اجتماع بالرباط لتقييم حصيلة الجهوية المتقدمة يدعو لتعزيز الالتقائية بين العمل الحكومي والجهات    وليد الركراكي: هدفنا الحفاظ على صدارة مجموعتنا برسم الإقصائيات المؤهلة لمونديال 2026    الجزائر تتعرض لانتكاسة على أرضها أمام غينيا    الاقتصاد الروسي ينمو، ولكن هل يستطيع أن يستمر؟        الدار البيضاء تحتضن الملتقى الثامن للمدينة الذكية    المدرب عموتة يجدد التألق مع الأردن        أخنوش يمثل بمجلس النواب لمناقشة الاستثمار ودينامية التشغيل    إسرائيل ترفض مشروع قرار أميركي بمجلس الأمن بوقف الحرب على غزة    السعودية تعلن الجمعة غرة شهر دي الحجة والأحد أول أيام عيد الأضحى    مجلس الحكومة يتتبع عرضا حول برنامج التحضير لعيد الأضحى    حريق يسقط مصابين في مدينة صفرو    رئيس الحكومة يناقش الاستثمار والعمل    عواصف قوية تخلف ضحايا في أمريكا    أيوب الكعبي يقدر انتظارات المغاربة    فتاة تطوان تخاطبكم    في مدح المصادفات..    وفرة المهاجمين تحير وليد الركراكي    إطلاق منصة رقمية للإبلاغ عن المحتويات غير المشروعة على الأنترنيت    الأمثال العامية بتطوان... (618)    بسبب "الفسق والفجور".. القضاء يصدم حليمة بولند من جديد    مليون و200 ألف مجموع الحجاج الذين قدموا لأداء مناسك الحج في حصيلة أولية    وليد الركراكي يوضح موقفه من حج نصير مزراوي    الملك يهنئ عاهل مملكة السويد والملكة سيلفيا بمناسبة العيد الوطني لبلدهما    "غياب الشعور العقدي وآثاره على سلامة الإرادة الإنسانية"    إصدار جديد بعنوان: "أبحاث ودراسات في الرسم والتجويد والقراءات"    تداولات إغلاق البورصة تتشح بالأخضر    الأرض تهتز تحت أقدام ساكنة الحسيمة    الحكومة تحدد مسطرة جديدة لإخراج قطع أرضية من الملك العمومي المائي    طنحة تطلق العد التنازلي لموسم الصيف وتنهي تهيئة شواطئها لاستقبال المصطافين    الحكومة تؤكد فتح تحقيق قضائي في فاجعة "الماحيا"    أساتذة العلوم يحتجون في كلية تطوان    هذه أسباب نفوق 70 من أضاحي العيد    في وداع حقوقي مَغربي    ضبط سيارة بمخدرات في القصر الكبير    مبيعات الإسمنت تتجاوز 5,52 مليون طن    الإجهاد الفسيولوجي يضعف قدرة الدماغ على أداء الوظائف الطبيعية    أونسا يكشف أسباب نفوق أغنام نواحي برشيد    إسبانيا تنضم رسميًا لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام العدل الدولية    قرض ألماني بقيمة 100 مليون أورو لإعادة إعمار مناطق زلزال "الحوز"    توقعات أحوال الطقس غدا الجمعة    تكريم مدير المركز السينمائي عبد العزيز البوجدايني في مهرجان الداخلة    مقتل قرابة 100 شخص بولاية الجزيرة في السودان إثر هجوم    أولمبياد باريس 2024 : ارتفاع أسعار السكن والإقامة    ارتفاع أسعار الذهب مع تراجع الدولار وعوائد سندات الخزانة    أمسية شعرية تسلط الضوء على "فلسطين" في شعر الراحل علال الفاسي    هشام جعيط وقضايا الهوية والحداثة والكونية...    