''سيام 2024'': توزيع الجوائز على المربين للي ربحو في مسابقات اختيار أفضل روؤس الماشية    ميسي كيحطم الرقم القياسي ديال الدوري الأميركي بعد سحق نيو إنغلاند برباعية    توقعات أحوال الطقس غدا الإثنين    الملياردير ماسك يبدأ زيارة مفاجئة إلى بكين    بركة يدعو الاستقلاليين للابتعاد عن الحسابات الضيقة والعمل على نيل المراتب الأولى    تعيين حكم مثير للجدل لقيادة مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    ليفار: قرارات الرداد أثرت فخسارتنا لماتش الحسنية وغانشكيو به للجنة التحكيم باش ياخد الجزاء ديالو    بسبب خريطة المغرب.. إتحاد العاصمة الجزائري يتجه نحو تكرار سيناريو الذهاب    صحيفة "معاريف" الإسرائيلية: نتنياهو "متوتر جدا" من مذكرة اعتقال دولية محتملة ضده على خلفية ارتكابه "جرائم حرب"    الحبس النافذ للمعتدين على "فتيات القرآن" بشيشاوة    "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان "مالمو"    المغرب يشارك في الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    الحرب في غزة محور مناقشات قمة اقتصادية عالمية في المملكة السعودية    ساعة جيب لأغنى ركاب "تايتانيك" بيعت في مزاد لقاء 1,46 مليون دولار    محمد صلاح عن أزمته مع كلوب: إذا تحدثت سوف تشتعل النيران!    الحسنية يلحق الهزيمة الأولى بالجيش الملكي في البطولة    ما الذي سيحدث بعد حظر الولايات المتحدة تطبيق "تيك توك"؟    مسؤولون في الخارجية الأمريكية يقولون إن إسرائيل قد تكون انتهكت القانون الإنساني الدولي    السلطات المغربية تتعقب صاحب صفحة "لفرشة"    الحصيلة المرحلية للحكومة في قطاع التعليم: من أجل أن تكتمل الصورة    محاولة الهجرة إلى سبتة تؤدي إلى مصرع شاب وظهور جثته في الحسيمة    حزب الاستقلال يجدد الثقة في نزار بركة أميناً عاماً    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    افتتاح مهرجان تطوان المتوسطي ب"بنات ألفة"    توقيف سارق ظهر في شريط فيديو يعتدي على شخص بالسلاح الأبيض في طنجة    مرصد الصحراء للسلم والديمقراطية وحقوق الإنسان يندد بالإعدامات التعسفية في حق شباب محتجزين بمخيمات تندوف    صديقي: المملكة قطعت أشواط كبيرة في تعبئة موارد السدود والتحكم في تقنيات السقي    بمشاركة خطيب الأقصى.. باحثون يناقشون تحولات القضية الفلسطينية    سيارة ترمي شخصا "منحورا" بباب مستشفى محمد الخامس بطنجة    عاجل.. مؤتمر "الاستقلال" يختار نزار بركة أمينا عاما لولاية ثانية    "دكاترة التربية الوطنية" يطالبون بتعويض المتضررين من عدم تنفيذ اتفاق 2010    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    ما هو صوت "الزنّانة" الذي لا يُفارق سماء غزة، وما علاقته بالحرب النفسية؟    قيادة الاستقلال تتوافق على لائحة الأسماء المرشحة لعضوية اللجنة التنفيذية    بدء أشغال المجلس الوطني لحزب "الميزان"    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    حزب "الاستقلال" يختتم مؤتمره.. في انتظار الحسم في اختيار أمينه العام واتجاه لتزكية بركة لولاية جديدة    ابتدائية تنغير تصدر أحكاما بالحبس النافذ ضد 5 أشخاص تورطوا في الهجرة السرية    صحيفة "النهار" الجزائرية: إتحاد العاصمة الجزائري يتجه إلى الإنسحاب من مواجهة نهضة بركان    وزان ..