نقابي: الزيادة في الأجور لن تحسن القدرة الشرائية للطبقة العاملة والمستضعفة في ظل ارتفاع الأسعار بشكل مخيف    قراءات سياسية ترافق سيناريو فوز "الأحرار" بجل الانتخابات الجزئية    استثمارات بقيمة تفوق 73 مليار درهم تعد بخلق 70 ألف منصب شغل جديد بجهة طنجة    محطات الوقود تخفض سعر الكازوال ب40 سنتيما وتبقي على ثمن البنزين مستقرا    مجلس المنافسة سيفتح تحقيقا في حالة ثبوت تدارس أرباب ومسيري مقاه إمكانية إقرار زيادة في تسعيرة استهلاك المشروبات المقدمة    الدوحة.. المنتدى العربي مع دول آسيا الوسطى وأذربيجان يؤكد على ضرورة الالتزام باحترام سيادة الدول واستقلالها وضمان وحدتها    المهمة الجديدة للمدرب رمزي مع هولندا تحبس أنفاس لقجع والركراكي!    لأول مرة.. "أسترازينيكا" تعترف بآثار جانبية مميتة للقاح كورونا    17 قتيلا و2894 جريحا حصيلة حوادث السير خلال الأسبوع الماضي    هجرة/تغير مناخي.. رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا يشيد بمستوى التعاون مع البرلمان المغربي    في عز التوتر.. المنتخب المغربي والجزائري وجها لوجه في تصفيات المونديال    ليفاندوفسكي: "مسألة الرحيل عن برشلونة غير واردة"    الصناعة التقليدية تحقق 11 مليار درهم من العملة الصعبة.. وأوضاع الصناع تسائل عمور    من يراقب محلات بيع المأكولات بالجديدة حتى لا تتكرر فاجعة مراكش    بسبب نهضة بركان.. "الطاس" يصدم اتحاد العاصمة الجزائري    الجولة 23 من بطولة القسم الثاني : الكوديم يحافظ على الصدارة ولوصيكا يحتج التحكيم والصراع يشتعل في أسفل الترتيب    بلينكن يؤكد أن الاتفاقات الأمنية مع السعودية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل شبه مكتملة    وزارة الاقتصاد: عدد المشتركين في الهاتف يناهز 56 مليون سنة 2023    مساء اليوم في البرنامج الأدبي "مدارات" : المفكر المغربي طه عبد الرحمان.. بين روح الدين وفلسفة الاخلاق    ستة قتلى في هجوم على مسجد في هرات بأفغانستان    توقيف نائب رئيس جماعة تطوان بمطار الرباط في ملف "المال مقابل التوظيف"    نشرة إنذارية: أمطار قوية غدا الأربعاء بعدد من أقاليم الشمال    دل بوسكي يشرف على الاتحاد الإسباني    مساعد الذكاء الاصطناعي (كوبيلوت) يدعم 16 لغة جديدة منها العربية    مورو يبحث في بكين عن جذب استثمارات صناعية لجهة طنجة    تعبئة متواصلة وشراكة فاعلة لتعزيز تلقيح الأطفال بعمالة طنجة أصيلة    الدورة ال17 من المهرجان الدولي مسرح وثقافات تحتفي بالكوميديا الموسيقية من 15 إلى 25 ماي بالدار البيضاء    مقاييس الأمطار بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    لندن.. إصابة عدة أشخاص في هجوم بالسيف واعتقال مشتبه به    استهداف المنتوج المغربي يدفع مصدرين إلى التهديد بمقاطعة الاتحاد الأوروبي    صور تلسكوب "جيمس ويب" تقدم تفاصيل سديم رأس الحصان    أعداد الضحايا تواصل الارتفاع في غزة    تم إنقاذهم فظروف مناخية خايبة بزاف.. البحرية الملكية قدمات