مواهب كروية .. 200 طفل يظهرون مواهبهم من أجل تحقيق حلمهم    مغربية تشكو النصب من أردني.. والموثقون يقترحون التقييد الاحتياطي للعقار    حريق مهول يلتهم سوق المتلاشيات بإنزكان    فرنسا.. أوامر حكومية بإتلاف مليوني عبوة مياه معدنية لتلوثها ببكتيريا "برازية"    طقس الثلاثاء.. أمطار الخير بهذه المناطق من المملكة    الأمن المغربي والإسباني يفككان خيوط "مافيا الحشيش"    ميارة يستقبل رئيس الجمعية البرلمانية لأوروبا    أسماء المدير تُشارك في تقييم أفلام فئة "نظرة ما" بمهرجان كان    سكوري : المغرب استطاع بناء نموذج للحوار الاجتماعي حظي بإشادة دولية    الجيش الملكي يرد على شكاية الرجاء: محاولة للتشويش وإخفاء إخفاقاته التسييرية    وزارة الفلاحة: عدد رؤوس المواشي المعدة للذبح خلال عيد الأضحى المقبل يبلغ 3 ملايين رأس    مطار الصويرة موكادور: ارتفاع بنسبة 38 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    مشروبات تساعد في تقليل آلام المفاصل والعضلات    خمري ل"الأيام24″: الإستقلال مطالب بإيجاد صيغة جديدة للتنافس الديمقراطي بين تياراته    تحديات تواجه نستله.. لهذا تقرر سحب مياه "البيرييه" من الاسواق    أمن فاس يلقي القبض على قاتل تلميذة    بلينكن: التطبيع الإسرائيلي السعودي قرب يكتمل والرياض ربطاتو بوضع مسار واضح لإقامة دولة فلسطينية    رسميا.. عادل رمزي مدربا جديدا للمنتخب الهولندي لأقل من 18 سنة    مجلس النواب يطلق الدورة الرابعة لجائزة الصحافة البرلمانية    برواية "قناع بلون السماء".. أسير فلسطيني يظفر بجائزة البوكر العربية 2024    عملية جراحية لبرقوق بعد تعرضه لاعتداء خطير قد ينهي مستقبله الكروي    المحكمة تدين صاحب أغنية "شر كبي أتاي" بالسجن لهذه المدة    الشرطة الفرنسية تفض اعتصاما طلابيا مناصرا لفلسطين بجامعة "السوربون"    غامبيا جددات دعمها الكامل للوحدة الترابية للمغرب وأكدات أهمية المبادرة الملكية الأطلسية    الملك يهنئ بركة على "ثقة الاستقلاليين"    تحرير ما معدله 12 ألف محضر بشأن الجرائم الغابوية سنويا    "التنسيق الميداني للتعليم" يؤجل احتجاجاته    هذا هو موعد مباراة المنتخب المغربي ونظيره الجزائري    الرئاسيات الأمريكية.. ترامب يواصل تصدر استطلاعات الرأي في مواجهة بايدن    نيروبي.. وزيرة الاقتصاد والمالية تمثل جلالة الملك في قمة رؤساء دول إفريقيا للمؤسسة الدولية للتنمية    يوسف يتنحى من رئاسة حكومة اسكتلندا    الدورة السادسة من "ربيعيات أصيلة".. مشغل فني بديع لصقل المواهب والاحتكاك بألمع رواد الريشة الثقافة والإعلام        مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    الفنان الجزائري عبد القادر السيكتور.. لهذا نحن "خاوة" والناظور تغير بشكل جذري    اتفاق بين الحكومة والنقابات.. زيادة في الأجور وتخفيض الضريبة على الدخل والرفع من الحد الأدنى للأجور    المكتب الوطني للسياحة يضع كرة القدم في قلب إستراتيجيته الترويجية لوجهة المغرب    المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد    رسمياً.. رئيس الحكومة الإسبانية يعلن عن قراره بعد توجيه اتهامات بالفساد لزوجته    فيلم أنوال…عمل سينمائي كبير نحو مصير مجهول !    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    وزارة الفلاحة…الدورة ال 16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تكللت بنجاح كبير    أسعار الذهب تتراجع اليوم الإثنين        إليسا متهمة ب"الافتراء والكذب"    غزة تسجل سقوط 34 قتيلا في يوم واحد    رئيس ريال مدريد يهاتف مبابي عقب التتويج بالدوري الفرنسي    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    المنتخب المغربي يتأهل إلى نهائي البطولة العربية على حساب تونس    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية صورة مع الملك الحسن الثاني في القصر الملكي بفاس
أول صحيفة مغربية اقتُرحت لرئاسة تحريرها كانت ستصدرها مجموعة «أونا»
نشر في المساء يوم 24 - 08 - 2010


الحلقة الرابع عشر :
عندما غادرت صحيفة «الجمهور» في 12 يونيو 2002 مطروداً، وعلى الرغم من المرارة التي كنت أشعر بها، ألحت على خاطري فكرة هذا الكتاب.
