الطالبي يجري مباحثات بالرباط مع رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا    المركزيات النقابية تشيد باتفاق الزيادة العامة في الأجور    هذا هو عدد رؤوس المواشي المعدة للذبح في المغرب خلال عيد الأضحى المقبل    بلينكن: التطبيع الإسرائيلي السعودي قرب يكتمل والرياض ربطاتو بوضع مسار واضح لإقامة دولة فلسطينية    أمن فاس يلقي القبض على قاتل تلميذة    عملية جراحية لبرقوق بعد تعرضه لاعتداء خطير قد ينهي مستقبله الكروي    شكاية جديدة.. الرجاء يشكو مدرب الجيش الملكي لدى لجنة الأخلاقيات    رسميا.. عادل رمزي مدربا جديدا للمنتخب الهولندي لأقل من 18 سنة    المحكمة تدين صاحب أغنية "شر كبي أتاي" بالسجن لهذه المدة    مجلس النواب يطلق الدورة الرابعة لجائزة الصحافة البرلمانية    برواية "قناع بلون السماء".. أسير فلسطيني يظفر بجائزة البوكر العربية 2024    لقاء مرتقب يجمع وزارة الصحة والنقابات    سجن الفقيه بن صالح يخلد ذكرى التأسيس    المديرية العامة للأمن الوطني تنظم ندوة حول "مكافحة الجرائم الماسة بالمجال الغابوي"    الإيسيسكو تحتضن ندوة ثقافية حول مكانة المرأة في الحضارة اليمنية    الحكومة ترجع الارتفاع الكبير لأسعار اللحوم الحمراء للجفاف وتتجه لاستيراد 600 ألف رأس من الماشية    الملك يهنئ بركة على "ثقة الاستقلاليين"    الشرطة الفرنسية تفض اعتصاما طلابيا مناصرا لفلسطين بجامعة "السوربون"    "التنسيق الميداني للتعليم" يؤجل احتجاجاته    بالفيديو.. "الديستي" تساعد إسبانيا في الإمساك بقارب يحمل طنين من الحشيش    غامبيا جددات دعمها الكامل للوحدة الترابية للمغرب وأكدات أهمية المبادرة الملكية الأطلسية    تحرير ما معدله 12 ألف محضر بشأن الجرائم الغابوية سنويا    هذا هو موعد مباراة المنتخب المغربي ونظيره الجزائري    الرئاسيات الأمريكية.. ترامب يواصل تصدر استطلاعات الرأي في مواجهة بايدن    يوسف يتنحى من رئاسة حكومة اسكتلندا    الدورة السادسة من "ربيعيات أصيلة".. مشغل فني بديع لصقل المواهب والاحتكاك بألمع رواد الريشة الثقافة والإعلام    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية        المكتب الوطني للسياحة يضع كرة القدم في قلب إستراتيجيته الترويجية لوجهة المغرب    الاتفاق رسميا على زيادة عامة في أجور العاملين بالقطاع العام بمبلغ 1000 درهم شهريا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    الفنان الجزائري عبد القادر السيكتور.. لهذا نحن "خاوة" والناظور تغير بشكل جذري    المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد    وزارة الفلاحة…الدورة ال 16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تكللت بنجاح كبير    رسمياً.. رئيس الحكومة الإسبانية يعلن عن قراره بعد توجيه اتهامات بالفساد لزوجته    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    إدارة السجن المحلي بوجدة تنفي ما نقل عن والدة سجين بخصوص وجود آثار ضرب وجرح على وجهه    فيلم أنوال…عمل سينمائي كبير نحو مصير مجهول !    رئيس ريال مدريد يهاتف مبابي عقب التتويج بالدوري الفرنسي    أسعار الذهب تتراجع اليوم الإثنين        غزة تسجل سقوط 34 قتيلا في يوم واحد    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الإثنين بأداء إيجابي    إليسا متهمة ب"الافتراء والكذب"    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    المنتخب المغربي يتأهل إلى نهائي البطولة العربية على حساب تونس    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    إدارة أولمبيك خريبكة تحتح على الحكام    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتورة أسماء خالد للاتحاد الاشتراكي:هكذا أجريت أول عملية خارقة في التاريخ بالتنويم المغناطيسي
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 14 - 02 - 2015

استطاعت الدكتورة أسماء خالد أن تتخطى كل الصعاب من أجل تكريس اسمها في عالم الطب، وذلك بالاجتهاد والمثابرة، حيث حرصت بعد أن حصلت على شهادة الدكتوراه في الطب العام، وفي طب الكوارث والطوارئ، أن تسافر إلى السنغال، وهناك تخصصت في طب التخدير والانعاش بالموازاة مع ذلك ولجت عالما استهواها منذ كانت في المغرب، وهو عالم كما تراه مليئا بالغموض، واستطاعت في ظرف وجيز أن تفك طلاسمه. في عاصمة الأنوار سطع نجمها ليضيء سماء العالم كله، وتتهافت عليها كبريات الجرائد من أوروبا وأمريكا وغيرها، حيث تمكنت لأول مرة في تاريخ الطب أن تجري عملية جراحية معقدة لمغنية غينية شهيرة بواسطة التنويم المنغاطيسي بدل التنويم الاعتيادي عبر التخذير العام. الدكتورة أسماء خالد نجلة العالم الجليل الحاج محمد خالد رئىس المجلس العلمي الحالي بسطات القادم من مدينة أبي جعد، حصلت على 8 دبلومات من أوروبا، وهي اليوم نجمة متلئلئة في سماء الطب، فخورة بانتمائها للمغرب، وتعتبر نفسها سفيرة لبلدها الأم.
