بلاغ هام من وزارة الداخلية بخصوص الشباب المدعوين للخدمة العسكرية    ماذا قال أمين عدلي بعد فوز ليفركوزن على روما؟    هل ما يزال مكيافيلي ملهما بالنسبة للسياسيين؟    رسالة هامة من وليد الركراكي ل"أسود" الدوريات الخليجية    للمرة الأولى منذ 2009.. "تواصل" الإسلامي في موريتانيا يتقدم للانتخابات الرئاسية    كتل ضبابية وحرارة مرتفعة ورياح قوية في طقس يوم الجمعة    مناهل العتيبي: ما تفاصيل الحكم على الناشطة الحقوقية السعودية بالسجن 11 عاماً؟    إقليم الصويرة: تسليط الضوء على التدابير الهادفة لضمان تنمية مستدامة لسلسلة شجر الأركان    مجلس جماعة أولاد بوبكر يصادق بالإجماع على نقاط دورة ماي وغياب الأطر الطبية أبرز النقاط المثارة    عقب قرارات لجنة الأندية بالاتحاد الإفريقي.. "نهضة بركان" إلى نهائي الكونفدرالية الإفريقية    مهرجان أيت عتاب يروج للثقافة المحلية    الإبقاء على مستشار وزير العدل السابق رهن الاعتقال بعد نقله إلى محكمة تطوان بسبب فضيحة "الوظيفة مقابل المال"    تطوان: إحالة "أبو المهالك" عل سجن الصومال    الكعبي يتألق في أولمبياكوس اليوناني    رسميا.. اكتمال مجموعة المنتخب المغربي في أولمبياد باريس 2024    بوريطة يتباحث ببانجول مع نظيره المالي    كأس العرش لكرة القدم.. الجيش الملكي يبلغ ثمن النهائي بفوزه على نهضة بركان بالضربات الترجيحية 8-7    عمور.. مونديال 2030: وزارة السياحة معبأة من أجل استضافة الفرق والجمهور في أحسن الظروف    تفكيك مخيّم يثير حسرة طلبة أمريكيين    الملك يعزي بن زايد في وفاة طحنون آل نهيان    وفاة المحامي والحقوقي عبد العزيز النويضي اثر سكتة قلبية    العقائد النصرانية    تنفيذ قانون المالية يظهر فائضا في الميزانية بلغ 16,8 مليار درهم    الأمثال العامية بتطوان... (588)    قرار بعدم اختصاص محكمة جرائم الأموال في قضية اليملاحي وإرجاع المسطرة لمحكمة تطوان    أمطار طوفانية تغرق الإمارات وتتسبب في إغلاق مدارس ومقار عمل    مركز دراسات.. لهذا ترغب واشنطن في انتصار مغربي سريع في حال وقوع حرب مع الجزائر    أوروبا تصدم المغرب مرة أخرى بسبب خضر غير صالحة للاستهلاك    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة    ارتفاع حصيلة القتلى في غزة.. واعتقالات في الضفة الغربية    فوضى «الفراشة» بالفنيدق تتحول إلى محاولة قتل    مجلس النواب يعقد الأربعاء المقبل جلسة عمومية لمناقشة الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة    ها التعيينات الجديدة فمناصب عليا لي دازت اليوم فمجلس الحكومة    بايتاس رد على لشكر والبي جي دي: الاتفاق مع النقابات ماشي مقايضة وحنا أسسنا لمنطق جديد فالحوار الاجتماعي    أزمة طلبة الطب وصلت ل4 شهور من الاحتقان..