المساعدة لأزيد من 80 حراك كانوا باغيين يمشيو لجزر الكناري    صفرو.. أنسبكتور استعمل سلاحو الوظيفي باش يوقف مشرمل جبد جنوية وهدد بها الناس    سياحة الأعمال.. المغرب يسعى لاستقطاب مليون ونصف سائح سنة 2026    "الظاهرة" رونالدو باع الفريق ديالو الأم كروزيرو    "أفاذار".. قراءة في مسلسل أمازيغي    أفلام بنسعيدي تتلقى الإشادة في تطوان    الريال يخشى "الوحش الأسود" بايرن في ال"كلاسيكو الأوروبي"    الملك محمد السادس يهنئ عاهل السويد    دراسة علمية: الوجبات المتوازنة تحافظ على الأدمغة البشرية    فرنسا تعزز أمن مباني العبادة المسيحية    العثور على رفاة شخص بين أنقاض سوق المتلاشيات المحترق بإنزكان    التنسيق الوطني بقطاع الصحة يشل حركة المستشفيات ويتوعد الحكومة بانزال قوي بالرباط    "النهج" ينتقد نتائج الحوار الاجتماعي ويعتبر أن الزيادات الهزيلة في الأجور ستتبخر مع ارتفاع الأسعار    عرض فيلم "الصيف الجميل" للمخرجة الإيطالية لورا لوتشيتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    فيلم من "عبدول إلى ليلى" للمخرجة ليلى البياتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    مدينة طنجة توقد شعلة الاحتفال باليوم العالمي لموسيقى "الجاز"    تكريم الممثل التركي "ميرت أرتميسك" الشهير بكمال بمهرجان سينما المتوسط بتطوان    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    توقعات طقس اليوم الثلاثاء في المغرب    حمى الضنك بالبرازيل خلال 2024 ..الإصابات تتجاوز 4 ملايين حالة والوفيات تفوق 1900 شخص    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التنظيمات الأكثر راديكالية تعتبر وجهة محبذة للشباب الغربي المسلم، والغرب يبحث عن الأسباب .. استنفار في أوروبا لتطويق الجهاديين

لقد عادت قضية التطرف في أوساط الشباب المسلم الذي نشأ في الغرب أو المتحولين للإسلام لتصدر اهتمام الإعلام في أعقاب حادث مقتل الصحفي الأمريكي جيمس فولي والأنباء عن سفر شباب من أوروبا للجهاد في سوريا الأمر الذي يمثل تحديا جديدا أمام مسلمي الغرب.
واعتاد المحللون السياسيون والأمنيون خلال السنوات الأخيرة على رسائل الفيديو المنتشرة عبر الإنترنت لشباب غربي أو عربي نشأ في الغرب ، يحمل السلاح ويدعو للجهاد سواء في أفغانستان أو سوريا ويعبر عن رفضه لسياسات الدول الغربية التي نشأ فيها.
فمن خلال فيديو قتل الصحفي الأمريكي جيمس فولي، يخمن خبراء أن يكون القاتل بريطاني الجنسية بسبب لكنته. ومن خلفية ارتفاع عدد المقاتلين البريطانيين الشباب في تنظيم الدولة الإسلامية، يكثر الحديث عن الأسباب خلف ذلك.
كما النزاع الذي تشهده سوريا منذ ثلاث سنوات ونيف لم تنعكس أخطاره على منطقة الشرق الأوسط فحسب، بل تجاوزتها لتطال أوروبا التي أضحت خائفة من الإرهاب الذي يكمن أن يتسلل إلى الداخل مع عودة المقاتلين الأجانب في سوريا إلى بلدانهم رغم الإجراءات الوقائية الحازمة التي اتخذتها هذه البلدان، حسب دراسة صادرة عن معهد الشرق الأوسط.