كتاب يروي بالتفاصيل والوقائع، والأهم بالوثائق، تجربة العمل رئيساً لتحرير أربع صحف يومية، خاصة أنه بدا لي الكثير مما ألقي على الناس في وقت لاحق كان مجافياً لما عشته ورأيته بعيني وسمعته بأذني في زمانه ومكانه. وضعت تصوراً ذهنياً للكتاب، واخترت له عنواناً يقول «صحافة تأكل أبناءها». خلال تلك الرحلة المهنية وجدت أن معظم الذين تعاملت معهم لا يحبون الخسارة وليسوا جاهزين لها. ولا أزعم أو أدعي بأنني أحب الخسارة، لكنني كنت دائماً جاهزاً لها. بقيت فكرة الكتاب في مكانها، وفي كل مرة كانت تشغلني عنها مشاريع أخرى، ومشاغل لا تهدأ مع الحياة وتفاصيلها، والزمن وتصاريفه.
من 12 يونيو2002 حتى 22 أبريل 2010، مرت حوالي ثمان سنوات. في ذلك اليوم وفي الخامسة مساء سألتقي بالأخ رشيد نيني، ناشر ورئيس تحرير «المساء» ورئيس مجلس إدارة المجموعة التي تصدرها. تواعدنا أن يكون اللقاء في أحد فنادق الدار البيضاء، على فنجان قهوة، لإغلاق صفحة وفتح صفحة جديدة. وأشهد الله أنه كان كريماً حيث طرح عدة اقتراحات على الطاولة، ثم اقترح إجراء حوار مطول ينشر في حلقات. وافقت من حيث المبدأ، إذ بدا لي أن كتاب «صحافة تأكل أبناءها» يمكن أن يخرج عبر هذه الصيغة المعدلة. كان الأخ رشيد نيني سخياً مرة أخرى، وهو يطلب تحديد المبلغ الذي ستدفعه الصحيفة لقاء هذه الحلقات.
اقترح من جانبه أن يجري الحوار الزميل مصطفى الفن، وأن تتم الصياغة النهائية بالتراضي. هكذا شرعنا في العمل في مكتبي الشخصي بالرباط، وتحمل الأخ مصطفى الفن عناء التنقل من الدار البيضاء إلى الرباط مرتين في الأسبوع وأحياناً أكثر، إلى أن اكتمل هذا العمل.
في هذه الحلقات لم أركن إلى ما تستطيع الذاكرة أن تستدعيه، وإنما إلى أوراق مكتوبة في أوانها، تستعيد الوقائع كما جرت وبتفاصيلها. وأقول مجدداً إن مشكلتي مع بعض الناس ومشكلة بعض الناس معي أنني لا أعتمد على الذاكرة. لم أرغب أن يكون هذا الكتاب نوعاً من كتابة «مذكرات» مع أني عشت الوقائع، إذ حرصت قدر الإمكان أن تكون هناك مسافة بين الوقائع والحياد المطلوب في روايتها. الثابت أنه عندما يقترب صحافي من عملية صنع الأخبار، يصبح ليس شاهداً على وقائعها، وإنما يتحول في بعض الأحيان إلى طرف في صنعها. لم أقصد أن أكتب عن «حق» أو «باطل». وفي اعتقادي، عندما نكون على حق، لا يستوجب ذلك أن يكون رأينا مكتوباً أو صوتنا مرتفعاً. بقيت مسألة. يجب أن ينظر إلى هذه الحلقات باعتبارها مواضيع لملمها خيط ذاكرة متشعب مثل غصن استناداً إلى وثائق مكتوبة وصور موجودة وصوت مسجل.