الصناعة التحويلية .. أرباب المقاولات يتوقعون ارتفاع الإنتاج    أولمبياكوس يُغري الكعبي بعرض يتجاوز 5 ملايين يورو    الصحة العالمية: تسجيل أول وفاة بفيروس إنفلونزا الطيور من نوع A(H5N2) في المكسيك    مقتل 37 شخصا في قصف مدرسة بغزة    الممثلة حليمة البحراوي تستحضر تجربة قيادتها لأول سربة نسوية ل"التبوريدة" بالمغرب    نور الدين مفتاح يكتب: آش غادي نكملوا؟    "التسمين" وراء نفوق عشرات الخرفان المعدة لعيد الأضحى بإقليم برشيد    حكومة الاحتلال واعتبار (الأونروا) منظمة إرهابية    قوافل الحجاج المغاربة تغادر المدينة المنورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحساب‮ صابون‮
نشر في المساء يوم 17 - 03 - 2011

لعل‮ السؤال‮ الكبير‮ الذي‮ يطرحه‮ جل‮ المغاربة‮ اليوم،‮ بعد‮ التحدي‮ الدستوري‮ الذي‮ طرحه‮ الملك،‮ هو‮: هل‮ برلماننا‮ وأحزابنا‮ السياسية‮ مستعدة‮ لكي‮ تكون‮ في‮ مستوى‮ هذا‮ التحدي؟
بعد‮ أقل‮ من‮ سنة،‮ في‮ حالة‮ تصويت‮ الشعب‮ بالموافقة‮ على‮ الدستور‮ الجديد،‮ سيتحمل‮ الشعب‮ مسؤولية‮ من‮ سينتخبهم‮ لتسيير‮ أموره‮. كيف،‮ إذن،‮ سيفرز‮ الشعب‮ النخبة‮ التي‮ ستسير‮ شؤونه‮ إذا‮ كان‮ سواده‮ الأعظم‮ غير‮ منخرط‮ في‮ الأحزاب‮ السياسية‮ ولا‮ يذهب‮ إلى‮ التصويت‮ في‮ الانتخابات؟
هذا‮ سؤال‮ إشكالي‮ يتطلب‮ جوابا‮ صريحا‮ وعاجلا‮.
نحن‮ نعيش‮ أزمة‮ مصداقية‮ حادة‮ لدى‮ النخب‮ السياسية‮ جعلت‮ العملية‮ الانتخابية‮ برمتها‮ تتحول‮ إلى‮ مسخرة‮. هذا‮ يعني‮ أن‮ أولوية‮ الأولويات‮ اليوم‮ في‮ المغرب‮ هي‮ إعادة‮ المصداقية‮ إلى‮ اللعبة‮ السياسية‮ التي‮ أطلق‮ الهمة‮ وحزبه‮ نحو‮ صدغها‮ رصاصة‮ الرحمة،‮ إلى‮ درجة‮ أنه‮ (‬الهمة‮) لم‮ يتورع‮ خلال‮ الأسبوع‮ الماضي‮ عن‮ إجلاس‮ وزير‮ في‮ الأغلبية‮ الحكومية‮ وسط‮ أعضاء‮ المكتب‮ السياسي‮ لحزبه‮ الذي‮ يوجد‮ في‮ المعارضة‮. «‬وسير‮ فهم‮ نتا‮ شي‮ زفتة‮».‬
ولذلك،‮ فأول‮ خطوة‮ لإعادة‮ المصداقية‮ إلى‮ المشهد‮ السياسي‮ يجب‮ أن‮ تبدأ‮ بإعادة‮ حزب‮ الهمة‮ إلى‮ حجمه‮ الطبيعي‮ وتجريده‮ من‮ القداسة‮ التي‮ أحاطه‮ بها‮ مؤسسه‮ والتي‮ استعملها‮ تابعوه‮ لإرهاب‮ خصومهم‮ واستدراج‮ ذوي‮ السوابق‮ منهم،‮ تحت‮ الإكراه‮ المادي‮ والمعنوي،‮ إلى‮ صفوف‮ الحزب‮.‬
