افتتاح خط جوي مباشر جديد بين مطاري تطوان وأمستردام    توقيع عقدين للتنزيل الجهوي لخارطة طريق السياحة 2023-2026    الأمثال العامية بتطوان... (598)    مستشارون ينتقدون اللغة "الانتقامية" لميراوي في مواجهة أزمة طلبة الطب    المغرب يدين إغلاق متطرفين إسرائيليين باب المغاربة في القدس    رئيس "الليغا" يؤكد انضمام مبابي لريال مدريد بعقد مدته 5 سنوات    كلميم: الاحتفاء بالذكرى ال 68 لتأسيس القوات المسلحة الملكية    وزير التجهيز: 3000 كلم طرق سيّارة ستواكب تنظيم المغرب لكأس العالم    كيف يمكن الاستعداد لامتحانات البكالوريا بهدوء وفعالية؟    تاريخها يعود ل400 مليون سنة.. الشيلي تعيد للمغرب 117 قطعة أحفورية مهربة    بعد استئنافه الحكم.. حامي الدين يمثل أمام محكمة فاس في هذا التاريخ    تنسيقيات التعليم تؤكد رفضها القاطع ل"عقوبات" الأساتذة وتحذر من شبح احتقان جديد    القضاء يتابع مُقتحم مباراة نهضة بركان والزمالك    الجامعة تعين مساعدا جديدا لطارق السكتيوي    قيمة منتجات الصيد الساحلي والتقليدي المسوقة ارتفعت لأزيد من 3,5 مليار درهم    340 نقطة سوداء على مستوى الطرق الوطنية تتسبب في حوادث السير    "أمنستي المغرب" تدعو إلى إلغاء تجريم الإجهاض والعلاقات الجنسية خارج الزواج    التوقيع على مذكرة إنشاء المركز الدولي للبحث والتكوين في الذكاء الاقتصادي بالداخلة    "الطابع" لرشيد الوالي يكشف عن مأساة مهاجر مغربي في رحلة بحث عن الهوية    الاتحاد الأوروبي يمنح الضوء الأخضر النهائي لميثاق الهجرة واللجوء الجديد    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    جماعة طنجة ترصد نصف مليار لتثبيت مئات الكاميرات لمراقبة شوارع المدينة    دار الشعر بمراكش تواصل الانفتاح على التعدد اللساني والتنوع الثقافي المغربي    حيتان "الأوركا" تحطم قاربا شراعيا بسواحل طنجة.. وتنسيق مغربي إسباني ينقذ طاقمه    إدارة السجن المحلي بتطوان تنفي تعرض سجين لأي اعتداء من طرف الموظفين أو السجناء    ارتفاع حصيلة قتلى العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 35173 منذ بدء الحرب    بسبب إياب نهائي الكونفدرالية.. تأجيل مواجهة نهضة بركان والرجاء إلى يوم 23 ماي القادم    الخط الأخضر للتبليغ عن الفساد يسقط 299 شخصا    "أكديطال" تفتتح مستشفى ابن النفيس    طبعة ثانية من « أوراق من دفاتر حقوقي «مهنة الحرية « للنقيب محمد الصديقي        "أطلنطا سند" تطلق التأمين المتعدد المخاطر منتوج "برو + المكتب"    قُصاصة حول إصدار    الباحث البحريني نوح خليفة: جهود المغرب تأتي موازية لتطلعات العالم الإنساني وعالم الطبيعة    بعد القضاء.. نواب يحاصرون وزير الصحة بعد ضجة لقاح "أسترازينيكا"    هاشم تقدم مؤلف "مدن وقرى المغرب"    دعوات متزايدة عبر الإنترنت لمقاطعة مشاهير يلتزمون الصمت حيال الحرب على غزة    بيع لوحة رسمها الفنان فرنسيس بايكن مقابل 27.7 مليون دولار    هل تكون إسبانيا القاطرة الجديدة للاقتصاد الأوروبي ؟    الصين تدعو لعلاقات سليمة ومستقرة مع كوريا    المغرب يفكك خلية إرهابية موالية ل"داعش" ينشط أعضاؤها بتزنيت وسيدي سليمان    أسعار النفط تواصل الارتفاع وسط توقعات شح الإمدادات    10 لاعبين يحرجون ريال مدريد قبل انطلاق الميركاتو    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    الجمعية الرياضية السلاوية للدراجات تتوج بسباقي القصر الكبير وأصيلا    دراسة: البكتيريا الموجودة في الهواء البحري تقوي المناعة وتعزز القدرة على مقاومة الأمراض    جامعة شعيب الدكالي تنظم الدورة 13 للقاءات المغربية حول كيمياء الحالة الصلبة    تبون يلتقي قادة الأحزاب السياسية.. هل هي خطوة لضمان دعمها في الاستحقاقات الرئاسية؟    