تحديد أفق إطلاق مشروع دار الاقتصاد الأخضر    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    انطلاقة مهرجان سينما المتوسط بتطوان    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    بفضل فوائده وجودته.. منتوج العسل المغربي يطرق أبواب السوق الأوروبية    الأمثال العامية بتطوان... (584)    اتحاد العاصمة باغيين يلعبو وخايفين من الكابرانات: هددو ما يلعبوش ويرجعو فالطيارة اليوم للجزائر وفاللخر مشاو يترينيو    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    نادية فتاح: المغرب يتيح الولوج إلى سوق تضم حوالي مليار مستهلك بإفريقيا    جاري القروض الصغرى المستحقة يصل إلى 8,4 مليار درهم في متم 2022    رحلة الجاز بطنجة .. عودة للجذور الإفريقية واندماج مع موسيقى كناوة    ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء بالمغرب    السعيدية.. افتتاح النسخة الثامنة من تظاهرة "أوريونتا منتجعات السعيدية – حكايات فنية"    الأكاديمية تغوص في الهندسة العمرانية المغربية الإسبانية عبر "قصر الحمراء"    اكتشف أضرار الإفراط في تناول البطيخ    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أول روبورتاج صحفي حول قصة النساء مع الغواصات العسكرية بالعالم
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 11 - 10 - 2014


ناتالي غيبير
كان الأمر تحديا، ما في ذلك شك. لأنه لم يسبق أبدا أن قضت امرأة شهرا كاملا داخل غواصة نووية في مهمة، قبل أن تمنحني البحرية الفرنسية ترخيصا بذلك في مارس 2014 . بل أكثر من ذلك، أن تسمح لصحفية بولوج غواصة عسكرية، رغم التحفظ الواجب للسر العسكري.
ولأنه علينا دوما أن نستشير من نثق فيهم في لحظات حياتنا الفاصلة، فإنني توجهت صوب مصدر ثقة مجرب بمنطقة «بيل فيل»، حيث يعمل منذ 40 سنة. ففي ذلك الحي الشعبي شرق باريس يستعرض أمامك تعدد العالم، هو الذي جرب الحياة في كافة أوجهها الممكنة. لكنه هذه المرة بقي أخرس وكان جوابه الوحيد سؤالا: «لكن لم قررت القيام بذلك بالضبط؟». سؤاله محق، وهذا الروبورتاج هو تحد لصحفية متخصصة في الشأن العسكري، على القدر نفسه الذي هو تحد شخصي. لقد تملكني فضول حين خروج دورية على متن «الرهيب» من ميناء مدينة بريست. فبعد ابتعاده عن جزيرة لونغ، كان لا بد من قطع ساعات للغواصة قبل تجاوز الجرف القاري والإنسلال تحت الماء. لم أتمكن من قضاء سوى ليلة واحدة بها، بل 16 ساعة بالتحديد، كما هو مسجل في دفتر الزوار، قبل العودة عبر طائرة هليكوبتر. كنت لمست بأصبعي، فقط، قوة الردع النووية الفرنسية، لكنني لم أفز بأي شئ أهم، لفهم أبعاد المغامرة البشرية، داخل آلة الحرب تلك. إذ ما الذي يفعله جنود البحرية أولئك على عمق 300 متر؟. كيف يعيشون وسط آلة عسكرية مماثلة؟ من هم حتى يستطيعون تحمل ظروف أن يغلق عليهم لشهور عديدة في السنة هناك؟.