طلحة جبريل
(صحافي سوداني مقيم في المغرب)
[email protected]

نحن الآن نتحدث عن لقائك الرابع مع الملك الحسن الثاني؟
- نعم، وجرى هذا اللقاء، كما أسلفت، في القصر الملكي بفاس في يناير 1993. وقد لعب المستشار أندري أزولاي دورا أساسيا في تحديد الموعد. إذ كان أزولاي قد وعد بعد طباعة كتاب «ذاكرة ملك» أن يسعى إلى ترتيب موعد لحوار مع الملك الحسن الثاني. وعندما تحدد الموعد، أخبر عثمان العمير بذلك. لكن لم يكن لدي علم بموعد الحوار إلا بعدما وصل عثمان العمير إلى المغرب، وطلب مني أن ألتحق به في فاس. نزلنا في فندق «جنان بلاس»، وكان موعدنا مع الملك في اليوم التالي في حدود الواحدة ظهرا. كان معنا المصور عبد اللطيف الصيباري هذه المرة.
كان وقتها يشتغل في «الشرق الأوسط»؟
- نعم. وكان هو المصور الأساسي للصحيفة. بدأ الصيباري العمل في مكتب المغرب عام 1988. كان قبلها يعمل في صحيفة «الميثاق الوطني»، وبقى معنا حتى عام 1994، ثم نقل إلى وظيفة مدير التصوير في السعودية. كنت حريصا على استقطاب كفاءات في مجال التصوير، وهو جانب للأسف لا تهتم به الصحف المغربية كثيرا.
بعدها غادرتم الفندق وذهبتم إلى القصر مباشرة؟
- جاء موظف من التشريفات الملكية ورافقنا إلى القصر الملكي، والمسافة من فندق «جنان فاس» إلى القصر لا تستغرق طويلا. في القصر الملكي كان هناك أندري أزولاي وإدريس البصري، وزير الداخلية والإعلام وقتها، وعبد الحق المريني، المدير الحالي للتشريفات الملكية. بقينا ننتظر فترة ليست طويلة في قاعة جانبية، ثم استقبلنا الملك. ونحن في الطريق إلى حيث توجد القاعة التي سيجرى فيه الحوار نبهنا الملك إلى شيء مازلت أتذكره. التفت إلي وقال: «لا تتأخروا لأن الأمير محمد شقيق الملك حسين ينتظر. لديكم وقت في حدود 40 دقيقة». والواقع أن التنبيه كان مربكا بعض الشيء لأن الأسئلة التي أعددتها كانت تتطلب وقتا أطول بكثير من ذلك الذي حدده الملك.
أعددت الأسئلة دون أن يطلع عليها عثمان العمير؟
- أعددتها بتكليف منه، وأعطيته نسخة منها. عثمان العمير صحافي مهني من طراز رفيع، يمتاز بذاكرة قوية وله قدرة كبيرة على تذكر كل ما تقع عليه عيناه. وهذا فعلا ما حدث، تذكر الأشياء الأساسية، لكن اشتركنا بالطبع معا في طرح الأسئلة. وكما تقتضي الأصول المهنية، بادر هو إلى طرح السؤال الأول، وكان سؤالا ممتازا، حيث قال العمير: «صاحب الجلالة نهنئكم بالعام الجديد (كان اللقاء في الأسبوع الأول من يناير) ويسرنا كثيرا أن تخصوا «الشرق الأوسط» الجريدة، التي أطلقنا عليها «الجريدة التي لا تتثاءب»، مع مطلع هذه السنة بأول حديث لكم مع وسيلة إعلامية. وبهذه المناسبة أيضا ننقل لكم اعتزاز «الشرق الأوسط» بكم وبموقفكم منها. سيدي صاحب الجلالة بماذا يفكر ملك المغرب هذا العام داخليا وخارجيا؟»، لاحظت شخصيا أن الملك أعجبه كثيراً هذا المدخل.