هذا‮ لا‮ يعني‮ أن‮ بقية‮ الأحزاب‮ الأخرى‮ يقودها‮ أشخاص‮ نورانيون‮ ملائكيون‮ لا‮ يأتيهم‮ الباطل‮ من‮ بين‮ أيديهم‮ ولا‮ من‮ خلفهم،‮ لكن‮ مهما‮ طغى‮ هؤلاء‮ الزعماء‮ وتجبروا‮ على‮ قواعدهم‮ الحزبية‮ فإنهم‮ لن‮ يبلغوا‮ المستوى‮ الخطير‮ الذي‮ وصل‮ إليه‮ طغيان‮ الهمة‮ وحوارييه‮.‬
في‮ جميع‮ الدول‮ الديمقراطية،‮ يكون‮ زعماء‮ الأحزاب‮ السياسية‮ مثالا‮ للنزاهة‮ ونظافة‮ اليد‮ وسلامة‮ الذمة،‮ بحيث‮ يقدمون‮ إلى‮ مناضليهم‮ المثال‮ الذي‮ يجب‮ أن‮ يتم‮ الاقتداء‮ به‮.‬
في‮ المغرب،‮ لدينا‮ زعماء‮ أحزاب‮ سياسية‮ سبق‮ لهم‮ أن‮ مروا‮ من‮ دواليب‮ الحكومات‮ التي‮ تعاقبت‮ على‮ المغاربة،‮ وتركوا‮ ما‮ يدل‮ على‮ آثارهم‮ المدمرة‮ في‮ القطاعات‮ التي‮ تحملوا‮ مسؤولية‮ تسييرها‮. ومن‮ يعود‮ إلى‮ تقارير‮ المجلس‮ الأعلى‮ للحسابات‮ سيعثر‮ على‮ «‬منجزاتهم‮» بالأرقام‮ والتواريخ‮ والفواتير‮.‬
لذلك،‮ فالمطلوب‮ هو‮ أن‮ تنجز‮ الأحزاب‮ السياسية‮ ثوراتها‮ الخاصة‮ وتنظف‮ بيتها‮ الداخلي‮ وتفرز‮ نخبة‮ جديدة‮ بدماء‮ جديدة‮ ووجوه‮ جديدة،‮ لأن‮ الوجوه‮ القديمة‮ والمستهلكة‮ تجاوزت‮ مدة‮ صلاحيتها‮ السياسية‮ ولم‮ تعد‮ تقنع‮ أحدا‮ بالمشاركة‮ في‮ الانتخابات‮.‬
الشيء‮ الثاني‮ المهم‮ الذي‮ سيشجع‮ المغاربة‮ على‮ الإقبال‮ على‮ السياسة،‮ هو‮ تفعيل‮ مبدأي‮ المحاسبة‮ القانونية‮ والعقاب‮ ضد‮ كل‮ من‮ يتورط‮ أثناء‮ تسييره‮ للشأن‮ العام‮ في‮ اختلاس‮ أموال‮ دافعي‮ الضرائب‮.
وشخصيا،‮ أعتقد‮ أن‮ أهم‮ وأخطر‮ المرتكزات‮ في‮ الدستور‮ الذي‮ اقترحه‮ الملك‮ في‮ خطابه‮ هو‮ المرتكز‮ السادس‮ المتعلق‮ بتقوية‮ آليات‮ تخليق‮ الحياة‮ العامة‮ وربط‮ ممارسة‮ السلطة‮ والمسؤولية‮ العمومية‮ بالمراقبة‮ والمحاسبة‮.
إن‮ هذا‮ المرتكز‮ يشكل،‮ بالإضافة‮ إلى‮ المرتكز‮ الثالث‮ المتعلق‮ بالارتقاء‮ بالقضاء‮ إلى‮ سلطة‮ مستقلة‮ وتعزيز‮ صلاحيات‮ المجلس‮ الدستوري‮ تعزيزا‮ لسيادة‮ القانون‮ والمساواة‮ أمامه،‮ صلب‮ الثورة‮ الدستورية‮ التي‮ يبشر‮ بها‮ الملك‮.
والواقع‮ أن‮ نجاح‮ كل‮ المرتكزات‮ الأخرى‮ التي‮ جاءت‮ في‮ ديباجة‮ الخطاب‮ الملكي‮ تتوقف‮ أساسا‮ على‮ التطبيق‮ العاجل‮ لهذين‮ المرتكزين‮ المتعلقين‮ بربط‮ ممارسة‮ السلطة‮ والمسؤولية‮ العمومية‮ بالمراقبة‮ والمحاسبة‮ في‮ إطار‮ سيادة‮ القانون‮ والمساواة‮ أمامه‮.‬
عندما‮ سيقف‮ أبناء‮ الأمراء‮ وأبناء‮ الوزراء‮ والوزراء‮ والولاة‮ والعمال‮ والموظفون‮ السامون‮ والجنرالات‮ أمام‮ القضاء‮ مثلما‮ يقف‮ المواطنون‮ البسطاء،‮ آنذاك‮ سيفهم‮ المغاربة‮ أن‮ القانون‮ أصبح‮ يسري‮ على‮ الجميع‮ بنفس‮ القدر،‮ وأن‮ عهد‮ «‬واش‮ ماعترفتيش‮ مع‮ من‮ كاتهضر‮» انقضى‮ وانتهى‮ إلى‮ غير‮ رجعة‮.