ما هي الأسباب خلف تطرف شباب مسلمين في أوروبا؟
كانت عملية قتل الصحفي الأمريكي جيمس فولي وصورها صدمة لكل العالم، ورغم أن هوية القاتل الملثم غير معروفة فإن الكثيرين يرجحون أنه من بريطانيا بسبب لكنته. من الأمور الملفتة للانتباه هو احتمال وجود عدد كبير من البريطانيين الذين انضموا لما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية، إذ تشير البيانات إلى أن حوالي 500 بريطاني انضموا للتنظيم في سوريا والعراق. ومن الواضح أن البريطانيين يشكلون العدد الأكبر من بين الأوروبيين في صفوف التنظيم، وهو أمر يدعو إلى التساؤل عن الأسباب التي تدفع بالشباب البريطانيين لهذا التوجه؟
من الصعب الوقوف على العناصر المشتركة بين هؤلاء الشباب، ثم إنه من الواضح أن تلعب أمور مثل التعليم أو الموطن الأصلي أو مستوى المعيشة، دورا في ذلك، كما يرى ماثيو فرانسيس، المشارك في دراسة عن التطرف بجامعة لانكاستر، حيث يلاحظ في حوار مع «دوتشي ڤيلي» أن الأشخاص البريطانيين المنضمين لتنظيم الدولة الإسلامية «ينحدرون من مختلف أنحاء بريطانيا، وأن عددا منهم حصل على تعليم جيد ودرس في الجامعة. أحدهم ينحدر من كارديف وكان يحلم بالوصول إلى منصب رئيس الوزراء البريطاني».
ويوضح فرانسيس أن مسألة تجنيد عناصر أجنبية تقوم على فكرة إعطاء الناس الشعور بأنهم جزء من مجموعة متنوعة متعرضة للخطر ، مثلا انطلاقا من فكرة «الغرب ضد المسلمين» ، كما يتضح ذلك من خلال عملية ذبح الصحفي الأمريكي فولي.
الأسباب والمسببات
ترصد إرين ماريا سالتمان، الباحثة المتخصصة في مؤسسة كويليام ، فكرة التعميم فيما يتعلق ببحث الأسباب خلف التطرف لدى الشباب وتقول في دراسة بشأن ميولات المشاركة في الجهاد: «الشباب المسلم من الجيل الثاني والثالث للمهاجرين هم المستهدفون في الغالب، لكن هناك أيضا حالات يكون أبطالها من الأشخاص الذين تحولوا للإسلام».
وتوضح الباحثة أن الأشخاص الذين يتم تجنيدهم لهذه التنظيمات، لديهم عادة شعور الإحساس بالتميز في عالم يبدو لهم فيه تحقيق الثروة من المستحيلات، ومثل هذا الشعور بفقدان الأمل هو ما تستغله الجماعات المتطرفة لتحقيق أهدافها من خلال إقناع هؤلاء الشباب بالانضمام لجماعات قوية، ترتبط صورتها بمغامرة القيام بتغيير العالم.
كثيرا ما تتم عملية تجنيد الشباب لهذه الجماعات في الجامعات أو السجون، وتعتمد بشكل كبير على فكرة الانتشار ونقلها بين الأشخاص عبر الإنترنت.
الشبكات الاجتماعية
هناك جماعات متطرفة سرية في بريطانيا عززت من نشاطاتها على خلفية ما يحدث في سوريا، كما يلاحظ روس فرينت من معهد الحوار الاستراتيجي في لندن والذي يعتقد أن البحث عن الهوية ليس هو السبب الوحيد والأهم خلف توجه هؤلاء الشباب للجماعات المتطرفة، بل إن شبكات التواصل الاجتماعي تلعب أيضا دورا كبيرا في ذلك وتتيح للشباب التواصل المباشر مع مقاتلين في موقع الأحداث وهو ما لم يحدث سابقا، وفقا للخبير.
من جهته يرى أنتوني جليس، مسؤول الدراسات الأمنية والمعلوماتية بجامعة باكينغهام، أن المشكلة تكمن في منطلقات الجذور الثقافية، إذ أن السياسة الغربية التعددية تمنح القيادات الدينية المتوجهة سياسيا، الغطاء الضروري للتواصل مع الشباب ويستدرك قائلا: «إنهم يستغلون اعترافنا المطلق بحرية الرأي والتعبير من أجل تجنيد الأشخاص».