الحديث مع الدكتورة أسماء خالد، حديث شيق تحس وأنت تحاورها أنك فعلا تعرضت للتنويم المغناطيسي كما جرى مع الطاقم الطبي الذي سقط في شراكها وهو يتابع هذه العملية الجراحية التي أدخلتها عالم الشهرة من باب اجتهاد الواسع.
{ يقال كل فتاة بأبيها معجبة. ترى لماذا غيرت مسارك، ولم تتبعي خطوات والدك العالم الجليل الحاج امحمد خالد، رئيس المجلس العلمي بسطات. لماذا هذا التحول؟
لا أسميه شخصياً بتحول، فتكوين الوالد والوالدة تكوين أدبي. وقد نشأت في بيئة إن جاز التعبير شعرية، بحكم تكوين الوالدين. ومن الأشياء التي كانت مهمة في مساري الحياتي والتعليمي ارتباط بالتراث العربي الحضاري بشكل كبير، وأنا صغيرة في السن، كنت أنظم أبياتاً شعرية، وكان الوالد يتوقع أن أكون شاعرة أو أديبة بشكل تبعي له، أو من خلال اهتمامي بهذا الجانب. لكن في نفس الوقت، كان حلمي أن أكون طبيبة. وبهذا المنطق أرى أنه لم يكن هناك تحول، بل هو مسار يمكن أن يكون مختلفاً، لكنه عادي، وليس فيه أي طابع تمييزي.
{ لتقريب القارىء المغربي أكثر من المسار الحياتي للدكتورة أسماء خالد؟
ازددت بمدينة سطات، ودرست المستوى الابتدائي بمدينة خريبكة، ثم بمدينة سطات، بعد ذلك تابعت دراستي الجامعية بمدينة الدار البيضاء التي تخرجت من جامعتها جامعة الحسن الثاني، بالضبط كلية الطب والصيدلة، بعد ذلك، سافرت إلى السينغال.
{ أنت خريجة كلية الطب والصيدلة بالدار البيضاء، لكن حصلت على تكوين جامعي في طب الكوارث والمستعجلات. لماذا هذا الاختيار؟
لأن اهتمامي الخاص، وبالإنعاش بشكل عام، في مجال المستعجلات، ومن خلال هذا التكوين التي قمت به في مجال طب الكوارث والمستعجلات، اتخذت القرار لكي أتخصص في طب الإنعاش والتخدير.
{ ومن ثمة سافرت إلى السينغال؟
لماذاً.