طلبت سنة 2012، من البحرية الوطنية أن تكون جريدة «لوموند» أول مؤسسة إعلامية تغطي دورية كاملة (لغواصة نووية)، سواء كانت غواصة قاذفة لرؤوس نووية ((SNLE أو فقط غواصة نووية للهجوم ((SNA . تطلب الأمر الإنتظار سنتين، كنت خلالها قد جددت طلبي سنة 2013 الذي وجهته إلى الأميرال برنار روجيل، القائد العام للبحرية الفرنسية، الذي له تجربة غنية في مجال الغواصات التي قضى بها 27 ألف ساعة من الغطس. لقد أجابني أن «لن يغلق الباب في وجهي». مضيفا: «في حال تحقق ذلك ذات يوم فإن زوجتي هي التي ستغار». ففي أعقاب نظيره الأمريكي، قررت البحرية البريطانية تأنيث غواصاتها. بالتالي، لن يتأخر القرار الفرنسي المشابه أيضا. ففي يوم 15 أبريل (الماضي)، أعلن وزير الدفاع الفرنسي جون إيف لودريون جملة قرارات إصلاحية لصالح تعزيز دور المرأة في مختلف الفرق العسكرية، ضمنها فتح الباب أمام ضباط نساء لولوج الغواصات النووية ابتداء من سنة 2017 . هذا الأمر «ثورة» في البحرية الفرنسية.
قررت اقتناص هذه اللحظة التاريخية. بالتالي، مر قرار الموافقة على قضائي شهرا على متن الغواصة النووية «الجوهرة»، بمختلف المساطر الإدارية الواجبة. لقد حصل أولا على موافقة قيادة القوات البحرية للمحيطات الإستراتيجية ((FOST ، ولقد لعب دورا إيجابيا في ذلك كل من الأميرال شارل إدوارد دوكوريوليس والقائد العام الأميرال برنار روجيل. ثم القيادة العامة للقوات الفرنسية وديوان وزير الدفاع والسلطات المكلفة بحماية السر العسكري. هكذا، أصبحت كما قيل لي بباريس «عنصرا خاصا»ّ.
إن عالم القوات البحرية الخاص بالغواصات يعيش في عزلة كاملة، لأنه حريص جدا على أسراره، ما يمنحه أن يكون متمايزا ضمن باقي القوات. تتكون قيادة القوات البحرية للمحيطات الإستراتيجية من 3500 عنصرا ضمنها 2000 عاملة في المحيطات. والتواصل مع الخارج ليس ترفا معتادا هناك. علما أن البحرية تجد صعوبة في استقطاب الشباب إليها، بالتالي عليها استمالتهم. دون إغفال أن الإستثمار في مجال الغواصات يعتبر الأعلى في كل مجالات الدفاع خلال السنوات القادمة. إنه يتطلب 10 ملايير أورو، من أجل تجديد أسطول الغواصات الحاملة للرؤوس النووية. وعلى العسكريين إقناع أصحاب القرار السياسي حول الأهمية الإستراتيجية لذلك، في زمن الأزمة الحالي. بالتالي، فإن الإنفتاح هنا ضرورة ملحة.
تمتلك فرنسا 10 غواصات نووية. وتعتبر القاذفات الأربع (البطل، المقدام، اليقض، الرهيب)، الجناح الفعال الأول للجيش الفرنسي، فيما تعتبر طائراته العسكرية الجناح الآخر المؤثر، الحامل للرؤوس النووية. فهي تحقق 70 يوما متواصلا من الدوريات بدون توقف، في عمق المحيطات. أما الغواصات الست المتخصصة في الهجوم (روبي، سفير، كازبيانكا، الزمرد، الجمشت، الجوهرة) فإنها تبحر دوريا كل 3 أشهر ونصف الشهر، تليها فترات تدريب لجنودها وصيانة للمعدات. هي مكلفة أولا بحماية حاملة القاذفات وتفتح أمامها طريق العبور الآمنة. بل إن من مهامها المركزية حماية ذلك «السمك الكبير» (كما يسميه البحارة)، من خلال تتبع إشارات كل السفن والغواصات العابرة، سواء الحليفة أو العدوة. أما مهمتها الثانية فتتمثل في تجميع المعلومات الإستخباراتية قرب الشواطئ، من خلال تجميع الصور وتسجيل الإتصالات، ويمكن لمهام مماثلة أن تدعم بوحدات خاصة من الغواصة المعنية. لقد تم ذلك مثلا على الشواطئ الليبية سنة 2001 ولا يزال متواصلا بشرق المتوسط. فهذه الغواصة محملة بأسلحة وصواريخ وطوربيدات.