سوريا ..قبلة جديدة للجهاديين
وتزامن حادث نيروبي مع زيادة الجدل في أوروبا حول المخاطر المحتملة ممن يطلق عليهم «الجهاديين الغربيين» العائدين من سوريا. وتشير بيانات السلطات الألمانية إلى وجود ما بين 40 إلى 150 ألمانيا يقومون ب«الجهاد» في سوريا. وكشف رئيس هيئة حماية الدستور الألمانية ، هانز جيورج ماسن مؤخرا عن عودة نحو 20 من المجاهدين إلى ألمانيا محذرا من إمكانية أن يقوموا بشن هجمات في البلاد.
في الوقت نفسه تشير بيانات السلطات الأمريكية إلى وجود نحو 500 شخص قادم من الاتحاد الأوروبي، بين المجاهدين الغربيين في سوريا ، من بينهم عدد من المهاجرين والأوروبيين الذين اعتنقوا الإسلام.
وترجع الاستخبارات الألمانية إقبال الجهاديين الغربيين وتحديدا الألمان على السفر إلى سوريا لعدة أسباب من بينها سهولة الوصول إلى هناك عن طريق تركيا التي يمكنهم دخولها بدون تأشيرة ومن ثم الانتقال إلى الحدود السورية على العكس من صعوبة الوصول إلى دول أخرى مثل أفغانستان أو باكستان على سبيل المثال.
ويرفض خبير العلوم الإسلامية في هامبورغ ألبريشت ميتزغر تضخيم الحديث حول المخاطر المحتملة للجهاديين الغربيين عند عودتهم إلى بلادهم ويقول في حوار معDW إن «الواقع يوضح أن معظم الهجمات التي وقعت حتى الآن لم تحمل توقيع هؤلاء الجهاديين تحديدا لكنه يؤكد في الوقت نفسه على أهمية القوانين الموجودة في ألمانيا والخاصة بتوقيع عقوبات على من يثبت تورطه في معسكرات تدريبية في الخارج بالإضافة إلى وضعهم تحت المراقبة تحسبا لأي مخاطر محتملة».
مسؤولية مشتركة للإعلام
والمجتمع المسلم
وتثير ظاهرة انضمام شباب عربي ،نشأ في أوروبا أو أمريكا لجماعات متطرفة وتنفيذهم لهجمات في البلاد التي نشأوا بها، الكثير من علامات الاستفهام حول الأسباب التي تدفعهم لذلك. ويرى الكاتب والمدون الألماني المنحدر من أصول تركية، ارين جوفرسين أن معظم هؤلاء الشباب صغار السن لا يعملون الكثير عن دينهم ولا يجدون العروض المناسبة من المساجد وبالتالي يكون البديل في الرسائل المتطرفة التي يسهل الوصول إليها عبر الإنترنت.
ويضيف الكاتب المعني بشؤون المسلمين في الغرب في حوار مع DW أن الإعلام الغربي يتحمل أيضا مسؤولية وصول هؤلاء الشباب لدرجة التطرف من خلال الصورة التي تميل للسلبية في عرضه للإسلام مما يجعل هؤلاء الشباب يشعرون بأنهم غير مقبولين في الدول التي يعيشون فيها.
ووفقا للمركز الدولي لدراسات التطرف والعنف السياسي في لندن فإن عشرات الأوروبيين والأمريكيين انضموا لصفوف ميليشيات الشباب التابعة لتنظيم القاعدة، معظمهم من أصول صومالية مهاجرة لكن بعضهم من أصول غربية.
ضعف المعلومات القادمة من المساجد تدفع الشباب المسلم في الغرب للفكر المتطرف
أوروبيون في صفوف
حركة الشباب الصومالية
ولم يكن الكشف عن وجود عناصر أوروبية في صفوف ميلشيات حركة الشباب الصومالية مفاجأة للخبراء بحسب ما يقول ميتزغر:» انتماء عناصر أوروبية للحركة كان معروفا. معظم هؤلاء من الأوروبيين الذين تحولوا للإسلام أو ممن لهم خلفيات مهاجرة».