{ بعد هذا المسار العلمي، غيرت مسارك، من خلال التخصص في التنويم الإيحائي أو التنويم المغناطيسي. لماذا هذا التحول؟
هذا المجال مرتبط بعلم النفس، وكان دائماً يثير اهتمامي، وهو مجال كان يبدو لي مليئا بالغموض والإثارة، واهتمامي بهذا المجال، كان على خلفية الاطلاع على خباياه. فعندما كنت في الدار البيضاء، جاء هذا الموضوع صدفة، حيث تعرفت على العالم المغربي أبو بكر حركات، الذي فسَّر لي في البداية هذا المجال، وقدم لي اللبنات الأساسية للتنويم المغناطيسي. ومن ثمة، ازداد شغفي بالموضوع، وكل اكتشاف في هذا المجال يزيدني شغفاً أكثر، زيادة على الانبهار الذي شدني جداً. وكنت أتساءل: ماذا يمكن أن يساهم التنويم الإيحائي في المجال الطبي، وكنت قبل ذلك قد أدركت أن التعامل مع المريض، يتطلب إلى جانب التشخيص، الحديث بشكل خاص معه، على اعتبار وقع الكلمة عليه، حيث يغير المسار العلاجي لأي شخص. المهم في هذا هو الطريقة التي يتم بها الحديث. بعد الدراسة في مجال التنويم الإيحابي الذي قمت به في المغرب، تكونت لدي تراكمات أساسية، وأعتبر، كما سبق أن صرحت ذلك للصحافة، أن تكويني في هذا المجال، تكوين مغربي محض، ولا يدخل في إطار التكوين الجامعي الطبي. وللأسف، لا يدخل في هذا الإطار، سواء في المغرب أو غيره. رغم أنه علم قائم بذاته. وقد ساعدني هذا التكوين من التعامل الجيد مع مرضاي. وقد وجدت نفسي أمام مسار آخر جديد، مما حدا بي للبحث والتكوين في التنويم الإيحابي بأوربا، الذي لا يبقى الهدف الأساسي بالنسبة إليّ في ميدان تخصصي، بل هو وسيلة فقط، يمكن أن أطبقها على المريض الذي يقبل بذلك وممكن مفيدة له، كما يمكن لي أن أقترح هذا الأمر، بالنسبة للأشخاص الذين لهم شخصية حساسة. بالمقابل، إن كان التخدير بالنسبة له سيكون له مضاعفات، خاصة وأن علم التخدير والإنعاش بشكل عام ككل، لا يمكن أن نتحدث عن الصفر كنسبة للخطر. وعلم التنويم الإيحابي هو وسيلة يتم تطبيقها مقابل التخدير، وتمكنا من تجاوز الخطر الذي يمكن أن يكون وراء ذلك.
{ كيف تمت إجراء عملية جراحية بالتنويم المغناطيسي للمغنية الغينية، هل كانت أول عملية بالنسبة لك بهذه الطريقة؟
بالعكس، أول عملية قمت بها كانت في المغرب، لكن لم تكن مقترنة بالجراحة، حيث كنت مشاركة في قافلة طبية. إذ كنت أقوم بالفحوصات في إطار الطب العام، وكان من ضمن المرضى بشرق المغرب، هناك مريضة تعاني من خرس مفاجىء، نتيجة صدمة نفسية قوية، حيث أجريت لها حصة بالتنويم الإيحائي، حيث تفاعلت معي من خلال إيماءة تقول فيها شكراً لي، لكنني خاطبتها بأنني أريد أن أسمع شكراً على لسانها. وكان هذا حافز لي لكي أغوص في هذا البحر. كما قمت بتحليل مريضة بصحبة زملاء أخصائيين في علم النفس، وعلمت مدى تأثير ذلك على نفسية المريض، وبقيت الحالة التي تفاعلت معها في الذاكرة، كما شكلت حافزاً قوياً للاستمرار في البحث في هذا المجال.
{ بالنسبة للحالة المغربية التي استطعت أن تعالجينها عن طريق التنويم الإيحائي، ألم يثر ذلك اهتمام زملاءك والمسؤولين في المغرب والبحث في هذا المجال أكثر؟
لا يمكن أن أعاتب أي أحد. بالنسبة للحالة التي تحدثت عنها، لا يمكن اعتبارها قاعدة. هذا لا يعني أنني غير فخورة بذلك. إذ اعتبرت نفسي قد قمت بشيء خفف المعاناة عن شخص معين ولو عرضت هذه المريضة على أطباء اختصاصيين في علم النفس، لكان ممكن جذا أن تعالج.
{ لكن أنت تعلمين أن إقبال المغاربة على اختصاصيين في علم النفس مسألة تكاد تشكل عيباً لاعتبارات عديدة؟ وقليلون هم من يؤمنون بذلك؟
للأسف الشديد، لكن هذا يفتح المجال للإقبال على الخرافات. هذا واقع في المغرب، ويسيل المداد كثيراً ولا يمكن الوصول إلى حلول على الأقل في الوقت الراهن.