هي مهام كثيرة، تنجزها «الجوهرة» خلال صيف 2014 . وهي من آخر مواليد الغواصات من درجة «روبي» . فهي تعود هندسيا إلى سنوات السبعينات، وستبدأ في التقاعد ابتداء من سنة 2017، من أجل فسح المجال لجيل جديد «الباركودا» التي هي أكبر (تزن 51 ألف طن مقابل 24 ألف طن لجيل روبي)، وستكون محملة بصواريخ بحر - بر، وبقدرات عسكرية لا تتوفر حاليا سوى للروس والأمريكيين. لقد تم استقبالي بحفاوة هذا العالم الخاص، أي باحتياط كبير. لقد نبهني منذ البداية قائد فيلق الغواصات بمدينة تولون القائد ستيفان مونيي، قائلا: «ستكون المهمة صعبة السيدة جيبير». لقد تم تخصيص أسبوع تكوين خاص لي بالقاعدة البحرية لتولون، شمل: تقنيات الملاحة، جهاز السونار، تقنية التحكم في دفة القيادة، معرفة عامة بالغواصة. مثلما تتبعت دروسا تطبيقية، برفقة اليوتنان بريس، خاصة بالحرائق وتسربات المياه وتسربات الأذخنة. ثم تم إلحاقي بمجموعة عسكرية لاجتياز فترة تدريب خاصة بالإنقاذ الذاتي ببريست. فالأمن تحت الماء أولوية قصوى. مثلما اجتزت اختبارا طبيا، ووقعت على تعهد (حتى وأنا في 47 من عمري) أن لا أحبل في فترة الإبحار. علينا التذكير هنا أنه بسبب المخاطر الفيزيولوجية ظل باب الغواصات مغلقا أمام النساء، لأن هناك مخاطر جدية للتأثير على الجنين بسبب ارتفاع نسبة الآزوت داخل الغواصة ومخاطر التعرض لديوكسيد الكاربون. وكان علي أخيرا أن ألتزم بحماية السر العسكري أثناء العلميات. ولقد طمأنني القائد مونيي بعد انتهاء فترة التدريب قائلا: «كل شئ سيكون على ما يرام السيدة غيبير».
قال لي أحد الضباط: «كنا مدركين أن النساء سيسقطن فوق رؤوسنا ذات يوم. لكنهن سيكن مجرد مشكل عويص». كل القوات عمليا مفتوحة أمام النساء، لكن فقط على الورق. ومنذ 20 سنة سمح للسفن بالتحاق النساء بها بفرنسا، بينما الغواصات لا تزال آخر المرافق البحرية ذكورية بامتياز. وحضور النساء أمر يؤرق جنود الغواصات من زمان، حتى في السينما. ففي فيلم « عملية التنورات» سنة 1959، سيطلق قائد الغواصة (الممثل غاري غرانت) هذه العبارة، بسبب حضور 5 ممرضات عسكريات بالغواصة: «أخبروا الطاقم أن يتعاملوا معهن كما لو أنهن لسن نساء». ومما يورده الأميرال المتقاعد جون ماري ماثي في كتابه الصادر سنة 2005 «غواصات في مهمة»، أن كلارا بارثون، هي أول سيدة من الصليب الأحمر الأمريكي سمح لها بالصعود إلى غواصة. بينما في دول الشمال (الإسكندناف) فإن المرأة قد التحقت بالعمل في الغواصات كقائدات منذ السبعينات. لكن تلك الغواصات العاملة بالديزيل، مختلفة تماما عن هذه العاملة بالطاقة النووية. فالأولى مضطرة للعودة باستمرار إلى السطح، بينما الثانية تبقى تحت الماء لشهور. بالتالي ففي هذا العالم السفلي للمحيطات النساء نادرات.