وتزيد هذه الأحداث من المناقشات الإعلامية حول الإسلام ووضع المسلمين في الغرب وتحديدا قضية تطرف المتحولين للإسلام. ويلمس جوفرسين تأثير هذه المناقشات على المواطن الغربي وتحديدا الألماني ويقول:»الكثيرون يتأثرون بما يقدمه الإعلام ويميلون لتصديق الصورة السلبية عن الإسلام».
ولا يعتقد ميتزغر أن الأحداث الأخيرة ستزيد من النظرة السلبية عن المسلمين بشكل عام لكنها ستعمل على تأكيدها. أما جوفرسين فيرى أن الصورة ستزداد تدهورا خاصة مع تركيز الإعلام على ربط هذه التصرفات المتطرفة بالمسلمين.
لكن جوفرسين يرى أن تغيير هذه الصورة ليس بالمسألة المستحيلة ويقول:»عندما يلمس المواطن الغربي الجوانب الإيجابية في شخصية زميله في العمل أو جاره المسلم فهو يدرك بالطبع أنه لا يمكن تعميم الصورة السلبية على جميع المسلمين».
كان جوفرسين قد دعا إلى إقامة مؤتمر عن الإسلام في ألمانيا للمسلمين أنفسهم لفتح بابا الحوار بين الطوائف والمنظمات الإسلامية المختلفة كفكرة مكملة لمؤتمر الإسلام الذي يشارك فيه الساسة وممثلو الروابط الإسلامية.
السجون الأوروبية حاضنة للتشدد
جاءت هذه الحادثة لتدعم التحذيرات المتزايدة التي طالما نبّهت إلى أنّ عودة هؤلاء المقاتلين «وأغلبهم من بين المسلمين الأوروبيين» إلى أرض الوطن سيُفجّر المزيد من هذه القنابل ممّا يفتح فصلا جديدا في الحرب طويلة الأمد القائمة بين الجهاديين المتأثرين بفكر تنظيم القاعدة والغرب. وتكافح الحكومات الأوروبية الآن لمعالجة هذا المشكل على الرغم من وجود استراتيجيات سابقة مثل تبادل المعلومات الاستخباراتية ومراقبة الجاليات المسلمة المحلية.
بعد ستة أيام من تنفيذ الهجمة، وعلى بعد أكثر من 500 ميل جنوب العاصمة البلجيكية، عثر أعوان الجمارك الفرنسيّين عند تفتيشهم عن كميّات من المخدرات في محطة الحافلات الرئيسية في مدينة مرسيليا، بالصدفة، على مواطن فرنسي جزائري اسمه مهدي النموشي يحمل في حقائبه رشاشا من نوع كلاشينكوف ومسدسا.
لو كان الشاب مهدي النموشي البالغ من العمر تسعة وعشرين سنة «الذي أصبح أصوليا في الأراضي الفرنسية لما كان في السجن من أجل جنحة» هو المنفذ لجريمة بروكسل، فسيكون أول متطوع غربي حارب مع المتمردين الإسلاميين في سوريا قبل أن ينفذ هجمة ناجحة في أوروبا. وترجو الحكومات ووكالات الاستخبارات الغربية عكس ذلك، لكن قلة هم المتفائلون. فحتى قبل حادثة رمي الرصاص التي جدّت في متحف بروكسل، كانت المخاوف تتصاعد بخصوص نوعية ردّة الفعل العكسية التي ستشهدها البلدان الغربية، فضلا عن أجوار سوريا في الشرق الأوسط، عندما يعود ما يقرب عن 120 ألف مقاتل (على الأقل عشرة بالمئة منهم من بلدان غربية) من الحرب الأهلية السورية.عدد المسلمين الأوروبيين الذين يحاربون في سوريا يصل إلى 1900 شخص.
