عندما يقرر جميع المراسلين الصحافيين الإسبان المعتمدين في الرباط مقاطعة الندوة الصحافية التي نظمها بالسمارة القيادي في جبهة البوليساريو، مصطفى ولد سلمى ولد سيدي محمد، والتي أشاد فيها بمقترح الحكم الذاتي وفضح فيها اغتناء بعض قادة الجبهة على حساب معاناة الصحراويين المحتجزين في تندوف، فإنه يصبح من حقنا أن نتساءل: هل هؤلاء المراسلون الصحافيون يوجدون في الرباط من أجل العمل الصحافي المهني أم من أجل شيء آخر؟ ولعل الجميع يتذكر كيف أن كل هؤلاء الصحافيين المعتمدين انتقلوا إلى مدينة العيون خلال أزمة أميناتو حيدار، ورابطوا هناك لأسابيع طويلة بانتظار أن تتحقق أمانيهم في رؤية الأقاليم الصحراوية تشتعل. غير أن توقعاتهم خابت، وانتهت «الأزمة» وعادت الأمور إلى نصابها. وهكذا فعندما يكون هناك حدث يخدم أطروحة الانفصال يتحرك الصحافيون الإسبان المعتمدون بالرباط بشكل جماعي ومنظم لتغطيته. وفي الغد، عندما تقرأ مقالاتهم التي تغطي الحدث، تجدها مكتوبة كلها من محبرة واحدة. فرغم اختلاف وتعارض الخطوط التحريرية للمنابر التي يشتغلون معها، فإنهم عندما يكتبون عن الصحراء تتآلف وتتآخى خطوطهم التحريرية المتنافرة. واليوم، وبسبب قرار جميع هؤلاء الصحافيين مقاطعة الندوة الصحافية في السمارة التي نظمها القيادي العائد من البوليساريو، هناك حاجة ماسة إلى مراجعة الطريقة غير المهنية التي يشتغل بها هؤلاء الصحافيون، ومراجعة لائحة الامتيازات التي توفرها لهم الدولة المغربية. وهي الامتيازات التي لا يتمتع بها الصحافيون المغاربة أو الأجانب المعتمدون في مدريد. ولا بد أن قلة قليلة من المغاربة يعرفون أن الصحافيين الأجانب المعتمدين في المغرب بشكل عام، يستفيدون من رخصة الاستيراد المؤقت للسيارات، فإدريس البصري، عندما كان يمسك بدواليب الداخلية والإعلام، كان قد سن عرفا يمكن الصحافيين المعتمدين في الرباط من الاستفادة من استيراد سياراتهم دون حاجة إلى التعشير عليها وتغيير لوحاتها. واستمر هذا الوضع غير الطبيعي، الذي يستفيد منه الصحافيون الأجانب دون غيرهم من الأجانب الذين يشتغلون في وظائف أخرى، إلى اليوم. والمثير في هذا الامتياز أن الصحافيين الأجانب المقيمين في المغرب، بمجرد حصولهم على وثيقة من وزارة الاتصال، يذهبون إلى الخارجية المغربية ثم إلى وزارة النقل لاستلام اللوحة الصفراء لسياراتهم، مما يعطيهم الحق في الولوج والتحرك بسهولة، كما تعفيهم هذه اللوحة شبه الدبلوماسية من التفتيش في نقط الجمارك. وقد رأينا كيف أن هذه السيارات يمكن أن تستعمل في تهريب البشر أو المخدرات، مثلما وقع قبل أسبوع عندما ضبط رجال الجمارك دبلوماسيا من دولة «البنين» يهرب داخل سيارته الدبلوماسية في باب سبتة مهاجرين سريين من الكاميرون وساحل العاج. يبدو أن الوقت حان لوقف العمل بهذا الامتياز الذي يستفيد منه الأجانب العاملون في الصحافة دون غيرها من المهن، والذي يعود تاريخه إلى زمن «الفشوش» الذي عود عليه البصري الصحافة الأجنبية المعتمدة في الرباط. فإذا كان الأطباء أو المهندسون أو الأساتذة الأجانب ملزمين، عندما يرغبون في الإقامة بالمغرب، بالتعشير على سياراتهم أو اقتناء أخرى جديدة في المغرب، فلماذا سيعفى من هذا الإجراء الصحافيون الأجانب؟ ولعل السؤال الذي يطرحه الصحافيون المغاربة والأجانب المعتمدون في مدريد هو: لماذا تجبرهم إدارة الضرائب على التصريح بعائداتهم المالية وأداء الضرائب المستحقة على الأرباح، فيما في المغرب يظل الصحافيون الأجانب المعتمدون في الرباط معفيين من دفع الضرائب للدولة المغربية، رغم أن بينهم، محمود معروف على سبيل المثال، من ظل يستفيد من البنيات التحتية للدولة ومرافقها العمومية طيلة ثلاثين سنة لم يدفع خلالها درهما واحدا لمديرية الضرائب، ولا هو قدم وثيقة واحدة إلى وزارة الاتصال تثبت عائداته المالية والجهات التي صرفتها له. وبالنسبة إلى الصحافيين الإسبان المعتمدين بالرباط، فالمغرب لا يستفيد من الاقتطاعات الضريبية من رواتبهم التي تدفعها لهم المؤسسات التي يشتغلون معها، كما أنهم يشتغلون بدون أي تأمين. ببساطة، لأن هذه الرواتب تدفع في حساباتهم البنكية الموجودة بالتراب الإسباني. فيما يتكفلون هم باستخراج المبالغ التي يحتاجونها عبر البطاقات البنكية الزرقاء. وعندما يحصل لهم مكروه، فإن الدولة المغربية هي التي تتحمل مصاريف علاجهم من أموال دافعي الضرائب المغاربة. وهذه الوضعية تطرح بالنسبة إلى المغرب صعوبة مراقبة الذمة المالية لهؤلاء الصحافيين وما إذا كانوا يعيشون، فعلا، داخل المغرب بالرواتب التي تصرفها لهم مؤسساتهم أم إنهم يتلقون دعما ماليا من جهات أخرى، خصوصا إذا عرفنا مدى قوة الروابط التي تجمع بعضهم بنظام العسكر في الجزائر، وهو النظام الذي لا يتوانى في دعم كل من يعلن عداءه للمغرب ومصالحه العليا. ولعل الحل القانوني لهذا الإشكال هو تطبيق القانون نفسه الذي تطبقه إسبانيا على الصحافيين الأجانب، وهو وإجبار المؤسسات الصحافية التي تعتمد مراسلين لها في الرباط على تحويل رواتبهم نهاية كل شهر إلى البنوك المغربية، أولا حتى تخضع للمراقبة الضريبية من طرف الدولة المغربية، وثانيا حتى تسود الشفافية في المعاملات المالية لهؤلاء الصحافيين وتعرف وزارة الاتصال من يدفع لهم مصاريفهم. ولعل الأمر الذي يدعو إلى الاستغراب في حالة الصحافيين الإسبان المعتمدين في الرباط هو أنهم وحدهم، ودون 120 صحافيا أجنبيا معتمدا في المغرب، تأتي ملفات اعتمادهم إلى وزارة الاتصال مباشرة من السفارة الإسبانية بالرباط، بمعنى أن أي صحافي إسباني تريد مؤسسة إعلامية إسبانية اعتماده في المغرب يجب أن يمر من مصفاة السفارة الإسبانية بالرباط، وبالضبط من مكتب مصالح استخباراتها السرية. ولذلك، فعندما تحتج وزارة الاتصال على التغطية غير المتوازنة لصحافي إسباني حول قضية الصحراء أو إحدى القضايا السيادية للمغرب، تجد مصالح هذه الوزارة نفسها في مواجهة السفارة الإسبانية التي تنصب نفسها كطرف في الموضوع. ولعل ما حدث عندما رفضت وزارة الاتصال تجديد بطاقة اعتماد مصور وكالة «رويترز» الإسباني «مارشانتي» بسبب تخصصه في «إخراج» صوره بطريقة فيها إساءة متعمدة إلى صورة المغرب، يعطينا فكرة واضحة عن هذا الدفاع المستميت للسفارة الإسبانية عن «صحافييها». والمثير في الأمر أن وكالة «رويترز» المعنية مهنيا بتوقيف اعتماد مصورها بالمغرب، التزمت الصمت، فيما السفارة الإسبانية صعدت لهجتها