لقد انتبه قائد القوات البحرية للغواصات الأمريكية أن نصف طلبة مدراس الهندسة شابات، بالتالي قرر أنه آن الأوان أن تصبح قواته البحرية العسكرية الخاصة تلك، مماثلة. ومن حينها أصبحت واشنطن تكون 50 امرأة ضابطة للعمل ضمن الغواصات النووية، منذ 4 سنوات، بمعدل ثلاث نساء ضمن كل طاقم عسكري للغواصة. ولقد استقبل الرئيس باراك أوباما الدفعة الأولى المتكونة من 24 امرأة عسكرية من البحرية الأمريكية المتخصصة في مجال الغواصات سنة 2012 بالبيت الأبيض. بينما تمة 15 مرشحة ببريطانيا للعمل ضمن آليات مدرسة فانغار. ولقد أعلن وزير الدفاع البريطاني فلليب هامون في يونيو 2014، أن 3 منهن جد موفقات. وهن يتحملن الآن مسؤوليات اللوجيستيك والهندسة وحتى التكوين. أما في فرنسا، فلن يشرع في فتح المجال للنساء للتدريب والإلتحاق بالغواصات النووية، سوى في سنة 2017، من خلال 3 مرشحات واحدة طبيبة، الثانية ضابط مساعد، الثالثة متخصصة في الفيزياء النووية.
مما يورده الأميرال جون ماري ماثي في كتابه الآنف الذكر، أنه « في الواقع، أمر الرفقة بين أفراد من جنسين مختلفين والتنافس المهني أو العاطفي بينهما، والتقارب والرغبات ثم الغيرة التي تشتعل في من تبقى على الرصيف، هي أمور ممتعة في فيلم سينمائي لكنها في الواقع الفعلي للعمل العسكري فهي كارثية». بالتالي، سيتطلب الأمر وقتا طويلا قبل أن يعمم قرار إلحاق النساء بالغواصات الفرنسية. وحين أعلن بلاغ شهر يونيو الماضي فتح باب الترشيح أمام المرأة، لم تتقدم سوى 5 مترشحات يؤكد الأميرال دوكوريولي. وكانت القيادة العليا تتوقع أن الإعلان ذاك سوف يبعث حماسا في مختلف دواليب مؤسسات الدولة، لكن ذلك لم يقع، فكان عدد المتقدمات قليل جدا. واضح، بالتالي، أن مهمة البحرية ثقيلة مستصعبة.
عمليا، تم تصنيع الغواصات النووية هندسيا بالشكل الذي لم يستحضر أبدا تخصيص مكان للنساء، مما يستوجب إصدار قانون جديد يرفض ذلك. فالممرات جد ضيقة، ولقد اعتاد الجنود الذكور الإحتكاك في كل مرور. والنوم يتم في غرف مشتركة واسعة في أسرة أشبه بمرتبات صندوق العائلة. والأكل يتم بشكل تشاركي. مثلما أن العطور ممنوعة في الغواصة «الجوهرة» وكل أدوات النظافة المتضمنة للكحول ممنوعة لأسباب أمنية. وكل فرد لا يتوفر سوى على عدد قليل من الحاجيات الخاصة ولا يتجاوز مجموع ممتلكات كل فرد 100 كلغرام، بما فيها أدواته العسكرية.
نملك غواصات رصد تذهب أينما شاءت دون أن يتمكن أحد من رصدها
الحياة على متن غواصة (نووية)، هي حياة داخلية ذكورية، يضاف إليها يقين الإستعداد للحرب. لقد نزلت بالغرفة الخاصة بالضباط، حيث توجد 5 أسرة، في ما يشبه التعايش. كان الحمام مشكلتنا الوحيدة، بمساحته التي لا تتجاوز 60 سنتمترا وبابه القصير وستارته التي تلتصق بالجسد. علما، أن كل غواصة تضم فريقين، واحد أزرق والآخر أحمر. بالتالي فقد، استقبلني الطاقم الأزرق للغواصة "جوهرة"، المتكون من 75 بحارا عسكريا بفضول. كنت أكبر الجميع في السن، لأن معدل السن بينهم لا يتجاوز 27 سنة. وكانت قضية السماح بتأنيث الغواصات العسكرية يجعلهم منقسمين، بل إن بعضهم يرفض حتى مناقشة الفكرة تلك. وقد قال أحدهم: "كما ترين نحن بالكاد بمر متزاحمين بيننا، فكيف سيكون الحال مع النساء؟". بينما آخرون يخشون تدني مستوى العسكرياتية البحرية، بدعوى قبول إلزامي لنسبة خاصة من النساء. بل إنني وجدت حتى بعض العدميين بينهم. الحقيقة أنه في النرويج مثلا، يتم تدريب الرجال والنساء على قدم المساواة، فحلت كل المشاكل.