{ لنأتي الآن إلى الحالة التي شدت الإعلام العالمي وخلقت ضجة بحكم أنها شكلت سابقة في العالم من نوعها، بعدما تمكنت من استعمال التنويم الإيحائي بدل التخدير للمغنية الغينية »ألاماكونتي«، التي أجريت لها عملية جراحية لاستئصال ورم خبيث. تحدثي لنا عن هذه السابقة، وكيف جاءت الفكرة؟
هذه العملية اقترحت علي من طرف الطبيب الجراح الذي كان مشرفاً على المغنية الغينية »مدام ألاماكونتي« في المستشفى الجامعي الذي أشتغل فيه، منذ بضع سنوات، وقبل ذلك، كان هناك مرضى قد استفادوا من هذه الطريقة، حيث أشتغل في الجناح المخصص لجراحة القلب والأوعية والشرايين. وقد قمنا بهذا المستشفى بعمليات أكثر تعقيداً من العملية التي خضعت لها السيدة »ألاماكونتي«، والأمر يتعلق بتغيير شرايين الأبهر، وهناك عمليات أخرى خاصة بالغدة الدرقية وما يحيط بها. وقد قمت بالعديد من العمليات قبل ذلك. كما أجريت العمليات لمغنين محترفين أو هواة. وقد لاحظ الطبيب الجراح ذلك، واقترح علي عوض تخدير »مدام ألاماكونتي«، إجراء التنويم الإيحائي لها، من منطلق أنه لاحظ أنها تعاني من ورم خبيث يتواجد بالقرب من الغدة الدرقية، خاصة أنه بالقرب من الأعصاب المسؤولة عن الصوت. والمشكل الآخر أن هذه المغنية كانت خائفة من أن تفقد صوتها، على اعتبار أن العملية معقدة. ولكونها مغنية محترفة يهمها الحفاظ على صوتها. وفي إطار هذه العملية، اكتشفت واطلعت على مقامات الأصوات. إذ كان صوتها قوياً. إذا تغير ولو بشكل جزئي عن طريق العملية الجراحية، سيكون له تأثير وانعكاس سلبي على صوتها. لها صوت »كورالي«.
البروفيسور اقترح عليّ الموضوع بعد دراسة الملف، أصبحت ملزمة بالحفاظ على صوتها، كما كان قبل إجراء العملية، خاصة وأن العمليات الجراحية حول الغدة الدرقية، لابد من أن يكون التنويم عاماً. وبما أن العملية تكون في العروق، نكون مضطرين لوضع أنبوب في القنوات الخاصة بالتنفس، ويمكن للأحبال الصوتية أن تتأثر بذلك، هذه النقطة لوحدها جعلتني ألا أغامر، حفاظاً على صوتها. كما أن الورم الذي كانت تعاني منه كبير جداً. كما كنت مضطرة لكي أسمع صوتها حتى أتبين هل هناك تغيير أم لا. أثناء العملية الجراحية، وفعلا هذه المسألة جد مهمة. وفعلاً وهي تغني أثناء العملية، ذهب صوتها، وقد أصبنا بتوتر شديد لمدة 3 دقائق أو أربعة تقريباً داخل قاعة العمليات.
في هذه اللحظات القصيرة جداً، تولد مسار آخر جديد. في هذه اللحظة التي »ذهب صوتها«، كانت تعيش إيحائياً ولادة ابنها البكر، وكانت كصورة لديها وهي تحت تأثير التنويم المغناطيسي أن تغني لكي تهدي طفلها أغنيتها الأولى. في لحظة معينة، استرجعت صوتها وأثناء ذلك، تمكن البروفيسور من تحديد الأماكن التي يجب أن يستأصل فيها الورم. ومعلوم أن الفحوصات التي أجريت للمريضة لم تتمكن من تمييز بدقة الحدود الفاصلة ما بين الورم والأعصاب والغدة الدرقية في حد ذاتها، بالإضافة إلى أن الرؤية بالعين المجردة، لا تمكن التمييز بين هذه الحدود، وبالتالي كان على البروفيسور إزالة الورم في النطاق الذي لا يمكن له أن يصيب صوتها بضرر. وقد أرسلنا الورم الذي أزلناه إلى الفحص المجهري حتى نتأكد من أن استئصال الورم كان في حدود الورم نفسه.