لجنة الطلبة فتهديد جديد للحكومة بسنة بيضاء: مضطرين نديرو مقاطعة شاملة    المخزون المائي بسدود الشمال يناهز مليار و100 مليون متر مكعب    باحثون يكتشفون آليات تحسّن فهم تشكّل الجنين البشري في أولى مراحله    بذور مقاومة للجفاف تزرع الأمل في المغرب رغم انتشارها المحدود    النفط يتراجع لليوم الرابع عالمياً        رسميا.. جامعة الكرة تتوصل بقرار "الكاف" النهائي بشأن تأهل نهضة بركان    مؤسسة المبادرة الخاصة تحتفي بمهرجانها الثقافي السادس عشر    البرلمان يستعرض تدبير غنى الحضارة المغربية بالمنتدى العالمي لحوار الثقافات    إلقاء القبض على إعلامية مشهورة وإيداعها السجن    آبل تعتزم إجراء تكامل بين تطبيقي التقويم و التذكيرات    تسرب الوقود من سفينة بميناء سبتة كاد يتسبب في كارثة بيئية    الطيب حمضي ل"رسالة24″: ليست هناك أي علاقة سببية بين لقاح أسترازينيكا والأعراض الجانبية    مسؤولة في يونيسكو تشيد بزليج المغرب    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" يعلن عن أسماء الفائزات والفائزين بجائزة "الشاعر محمد الجيدي" الإقليمية في الشعر    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الرئيس الكولومبي يعلن قطع العلاقات مع إسرائيل    "دراسة": زيادة لياقة القلب تقلل خطر الوفاة بنحو 20 في المائة    عبد الجبّار السحيمي في كل الأيام!    العربية للطيران ترفع عدد رحلاتها بين أكادير والرباط    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    دراسة: مجموع السجائر المستهلكة "يلتزم بالثبات" في إنجلترا    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الأمثال العامية بتطوان... (586)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العاملات الزراعيات المهاجرات... من حلم الثروة إلى كابوس الضياع
وحدات التلفيف بمنطقة اشتوكة ايت باها
نشر في الصحراء المغربية يوم 31 - 12 - 2010

نحيفات سرق منهن الزمن أنوثتهن وقوامهن الممشوق، كلفن بزراعة المواد الكيماوية قبل زرع بذور الفصوليا، يسكن بخميس أيت عميرة، تحت أكواخ من قش وطين وسقوف من خرق بلاستيكية...
واقع مرير يصرخ بحقائق أشد مرارة، أسرار وحياة مدن الملح ومدن الهجرة من الداخل، التي أنتجت مراكز وجماعات دون هوية، وما يرتبط بها من قيم خاصة، وحياة تفرز تناقضات وأوضاعا تبعث القلق وتستفحل سنة بعد أخرى.
أزيد من مائة ألف عامل وعاملة يشتغلون بشكل مباشر أو غير مباشر بقطاع الفلاحة بمنطقة اشتوكة أيت باها، تشكل النساء والديمغرافية الشابة القاعدة الأساسية لهذه الشريحة المهنية، التي تلامس الثمانين في المائة منها..
معاناة يصعب رصدها بالكلمات بطلاتها عاملات زراعيات باشتوكة أيت باها
"جينا نصوروا طرف الخبز"
زينب (ع)، شابة في مقتبل العمر، نحيفة ذات لون يميل إلى الحمرة الداكنة، تذكر جيدا ذلك اليوم، الذي امتطت، هي ووالدها، الحافلة في اتجاه نواحي أكادير، تقول "لم يسبق لي أن غادرت جمعة اسحيم، كنت أظن أن كل العالم لا يتجاوز هذه المنطقة إلا قليلا، في ذلك الصباح استيقظنا مبكرا.. والدتي يغالبها النعاس.. لم تنم هي أيضا تلك الليلة من شدة القلق علي، فاضت عيناها بالدموع وهي تودعني.
كنا خمسة إخوة أنا بكرتهم، لا يملك أبي غير "كروسة" يبيع عليها الخضر كل أسبوع من سوق الجمعة، لا نملك لا أرضا ولا ماشية، كان أبي يردد دائما أن القهر وقلة اليد تقتل، لما ركبنا الحافلة وبدأت تقطع بنا المسافات ترامت إلى عيني صورة لن أنساها ما حييت، صورة أمي وهي تلوح لي بيديها وكأنها في قرارة نفسها تودعني الوداع الأخير".