لكن لماذا اختار الملك أن يتحدث في بداية السنة؟
- أعتقد أن الملك أراد أن يتحدث في بداية السنة لطرح بعض المواقف داخليا وخارجيا. كان حوارا طويلا تعرض فيه لجميع القضايا الداخلية والخارجية، والحديث بنصه الكامل منشور في كتاب العمير «مقابسات نهاية القرن.. حوارات مع القادة وصانعي القرار السياسي العربي والدولي». أهدى لي الأخ العمير ذلك الكتاب، وكنت وقتها غادرت «الشرق الأوسط» بعبارة رقيقة جدا، قال فيها «الصديق الزميل طلحة جبريل جهد عشناه معا». على الأقل، المسألة تختلف عن آخرين يريدون أن ينسبوا كل شيء إلى أنفسهم.
هل تقصد هنا عرفان نظام الدين؟
- لا أريد أن أتوقف عند هذه القضية مرة أخرى، وأود أن أشير في الوقت نفسه إلى أنه كانت هناك التفاتة أخرى من عثمان العمير، وهي أن الصورة الوحيدة، التي نشرت في ذلك الكتاب من صور ذلك الحوار، هي صورتنا مع الحسن الثاني. كما كانت هي الصورة التي تصدرت ملحق الصور. بصراحة قدرت كثيرا في عثمان العمير هذه الالتفاتة، وكما قلت كانت علاقتي معه متينة جدا، لكن نعرف أن غبار الحياة عندما يتراكم على العلاقات الشخصية يحدث بعد ذلك التباعد.
وما هي الأوضاع الداخلية التي طرحت في هذا الحوار مع الحسن الثاني؟
- شخصيا ركزت في أسئلتي على موضوع الأوضاع الداخلية، في حين طرح الأخ العمير أهم القضايا الخارجية. وفي ذلك الحوار عاد الملك من جديد ليوجه تحية خاصة للصحيفة، وقال بالحرف: «أريد أن أكرر ل«الشرق الأوسط» التهنئة الحارة والخالصة على نجاحها، ولكن ليس النجاح هو المهم في هذا الباب. المهم هو المواظبة على السير في طريق النجاح. الحقيقة أن «الشرق الأوسط» بنت بيتها ومجدها، وأوجدت موقعها بين القراء من جميع المستويات ومن جميع المشارب السياسية والفلسفية. مرة أخرى أعانكم الله، وزيدوا في طريقكم ولي اليقين أنكم ستلاقون النجاح الأكبر»، كان هذا ما قاله الملك بالحرف.
تحدث الملك عن الأصولية، وعن الجاليات المغربية في أوربا وانعكاسات الاتحاد الأوربي على المغرب، وعن الانتخابات الجزائرية التي قادت إلى دورة العنف في ذلك البلد والعلاقات الثنائية، وموقف الجزائر من نزاع الصحراء والاتحاد المغاربي. تحدث أيضا عن محاربة المخدرات في الشمال وتنمية المنطقة. كما تطرق إلى الانتخابات الجماعية التي جرت قبل إجراء الحوار، وكذلك عن الانتخابات التشريعية التي كانت ستجرى في ذلك العام، ومواصفات الوزير الأول الذي سيقع عليه الاختيار بعد تلك الانتخابات، وهل سيكون من داخل أو خارج البرلمان، ومسألة تناوب النخب وعدم وجود شباب في المراكز العليا، وتحويل الدرهم إلى العملة الصعبة.
أثرتم مع الحسن الثاني قضية الأصولية والمد الأصولي في العالم العربي والإسلامي..
