(تابع ص1) إن أمراض الهوى قد تمتد وتنتقل من المشبعين بها إلى الأسوياء اذا ما خالط بعضهم بعضا نفاقا أو اقتناعا أو تقليدا , خاصة إن كانوا غير محصنين وغير مدركين لحقائق الأشياء ...فيمتد شر الهوى من الفرد ليشكل لنفسه تنظيمات واليات وسياسات تجند ضعاف النفوس ومنعدمي الضمير والجبناء ليحرفوا الأمور والطرق ويسوقوا الناس الى ضلال جماعي قد يفرز مجتمعا منحرفا وظالما ومستبدا وغير متخلق ...حيث تكون كل الوسائل مباحة وخاصة منها اللئيمة والمحرمة عقلا وقانونا وشرعا ...فما يحدث مثلا في فلسطين منذ الانتداب البريطاني والى اليوم من خروقات وتجاوزات وانتهاكات .. ومن تواطؤ العديد من دول العالم وخاصة منهم التي تدعي وتتبجح بريادة الديموقراطية وحقوق الانسان لخير دليل على ان هوى الصهاينة والامبرياليين والفاشستيين والاستعماريين متجانسة تبرر سرقة ارض شعب وتشريده وتبرر جرائم الابادة الجماعية للمواطنين كانوا اجنة في بطون امهاتهم او كانوا عجزة ومرضى ...وهم في قرارة انفسهم يقلبون المعادلة والقناعة عندما يتعرضون الى اساءة فقط لفظية حسب زعمهم فيقيمون الدنيا باعتبار ذلك يدخل في اطار معاداة السامية ليبنوا باتهامهم ذلك احكاما وقرارات ولم لا حروبا اقتصادية وحتى دموية بالتصفيات المباشرة وغير المباشرة ... فإن بالغنا في ملازمة اصحاب الاهواء المنحطة والبئيسة وصادقناهم وعاشرناهم ونافقناهم فإن ذلك سيؤثر على مواقفنا التي ستميل الى القبول بالامر الواقع والاستئناس به وغض الطرف عنه.. وان احسنا في نظرنا ندين ونستنكر بلفظ العتاب السياسي الفضفاض الذي لايقدم ولايؤخر ولا يفسد ودا ولا يقيم عداوة ...وفي مثل هذا أثر عن الحسن وابن سيرين قولهما :....( ولا تجالسوا أصحاب الأهواء ولا تجادلوهم ، ولا تسمعوا منهم ) ...ليس هروبا منهم بل لانهم المستفيدون ان جالسناهم او ناقشناهم او استمعنا اليهم .. لان في كل ذلك مضيعة لأوقاتنا وفي هذا ربح لهم ...وخاصة ان كان مجالسوهم غير مدركين لحقيقة نواياهم وميولاتهم ...اما ان كان المتفرجون لايفهمون خبايا الأمور وخلفياتها فسيضلون ويضلون معهم الناس ويكسروا معنوياتهم ويحطموا ثقتهم في كل شيء وان كان جميلا .. ان السكوت عن أصحاب الهوى والنفوس الضعيفة ونفاقهم ومجاملاتهم بمدح لأهوائهم بغاية ارضائهم او خوفا منهم او سعيا نحو مصلحة أنية انتهازية لايمكن ان يكون الا توطؤا يؤسس لبطلان في الفكر والمشهد العام والآفاق ... كما ان السكوت عن كل من يعمل من اجل تضليل الناس بنشر «الأهواء» والكلام الزائف المنمق وتقديمه على انه عين الحق والصدق ..سيتسبب في انحسار كل ما هو رائع وعادل ومنطقي .. فتطرح - بدائل- وهمية كذوبة لاشك انها ستفسد كل شيء لأن منبعها هوى.. وقصدها هوى.. ومآلها هوى ... لهذا وجب علينا الرفع من مستوى المعرفة والوعي وتسليح الناس بالحقائق وتعرية جوهر الأهواء التي تظهر خلاف ما تبطن والتي لايعنيها اطلاقا اسقط الناس في الهاوية ام تعذر عليهم ان يقوموا منها.. بقدر ما يهمهم ان يحققوا رغباتهم وميولاتهم ونزواتهم .....