تتوقف زينب عن الحكي وتتنهد طويلا، قبل أن يثير اهتمامها حضور إحدى صديقاتها، التي شاركتها بعضا من مآسيها لتبادرها بالسؤال عن الأحوال وعن سبب غيابها الطويل عن الغرفة، التي يكتريانها بخميس ايت عميرة.
استأنفت وهي تلجم دمعا حارا انحصر في زوايا عينيها "قضيت وأبي لحظة وصولنا الليلة كلها بالمحطة لنتوجه، بعد ذلك، عبر سيارة الأجرة، إلى "بيوكري"، حيث وجدت عملا في البداية في إحدى الضيعات، ونظرا لنحافة جسمي في ذلك الوقت، كلفني "الكابران" (رئيس فرقة العمال بالضيعة) بأن أضع وأخريات بعض المواد الكيماوية، قبل زرع بذور الفاصوليا، كان دورنا في العمل هو تهيئة التربة، لقد سببت لي تلك المواد الكيماوية مرضا مزمنا "الضيقة" سيلازمني، طوال حياتي. وكان علي أن أبحث عن مكان يؤويني، سأجده بخميس أيت عميرة، وهو عبارة عن كوخ من قش وطين وسقف من خرق بلاستيكية، يؤوي أربع نساء أو أكثر، وتفاقمت وضعيتي الصحية بسبب رائحة الكبريت والمواد الكيماوية الأخرى، وغياب التهوية، وضيق المساحة المخصصة لنومنا.
وفي محاولة لفهم هذه الحركية الديمغرافية النسائية لشابات من مناطق متعددة نحو ضيعات سهل اشتوكة، لم تختلف الشهادات، التي استقيناها، إذ تقاطعت عند بؤرة الفقر والقهر والعوز، لكن المثير أنهن كلهن كن يعشن حلم تغيير أوضاعهن الاجتماعية في المسقط، إذ أغلب النساء القادمات من آسفي، وبني ملال، وخنيفرة، والصويرة، وقلعة السراغنة...، قذفت بهن ظروفهن الاجتماعية وانعدام فرص الشغل في قراهن النائية. تقول فاطمة من جمعة اسحيم "جينا نصوروا طرف الخبز ونعاونوا الوالدين، دارت بنا الأيام ومابقى عندنا وجه فين نرجعوا". لقد كانت الهجرة استثنائية فأصبحت نهائية، خصوصا لنساء أمهات عازبات، وصل صدى دعارتهن المفروضة بقوة إلى مساقط رؤوسهن.
الحقيقة الأخرى
وسط الضيعات انتشرت نساء منهمكات في عملهن الزراعي قرب منطقة خميس أيت عميرة، الشمس فوق رؤوسهن يزيد من لظاها انعكاسها على السقوف البلاستيكية، وجوه أخذ منها تعاقب لفحات البرد وسياط الحرارة النظارة والأنوثة، أكف غارقة في شقوقها، التي لم تخفها قرنفلية الحناء، وأقدام في أحذية بلاستيكية تقاوم قسوة العمل بجوارب من الفوطا رغم حرارة الجو، من حين لآخر تنتصب امرأة واقفة بحثا عن راحة مؤقتة لظهر طال انحناؤه، وأيضا عن فرصة لتشييع المكان والناس بنظرات سريعة، يصعب الحديث معهن، كأنهن يخفن من أطياف لا ترى...