{ بعد نجاح هذه العملية، وحفاظ المغنية الغينية على صوتها، كما كان قبل العملية. كيف كان إحساسك وإحساس الطاقم الطبي بذلك؟
يمكن أن أضعك في صورة الأحاسيس أثناء العملية الجراحية. هنا بالإضافة إلى البروفيسور الجراح .... كان هناك أيضاً رئيس قسم البروفيسور... وهما معاً كانا في حالة توتر، رغم أنهما كانا مؤمنين بأن التنويم المغناطيسي سيكون ناجحاً، لكن التوتر كان بسبب ما إذا كانت الأعصاب المرتبطة بالصوت ستقاس أم لا. ورئيس القسم الذي أشتغل فيه أكد لي من بعد أن توتره راجع لكونه كان في حالة انبهار، وأنه عاش أوقاتاً تعتبر خيالا واقعاً، وفي نفس الوقت، كما قال، لم يعرف ماذا كان يحدث، قبل أن يخاطبني... وتعجب للمريضة كيف كانت تغني بإيحاء مني وهي تجرى لها عملية جراحية بدون تخدير. والعملية استغرقت ثلاث ساعات عوض ساعة التي من المفروض أن تجرى فيها بشكل عادي عن طريق التخدير العام.
{ كيف استطعت أن تنومي مريضتك مغناطيسياً؟ وما هو السيناريو إن صح التعبير الذي اقترحته لتنفذه وتتفاعل معه المغنية الغينية؟
قبل إجراء العملية، خضعت لحصة معي، حيث كشفت لها أنها لن تخضع للتخدير، وأن الطبيب الجراح وأنا نقترح أن تجرى لها العملية عن طريق التنويم المغناطيسي، لاعتبارات شرحتها بالتدقيق. وطبعاً يبقى لها الحق أولا وأخيراً في قبول هذا الاقتراح أو رفضه، ونظراً لأنها كانت خائفة من أن يصاب صوتها بأذى، قبلت الاقتراح، رغم أنها علمت أن المضاعفات يمكن أن تكون ولو كانت في هذا المجال ضئيلة جداً، مما نضطر معه من تغيير التنويم المغناطيسي إلى تنويم كلاسيكي عبر التخدير.
{ كم استغرق الوقت من أجل الاطلاع على معطيات خاصة بمريضتك لاستعمالها في التنويم المغناطيسي؟
هذا الأمر تم يوماً قبل إجراء العملية، وكان مطولا، مقارنة مع حالات أخرى، حيث استغرق 45 دقيقة مقابل 20 دقيقة إلى نصف ساعة في الحالات العادية. وقد تمكنت في هذه الجلسة من أخذ مجموعة من المعلومات الخاصة بها، كما قمت ببحث خاص، على اعتبار أنها مغنية محترفة وشهيرة في ميدانها عن طريق الأنترنيت، و اطلعت على نبذة من حياتها أكثر، قبل اللقاء بها في الفحص ما قبل التخديري، وأسرت إليّ أنها تريد الغناء في حفل كبير بعد إزالة الورم، واقترحت بلداً افريقيا دون ذكر الإسم، وسمحت لنفسي استثناء لكي أقترح عليها السينغال، وهو بلد تعرفه جيداً، وعادة في التنويم الإيحائي. المريض هو الذي يقترح كل شيء.
{ لماذا اقتراح السينغال وليس بلداً آخر؟
اقتراح بلد السينغال بحكم العلاقة الخاصة لديّ بهذا البلد الذي درست به. ولكي أكمل حديثي، فإن مدام »لاكونتي« اقترحت عليّ أنها تريد أن تعيش الولادة الأولى لابنها البكر، التي كانت عبر عملية قيصرية. وقد حاولت تفادي هذه العملية القيصرية. ورغم أن الولادة تمت عبر عملية قيصرية وهي خاضعة للتنويم المغناطيسي. فقد مرت في ظروف جد مريحة ومتميزة.
{ بمعنى أن »مدام لاكونتي« وهي تخضع لعملية جراحية، سافرت بها إلى السينغال، وأجريت لها عملية قيصرية؟
نعم، سافرت إلى السينغال. وهناك غنت في مسرح سوبرانو بدكار وهي تغني أحست بوجع المخاض، وبما أننا كنا في إطار التنويم الإيحائي، كل شيء يمر بسرعة البرق، عادت إلى فرنسا، ووجدت نفسها في مستشفى التوليد، وفي الفترة التي كانت تلد فيها، هي الفترة التي كان فيها البروفيسور »دي غونج« يستأصل فيها الورم. وفي الوقت الذي كنت أقوم بعملي، كان الطاقم الطبي يتابع ما أقوله، ويتخيلون مع الصورة كاملة والأحداث معاً. وفي لحظة معينة، حينما كنت أشرف على التوليد، خاطبت مريضتي لكي ترى شعر الإبن، وخاطبني البروفيسور »دي غونج«، نعم أرى الشعر. لكني البروفيسور »دوتور« قال ماذا يحدث، الكل يتحدث على نفس الشيء.