القاعدة واستغلال الفرص السانحة
عميل مكتب التحقيقات الفدرالية (أف.بي.آي) مارتن ريردون، كان يشغل منصب رئيس مركز عمليات فحص الإرهابيين التابع للمكتب، ليست لديه أية شكوك في أن الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية ستتحمل التبعات، إذ يقول: «يجب ألا نستهين بالخطر». ويلاحظ أن أغلب الشباب من المسلمين الغربيين المتجهين إلى سوريا لم ينضموا إلى المليشيات المتمردة المعتدلة التي يوجد فيها محاربون سوريون فحسب، تقريبا، بل اختاروا المجموعات الإسلامية الراديكالية التي يسيطر عليها المقاتلون الأجانب مثل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).
في ذات السياق، يوضّح ريردون أنّ القاعدة دائما تبحث عن ثغرات تستطيع استغلالها من أجل الالتفاف حول الدفاعات الغربية وتنفيذ هجمات في أميركا وأوروبا. ويعلّق بالقول: «أعطتهم الحرب السورية فرصة، ونحن نعرف أن زعماء كبار من تنظيم القاعدة موجودون في سوريا. هذه فرصة أمامهم للتعرف على المقاتلين الأجانب الذين يمكنهم استخدامهم عند عودتهم إلى بلدانهم».
لا يعرف المحللون في أجهزة الاستخبارات والمسؤولون الحكوميون عدد المقاتلين في سوريا، الذين يمكن أن يمارسوا العنف في الشوارع الأوروبية، لكن يشير البعض إلى دراسة قام بها توماس هاغهامر، مدير البحوث حول الإرهاب في المؤسسة النرويجية للبحوث الدفاعية، حيث استنتجت أنه بين 1990 و2010 تحول واحد من بين كل تسعة مقاتلين أجانب، من البلدان الغربية، إلى إرهابي محلي في فترة لاحقة.
هذه الدراسة نشرت بالطبع قبل الحرب الأهلية السورية، مما يدفع بعض المسؤولين في أجهزة الاستخبارات الغربية إلى التساؤل عن مدى تشابه المقاتلين الأجانب الذين انضموا إلى جبهة النصرة أو داعش في سوريا بنظرائهم الذين حاربوا في أفغانستان أوالبلقان أو الشيشان. فهل ستنطبق نسبة واحد من تسعة على المتطوعين من بين الجهاديين الأجانب في سوريا؟ أم هل ستتحول نسبة أكبر من ذلك إلىإرهابيين محليين؟
يلاحظ ريردون أنّ واحد من تسعة هي كذلك نسبة مثيرة للقلق، ويقول إنّه حتى في صورة تحوّل عدد قليل منهم من مقاتل أجنبي إلى إرهابي سيطرح ذلك مشكلا كبيرا.