خلال رحلة العودة إلى الكوخ، تحدثت امباركة، بصعوبة، وهي تحدق يمينا وشمالا، عن فقر أسرتها، وعن المرأة، التي جاءت بها إلى هنا منذ خمس سنوات، وهي التي لم تتجاوز راهنا عقدها الثاني، تحدثت عن كل شيء وبقية من الكبرياء تجعلها صامدة، لكن أخيرا غلبتها الدموع، وكان الموقف أشد بكثير وأشق من كبح جماح الكبرياء، فقالت "كنت أقضي يومي في الضيعة وأعود في المساء لأهيء عشاءنا ثم نخلد للنوم، كان ذلك حالنا في الأول قبل أن أبدأ رحلة العذاب مع قلة النوم بسبب ما تحدثه فوضى فتاتين كانتا تقضيان وقتا كبيرا من الليل في الخارج، لتعودا في الساعات الأولى من الصباح، لم أفهم يومها طبيعة العمل، الذي يجعلهما تعودان وهما متعبتين وعاجزتين عن فعل أي شيء غير الركون إلى النوم حتى الرابعة عصرا وأحيانا السادسة، كنا لا نراهما إلا ليلا. لكن، بعد ذلك، سأعرف أنهما تتعاطيان الدعارة، جاءتا من خنيفرة، وأنهما مثلي بدأتا عاملتين في الضيعات المترامية على طول سهل اشتوكة أيت باها، وتعرضتا للتحرش الجنسي، وبعدها لاستغلال "الشافات والكابرانات"، قبل أن ينتهي بهما المطاف لامتهان الدعارة في أكادير، ثم في إنزكان، ثم في منازل أيت ملول وخميس أيت عميرة وبيوكرى".
تلتقط امباركة أنفاسها وتضيف "فكرت أن أحسن طريق للهروب من السقوط في المصير نفسه، أن أغير هذه الغرفة، وأبحث لي عن مكان آخر أكثر هدوءا وأقل تكلفة، إذ كانت أجرتي يومها لا تتعدى 40 درهما في اليوم، وكانت تأتيني أيام لا أشتغل فيها وأخرى لا أشتغل سوى ساعتين، كانت كلفة الكراء 100 درهم، تضاف إليها مصاريف الأكل والشرب، فضلا عما يجب أن أقتصده من مال لأبعثه لأسرتي بداية كل شهر، لم تكن رحلة البحث الدائم عن العمل وعن الاستقرار والسكن ومختلف متطلبات الحياة تنسيني تلك الطفلة، التي كنتها يوما في تلك القرية البئيسة الموجودة في جمعة اسحيم، ولم تكن تلك الرحلة لتنسيني شدة الفقر والحرمان وغياب كل مرافق الحياة العادية، التي كنت أعيشها في قريتي، وها أنا ذي أعيش اليوم في هذه الأحياء المهمشة المنتشرة في هذا "الفيلاج" المسمى خميس أيت عميرة".
وتواصل امباركة "كنا نستيقظ في الصباح الباكر، ونتجه جماعات، نحن القادمات من أماكن متعددة من المغرب، خاصة من نواحي خنيفرة، وبني ملال، وولماس، والصويرة، والراشيدية، كنا جيشا من النساء نتجه جماعات لنتفرق في "كاميونات" (شاحنات) مخصصة لنقلنا إلى الضيعات. تحكي النساء هنا عن عدة حوادث سير وقعت بسبب هذه "الكاميونات"، كانت بعضها مميتة، وكان أكثر الأعمال مشقة تلك التي تقودنا للعمل في بيوت البلاستيك في عز الحر الصيفي، إذ غالبا ما تتحول البيوت لفرن ساخن، نقضي بها الساعات، وكان التمييز بيننا صادما من طرف "شافات" (رؤساء العمل) الضيعات، لم أفهم سر هذا التمييز إلا بعد مدة، لقد كان مقابل الحصول على عمل أقل تعبا وأقل مشقة، هو الاستجابة للرغبات الجنسية لهؤلاء "الشافات والكابرانات"، وكل من ترفض يكون مصيرها إما المزيد من أعمال التعب والإنهاك، أو أن تكون ضحية الطرد من العمل. تعرفت في ما بعد على حوادث تقع في الخفاء، عن حالات اغتصاب جماعي، وعن تحرشات جنسية لا تتوقف".