{ بالنسبة للتنويم المغناطيسي، هل المريض يحس بآلام أم لا، رغم أنه لم يخضع للتخدير الكلي، أعني التخدير أو التنويم الكلاسيكي؟
لا يحس المريض بالألم، فمثلا حينما كنت أضع »السيروم« في يدها.كانت آنذاك إيحائيا في السينغال، والألم المفروض أن تحس به لم يكن كذلك، بل كأنها تعرضت للسعة ناموس، التي تتواجد بالسينغال، وبالنسبة لعنقها الذي أجريت فيه العملية الجراحية كأن الأمر يتعلق بخدش بسيط ناتج عن وضعها لقلادة في عنقها، وأفهمتها ذلك من قبل، على أن هذه القلادة تضعها من أجل الاحتفال بالطقوس الافريقية، لذلك سيكون خشنا، و يكون الإحساس بالألم هنا مختلفا، زيادة على أن المريض وهو خاضع للتنويم الايحائي، يكون »مجمدا« لا يتحرك أبدا، وهي من فضائل هذا التنويم الذي يجعل المريض لا يتحرك البثة، مما يساعد على إجراء العملية الجراحية، وينفصل كليا عن جسده.
{ هل قمت بعمليات أخرى بعد هذه العملية التي أثارت انتباه المختصين والاعلام العالمي.
طبعا قمت بذلك
{ إلى أي حد استطاع هذا الإنجاز الذي حققتيه في المجال الطبي أن يستقطب زملاء اخرين للإقبال على استعمال التنويم المغناطيسي بدل التخدير؟
نلاحظ في السنوات الأخيرة هناك اهتمام بهذا الموضوع رغم أنه علم قديم وله قرون وأكثر من 50 سنة يستعمل في ميادين متعددة.
{ هل علميا وطبيا معترف به؟
بالفعل لفترة طويلة لم يكن معترف به، لكن حينما أجريت العديد من البحوث والدراسات واستعمال الرنين المغناطيسي من خلال تجارب معينة تمت على أشخاص الذين خضعوا للتنويم المغناطيسي، وتم وضع أشياء حارقة على جسده، والبحث ماذا يجري على مستوى الدماغ، حيث تبين بشكل انبهاري أن الباحات المتواجدة في الدماغ تتعطل عن وظيفتها. والتنويم المغناطيسي يشوش على الوظيفة الدماغية المسؤولة عن الألم، كما هناك دراسات جد مهمة التي تمت في السنوات الأخيرة للبرفسور »اليزابيت فايموفيل« أستاذه علم التخدير والانعاش في بلجيكا« ومنذ 30 سنة، وهي تقوم بالبحث ومختصة في التنويم الايحائي، حيث قامت بعدة عمليات عن الغدة الدرقية بشكل مغاير، وأكدت على التأثير المعقلن للتنويم الإيحائي ووظيفته في عدم الاحساس بالألم .
{ في نظرك، هذا النجاح الخاص بهذه العملية، هل يمكن أن يكون التنويم الايحابي بديلا عن التخدير في المستقبل؟
أبدا، لن يكون مطلقا بديلا للتخذير لأنه مجرد وسيلة من بين الوسائل المستعملة في علم التخدير والإنعاش ويمكننا أن نقوم بعملية جراحية بالتنويم المغناطيسي فقط بدون اضافة أي مادة مخدرة، فمثلا ليس كل تغير لصمامات القلب يمكن أن تجري بالتنويم المغناطيسي، بل تقوم بذلك بالنسبة لتغيير الصمام إما عبر العنق أو تحت عظم الترقوة أو عبر الفخد، ويمكن أن يكون متعلقا بعملية جراحية تتطلب اخراج الدم كله للمريض لا يمكن ذلك.
{ ماذا يمكن أن يربحه العلم في مجال الطب من التنويم المغناطيسي مستقبلا؟
ما يمكن أن نربحه في السنوات المقبلة، وهذا ما اشتغل عليه كمسؤولة عن التنويم الايحائي في قاعة العمليات ومصلحة الانعاش في المستشفى الجامعي الذي اشتغل فيه... هو تحديد الحالات التي يمكن أن توظف فيها العلاج بالتنويم الايحائي كبديل للتخدير، ولكن هذا لا يعني أننا سنغيب التخدير مطلقا بحكم الخطورة التي تتصف بها بعض الحالات، لكن يمكن أن يستعمل التنويم المغناطيسي من قبل لتهييئ المريض فقط لتقبل التنويم العام عبر التخدير، الخلاصة حينما نكون ممارسين لهذا التنويم الايحائي، فإن طريقة استقبال المريض تكون مختلفة تماما عن التي يقوم بها شخص لم يحظ بهذا التكوين.
