لاتهمنا المواقف السياسية في أي نزاع أحيانا لأنها غير ثابتة وقابلة للتغيير، لكن أكثر ما نتألم له في كل قضية هو المأساة الإنسانية، وقضية الصحراء كانت مرتعا للمآسي والأزمات الإنسانية، فهي حرب أنجبت أثرياء وخلفت ضحايا من الطرفين، ومن أبرز المآسي التي عاشتها العائلات الصحراوية هو الشتات العائلي الذي جعل اغلب العائلات تعاني فراق الأهل والأحباب, إما بسبب اللجوء أو السجون, وهناك من خطفتهم الموت دون الاستمتاع بفرحة اللقاء ،الا أنه وبفضل برنامج الزيارات المتبادلة والذي تشرف عليه منظمة غوث اللاجئين سنحت الفرصة لبعض العائلات بملاقاة ذويهم... فالقضية أيضا صاحبتها ظاهرة فراق أخرى تعنى بالأطفال, حيث اعتمدت جل المنظمات بأروبا وكوبا على استقبال الأطفال بسبب سوء المناخ والأحوال الجوية، وأيضا لضعف البنيات الطبية، بالإضافة الى اعتماد برنامج آخر لاستقبال الشباب من اجل التعلم، لكن لم تكن تعي جل العائلات الصحراوية أن هذه البرامج قد تخدم مصلحة أبنائهم ماديا، لكن قد تخسرهم أبناءهم بشكل نهائي، فهم يتعرضون لطمس الهوية وأحيانا للتجرد من الدين الإسلامي نفسه ... وقفنا على حالات مباشرة لمثل هؤلاء الشباب الذين عشنا معهم حسرة ازدواجية الهوية والنسب, فهم أبرياء ذنبهم الوحيد أنهم ولدوا بتندوف وتم استغلال أوضاعهم الإنسانية من تجار الذمم... محجوبة محمد حمدي الشابة التي بسببها توقف دعم مقاطعة بالنثيا عن المخيم... بعيدا عن الحسابات السياسوية الضيقة، محجوبة محمد حمدي شابة مغربية صحراوية 24 سنة, تنحدر من العائلات الصحراوية المحتجزة بتندوف وصلت الى اسبانيا عام 1999 في إطار برنامج عطل من اجل السلام حازت على شهادة الاجازة من جامعة اليكانتي عام 2012 ، وتتحدث اربع لغات. وكانت تعمل في وكالة Marie Curie de Londres وفي 25 يونيو الماضي سافرت لزيارة عائلتها الصحراوية بسبب الوضعية الصحية لوالدتها, وكان من المنتظر ان تعود يوم 18 غشت الماضي. لكن تم منعها من العودة الى اسبانيا ضد ارادتها، وهي جد مرتبطة بالعائلة الاسبانية التي احتضنتها، ما جعل ابويها الأصليين يمنعونها من العودة الى العائلة المستقبلة، الشيء الذي تسبب في أزمة بين مقاطعة بالنثيا ومخيمات تندوف ما جعل المسؤولين بهذه المقاطعة يعلقون الدعم الموجه لمخيمات تندوف، وكانت المقاطعة الاسبانية قد وقعت اتفاقات للتعاون مع الشعب الصحراوي وصلت قيمتها الى 107.000 يورو وتتعلق أساسا ببرامج التغذية والمياه وبرنامج عطل من اجل السلام, الذي يستفيد منه الأطفال الصحراويون في فصل الصيف، لكن الإشكال في قضية محجوبة لم تناقش من الجوانب الإنسانية, حيث تم تغييب شعور الابوين رغم انهم يتحملون ما آلت اليه أوضاع ابنتهم وكذا إشكالية أخرى تتعلق بالهوية, فهؤلاء الأطفال اما يتعرضون لطمس الهوية وبالتالي يفقدونها وإما يعانون الازدواجية ويتلخبطون في هويات مختلفة وقد تؤثر سلبا على تنشئتهم الاجتماعية ،لحد الساعة يتم نقاش موضوع الضحية محجوبة ، من خلال علاقتها بالأسرة الاسبانية التي احتضنتها وكسبت عن طريقها الجنسية الاسبانية دون الانكباب على مصلحتها في الاحتفاظ بعلاقتها بجميع الاطراف ... فاطمتو محمد عياش إحدى ضحايا التهجير وطمس الهوية بمدينة الروندا الاندلسية, حيث التقينا فاطمتو 19سنة رفقة أختها التي ظلت تناضل من اجل عودتها أزيد من 13 سنة, حيث تركت دراستها الجامعية وتفرغت للبحث عن أختها التي هجرتهم وهي طفلة عن طريق المنظمات الإنسانية، على أساس انه يتم عودتهم بعد سبع سنوات طبقا للاتفاقية الموقعة بين الأبوين والمنظمة والأسرة المستضيفة، الا أن حالة فاطمتو لا تختلف عن العديد من الحالات التي تبنتهم, أحيانا سيدات عازبات وطالبن بإبقائهن لمصلحة الأطفال المستقبلية ،أي أمور تتعلق بجودة الدراسة والتأمين الصحي و الحصول على الجنسية وهذه الاستفادة من الحقوق التي تمنحها الدولة الاسبانية لمواطنيها كالعمل او التعويض عن البطالة، وأمام