مصادر من نقابة الاتحاد المغربي للشغل، بمنطقة اشتوكة، أكدت أن العاملات الزراعيات هن الأكثر تضررا من تدني الأجور، حوالي 47 درهما في اليوم، ونظرا لموسمية النشاط الفلاحي وتأثير ذلك على قطاع صناعة التلفيف، فإن غالبيتهن لا يشتغلن إلا حوالي 9 أشهر في السنة، وهو ما يجعل غالبيتهن يبحثن عن مدخول إضافي تجده الكثيرات في التعاطي للدعارة.
رحلة إلى الجحيم
نساء من مختلف الأعمار، بسحنات موغلة في الشظف، على أكتافهن أسمال وشعور مبعثرة لففنها في قبعات مختلفة الألوان، الموكب شبيه بنساء في عصور الظلام.. "أح آميمتي، الله يعفو علينا من هاد تمارة"، ردود مختلفة، والقاسم المشترك أحزان جامحة.
قرب مقهى وحوانيت صغيرة مشتتة تبيع كل شيء بمركز أيت عميرة، يقفن على الرصيف، عيون الصياديين والمشردين والتائهين تترصد مؤخراتهن، وهن في انتظار الشاحنات والجرارات لتقلهن إلى ضيعات، لم تهتد لها بعد بوصلة التنمية البشرية.
تقف الشاحنات والجرارات تباعا، تتسلق النساء بما تبقى فيهن من جهد جدرانا حديدية، ويرتمين بين الأجساد المنهكة، يد من هنا ويد أخرى ذكورية بحجة المساعدة تسافر في الجسد غير القادر على الاحتجاج.
جل القادمات جرى انتقاؤهن من مركز بيوكرى، حيث يوجد "الموقف"، تتذكر جل النساء أنهن قدمن من المركز نفسه أو المدينة الصغيرة ذاتها، التي لا تبعد عن أكادير، إلا بحوالي 30 كلم، هي عاصمة اشتوكة ومقر عمالتها، تتوسع بشكل يومي وتعد من أكبر المراكز استقطابا للهجرة الداخلية بالمغرب، في كل صباح تشهد حركية مثيرة للانتباه لوسائل نقل بعضها تقليدي ك"الكاروات" وبعضها عصري مثل "البيكوبات"، و"التراكتورات"، و"الكاميونات"، حيث يجري نقل "العطاشة"، الذين تكون وجهتم "الفيرمات" المترامية الأطراف على امتداد النظر في الإقليم.
تقول خديجة "بمجرد وصولنا إلى الضيعة، سندخل بيوتنا البلاستيكية، وسنقضي يومنا في حرارة مضاعفة، حرارة الجو وحرارة البلاستيك وقلة الهواء".
من الخامسة صباحا إلى السادسة مساء، عمر رحلة العمل المرهق في ضيعات فلاحية أغلبها يعاني انعدام وسائل حفظ السلامة المهنية، وتردي وسائل النقل وتدني الأجور.
مصدر من جمعية مصدري الحوامض والبواكر، أكد أن أغلب الضيعات توفر حاليا عدة وسائل لحفظ السلامة المهنية، وأن غالبية الضيعات تحترم قانون الشغل وتتقيد بالسلامة المهنية، أما في ما يخص الاتفاقيات الجماعية وغيرها من مطالب النقابات والجمعيات المهنية، فأكد المصدر ذاته ضرورة مراعاة خصوصية القطاع الفلاحي وموسميته وتقلب أسعار السوق المحلي والدولي، إضافة إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج الفلاحي.
وفقا لدراسة من قبل شركة دولية للاستثمارات، وبتكليف من مجلس سوس ماسة درعة، ما زال يعتمد على ثلاثة قطاعات أساسية أهمها الزراعة المكثفة، إضافة إلى لسياحة والثروة السمكية بنسبة استثمار تصل إلى حدود 45 مليار درهم حوالي 13 في المائة من الناتج المحلي الإقليمي يمثله قطاع الفلاحة، يشغل حوالي 150 ألف عامل أي حوالي 17 في المائة من القوى العاملة بالإقليم.