إذ هناك كلمات مسموح باستعمالها، وهناك كلمات تعتبر منبوذة تماما، لأن المريض مهما كانت نوعيته وتكوينه الاجتماعي والثقافي وكل مكوناته النفسية، فإن لديه هواجس حينما يدخل إلى قاعة العمليات ولو كانت لديه تجارب قبلية، وبالتالي يكون محتاجا إلى اهتمام خاص وكلام ولو كان بسيطان لكنه »مريح..« وإذا كانت الظروف الجراحية تمكن من استعمال التنويم المغناطيسي فله ذلك، وإن لم يكن فلا مناص من التخدير وإذا كان المريض مثلا لظروف أوأخرى لا يمكن تمكينه من التنويم الايحائي، يمكن أن ندخله في حالة من التنويم الايحائي ومباشرة تدخله في التنويم الاعتيادي عبر التخدير، وبعد ايقاظه نعيده إلى التنويم الايحائي، حتى تمر العملية الجراحية في ظروف سلسة وميسرة نفسيا، لأن فترة النقاهة بالنسبة للمريض تكون متأثرة بالأجواء التي مر منها ما قبل إجراء العملية وما بعدها، فحينما تتم العملية في ظروف انسانية يخفف فيها الوطء النفسي على المريض، وتكون فترة النقاهة قصيرة ونتيجتها أحسن، وهناك دراسات تؤكد ذلك حتى أن استعمال الأدوية ما بعد هذه الجراحة تكون أقل من % 40 مقارنة مع الاشخاص الاخرين، و هنا أتحدث عن الأدوية المخففة للالام
{ من خلال هذه التجارب الناجحة التي استعمل فيها التنويم الإيحائي بديلا عن التخدير. هل يمكن غدا للاطباء النفسانيين والمتخصصين في التنويم المغناطيسي مثل الدكتور أبو بكر حركات مثلا يتولون هذه العملية، بمعنى آخر أن يكونوا ضمن طواقم الاطباء الجراحين؟
لا أظن أن تكون الفكرة صائبة، فحينما نكون أثناء إجراء العملية الجراحية، من بين الوظائف الأخرى التي نتولاها، هو المراقبة بالنسبة للمريض، لكن في إطار التنويم المغناطيسي نستنبط افكارا انطلاقا مما يحدث في قاعة العمليات، وهنا أتحدث عن تجربتي الخاصة، فمثلا حينما تكون العملية تتم بالتنويم الايحائي، عادة ما يكون الجو هادئا بقاعة العمليات، ونفترض أن شخصا ما دخل القاعة وتحدث بصوت عال يمكن أن يوقظ المريض داخل العملية، إلى غير ذلك من الأشياء المفاجئة التي تفرض التخصص في التخدير والانعاش أيضا. فقد سبق أن حضرت محاضرة علمية بفرنسا.
أطرها طبيب نفسي شهير، ومتخصص في التنويم الايحائي، حيث طرح عليه نفس السؤال، و أكد أن هذا الاقتراح غير صائب، كما أن المسؤولية الطبية معقدة وفيها تفصيلات عديدة، ويمكن للطبيب النفسي أن يقوم بالتنويم الايحائي خارج إطار الجراحة، وهناك أناس كثيرون يشاركونني نفس الرأي، أي أن يكون استعمال التنويم الايحائي مرتبطا بعلم التخدير والانعاش، تفاديا للهفوات التي يمكن أن يسقط فيها عالم النفس دون قصد... وأنا اتحدث معك الآن، استحضرت حكاية عشتها في الايام القليلة الماضية.
هذا ما كنت سأسألك عنه، علمت أنك أجريت عملية بالتنويم الايحائي لمريض كان يعاني من مشاكل في أحد صمامات القلب؟
العملية التي أجريتها على المغنية الغينية السيدة »ألا ماكونتي« اعتبرت الأولى من نوعها عالميا، لشيئين اثنين، الأول لأن صوت المريضة استعمل كوسيلة مراقبة، وهو الذي مكن بدقة من تحديد الحد الفاصل بين الورم وبين الأعصاب المسؤولة عن الصوت، والشيء الثاني أنها في لحظة وضعها وهي منومة مغناطيسيا كانت تغني، وبالنسبة لتغيير صمامات الأبهر، قمت باقتراح الأمر على رئيس القسم، على اعتبارها أنها ستكون الأولى من نوعها في العالم، واقترحتها أيضا على الطاقم الطبي المتخصص في أمراض القلب برئاسة البروفيسور »ديجير دو كرانج».