الواقع، إن حضور المرأة قوي في قلب الغواصات، من خلال حجم الصور المعلقة لهن، أو أغلفة مجلات الجنس أو روايات الخيال العلمي. بينما في المقصف تعرض أغان باستمرار، مصاحبة بكليبات فيها الكثير من الإيحاءات الجنسية. لكن غياب المرأة الفعلي، هو الذي يخصب الخيال ويثري المناقشات، لأن رفقتهن هي التي تغري البحارة. وما يخشونه في العميق هو فقدان ذلك الشغف الذي يلازمهم في كل إبحار، حين تصبح النساء جنبهم في القاع.
قام القائد مونيي، حتى يساعدني على تمثل خصوصية ذهنية الفريق، بمنحي كتابين من كتب ضباط البحرية المتخصصين في مجال الغواصات. أولها كتاب العقيد جون ليرمينيي، باشا "كزابيانكا". وهو شهادة نشرت سنة 1949، ولقد قرأته بتمعن خاص. فقد كان لارمينيي بطلا من أبطال نهاية الحرب العالمية الثانية، الذي نجح في مخاتلة الحصار الألماني في نهاية سنة 1942، لميناء تولون الفرنسي والتحق بالجزائر. ولقد قامت الغواصة "كازا" (كما يلقبها البحارة العسكريون توددا)، بعدد من العمليات الحاسمة أثناء عملية تحرير جزيرة كورسيكا. وكان وراء العملية النوعية التي يسرت عملية الإنزال البري هناك. ولقد شاء مكر القدر أن يكون قائد "جوهرة" التي أبحر فيها، جيروم كولونا ديستيريا، الوريث المباشر لتلك الملحمة. فبولين كولونا ديستيريا، ضابط الدرك، الذي كان يقود المقاومة الكورسيكية والملقب ب "سيزاري"، سيكون واحدا ممن حملتهم غواصة "كازا بيانكا"، هو ابن عم جده المباشر.
بينما يعتبر الكتاب الثاني مفاجأة كاملة. لأنه يتعلق بمذكرات ضابط ألماني من الفيلماشت الذي وشحه هتلر شخصيا، واسمه غونتر براين. مهندس ميكانيكي، بطل عملية استغلتها جيدا الدعاية النازية. ذلك أن قائد غواصة ألمانية هذا، قد نجح في الإنسلال، خلال شهر أكتوبر 1939، إلى الشواطئ السكوتلاندية ونجح في تدمير سفينة حربية إنجليزية "الروايال أواك". لكن غواصته سيتم القضاء عليها بعد ذلك سنة 1941، بعد أن حاصرتها أكثر من 30 قطعة بحرية عسكرية للحلفاء.
لقد أكد لي القائد مونيي أن الكتابين معا يملكان مكرمة تنبيهنا كيف تتحول الغواصات الهادئة في زمن السلم إلى وحش كاسر في زمن الحرب بسرعة فائقة. لقد بقي ذلك الدرس حاضرا حتى أثناء التدريبات في صيف 2014.