-نعم، وأعتقد أن هذا هو أصعب سؤال طرحناه، إذ من كان يجرؤ أن يسأل الحسن الثاني في ذلك الوقت هذا السؤال، وسنأتي إلى وجهة نظر أخرى قالها الحسن الثاني حول موضوع الأصولية، وهناك شهود لازالوا أحياء يرزقون، أطال الله في عمرهم، يتذكرون ما قاله الملك أمامهم بخصوص هذه القضية. لكن ما قاله الحسن الثاني عن الأصولية في ذلك الحوار جاء بهذه الصيغة «الأصولية في العالم العربي موجودة منذ أن كان الإسلام. يجب علينا أن نعلم هذا ونعرفه. الشذوذ كان دائما موجودا في كل الديانات، والإسلام عرف هذا الشذوذ وهذا التطرف الديني، ولكن الشيء الذي أعطى لهذا التطرف الديني بعده المخيف والمهول، أنه في كثير من المواقع ومن المواضيع، وقع الخلط بين الشذوذ الديني والأسلوب السياسي... من قبل كان هناك شذوذ ديني يتناول أمور الدين، ولم يكن يطمح إلى أن يسوس ذلك التشدد الديني الحالة السياسية واليومية للمسلمين...ويجب أن نطبق علينا ما طبقه المسيحيون على أنفسهم، بأن نعطي لله ما لله ولهرقل ما لهرقل».
كم دامت هذه المقابلة مع الحسن الثاني؟
- دامت قرابة ساعتين. نحن لم نلتزم بالوقت الذي حدده الملك، وكان الأمير محمد شقيق الملك حسين ينتظر كل هذه المدة. أتذكر عندما خرجنا من القصر الملكي قلت للأخ عثمان العمير: «نحن زدنا درجة»، فسأل «كيف؟» قلت له: «جعلنا أميرا ينتظر».
وماذا وقع بعد أن أنهيتما الحوار؟
- بعد أن أنهينا الحوار وقبل أن نغادر القصر الملكي حدثت أربعة أمور.
كان الأمر الأول هو أني قدمت إصدارات جديدة من الشركة التي تصدر «الشرق الأوسط»، من بينها يومية «الاقتصادية» ومجلة «هي» الشهرية الخاصة بالمرأة، ثم مجلة «الرجل» الشهرية. تصفح الملك بعناية يومية «الاقتصادية»، وكانت أول صحيفة عربية يومية متخصصة في الاقتصاد وعالم الأعمال، وقال: «هذه فكرة طيبة أن يكون هناك شباب عربي يعمل على إصدار صحيفة يومية متخصصة في الاقتصاد»، وفوجئت بالملك يرفع الصحيفة ويطلب من المصورين التصوير، وهو يقول لي: «هذه الصورة تقديرا لك وللشباب أمثالك من الصحافيين النزهاء».
وهل هناك شهود على هذا الكلام؟
- هذا الكلام قاله الملك أمام الجميع، أمام المصورين، وكان هناك أندري أزولاي وإدريس البصري وعبد الحق المريني وبالطبع الأخ العمير، وكان ذلك أكبر تقدير سمعته في حياتي. الصورة التي أبدو فيها مع الحسن الثاني حاملا يومية «الاقتصادية» هي قطعا أهم صورة طيلة مسيرتي المهنية.
الأمر الثاني هو أني طلبت بعد أن قدمت له الإصدارات الجديدة، إجراء حوار مع الأميرة للا مريم ينشر في مجلة «سيدتي» فوافق الملك على ذلك. أما الأمر الثالث كان أن طلب الأخ العمير من الملك الموافقة على طباعة صحيفة «المسلمون»، التي كانت تصدرها المجموعة، في المغرب، فوعد الملك بدراسة الطلب، وبقى ذلك الطلب معلقا حتى توقفت الصحيفة نفسها. والأمر الرابع هو أن العمير قدم للحسن الثاني ألبوماً من الصور كان التقطها المصور السعودي الشاب صالح العزاز، رحمه الله، للملك في لقائنا السابق، كان العزاز يواجه إشكالات في السعودية بسبب صورة التقطها لمظاهرة في الرياض تطالب بمنح المرأة حق قيادة السيارات. أظن أن العمير أراد أن يطوي تداعيات ذلك الحادث بطريقة ذكية، حيث يصعب من باب اللياقة استمرار محاسبة العزاز على تلك الصورة، والرجل، رحمه الله، أصبح يهدي ألبوماته لقادة من وزن الحسن الثاني.