وحمدا لله نجحت العملية، وبعدها أجريت 11 عملية أخرى كللت بالنجاح.
{ بعد هذا النجاح والشهرة العالمية، هل تلقيت دعوة ما من المغرب؟
حصلت على دعوة من الدكتور جمال الكوهن الذي يمثل الجمعية المغاربية لطب الانعاش والتخدير، والجمعية المغربية للتنويم الايحائي السريري في إطار اليوم المغربي الأول لعلم التنويم الإيحائي.
وهذه مسألة أعتبرها مصدر فخر في المغرب وإفريقيا وهو لقاء جد مهم سيضم اختصاصيين من أوروبا وغيرها ومن المغرب، وسيكون لي الشرف ان أمثل المرأة المغربية في هذا الإطار.
انت لك علاقة وطيدة بالمغرب ودائما يشدك الحنين، بعد هذا النجاح الكبير، كيف تفكرين في خدمة بلدك في هذا المجال؟
بفضل هذه الانجازات، تعتبر إضافة للمغرب وتكريم له رغم انني غير موجودة جسديا في بلدي المغرب، لكنه حاضر دائما في قلبي وعقلي ووجداني، وأمثل المغرب من خلال ما أقوم به.. وبالنسبة للاساتذة الجامعيين الذين اشتغل معهم، يعتبرونني سفيرة للمغرب. وهذه المسألة بالنسبة لي مصدر غبطة.
وأنا دائما مقتنعة من خلال العمل الذي أمارسه أن أكون امتدادا لبلدي وهذا ما يحفزني على مواصلة المشاركة في العديد من القوافل الطبية في المغرب.
في إطار الحديث عن المغرب، هل مازالت الدكتورة أسماء خالد مستحضرة الذكريات الخاصة بالطفولة وغيرها هنا في بلدك الأم؟
علاقتي بالمغرب ككل علاقات المهاجرين بالبلد الأم.
فحينما نكون في المهجر تكون لنا رؤية خاصة للمغرب، و حنين جارف، وفي هذا الاطار أبقى امرأة مغربية ومواطنة مغربية وطبيبة مغربية، ذات تكوين مغربي وافريقي محض، وهذا له دالات جد مهمة وعميقة.
، وأتتبع ما يجري فيه
على الساحة الثقافية والسياسية والمجتمعية.. هذه الاخيرة التي تهمني بشكل كبير، لاني أثق في الانسان وفي قيمته و الانسان المغربي انسان متميز، له تكوين خاص نتيجة حضارات متراكمة ومتلاحقة، بعيدا عن أية رؤية شوفينية وتعصبية
{ وبالنسبة للفن، ماذا تسمعين وتستمتعين؟
أعشق الطرب الاصيل والكلمة الهادفة، وكل الموسيقي هي وسيلة التي تترجم هذه الرغبة والحاجة الروحية الطبيعية التي لدينا جميعا حيث تدخل في التنويم الايحائي التلقائي.
فحينما نختار نمطا دون غيره، فإننا نبحث عن هذا التنويم الايحائي بشكل تلقائي.
أنت من مواليد مدينة سطات عاصمة الشاوية، ووالدك من مدينة أبي الجعد اشنو توحشتي في سطات، وفي أبي الجعد؟
سطات مسقط الرأس، توحشت فيها ذكريات الطفولة وأنت تطرح علي السؤال، أتذكر أزقة وشوارع سطات، اتذكر مدرسة بئر أنزران التي درست بها في التعليم الابتدائي، اتذكر المعلمين الذي درسوني، وأتذكرأسماءهم وسحنات وجوههم جميعا، وبالنسبة لمدينة أبي الجعد، هي مدينة تاريخية عتيقة، ذات دلالات ومتجذرة في الموروث الحضاري والديني، زقاقاتها لها رائحة خاصة، وكأن زقاقاتها تنفث بعبق التاريخ وفي داخل »سيدي بوعبيد الشرقي«.
وماذا عن »سيد لغليمي«
طبعا حاضر بقوة، وهو معلمة مدينتي سطات ومطلعة بشكل جيد على تاريخه.
مقاطعا سيد لغليمي جبتك فاجي ضيمي
ترد ضاحكة.. شكرا لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» على هذا الإهتمام الكبير، بارك الله فيك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.