حالات
السعدية الخطابي
عاملة مزدادة في 1962، من منطقة أكلموس بمدينة خنيفرة، بدأت عملها بالمجموعة، مع بداية سنة 1997 في ضيعة فيرماسا 06.
ستتعرض لحادثة شغل في أبريل 1997، بعد أن داستها شاحنة، وكسرت ساقها، مما اضطرها للانقطاع عن العمل.
إدارة الشركة أنكرت الحادثة، ولم تمنح العاملة أي تعويض طيلة فترة العلاج.
في سنة 2004، ستبدأ معاناة السعدية مع مرض في ثديها الأيسر، تبين أنه كان ناتجا عن ضربة أصابتها من جراء حملها لصندوق بطيخ سنة 2002، ما استدعى عملية جراحية لقطع الثدي.
الضحية، التي عانت الأمرين، لم تساعدها إدارة الشركة على مصاريف العملية، التي تطلبت 40 ألف درهم، ومصاريف الأدوية، التي مازالت تتطلب 260 درهما في الشهر، كما لم تمنحها أي تعويض طيلة فترة النقاهة، التي دامت حوالي سنة، خصوصا وأنها كانت تعيل أسرتها، التي تتكون من زوجها، الذي يعاني هو الآخر من مرض في المعدة، وابنها البالغ 21 سنة.
التحقت السعدية بالعمل من جديد في بداية 2006، واعتبرت الإدارة انقطاعها عن العمل بسبب حادثة كسر رجلها، والعملية الجراحية لبتر ثديها، فترات تغيب غير مبررة، وحرمتها من جميع حقوقها القانونية (منحة الأقدمية، الضمان الاجتماعي، بطاقة الشغل).
التحقت بنقابة الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي، في مارس 2006، لتبدأ معاناة جديدة مع الإدارة، التي استعملت جميع وسائل الضغط عليها، كان آخرها، قرار تنقيلها تعسفيا إلى ضيعة بعيدة، في صيف 2007، وأرغمتها على قبول تعويض هزيل (7500 درهما) لتنصرف إلى حال سبيلها. وذهبت لتواصل محنتها مع وحش رأسمالي جديد في إحدى الضيعات بالمنطقة نفسها، لينخر ما تبقى من حيوية في جسد السعدية، التي أفنت زهرة حياتها في الكدح والفقر.
فاطمة حمادة
عاملة، تبلغ من العمر 50 عاما، من منطقة أكلموس، بمدينة خنيفرة، بدأت عملها بالمجموعة في سنة 2003.
في 02 يونيو 2006، ستتعرض الشاحنة المهترئة، التي تقلهم إلى مقر العمل، إلى حادثة سير، أفضت إلى إصابة مجموعة من العاملات والعمال بكسور وجروح، من ضمنهم فاطمة التي بترت يدها اليسرى، وأصبحت في وضع عجز كلي عن العمل.
ومنذ ذلك الوقت، وفاطمة تتيه في مساطر الملفات مع المحكمة، وتوقفت إدارة الشركة عن أداء التعويض الهزيل، المتمثل في أجر نصف يوم، في أواخر 2004، لتترك فاطمة لمصيرها، وهي تعيل أسرة، تتكون من زوجها المسن، و5 أطفال.
شهادات
عمر الشيخ أستاذ باحث رئيس المجلس القروي خميس أيت عميرة
تحظى اليد العاملة النسوية في سهل اشتوكة، خصوصا في منطقة أيت عميرة، بأولوية وقبول في ممارسة كثير من الأنشطة الفلاحية والتلفيفية على حساب اليد العاملة الرجولية، لما تتحلى به المرأة من قدرة على الصبر، ضمانا لعمل شريف تعيل به عائلتها وتحفظ تماسكها.