نشر ذلك الحوار مع الملك في الصحيفة بمقدمة لافتة كتبها عثمان العمير، ثم بث كاملا في التلفزة بعد نشره، لكن حدث إشكال عندما بث الحوار، إذ اتضح بأن جهاز تسجيل الصوت في القصر الملكي لم يسجل الحوار، وعرفت أن الملك غضب غضبا شديدا بسبب ذلك. وقد قرأ عبد الرحمان العدوي، وكان أحد المذيعين الأساسيين في نشرة الأخبار الرئيسية، الحوار بصوته، وقال في تقديمه: «نقدم إليكم نص الحوار الذي أجرته صحيفة «الشرق الأوسط» كما نشرته الصحيفة»، وراح يقرأ الأسئلة والأجوبة. وتساءل الناس وقتها لماذا لم يقدم النص كما سجل، خاصة أنه جرت العادة أن تبث مقابلات الملك كما سجلت، وقد قيلت عدة تفسيرات، لكن السبب كان هو خطأ تقني لا أكثر ولا أقل.
يبدو أن الملك كان مزاجه رائقا في هذا الحوار معكما؟
- نعم، كان مزاجه رائقا جدا. كان الملك سعيدا بالأصداء التي تركها كتاب «ذاكرة ملك». خلال ذلك اللقاء اقترح عثمان العمير على الملك أن نحتفي بصدور الكتاب في المغرب، وأوضح أن أفضل طريقة هي دعوة مفكرين ومؤرخين من جميع أنحاء العالم العربي للمشاركة في ندوة تخصص لقراءة علمية ونقدية للكتاب. راقت الفكرة للملك، وطلب تحديد الموعد، وبسبب تلك الندوة سيأتي اللقاء الخامس مع الملك، الذي جرى فيه حوار لم ينشر، وسأعود إلى تفاصيل هذا الموضوع. وبالفعل اتفقنا على تنظيم الندوة وحفل كبير، بعد بضعة أسابيع من لقاء فاس، في مدينة الدار البيضاء في فندق «رويال منصور» من أجل ذلك الغرض. تكلف عثمان العمير بمسألة اختيار كوكبة متميزة من المفكرين والمؤرخين من جميع أنحاء العالم العربي، وتكلفت بترتيبات تنظيم الندوة والحفل الذي كان توقعنا أن يحضره عدد من كبار المسؤولين، لكن كانت في انتظارنا مفاجأة رائعة، لم نكن ندري عنها شيئا، سأتحدث عنها بالتفصيل.
تقصد حضور عبد اللطيف الفيلالي ذلك الحفل؟
- الفيلالي لم يكن في ذلك الوقت هو الوزير الأول، بل كان محمد كريم العمراني. وعلى أي حال، لم تكن للفيلالي علاقة بالأمور التي تكون «الشرق الأوسط» طرفا فيها، إلا في مرة واحدة، كما أسلفت، عندما كان وزيرا للإعلام عام 1985.
ما هي قصة خلافك مع عبد اللطيف الفيلالي؟
-لا يمكن أن يكون هناك أصلا خلاف بين رجل دولة وصحافي. أي صحافي يعتقد أن هناك خلافاً بينه وبين رجل دولة يعني أنه يخلط بين مهامه في نقل الأخبار ورغبته في أن يكون صانعا لهذه الأخبار. طيلة حياتي المهنية كنت أنقل الأخبار، ولم أكن صانعا لها. الصحافي يصبح طرفا في صنع الأخبار في حالة واحدة، عندما يجمع معلومات موثوقة وينشرها دون رغبة صانعيها، ثم إن الصحافي يحتاج دائما إلى رجل الدولة لأنه صانع أخبار. صحيح أن هناك بعض رجال الدولة يثقون أو يرتاحون في تعاملهم مع وسيلة إعلام دون أخرى، ومع هذا الصحافي أو ذاك، وفي تقديرهم أنها الأقدر على نقل وجهات نظرهم بطريقة صحيحة، وفي بعض الأحيان يعتقدون أن فلانا أو فلانا هو الأكثر كفاءة في نقل أفكارهم... هذه هي المسألة من الزاوية المهنية. العلاقة بين الصحافي ورجل الدولة تتحكم فيها الكثير من الاعتبارات، وفي بعض الأحيان حتى القيل والقال.