الظروف المزرية للعيش بالمخيمات, فإن أغلب الأسر تختار هذا الحل باعتباره ،ذو طبيعة مربحة بالنسبة لأطفالهم، لكن هيهات فكم من أسرة لازالت في البحث عن العائلات التي تبنت أبناءها بسبب تهجيرهم لبلدان أخرى ،وكم من أسرة وقعت في موقف الاختيار من طرف أبنائها أمام المحاكم ،فلا يعقل ان يختار الطفل أبويه الاصليين مادام لم يراهم قط ، خصوصا عند بلوغه سن الرشد ،فالقوانين تكون لصالح المربي وليس الوالد الحقيقي.. نعود لحكاية فاطمتو التي أزمتنا ونحن التقيناها بعد نهاية حرب بين أهلها ومربيتها, التي بعد ان حكمت المحكمة لصالح أهلها الحقيقيين بسبب عدم احترام المربية لبنود الاتفاقية ،وحين فوجئت, أي المربية, بقرار المحكمة أي ارجاع الفتاة لأبويها ،فقد انتقمت منهم بضياع كل وثائق البنت الرسمية بما فيها شهادة البكالوريا التي حصلت عليها في نفس الفترة، النتيجة ان فاطيمتو صدمت أولا بظهور عائلتها الحقيقية والتي لم تكن تعلم بوجودها ثم صدمت بسبب التصرف الجنوني للأم المربية التي سوف تجردها من كافة الحقوق وقد أصرت على مصاحبتهم للمطار حتى لا تتابع فاطمتو دراستها الجامعية بإسبانيا وحين وجدوها بالمطار خاطبتهم المربية أخذتم ابنتكم ،فلتبحثوا لها عن جامعة بالخلاء» أردفت فاطمتو دموعها وهي تصرخ وسط المسافرين, و ما ان اقترب منها أحد رجال الامن ليسأل عن الموضوع حتى هربت المربية مسرعة نحو الخارج ،وحين سمع أحد المسافرين حكاياتها نصحهم بالعودة من أجل أولا استرجاع الوثائق الضائعة ثم من أجل مواصلة الفتاة دراستها الجامعية وأن عودة البنت من الحضارة الى المخيم قد يؤثر على نفسيتها وبإمكانه ان يدفعها الى الانتحار مادامت قد فقدت كل شيء، فهي الآن محتاجة على الأقل للاندماج مع الوضع الجديد... بالفعل هدا ما أقدمت عليه اخت فاطمتو وقررت العودة والاستقرار بمدينة الروندا والبحث عن عمل لأجل مساعدة اختها لإتمام دراستها و البحث عن سبل اندماجها مع هويتها الاصلية ، وحين التقيناها تأثرنا لحالها لكونها لا تكف عن البكاء في كل لحظة، حيث وجدت صعوبة في الاندماج مع تقاليد جديدة ،تعاني صدمة من تصرفات سيدة ظنت أنها أم حقيقية وتكن لها كل الحب ، ما جعلها تختار العيش في عزلة عن اختها حيث يصعب التواصل بينهم، برغم وجود الشبه, الا أن هناك اختلافا حقيقيا بسبب الفرق في التربية ،حضرنا صدفة وصول اخويها ذكور وهم تغمرهم السعادة لرؤيتها يحملون صورة لها حين كانت رضيعة وصور ابويها ،استقبلتهم بصمت وسرعت لغرفتها من اجل المزيد من البكاء ،لقد تألمنا لذلك المشهد المأسوي، حيث التقى اخوة بعد غياب طويل لكن دون فرحة مشتركة... كما أن أختها وجدت صعوبة في إيجاد عمل يضمن لهم الاستمرارية معا بسبب الازمة الاقتصادية, فهي تشتغل مرتين في اليوم ومع ذلك تجد صعوبة في تسديد مصاريف الايجار، وفي نفس الوقت مرغمة للبقاء مع أختها، الى أن يطرأ انسجام ويقررا الرحيل, إما نحو البقاء مع أبويهم وإما للهجرة لبلاد أخرى تمكنهم من ظروف الدراسة والعمل.... فاطمتو ومحجوبة وأخريات ضحايا التهجير اللاإداري لقد تم تهجيرهم أطفالا صحيح من أجل مصلحتهم المادية, لكن بإمكان تصرف بسيط ربما يكون منطقيا، أن يؤثر سلبا على وضعهم النفسي وبالتالي قد تحطم طموحات عائلتهم في الاستفادة من وضعية مريحة لهن، فكم من اسرة وجدت صعوبة في إعادة ادماج أبنائها بعد العودة، هناك من أتوهم أطفالهم معتنقين للمسيحية وديانات أخرى وهناك من وجدوا صعوبة في التواصل مع أبنائهم حيث لم يلبثوا قليلا ثم عادوا من حيث اتوا وانقطع الاتصال بينهم مرة أخرى ... ان مسألة الهوية ليست بالأمر الهين، وقضية تهجير الأطفال قضية كبرى لم تناقش بجرأة كافية من جميع الأطراف باعتبار أن المنظمات الأجنبية الرابح الأكبر, حيث باسمهم تجمع التبرعات وجعلت منهم مصدر أرزاقها، بينما الأطراف الأخرى اهتمت بالقضايا السياسية وغيبت مصلحة الأطفال ومستقبلهم بالرغم من خطورة وضعهم على مستقبل الجميع..