عندما تقضي ساعات طوال وأنت في الطائرة وفي ظروف مريحة، وتشتكي مع نفسك من طول الرحلة، تعود لتقول لنفسك يستحق الأجداد أن نرفع لهم القبعة، أكثر من مرة، تتساءل كيف تجشموا عناء السفر من شبه الجزيرة العربية إلى المغرب الأقصى، تتساءل عن المدة التي استغرقوها في السفر حيث كان بالفعل قطعة من جهنم، وعن الطرق التي واجهوا بها كل المخاطر، تتناسل الأسئلة وتقود إلى جواب واحد هو أن على المرء أن يفتخر بانتمائه وتشبثه بجذوره كما تشبث بها الأجداد، الذين لم يتعاملوا بمنطق البعيد عن العين بعيد عن القلب، إذ تعامل المغاربة مع أشقائهم بحب وإخلاص وتحلوا بالوفاء في أسمى تجلياته. يستحق الأجداد والآباء أن ترفع لهم القبعة لأنهم رغم البعد ورغم صعوبة الاتصال تمسكوا بجذورهم ولغتهم، كما سبق أن كتبت خلال زيارة إلى دولة الكويت بمناسبة احتضانها أشغال القمة العربية، اللافت أن المغرب "الأقصى" حافظ على هويته العربية، ولم تؤثر برودة الطقس والتغيرات المناخية والتقلبات بمختلف أنواعها في حرارة رابطة الأخوة، وظل وفيا لانتمائه. إنها قمة الوفاء، الذي يظل سمة من سمات المغاربة، الذين لم يغيرهم لا التاريخ ولا الجغرافية ولا تنكروالمن مد لهم اليد وساهم في صنع تاريخهم ومكنهم من طرد الاستعمار، لأن الوفي لا يمكن إلا أن يكون وفيا، لأن الوفاء فطري ولا يكتسب. الوفاء نفسه هو الذي جعل مسؤولين إماراتيين قابلتهم هنا في أبوظبي يعبرون عن حبهم وتقديرهم للمغرب، ويفخرون بعلاقتهم به ويقولون أمام صحافيي العالم إن المغرب بلد شقيق يستحق الشكر، ولنا في ما قالته نائبة رئيس المجلس الوطني الاتحادي (البرلمان) خير مثال، إذ ثمنت جهود المملكة الداعمة لبلدها بقيادة جلالة الملك محمد السادس. أينما حللت وارتحلت يذكرك ما يقال لك إنك تنتمي إلى بلد أوجد لنفسه مكانة متميزة في قلوب الإماراتيين، وهذا مبعث فخر واعتزاز. للمغرب هنا في الإمارات صورة مشرقة، ومكانة مشرفة، لأن العلاقة بين البلدين الشقيقين وثيقة ولا تشوبها شائبة. وقد عززتها الكفاءات المغربية التي تشتغل في مختلف المجالات، وتتحمل مسؤوليات مهمة وتنجزها بكل اقتدار. وأنت هنا في أبوظبي، لا تكتفي بالمطالبةبمن يحدثك بالعربية، بل عليك أن تدلل نفسك أكثر وتطالب بمن يحدثك باللهجة المغربية، تأكد أن طلبك ليس مردودا، سيأتيك أبناء وطنك بالعشرات، صحيح أنهم أقل حضورا من الآسيويين، لكن حضورهم أصبح لافتا،ولا مبالغة في القول إن أعدادهم في ارتفاع.ويخلف الكثير منهم انطباعا جيدا، وخلال الزيارات التي تنظم لفائدة الوفد الإعلامي الدولي بمناسبة اليوم الوطني ال43 لدولة الإمارات العربية المتحدة، برمج المجلس الوطني للإعلام بدولة الإمارات العربية المتحدة، أول أمس الأربعاء، زيارة إلى إمارة دبي لفائدة الإعلاميين العرب والدوليين، وكانت الغاية من الزيارة حضور فعاليات الدورة الثانية لمنتدى الإعلام الإماراتي، الذي ترأس جلسته الافتتاحية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي. ومباشرة بعد العودة إلى أبوظبي نظمت، زيارة إلى قصر الإمارات أحد أفخم الفنادق في العالم، الذي يقيم فيه قادة الدول وأكبر الشخصيات. تعددت زياراتي لهذه المعلمة بتعدد زيارات دولة الإمارات العربية، وكلما زرتها أشعر بالفخر، لأن المغرب كان وما يزال حاضرا بقوة في شخص أطره يتقدمهم محمد العلوي، مدير العلاقات العامة، ما يكاد يحييك حتىيبادرك، بالسؤال "كيداير المغرب؟"، إن حب الوطن وشوقه هو الذي يحركه، يستفسر عن الكثير من الأشياء ويرغب في معرفة الكثير، بل كل شيء عن البلد، وهذا نموذج آخر من صفات الوفاء التي ورثناها عن الأجداد. لمس الزملاء ضمن الوفد المغربي، الذين يزورون هذه المعلمة، المكانة المتميزة التي يحظى بها هذا الشاب المغربي، لأنه يقوم بواجبه أحسن قيام، إنه شعلة نشاط حقيقية، وصورة من صور المغرب المشرق والمشرف التي تتكرر هنا وهناك، ولا يمكن أن يحجبها الغربال، والتي لا يراها فقط من يبحثون عن نقطة سواد في قطعة ثوب ناصع البياض، ولا نملك إلا أن نعدهم باليأس لأن الكفاءات المغربية أكثر طلبا وتألقا في الإمارات، ومحط تقدير واحترام، إنهم شمس المغرب التي لا تغرب في الإمارات.