لكن علاقتك بالفيلالي كانت دائما غير ودية؟
- كل ما في الأمر أني لم أكن أرتاح له، والفيلالي، رحمه الله، كان له أسلوب جاف في التعامل مع الصحافيين، خاصة إذا كانوا من العالم الثالث، حتى لا أقول من العالم العربي، وهو كذلك لم يكن يرتاح لي، وعبر عن ذلك أكثر من مرة. ولم يسبق لي أن تواصلت معه في أي قضية من القضايا أو حدث من الأحداث، على الرغم من أنه كان وزيرا للإعلام ثم وزيرا للخارجية ووزيرا أول. وأعتقد أنه تضايق جدا عندما كتبت مرة أن تصريحاته «أندر من أسنان الدجاج».
المناسبة الوحيدة التي التقيت فيها عبد اللطيف الفيلالي تمثلت في لقاء في الرباط قبل أول حوار مع الملك عام 1985، إذ زرته رفقة عرفان نظام الدين، رئيس تحرير «الشرق الأوسط» آنذاك، في مكتبه بصفته وزيرا للإعلام ليخبرنا بموعد اللقاء مع الملك. خرج عرفان نظام الدين مستاء من الأجواء التي تم فيها استقبالنا من طرف الفيلالي، وقال معلقا على اللقاء: «هذا ليس وزير إعلام، إنه يبدو متكتما للغاية». وفعلا، جرى ذلك اللقاء مع الفيلالي في أجواء فاترة، وكان يبدو غير متحمس للحديث، بل كان ينفذ أمرا طلب منه لا أقل ولا أكثر.
كان الفيلالي يغضب كثيرا إذا نشرنا في «الشرق الأوسط» خبرا حول سياسة وزارته في تدبير الملفات الخارجية. وأذكر أنه شكاني مرة إلى السفير علي ماجد قباني، الذي كان وقتها سفيرا للمملكة العربية السعودية بالرباط. وجاء في مضمون شكواه «أن طلحة جبريل يحرجنا بأخباره حول المغرب».
كيف علمت أن الفيلالي شكاك إلى السفير السعودي؟
- أخبرني السفير السعودي شخصيا بشكوى عبد اللطيف الفيلالي وتداول معي وديا في الأمر، لكن كان ردي أن مهمتي هي أن أنشر الأخبار التي تتعلق بالسياسة الخارجية للمغرب، وأن أتحرى في نشرها كل الشروط المهنية اللازمة، وإذا لم أنشر أخبارا، فما جدوى عملي في الصحيفة. وأسجل هنا أن قباني تعامل معي في هذه القضية بمنتهى اللطف ولم يصدر عنه أي موقف سلبي تجاهي.
هل صحيح أن الفيلالي رفض أن يلتقي مجموعة من رابطة المراسلين الصحافيين العرب لأنك كنت ضمن المجموعة؟
- نعم. هذا ما حصل مع الأسف. والشاهد على هذه الواقعة هو سي محمد اليازغي، الذي كان وقتها هو الكاتب العام للنقابة الوطنية للصحافة المغربية. ذلك أن اليازغي اجتمع، رفقة بعض أعضاء المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية، مع الفيلالي، الذي كان آنذاك وزيرا للخارجية، وكان الزملاء المراسلون طلبوا من سي اليازغي أن يقترح على وزير الخارجية عقد لقاءات مع المراسلين بين الفينة والأخرى من أجل أن يشرح لنا موقف المغرب من بعض القضايا التي تهم سياسة المغرب الخارجية. وفعلا، كنا نعاني معاناة حقيقية للحصول على معلومة من وزارة الخارجية في عهد عبد اللطيف الفيلالي. المهم أن الفيلالي ما أن سمع من اليازغي أن اسمي مدرج ضمن لائحة هؤلاء الصحافيين العرب الذين يرغبون في لقائه، حتى قال من غير تردد: «لا أريد أن ألتقي بهم»، وعندما سئل عن السبب أجاب قائلا: «بسبب طلحة جبريل».