في ماي الماضي ارتفع القلق بخصوص ردة الفعل العكسية عندما أصبح منير محمد أبو صالحة، الذي ولد في ولاية فلوريدا، أول مقاتل أجنبي أميركي في سوريا يتولى مهمة هجوم انتحاري ضد جنود نظاميين سوريين. لقد فجر هذا الشاب البالغ 22 سنة من عمره شاحنة مفخخة أمام مطعم في مدينة إدلب الواقعة تحت سيطرة النظام في شمال غرب البلاد. بالنسبة إلى المسؤولين الأميركيين كان أحد الجوانب الأكثر خطورة للحادث هو كون وكالات الاستخبارات الأميركية لم تكن على علم بعلاقات أبو صالحة بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الذي انضم إليه، على الرغم من أنها كانت على علم بذهابه إلى سوريا. الدول الأوروبية المصدرة للجهاديين:
فرنسا: بين 200 و700 جهادي
بريطانيا: بين 200 و300 جهادي
ألمانيا: حوالي 200 جهادي
بلجيكا: بين 100 و300 جهادي
هولاندا: حوالي 100 جهادي
أعداد مفزعة للمقاتلين الأوروبيين
تبقى مهمة معرفة هويات المواطنين الذين ذهبوا إلى سوريا للجهاد أكثر صعوبة بالنسبة إلى البلدان الأوروبية الأصغر، بما أنها لا تملك نفس الموارد الاستخباراتية ولديها امتداد أقل مقارنة بالولايات المتحدة. لقد بلغ عدد المقاتلين المسلمين الأجانب في سوريا، القادمين من البلدان الأوروبية حدّا غير مسبوق، إذ شد الرحال إلى هذا البلد عدد أكبر بكثير من العدد الذي ذهب إلى أفغانستان. وفي حين لا يدعي أي بلد امتلاكه لأرقام نهائية، فإنّ فرنسا، التي تضم أكبر جالية مسلمة في أوروبا والتي يبلغ عددها خمسة ملايين نسمة، توجد في المقدمة، حيث يعتقد أن بين 200 و700 شاب فرنسي مسلم شاركوا في الحرب السورية. وتأتي بريطانيا في المرتبة الثانية بعدد من المقاتلين يتراوح بين 200 و300، ومن جهتها تقدر المخابرات الألمانية بأن 200 مسلم ألماني كانوا في الصفوف الأمامية في الحرب السورية. أما السلطات البلجيكية فتقدر عدد مواطنيها المشاركين في الحرب بين 100 و300 مقاتل، مقابل 100 من المقاتلين الهولنديين، حسب تقديرات المخابرات الهولندية. لكن يمكن أن تكون الأرقام الجملية أو الفردية لكل بلد أعلى بكثير من هذه التقديرات.
وبالفعل، تفيد الدراسات التي أجراها المركز العالمي لدراسة التطرف في جامعة لندن أن العدد الإجمالي للمسلمين الأوروبيين الذين حاربوا في سوريا أو مازالوا هناك قد يتجاوز ال1200 شخص وربما يقرب من 1900. ويقدر تقرير ظهر في مايو الماضي عن مجموعة سوفان، وهي مكتب استشارة، أن ثلاثة آلاف محارب تنقلوا إلى سوريا من بلدان غربية للمحاربة مع مجموعات متمردة تحت سيطرة المتطرفين الإسلاميين.
الإجراءات الوقائية شر لابد منه
للغرض، عُقدت سلسلة من الاجتماعات على المستوى الوزاري، وعلى مستوى مسؤولي المخابرات الكبار في مختلف أنحاء أوروبا من أجل التنسيق في مجال استراتيجيات مكافحة الإرهاب. وكان التركيز منصبا على تبادل المعلومات الاستخباراتية، مع خوض المناقشات في مسألة ماذا نفعل مع العائدين، فهل يجب إيقافهم وتتبعهم قضائيا من أجل المشاركة في حرب أجنبية؟ وهل أن القوانين اللازمة لإتمام هذا الاجراء متوفرة في الدفاتر؟ أم أنّهمن الأفضل مراقبة العائدين بدل التعرض مرّة أخرى إلى المزيد من مخاطر تعلّم التطرف في السجن؟ هذا بالإضافة سؤال آخر مفاده؛ هل يجب أن تتم مطالبة جميع العائدين بالمرور ببرامج تخلصهم من التطرف؟
في ذات السياق، انعقد أول اجتماع يضم ممثلين عن تسعة بلدان أوروبية هي كلّ من بلجيكيا والدنمارك وفرنسا وألمانيا وإيرلندا وهولانداوأسبانيا والسويد والمملكة المتحدة، بعد أيام قليلة من الهجوم الذي تعرّض له متحف بروكسل في مايو الماضي. وقد ضاعفت حكومات هذه البلدان مجهوداتها الاستخباراتية من خلال العمل مع الجاليات المسلمة وزعماء المساجد لثني الشباب عن التوجه إلى سوريا، وعبر البحث في مواقع الإعلام الاجتماعي لتحديد هوية أولئك الذين غادروا للجهاد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.