في الفصل الخامس من الدستور المغربي، تم التنصيص على رسمية اللغة الأمازيغية إلى جانب اللغة العربية. وإذا كانت اللغة الأمازيغية بلهجاتها الثلاث في غير حاجة إلى هذا التنصيص كي تكون، ذلك أنها كائنة بفعل الواقع وعناده الذي لا تغير من جوهره الأزمنة والدهور، وذلك من حيث وجودها المادي، وتداولها في مناطق شاسعة من المغرب، ومن حيث كونها وسيلة تواصل وإنتاج دائم لرموز الثقافة والفن وكل ما يشكل إحدى أثرى وأرسخ ركائز الهوية المغاربية.. لقد كان لمجموع الجمعيات الأمازيغية المدافعة عن الحقوق الثقافية للشعب المغربي، الدور الأبرز في تثبيت الحق في رسمية اللغة الأمازيغية. كما أن الفضل في تحقيق النتائج العلمية الصرفة الخاصة بهذه اللغة يعود إلى ثلة من المتخصصين المغاربة الذين صرفوا جهودا مضنية في أبحاثهم العلمية والتربوية والبيداغوجية، وهو ما أنتج أعمالا علمية رصينة هي اليوم في مسيس الحاجة إلى رواجها ودراستها على نطاق أوسع مما هي عليه في الزمن الراهن. غير أن الإشكال لم يعرف طريقه إلى الحل النهائي والأمثل، ذلك أن التنصيص الدستوري على ترسيم اللغة الأمازيغية ليس سوى مرحلة، يتعين أن تليها مراحل تتعلق أساسا بالبنود القانونية ذات الطابع التنظيمي والمسطري... وهو عمل هام جدا مطروح ليس على البرلمان والحكومة وحدهما، ذلك أن خيار المشاركة والتشارك هما القمينان بإيجاد الصيغ الملائمة للضبط التنظيمي. فالأمر هنا كما في مجالات أخرى، لا يعني الأغلبية في البرلمان، ولا المعارضات داخل هذا البرلمان. وبعبارة واضحة فالأمر لا يعني مطلقا توجهات حزبية وأخرى تعارضها، بل يعني كافة مكونات الكيان المغربي. وإذا كان جانب التسليم برجحان النهج التشاركي متيسرا ولن يطرح صعوبات تُذكر، فإنه هو ذاته موضوع يستدعي التفكير فيه وخاصة التفكير في الكيفية التي يمكن للمغاربة أن يحققوه ويصيغوه بها. فنحن في هذا الباب نتوفر على جمعيات أمازيغية أغلبيتها ذات بعد ثقافي حقوقي، وقلة منها لها طابع سياسي، ونتوفر على أحزاب ليست جميعها مؤهلة لِتَمَلُكِ تَصَوُرِ ملائم للقضية الأمازيغية ككل، فبالأحرى للمسألة اللغوية الأمازيغية، سواء كانت هذه الأحزاب ممثلة في البرلمان أو غير ممثلة فيه، ونتوفر أخيرا على مؤسسة علمية وثقافية يمثلها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. وبالموازاة مع هذا نتوفر على إرادة سياسية حقيقية يمثلها حصريا جلالة محمد السادس كملك وكمسؤول كان له فضل ربط المسألة الأمازيغية بعموم الإشكال التنموي والنهضوي في عموم المملكة منذ خطاب أجدير. ومع كل هذا فإنه يجب الاعتراف بأننا لا نتوفر على تصور وطني موحد بخصوص قضية وطنية هامة جدا. قبل أن نحرر هذه المقالة المتواضعة، اتصلنا بستة أصدقاء منتسبين للأحزاب، أحزاب من اليسار واليمين ومن الإسلاميين بخصوص سؤال محدد يمس مسألة التنزيل التنظيمي للدستور في اللغة الأمازيغية. كانت مفاجأتنا كبيرة حين وقفنا على فراغ الإجابات من أي عنصر مدقق، جميعهم قدموا عموميات لا تقدم ولا تؤخر... وجميعهم نصحنا بأنه من الأفضل الاتصال بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، فهو المؤهل أكثر من غيره للإجابة على استفساراتنا... ما لا ينتبه له البعض هو أن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية معهد يغلب على مهامه ووظائفه وأنشطته الطابع العلمي والبحثي سواء في مجال الثقافة بمعناها الأتنروبولوجي الخاص، أو بمعانيها العديدة التي يرشح به الوجود الأمازيغي، اليهودي والمسلم معا. يضاف إلى هذا البعد اللغوي اللساني في توجهه العلمي البحت، ودراساته التربوية والبيداغوجية والديداكتيكية المرتبطة بالتعلم والتعليم بمختلف أنماطه ومجمل أصنافه وكُثْرِ مُسْتًهْدَفِيه. فإذا كانت هذه الأبعاد التي يتصل بها المعهد في الميادين التاريخية واللغوية واللسانية والأنتربولوجية والدراسات الأمازيغية والتي بقدر ما تُعنى بالمحلي قد تُعْنى بما يتجاوز المحلي لإفادة والاستفادة من الناطقين باللسان الأمازيغي، فإن هذا كله، على أهميته الكبرى، لا ينص على أي نوع من الوصاية على المطروح عليهم أمر التنزيل التنظيمي للغة الأمازيغية بالمغرب. هذا علما أن للمعهد بكل تأكيد، وبسبب من أهليته التي لا يناقشها أحد، قدرته ومؤهلاته للإفادة في هذا الشأن الوطني الهام. هذه هي الصورة في عموميتها، وكما ترون فهي تبحث عن مثال. وهي أقرب إلى السؤال الفلسفي الذي يبحث له عن إجابات من ذوي الاختصاص. لقد طوقنا سؤال حيرنا ونحن ننهي اتصالاتنا وهو: كيف لمجموعتنا السياسية المغربية بكل تشكلاتها التي أشرت إليها أن تتفق على ترسيم اللغة الأمازيغية في الدستور دون أن يفكر أي منها في صياغة تصورات تخص القوانين التنظيمية . إنه ليُؤسِف أي مغربي أن ما يُصْرَف وسيُصْرَف على ترسيم اللغة الأمازيغية يُمَثِل ميزانية ضخمة لكن، سينتظر الجميع بداية المناقشة ليبدأ الكلام العمومي يراكب بعضه بعضا.