وأقحمت وزير الخارجية الإسباني «موراتينوس» في الموضوع، ولم يهدأ لها بال إلا عندما استعاد المصور الإسباني بطاقة اعتماده. وعندما يتعلق الأمر بالإساءة إلى المغرب، فإن هؤلاء الصحافيين الإسبان يتوحدون في ما بينهم، ويذهبون إلى العواصم البعيدة بحثا عن الخبر «السار» من أجل إرساله إلى مؤسساتهم الإعلامية من الرباط. ولعل تجاهل مدير وكالة الأخبار الإسبانية الرسمية «إيفي» بالرباط للندوة الصحافية المهمة التي نظمها العائد من جبهة البوليساريو في السمارة، وتحمسه في مقابل ذلك للكتابة عن تقرير «هيومان ووتش» الذي صدر في نيويورك وطالب المغرب بالإفراج عن الانفصاليين المعتقلين، يظهر لنا بوضوح أولويات هؤلاء الصحافيين الإسبان الذين يستفيدون من كل هذه الامتيازات الضريبية ضدا على القانون. فالخبر الذي يسيء إلى المغرب يذهبون للبحث عنه ولو كان في نيويورك، علما بأن وكالة «إيفي» لديها مكتب هناك، أما الخبر الذي يكون في صالح المغرب فمصيره التعتيم حتى ولو حدث تحت نوافذ مقرات وكالاتهم في الرباط. ربما يعتقد البعض أنه ليس لائقا بنا كصحافيين أن ننتقد «زملاءنا» الأجانب في المهنة، لكن اسمحوا لنا أن نقول بوضوح إن قرار المقاطعة الذي عبر عنه «الزملاء» الإسبان ليس موقفا مهنيا وإنما هو موقف سياسي واضح يتحيز إلى الموقف الرسمي لبلدهم على حساب أخلاقيات مهنة الصحافة التي تفرض عليهم طرح جميع وجهات النظر المختلفة حول نزاع الصحراء، كما حول القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يغطونها فوق التراب المغربي. للأسف الشديد، فموقف هؤلاء الصحافيين الإسبان من قضية الصحراء واضح منذ الأول. فهم يساندون الطرح الانفصالي ويهاجمون المقترح الرسمي المغربي كما لو كانوا أعضاء في وزارة الخارجية الإسبانية وليس صحافيين مستقلين يشتغلون في منابر مستقلة. وإذا كنا نطرح اليوم الوضع الاعتباري لهؤلاء «الزملاء» للمناقشة، فمن باب حث السلطات الرسمية على تطبيق القانون والمعاملة بالمثل وإنهاء سياسة «الفشوش» التي صورت لهؤلاء الصحافيين الأجانب أنهم مواطنون فوق العادة، فقط لأنهم صحافيون أجانب. كلنا صحافيون وكلنا مجبرون على دفع الضرائب، وحتى الامتيازات القليلة التي كنا نستفيد منها كتخفيض بطاقات السفر عبر القطارات بخمسة وعشرين في المائة فهي في طريقها إلى الانقراض. أما تخفيضات الفنادق والطائرات وحافلات «الساتيام» فقد أصبحت في طي النسيان بعد أن رفضت كل هذه المؤسسات الاستمرار في مساعدتها للصحافيين المغاربة. عندما نريد اعتماد صحافي في مدريد والحصول له على بطاقة إقامة، تخرجنا السلطات الإسبانية من «عين البرا»، أما عندما يعتمدون هم صحافيين إسبانيين في الرباط فإن وزارة الاتصال تمنحهم الاعتماد دون حاجة إلى تقديم وثائق تبرر وسائل عيشهم في المغرب، فيما الخارجية المغربية تسلمهم لوحة صفراء لكي يضعوها في مؤخرات سياراتهم ويتباهون بها مثل الهيئات الدبلوماسية، وتعفيهم وزارة النقل من أداء مصاريف التعشير. أما مديرية الضرائب فلا تفكر في استخلاص الضريبة على الدخل من رواتبهم مثلما تصنع مع رواتب الصحافيين المغاربة التي تصل اقتطاعات الضريبة من قيمتها في الأقصى إلى 42 في المائة. «وشكون بحالهم».