و من اسباب انتشار اتباع الهوى تقصير او تواطؤ من يفترض فيهم الوعي والريادة اي ما يطلق عليهم النخب في القيام بواجبهم لمواجهة موجات التردي والانهيار التي تدعم وتوظف لفائدتها العديد من المنابر, مرات باسم الديموقراطية واخرى باسم الدين واحيانا باسم الحداثة او حقوق الانسان او ... ، ذلك أن صاحب الهوى كيفما كان مركزه الاجتماعي او كان حالات منعزلة ان رأى استحساناً ممن حوله لما هو مقدم عليه ، أو فقط سكوتاً وعدم إنكار بأي وسيلة من وسائل الإنكار ، فإنه يمضى ويتمادى حتى يتمكن الهوى من قلبه ،ويسيطر على كل سلوكياته وتصرفاته ليجعله ملزما للآخرين يتأثرون به ويخضعون لتصريفه.. وقد يصاغ في وثيقة او مذكرات يلزم الناس بالصفيق لها والمبالغة في إبراز محاسنها المفتقدة اصلا .. كما فعل الديكتاتوريون خلال العقود الاخيرة على سبيل المثال مع شعوبهم , حيث اصبحت تدرس ضلالات الزعماء واهواءهم حتى بالمؤسسات التعليمية وتقام منابر سياسية ودينية» لتنوير « الناس واقناعهم بأن ضلالات المسؤولين واهل الاهواء هي الحق في اجمل مظاهره ؟؟؟... ...ويتفق اهل العلم على ان من اسباب الانسياق مع الهوى والاهواء هو التخلف والجهل بالحقائق وبالنتائج مما يوقع الناس في المحظور ومما يسيئ اليهم والى احوالهم ...يقول تعالى { وإن كثيراً ليضلون بأهوائهم بغير علم } ...الانعام أن اي عمل او اية سياسة إن تشبع البعض من اهلها بالأهواء ، فإنهم يتفننون ويبدعون في اثارة الفتن وتكريس التشتت فيكيدون ويفترون ويستهزئ بعضهم من بعض وعلى بعض مما يسدي للخصوم او الاعداء خدمات مجانية لو انفقوا عليها خزائنهم ليحققوها لعجزوا او لفشلوا فشلا جزئيا او كليا .. فتتحول الوحدة بعد الهوى الهدام الى فرقة وعصبية وكراهية وتجاذب وتمزق وضياع مصلحة الجميع والمصلحة العامة ...ذلك ان الحق لايقوم الا اذا تعاون الناس عليه وحموه ورعوه .. اما الباطل فينتشر ويفرض نفسه لأنه يعتمد على حالات ضعف الأنفس وميلها الى الانتهازية والوصولية والسعي نحو الامتيازات والمنافع ... فما هزمت الأمم وما انهارت الحضارات الا بالهواء التي من اولى مرتكزاتها الظلم بكل اشكاله وانواعه بما في ذلك بطبيعة الحال التضليل ... فهل ستتعظ شعوبنا ونخبها وقياداتها وحكامها مما سجله ووثقه التاريخ في هذا المجال, ام ان أحوالهم كما وصفتهم الآية الكريمة ... «أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ? إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ? بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا « الفرقان ... فالعاقل من اتعظ بغيره .. والكيس من دان نفسه وحاسبها وقوم اعوجاجها ووظفها من اجل البناء والمحبة والعمل الصالح ونشر المعرفة وتطهيرها من الغل والحقد والهوى ..والا لأصبحت سياسة كل فرد تجاه غيره او كل جماعة تجاه أخرى ولسان حالهم ... انا وبعدي الطوفان ...ووصف الجاحظ أصحاب الأهواء المتسمون بالانتهازية ب...: «ظواهر نظيفة وبواطن سخيفة يتباهون بمهنتهم ويتنافسون بالظهور بمظهر الأسياد» نسال الله في هذا الشهر الفضيل ان يطهرنا ويطهر امتنا وشعوبنا من المحيط الى الخليج من الأهواء والضلالات وان يستفيق المتقاتلون في ليبيا وتونس وسوريا والعراق و... من غيهم وترفع عن قلوبهم واعينهم الغشاوة فينقدوا بلدانهم من الخراب بسبب تعصبهم لأهوائهم ويبعدوا عنا شرورهم وآثامهم .. وان يجنبنا في بلدنا هذا وغيره من البلدان نيران الاعداء والنيران الصديقة ... فمشاكل شعوبنا وهمومهم وانتظاراتهم اكبر من حماقات الذين يثيرون الفتن والاحقاد ..والله المستعان .