وهل سبق لك أن أثرت هذا الأمر مع محمد اليازغي؟
- لا، مطلقا، حتى اليوم.
وكيف توصلت إلى هذه المعلومات؟
- عبر الصديق عبد اللطيف عواد، الذي كان عضوا في المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية، بصفته مدير صحيفة «أنوال»، لسان حال منظمة العمل الديمقراطي الشعبي في تلك الفترة. وأذكر في هذا السياق أن عواد جاء عندي وسألني باستغراب عما إذا كان هناك سوء فهم بيني وبين عبد اللطيف الفيلالي، فقلت له: «كيف يقع بيننا سوء فهم وهو وزير خارجية المغرب وأنا صحافي؟ ثم كيف يحدث سوء فهم وأنا لا أعرفه عن قرب وهو لا يعرفني معرفة شخصية؟». وعلق عواد على ذلك قائلا: «الرجل لا يطيق سماع اسمك»، ثم روى لي الوقائع كما سمعها خلال اجتماع وفد المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية مع الفيلالي.
لكن علاقتك بنجله فؤاد الفيلالي كانت دائما «سمنا على عسل» كما يقال؟
- نعم، وهذه هي المفارقة، بل دعني أقول إن علاقتي مع نجله فؤاد الفيلالي كانت جيدة جدا، عندما كان على رأس المجموعة الاقتصادية «أونا»، حيث اشتغلنا معا في ملف له علاقة بتأسيس صحيفة كان يفترض أن تصدرها «أونا»، بالاشتراك مع «الشرق الأوسط»، إذ كنت شخصيا مرشحا لرئاسة تحرير تلك الصحيفة باقتراح من فؤاد الفيلالي نفسه، لكن تلك الصحيفة لم يكتب لها أن تصدر.
في أية سنة كان مقررا أن تصدر هذه الصحيفة؟
- كان منتظرا أن تصدر الصحيفة في عام 1994، وكانت تلك أول مرة يعرض فيها علي أن أكون رئيسا لتحرير صحيفة مغربية، وكنا قطعنا أشواطا طويلة في المشروع، قبل أن يطوى.
ولماذا لم ير النور هذا المشروع؟
- السبب هو أن المسؤولين في «الشرق الأوسط» لم يتحمسوا للفكرة بعد أن تبين لهم أن الصحيفة الجديدة يمكن أن تؤثر على توزيع «الشرق الأوسط» في المغرب. وهذه المسألة المتعلقة بإصدار صحيفة تكون لسان حال مجموعة «أونا» ظلت بيني وبين فؤاد الفيلالي ولا أحد من المسؤولين المغاربة كان على علم بها. وهذه أول مرة أتحدث عنها.
أنت واحد من الصحافيين الذين جالسوا كثيرا المستشار الملكي عبد الهادي بوطالب، هل سبق له أن أثار معك لماذا كان عبد اللطيف الفيلالي ضد الانفتاح على العرب؟
- لم أسمع ذلك من عبد الهادي بوطالب أي كلام من هذا القبيل. مرة سمعت من بوطالب يقول إن الملك عندما كان يكلف الفيلالي بزيارة دولة عربية كان يشعر بالضيق الشديد. وتبرم الفيلالي من العرب كان واضحا في كتابه عندما هاجم الجامعة العربية، بل يقال إنه كان واحدا من المسؤولين الذين كانوا ينصحون الحسن الثاني بضرورة توثيق العلاقة مع أوربا بدلا من العرب. وسمعت شخصيا من مصدر في الجامعة العربية أن الفيلالي حين كان يرأس وفد المغرب لاجتماعات وزراء الخارجية العرب، كان لا ينطق بكلمة واحدة. لكن المؤكد منه أن الفيلالي، رحمه الله، كان متشبعا إلى حد كبير بالثقافة الفرنسية.

[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.