وتستقبل جماعة أيت عميرة ذات 48 ألف نسمة، أعدادا مهمة من طالبي الشغل مع بداية كل موسم فلاحي، ويتراوح هذا العدد بين 8 آلاف و12 ألفا، أي أكثر من ثلثي هذا العدد من النساء والفتيات صغيرات السن، هذا علما أن هناك أعدادا أخرى من النساء اللائي أصبحن مقيمات مع عائلاتهن أو داخل الضيعات الفلاحية، ويقدمن خدماتهن للضيعات الفلاحية العصرية.
ويمكن بسهولة أن نلاحظ الوضعية الصعبة للنساء الأجيرات في المجال الفلاحي، حين نرى الطريقة، التي يحشرن بها داخل شاحنات النقل للضيعات الفلاحية منذ الخامسة صباحا، وكيف أن كثيرا من هذه الشاحنات تتعرض لحوادث سير تكون في غالبها مميتة، مع غياب تأمين لكل هذه الأعداد من العاملات.
وعلى مستوى السكن، فإن العاملات، كغيرهن من مجموع الوافدين على أيت عميرة في هذه الفترة، يستعملن سكنا يتراوح بين السكن العائلي في شقق صغيرة، أو حتى في غرف لا تتوفر فيها الشروط اللائقة لسكن العائلة، أو السكن في مجموعات داخل غرف بالدواوير، أو بالضيعات الفلاحية، أو محطات التلفيف.
ونظرا لكون بنية الاستقبال بالمنطقة ضعيفة، وفي حاجة قوية إلى تدخل مؤسسات الدولة، فتناسلت في كل مناطق سهل اشتوكة أكواخ وبيوت غير مرخصة، وغير متوفرة على شروط السكن اللائق.
عبد الرزاق مزكي نائب رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بأكادير
الأوضاع التي تعيشها العاملات الزراعيات باشتوكة، وبخميس أيت عميرة خصوصا، لا تتجسد فقط على مستوى الحيف القانوني، ولكن على مستوى الواقع، حيث يعيشون ويتعايشون مع أبشع صور القهر والحرمان والفقر، إذ يشتغلون في ظروف صعبة جدا، تنعدم فيها الحماية الاجتماعية، وتعرف بعدم احترام ساعات العمل الحقيقية، إذ تطبق الشركات الحد الأدنى للأجور في القطاع الفلاحي، الذي حدد في 55 درهما في اليوم، تقطع منه 3 دراهم في اليوم لفائدة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مع العلم أن العاملة الزراعية لا تتقاضى أجرة يوم العطلة الأسبوعية، لذا فمبلغ 1200 درهم شهريا تواجه به العاملة الزراعية غول المعيشة المرتفعة جدا، أضف إلى ذلك أنهن يشتغلن داخل بيوت بلاستيكية ترتفع فيها درجة الحرارة المفرطة ومستوى الرطوبة، أضف إلى ذلك استخدام المبيدات السامة يؤدى إلى تفشي عدد مهم من الأمراض، التي تظهر تجلياتها على المدى المتوسط والبعيد.
أما على مستوى النقل، فالعاملات الزراعيات بالمنطقة يتكدسون في شاحنات متهالكة تنقلهم إلى الضيعات الفلاحية في أجواء محفوفة بالمخاطر، ليكدحوا طوال اليوم في حرارة البيوت المغطاة وفوق رؤوسهم "كبرنات" يطلقون في كل حين أقبح النعوتات والشتائم البذيئة، ليعودوا في ظلمة الغروب إلى غرفهم مثخنين بجراحات نفسية عميقة، ويشار كذلك إلى أن أغلبية العاملات محرومات من الحقوق المتعلقة بالأمومة خاصة غيابهم اليومي عن أطفالهن، ما يلفت الانتباه إلى اتساع ظاهرة الأطفال المتخلى عنهم، التي باتت ظاهرة مقلقة، حيث إن عددا مهما من الأطفال غير مسجلين في الحالة المدنية، وهو ما يستدعي تضافر جهود الجمعيات النسائية والحقوقية وتنسيق عملها، لإيجاد حلول لمساعدة الأمهات العازبات ضحايا الفقر والتهميش.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.