الاشتراكي ودوره، توقف ممثل الاتحاد الاشتراكي عند المؤتمر الوطني التاسع الذي كان محطة رئيسة لتقويم حصيلة تجربة التناوب التوافقي وأثرها على الحزب وأدائه ، لقد مارس الاتحاد نقدا ذاتيا قاسيا في بعض جوانبه واعترف باخطائه ، وقرر أن يباشر عملية اعادة البناء التنظيمي والجماهيري من موقع المعارضة المسؤولة مراهنا على الحس الديمقراطي لشعبنا.
ومن الأكيد أن اعادة البناء هاته لن يكتب لها النجاح دون مشاركة فعلية للمجتمع المدني وللمواطنين والمواطنات في الحياة السياسية. لذا وضع الحزب خطة عمل متكاملة لتجديد هيكلة وتنمية العضوية والانفتاح على كل فئات الشعب المغربي خاصة الشباب والنساء ، وإعادة هيكلة القطاع الشبيبي والقطاع النسائي وقطاعات المحامين والمهندسين والتعليم العالي والتجار ...
وتستند خطة اعادة البناء الى مبادئ تنظيمية وسياسية اساسية قوامها اللامركزية، والكفاءة والعطاء، والمسؤولية المرفوقة بالمحاسبة، وتوازن السلط.
واعتبر "رجواني" أن ما يعرفه الحزب من اختلالات وصراعات شيء عادي وطبيعي في سياق انتقال الحزب من الشرعية التاريخية الى الشرعية الديمقراطية التي تحتاج الى تمارين أخرى حتى تترسخ وتتقوى...
فالكيانات الحية وحدها تمرض وليس الجلاميد والجذوع اليابسة. ولأن الاتحاد كيان حي ومتجدد، فانه بالتأكيد قد يصاب بأمراض، غير أن الجسد الاتحادي قادر على المقاومة والتعافي وتجديد طاقته، ويعتبر الشباب الواعي الديناميكي، ومن ضمنه نشطاء المجتمع المدني النسغ الحيوي الذي نراهن على أن يكون رافدا لحزبنا ودعامة لنضالنا الديمقراطي، وشريكا فعليا في العمل من أجل مواجهة الارتداد الفكري والاستبداد السياسي والمشروع الأصولي نصرة لمشروع ديمقراطي حداثي.
وتقدم ممثل حزب الاستقلال الأستاذ حجيرة, بمداخلة حول منظور حزب الاستقلال للمشاركة المواطنة ودور الأحزاب في تأطير المواطنين من خلال العمل الحزبي المباشر والتنظيمات الموازية وجمعيات المجتمع المدني ومنظمات الشباب، وقد أكد ممثل حزب الاستقلال بدوره على ضرورة اعادة الاعتبار للعمل السياسي ومحاربة كل محاولة للتراجع عما تحقق على المستوى الحقوقي والسياسي، وذكر بالأعطاب والاكراهات التي تواجه العمل السياسي الهادف, كما دعا الى حكامة حزبية يحكمها التواصل المباشر مع المواطنين والديمقراطية الداخلية القائمة على انتخاب القيادات وفق مبادئ المنافسة والاحتكام لصناديق الاقتراع.
أما ممثل العدالة والتنمية, فقد ركز على الوضع السياسي الراهن والسياسة الحكومية الهادفة الى الحفاظ على الاستقرار الضامن لكل تنمية مستقبلية، وضرورة تقوية الثقة بين المؤسسة الملكية والمجتمع السياسي، والتقدم خطوات أساسية على درب بناء الديمقراطية المتوازنة.
ختاما لهذا الملتقى المتميز الذي نظمته المدرسة المواطنة للدراسات السياسية، عقدت ورشات ثلاث حول ثلاث محاور:
1-المشاركة السياسية للشباب والنساء بالمغرب: تحديات ورهانات في اطار تفعيل مقتضيات الدستور، وارتباطا بالمناصفة والمساواة والحكامة الحربية.
2-الحوار الوطني حول المجتمع المدني بالمغرب الذي دشنته الحكومة في مارس 2013 : ما هي نتائجه وتوصياته واستلهامه للمبادئ الدستورية.
3-الحوار المدني الموازي حول المجتمع المدني بالمغرب الذي قاده تحالف نداء الرباط: حيثياته، أهدافه وخلاصاته.
*تقييم عام
كان اللقاء فرصة سانحة لتلاقي الأفكار والآراء وتلاقحها بين فاعلين أساسيين في الفضاء العمومي والمشهد السياسي الوطني والفضاء الجمعوي والمؤسسات المنتخبة، حول قضايا لها راهنيتها وقيمتها الاستراتيجية : المشاركة المواطنة في اتخاذ القرار وتوجيه السياسات العمومية في علاقتها بأدوار مختلف الفاعلين. ومن مميزات اللقاء تفاعل مقاربات متنوعة ورؤى مختلفة من حيث مرجعياتها ومنهجياتها ورهاناتها: فاعلون سياسيون وجمعويون ومنتخبون وأكاديميون؛ وهي ميزة مكنت من مقاربة الاشكالات المطروحة من زوايا متعددة انتهت في نهاية المطاف الى ان المشاركة المواطنة في الحياة السياسية اضحت ضرورة سياسية وحاجة مجتمعية لتعزيز المسار الديمقراطي باعتباره الشرط اللازم لتحقيق الديمقراطية الكاملة ضدا على المشروع المحافظ التقليدان الذي يسعى الى الالتفاف على المكتسبات والعودة بالبلد الى عهود بائدة.
وقد أخذ النقاش حول دور الأحزاب وأعطابها واختلالاتها مساحة وافرة من زمن الملتقى, اذ رأى كثير من المشاركين أنها مقصرة في النهوض بدورها الدستوري وفي التواصل مع الناس وفي محاربة الفساد السياسي والريع السياسي والتعاطي مع العمل السياسي والمواطنين على نحو موسمي لا يخلو من انتهازية، ودعت الكثير من الأصوات أيضا الى اصلاح الأحزاب لذاتها وتأهيلها لاستعادة حضورها الفاعل في الحياة السياسية، وذلك لأنه لا ديمقراطية بدون أحزاب ديمقراطية قوية وفاعلة وحقيقية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.