آنذاك،‮ سيفهم‮ كل‮ من‮ يريد‮ أن‮ يتقدم‮ إلى‮ الانتخابات‮ لكي‮ يتحمل‮ مسؤولية‮ السلطة‮ والتسيير‮ أن‮ هناك‮ شيئا‮ في‮ الدستور‮ اسمه‮ المراقبة‮ والمحاسبة،‮ وأن‮ السياسة‮ لم‮ تعد‮ سلما‮ للارتقاء‮ الاجتماعي‮ والاغتناء‮ الاقتصادي‮.‬
إنه‮ تمرين‮ شاق‮ وضروري‮ لإعادة‮ السياسة‮ إلى‮ وظيفتها‮ الأصلية،‮ أي‮ إلى‮ ساحة‮ صراع‮ الأفكار‮ والمناهج‮ والبرامج‮ من‮ أجل‮ تشكيل‮ وعي‮ سياسي‮ لدى‮ المواطنين‮ بحقوقهم‮ وواجباتهم‮ خدمة‮ للصالح‮ العام‮.
وعوض‮ أن‮ تظل‮ الأحزاب‮ السياسية‮ بمثابة‮ دكاكين‮ انتخابية‮ يستغلها‮ زعماؤها‮ للمتاجرة‮ في‮ التزكيات،‮ ستتحول‮ إلى‮ مؤسسات‮ لصناعة‮ الرأي‮ العام‮ وخلق‮ توازن‮ في‮ ميزان‮ القوى‮ السياسي‮.‬
وهو‮ التوازن‮ الغائب‮ الآن،‮ والذي‮ بسببه‮ ظهرت‮ نبتة‮ طفيلية‮ ضارة‮ اسمها‮ الأصالة‮ والمعاصرة‮ واجتاحت‮ الحقل‮ السياسي‮ والتهمت‮ الأعشاب‮ البرية‮ التي‮ كان‮ من‮ الممكن‮ أن‮ تشكل‮ ربيع‮ الديمقراطية‮.‬
إن‮ ما‮ نفر‮ وكره‮ العمل‮ السياسي‮ والحزبي‮ إلى‮ المغاربة‮ وجعلهم‮ يهربون‮ من‮ صناديق‮ الاقتراع‮ كما‮ يهرب‮ المرء‮ من‮ الجرب،‮ هو‮ رؤيتهم‮ للعديد‮ من‮ المستشارين‮ والعمداء‮ وممثلي‮ الشعب‮ في‮ البرلمان‮ يقترفون‮ الجرائم‮ والمخالفات‮ تحت‮ غطاء‮ الحصانة‮ التي‮ توفرها‮ لهم‮ المؤسسات‮ المنتخبة‮ التي‮ يحتمون‮ بها،‮ أمام‮ أنظار‮ العدالة‮ ومؤسسات‮ المراقبة‮ والتفتيش‮.‬
إن‮ أكبر‮ تمييع‮ للحياة‮ العمومية‮ والسياسية‮ هو‮ تجميد‮ تقارير‮ قضاة‮ المجلس‮ الأعلى‮ للحسابات‮ وتقارير‮ المفتشية‮ العامة‮ للمالية‮ والداخلية،‮ ومنح‮ المدراء‮ والرؤساء‮ والمسؤولين‮ المتورطين‮ في‮ تبديد‮ المال‮ العام‮ حماية‮ قانونية‮ تشجعهم‮ على‮ الاستمرار‮ في‮ سرقاتهم‮.‬
إن‮ مجرد‮ تحريك‮ المتابعة‮ القانونية‮ في‮ حق‮ هؤلاء‮ المسؤولين‮ سيعيد‮ إلى‮ القضاء‮ هيبته‮ على‮ الفور،‮ وسيجعل‮ كل‮ من‮ يتقلد‮ مسؤولية‮ عمومية‮ يستحضر‮ شبح‮ المراقبة‮ والمتابعة‮. بمعنى‮ آخر،‮ سيفهم‮ الجميع‮ أن‮ عهد‮ «‬السيبة‮» داخل‮ المؤسسات‮ العمومية‮ والمنتخبة‮ انتهى،‮ و‮«‬اللي‮ فرط‮ يكرط‮».