فمن البحر الأبيض المتوسط، إلى المحيط الأطلسي، تغيرت مهام الغواصة "جوهرة"، حين قامت بمهام خاصة قبالة الشواطئ السورية. فالمهام هنا تتغير بسرعة فائقة بشكل دائم والغواصون متعودون على ذلك. والتحدي في هذا العالم المغلق، كامن في القدرة على التأقلم بسرعة. ولم يعلن حضوري سوى في آخر لحظة. بالتالي، فحين التحقت بهم، يوم 18 يونيو 2014، بادرت إلى تحية أحد الضباط، فقدم إلي يده مترددا، قبل أن ينبهني، وبسمة ماكرة تعلو محياه، قائلا: "إنها آخر مرة أسلم فيها عليك يدا بيد، هنا نحن لا نسلم أبدا على بعضنا البعض". فقام بعدها نائبه بتقديمي للبحارة العسكريين المتجمعين استجابة للنداء العسكري للإصطفاف، على رصيف ميناء تولون. قائلا لهم بصوت مرتفع: "السيدة جبيي صحفية بجريدة لوموند، وهي تود معرفة أعمق بالحياة داخل غواصة نووية. سترافقنا شهرا كاملا". فصفقوا كلهم تحية لحضوري.
كانت هناك قطعتان بحريتان روسيتان، قد اخترقت خليج ميسين، منتصف شهر يونيو، في اتجاه بونيفاسيو (الفرقاطة ليفتشينكو المتخصصة في مواجهة الغواصات و السفينة ليمان المتخصصة في التجسس الإلكتروني). كانتا قريبتين إذن من قاعدة تولون البحرية الفرنسية، حيث القطع البحرية النووية لباريس. ظلتا هناك عند حدود المياه الدولية، على بعد 12 ميلا من الشواطئ الفرنسية، رابضة هناك، في الفضاء المفتوح للمياه الدولية، مستفزة. لقد علمنا في ما بعد، أن تلك القطع الروسية، قد جاءت قبالة منطقة الكوت دازور الفرنسية، لرسم علامة صليب كبرى على المياه. كانت أزمة أوكرانيا حينها بدأت تجد طريقها إلى الحل أو ما يشبه الهدنة. بل إنه سيصدر في موسكو بلاغ رسمي يفسر تلك الزيارة الإستفزازية لتلك القطع الروسية. لقد كان ذلك جوابا على قرار فرنسا، بعث، قطعتها البحرية للتجسس "دوبي دولوم" قبالة شبه جزيرة القرم.
لقد كان ذلك، سببا كافيا، لجعل القيادة العسكرية الفرنسية مستنفرة. بل حتى الجيوش المجاورة، في إسبانيا وإيطاليا. لأنها شريك استراتيجي لفرنسا في ضمان حماية أمن المتوسط. وفي سيناريوهات مماثلة، فإنه تنظم عمليات تدريب، حيث تقوم الطائرات العسكرية بمراقبة البحر، بينما في عمق المياه، بشكل سري، تتحرك الغواصات. لهذا السبب قامة الغواصة "جوهرة" (حيث أتواجد)، رفقة غواصة نووية فرنسية أخرى، بتتبع حركات القطع الروسية المستفزة ومسارها. فجأة واشتعلت الأمور داخل الغواصة، حيث التحق عدد من الجنود بمواقعهم الهجومية داخلها. وتجمد الجميع أمام شاشات الرصد والرادارات لساعات. ولم يتردد القائد جيروم كولونا ديستيريا في الجزم أن "غواصته قرش كاسر".
علينا نسيان، تفاصيل الفيلم السينمائي الشهير لجون ماكترينيان، حيث تلاحق إحدى الغواصات رحلة حربية مثيرة ل "ك. 19". فالحرب الباردة أصبحت من الماضي، وعشرات من القطع البحرية الروسية أصبحت ترسو بميناء تولون العسكري قبل أن الإبحار صوب شرق المتوسط، لأن موسكو أصبحت شريكا خلال السنوات الأخيرة لفرنسا. بل إن باريس قد أنجزت لها مهمة بناء حاملة طائرات هلكوبتر تسمح بغزو أوكرانيا بسرعة. وتمة تعاون وتبادل معلومات بين قطعهم البحرية المختلفة والمتعددة بالبحر الأبيض المتوسط. ومكان اللقاء التقليدي هو ميناء "سان نازارين" على المحيط الأطلنتي، حيث أكملت القطعة البحرية الروسية "فلاديفوستوك" مهامها العسكرية التدريبية.