ما‮ ظل‮ يحدث،‮ للأسف،‮ طيلة‮ السنوات‮ الأخيرة‮ من‮ «‬تمياك‮» على‮ اللصوص‮ والمبذرين‮ الذين‮ نملأ‮ بفضائحهم‮ أوراق‮ هذه‮ الجريدة،‮ يجب‮ أن‮ ينتهي‮ الآن‮. فبعد‮ الخطاب‮ الملكي‮ الثوري،‮ لم‮ يعد‮ للقضاء‮ أي‮ عذر‮ للتستر‮ على‮ ملفات‮ كل‮ هؤلاء‮ المسؤولين‮ الذين‮ وردت‮ أسماؤهم‮ في‮ تقارير‮ هيئات‮ المراقبة‮ والتفتيش‮.‬
سيقول‮ قائل‮ إننا‮ نطالب‮ بالشروع‮ في‮ حملة‮ لمطاردة‮ الساحرات،‮ وسنجيب‮ بالإيجاب‮. نعم،‮ الشعب‮ يريد‮ حملة‮ تطهير‮ تطيح‮ برؤوس‮ الفساد‮ في‮ المؤسسات‮ العمومية‮ والمنتخبة‮. وإذا‮ كانت‮ تحقيقاتنا‮ ومقالاتنا‮ المعززة‮ بالوثائق‮ والأرقام‮ غير‮ كافية‮ لكي‮ تحرك‮ النيابة‮ العامة‮ المتابعة‮ في‮ حق‮ من‮ نتهمهم‮ بالفساد‮ المالي‮ والإداري،‮ فأمامها‮ تقارير‮ مفصلة‮ أنجزها‮ قضاة‮ محلفون‮ ومتخصصون‮ في‮ الشؤون‮ المالية‮.‬
ولنفترض‮ أن‮ ما‮ ننشره‮ في‮ هذا‮ الركن‮ من‮ تحقيقات‮ حول‮ الفساد‮ والمفسدين‮ تتحكم‮ فيه‮ حسابات‮ خفية‮ تجعل‮ النيابة‮ العامة‮ تحجم‮ عن‮ «‬توريط‮» نفسها‮ في‮ هذه‮ الحروب‮ الخفية،‮ فما‮ الذي‮ يجعلها‮ تحجم‮ عن‮ فتح‮ ملفات‮ المسؤولين‮ التي‮ أنجزها‮ القضاة‮. هل‮ تتحكم‮ في‮ تقارير‮ هؤلاء‮ القضاة‮ المحلفين‮ هم‮ أيضا‮ حسابات‮ خفية‮ تجهل‮ النيابة‮ العامة‮ مراميها‮ وتفضل‮ البقاء‮ بعيدا‮ عن‮ شظاياها؟
إن‮ هيبة‮ الدولة‮ ومصداقية‮ مؤسساتها‮ الدستورية،‮ بما‮ في‮ ذلك‮ المؤسسة‮ الملكية،‮ متوقفة‮ على‮ تفعيل‮ مبدأي‮ المراقبة‮ والمحاسبة‮ القانونية‮ لكل‮ من‮ يمارس‮ السلطة‮ والمسؤولية‮ العمومية‮.
في‮ غياب‮ تفعيل‮ صارم‮ وفوري‮ لهذين‮ المبدأين،‮ سيتم‮ تعويم‮ جميع‮ المرتكزات‮ الأخرى‮ للدستور‮ وتمييعها،‮ تماما‮ كما‮ تم‮ تمييع‮ أغلب‮ المؤسسات‮ الدستورية‮ التي‮ تم‮ إنشاؤها‮ خلال‮ العشر‮ سنوات‮ الأخيرة،‮ والتي‮ ظلت‮ مجرد‮ غرف‮ استماع‮ وتسجيل‮ بدون‮ صلاحيات‮ تنفيذية‮.‬
عندما‮ نرى‮ كيف‮ انتظرت‮ العدالة‮ الفرنسية‮ انتهاء‮ فترة‮ حكم‮ الرئيس‮ السابق‮ جاك‮ شيراك‮ لكي‮ تجبره‮ على‮ الوقوف‮ أمامها‮ للإجابة‮ عن‮ تهم‮ تعود‮ إلى‮ عشرين‮ سنة‮ خلت،‮ نفهم‮ المعنى‮ الحقيقي‮ لمبدأ‮ قوة‮ القانون‮.‬
هناك‮ تهمة‮ وهناك‮ متهم‮ وهناك‮ مسطرة‮ قانونية‮ يجب‮ أن‮ تحترم،‮ بغض‮ النظر‮ عن‮ اسم‮ المتهم‮ ووضعه‮ الاعتباري‮ وشعبيته‮ الكاسحة‮. هذه‮ هي‮ الديمقراطية‮ الحقيقية‮ التي‮ تجعل‮ المواطن‮ البسيط‮ مقتنعا‮ بأن‮ هناك‮ حائطا‮ أخيرا‮ يستطيع‮ الاحتماء‮ به‮ عندما‮ تنهار‮ أمامه‮ جميع‮ الحيطان،‮ هو‮ القضاء‮.‬
لذلك‮ لدي‮ إيمان‮ راسخ‮ بأن‮ الحل‮ الوحيد‮ لإعادة‮ الاعتبار‮ إلى‮ السياسة‮ والعمل‮ الحزبي‮ والعملية‮ الانتخابية‮ هو‮ إعادة‮ الاعتبار‮ إلى‮ مبدأي‮ المراقبة‮ والمحاسبة‮.‬
إلى‮ حدود‮ اليوم،‮ فالمبدأ‮ الوحيد‮ الذي‮ تم‮ تفعيله‮ في‮ المغرب‮ هو‮ مبدأ‮ المراقبة،‮ أي‮ «‬شوف‮ وسكت‮».
الصحافة،‮ «‬ديال‮ بصح‮» طبعا،‮ تراقب‮ يوميا‮. مؤسسات‮ المراقبة‮ الدستورية‮ تنجز‮ تقاريرها‮ سنويا‮. مفتشيات‮ الداخلية‮ والمالية‮ تنجز‮ تقاريرها‮ دوريا‮.
المشكلة‮ أن‮ القضاء،‮ الذي‮ يجب‮ أن‮ يتسلم‮ هذه‮ الملفات‮ ويقوم‮ بدوره‮ في‮ المحاسبة،‮ غائب‮ عن‮ الوعي‮. والسبب‮ هو‮ وجود‮ شرذمة‮ من‮ قدماء‮ محاربي‮ الإصلاح‮ داخل‮ قلعة‮ وزارة‮ العدل‮ والمحيط‮ الملكي‮ يعيقون‮ كل‮ خطوة‮ لتفعيل‮ مبدأ‮ المحاسبة،‮ لأن‮ تفعيل‮ هذا‮ المبدأ‮ سيسقط‮ رؤوس‮ بعض‮ أصدقائهم‮ الذين‮ كانوا‮ وراء‮ اقتراحهم‮ على‮ الملك‮ لشغل‮ مناصبهم‮.
أفراد‮ هذه‮ العصابة،‮ في‮ النهاية،‮ يخافون،‮ إذا‮ اندلعت‮ نيران‮ المتابعات،‮ من‮ أن‮ تصل‮ إلى‮ تلابيبهم،‮ ولذلك‮ يفضلون‮ إخمادها‮ في‮ المهد،‮ حتى‮ ولو‮ أتت‮ على‮ ثياب‮ الوطن‮. «‬المهم‮ تفوتهم‮ وتجي‮ فين‮ ما‮ بغات‮».‬
بعد‮ الخطاب‮ الملكي‮ الأخير،‮ لم‮ تعد‮ ممكنة‮ التضحية‮ بمصالح‮ شرذمة‮ من‮ الانتهازيين‮ والمنافقين‮ والمتملقين‮ على‮ حساب‮ مصلحة‮ وطن‮ بأكمله‮.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.