لكن، تحت الماء، ليس هناك صديق ولا عدو، بل هناك هدف يجب رصده ومواجهته. فالمهمة هي تحديد الهدف بدقة والإستعداد للتعامل معه في أية لحظة. فالحرص يجب أن يبقى عاليا. وآذان التنصت عالية الذبذبات بالغواصة "جوهرة" ومحللوا الموجات تدفع بالدم إلى العروق في لحظات مماثلة. فبعد 25 سنة من سقوط جدار برلين، لا يزال أولئك العسكريون يمارسون نفس المهمة: ترصد أي قطعة بحرية كيفما كانت سواء روسية أو أمريكية. لأن حرب المياه والمحيطات، ازدادت تقدما، خاصة بعد مجيئ الصينيين بقطع بحرية مبتكرة تغزو المحيطات. فتمة 500 غواصة تجوب بحار العالم وهناك 100 أخرى ستضاف في أفق 2020. "إن الأمور الجدية تتم تحت الماء" يقول مصدر عسكري فرنسي. فواشنطن، مثلا، رغم كل ترسانتها البحرية المتقدمة، فهي تعمل حاليا على إنتاج قطعة بحرية جد متقدمة "الزوم وولث" وهي طراد برمائي شبح، الذي هو أشبه بالخيال العلمي. وبعد انهيار السوفيات، بدأت البحرية الروسية، تستعيد قوتها التقنية، إذ إن غواصاتها، قد استعادت قوتها الضاربة فعليا اليوم، حسب الخبراء الفرنسيين.
يؤكد قائد الغواصة الفرنسية "جوهرة" أن "مهامنا البحرية قد سجلت تطورا هائلا خلال العشرية الماضية". فنحن نتوفر على أكثر آليات الرصد تقدما. مضيفا: "لقد تطورت وسائل الحرب الإلكترونية وأصبح الكثيرون يمتلكون آليات تواصل مماثلة، لكن الفرق هو أننا نملك غواصات رصد تذهب أينما شاءت دون أن يتمكن أحد من رصدها". لقد تطورت بالتالي آليات الرصد الفرنسية كثيرا خلال السنوات الأخيرة. "إننا نرى دون أن نرى" (بفتح النون الأولى وضم الثانية)، يقول نائب قائد الغواصة "جوهرة". إن العالم اليوم مطوق بشكل دقيق من قبل الأقمار الإصطناعية والطائرات بود طيار، لكن الغواصات تمارس مهامها في سرية تامة دون أن يدرك أحد ذلك. مضيفا: "إن من عناصر قوتنا، أننا قد نصل إلى أي شاطئ ونقوم بمهامنا دون أن يلتقط أي أحد أية إشارة عنا في راداراته. نحن لا نتحرك تحت الأضواء، لكننا نكون حيث يجب لنا أن نكون". لهذا السبب تصرف الدولة ملايير الأورو من أجل مهام مماثلة ومن أجل هذا التفوق الإستراتيجي، ذلك ما دافع عنه المندوب العام للتسليح أمام البرلمان الفرنسي شهر ماي الماضي. ومما يؤكد عليه لوران كوللي بيلون " أن الجسيمات المنبعثة في أعداد صغيرة من المفاعلات النووية، سيكون كشفها ممكنا في القادم من الأيام. مثلما سيكون متيسرا في القادم من السنوات رصد تحرك الغواصات عبر الأقمار الإصطناعية، مهما كان العمق الذي تبحر فيه، وهو الأمر لا يمكن تحقيقه اليوم". (معنى هذا أن التطور في هذا المجال لا حدود للإبداع فيه بسرعة وفعالية).
(*) لوموند، عدد 16 شتنبر 2014


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.