بطولة فرنسا: مبابي يتوج بجائزة أفضل لاعب للمرة الخامسة على التوالي    اعتقالات و"اقتحام" وإضراب عام تعيشه تونس قبيل الاستحقاق الانتخابي    إسبانيا ترد على التهديد الجزائري بتحذير آخر    قناة أرضية تعلن نقلها مباراة الإياب بين بركان والزمالك    لماذا يجب تجنب شرب الماء من زجاجة بلاستيكية خصوصا في الصيف؟    الأمثال العامية بتطوان... (597)    نقابة تُطالب بفتح تحقيق بعد مصرع عامل في مصنع لتصبير السمك بآسفي وتُندد بظروف العمل المأساوية    وفاة أول مريض يخضع لزرع كلية خنزير معدل وراثيا    الأمثال العامية بتطوان... (596)    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد الغالي أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق القاضي عياض ل"التجديد":حان الوقت لإبعاد ''الداخلية'' عن التدخل في تضاريس المشهد الحزبي ومن ملف الانتخابات
نشر في التجديد يوم 16 - 03 - 2011

شدد محمد الغالي أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بكلية الحقوق القاضي عياض بمراكش على أن نجاح التطور الدستوري في المغرب سيظل مرتهنا بأن يجتاز المشهد الحزبي الأزمة التي يتخبط فيها. فالمطلوب في نظر الغالي هو تكريس مبادئ الشفافية والكفاءة داخل الأحزاب. والهدف تقديم الأفضل لتكون في مستوى الرهانات والتحديات التي يطرحها مسلسل الإصلاح الشامل.
فالأحزاب السياسية الوطنية، في ذات الرؤية، محتاجة أكثر من أي وقت مضى إلى تأهيل وتقوية قدراتها. من جانب آخر أكد الباحث الدستوري أن سقف الإصلاح مرتبط أساسا بالثقافة السياسية السائدة. ذلك أن فاقد الشيء لا يعطيه.
أما عن العوامل التي أملت فتح ورش الإصلاح الدستوري يقول الغالي: بالنسبة لي العامل الأساسي فيما يحدث حاليا من الرغبة في الإصلاح هو نتيجة طبيعية لعملية التراكم الحاصلة في المشهد السياسي المغربي منذ عقدين. وهو ما تجسد في حصول الثقة بين المؤسسة الملكية والأحزاب السياسية. أما تفاعلات المحيط ومسيرات 20 فبراير فقد تكون من منظور الغالي، ضغطت من حيث زمن الإصلاحات. رهان الإصلاح ومواكبة نقاش التعديلات ودور وزارة الداخلية في المشهد السياسي والحزبي، ومتطلبات مرحلة مابعد إقرار النص الدستوري فيما يتعلق بدور الأحزاب السياسية، كلها مواضيع نناقشها مع الغالي. وإليكم نص الحوار:
هل فعلا الخطاب الملكي ل 9 مارس تجاوز مطالب ومذكرات الأحزاب السياسية الخاصة بتعديل الدستور؟
عندما نرجع إلى مذكرات الأحزاب السياسية المطالبة بإصلاح الدستور، أكيد أنه يمكن إعطاء ما يجري حاليا بخصوص ورش الإصلاح مجموعة من القراءات. لكن المقارنة والقول بأن الخطاب الملكي تجاوز سقف المذكرات في اعتقادي إذا عدنا إلى المذكرات، سواء مذكرات 1991 -1992 و1996 فإنه أكيد أن مجمل هذه المذكرات كانت تؤكد على مبدأ الفصل بين السلط كمحور ومدخل أساسي لأي تعديل دستوري. وبطبيعة الحال عندما نطرح مبدأ الفصل بين السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية مادام أن الهدف الأساسي من الفصل هو تحقيق مبدأ أن السلطة توقف السلطة. وأن كل من يتحمل المسؤولية يجب أن يكون خاضعا للمساءلة والمحاسبة. وفي هذا السياق كانت الأحزاب السياسية دائما تطالب (خاصة أحزاب الكتلة وبعض الأحزاب الأخرى) في بلاغاتها ومؤتمراتها كانت تؤكد على حدود ومسؤولية الحكومة ، وبضرورة أن يختار الوزير الأول من الحزب الذي حصل على الأغلبية في الانتخابات.
ويمكن هنا استحضار الوقائع التي حصلت بعد انتخابات 2002 وتعيين وزير أول تكنوقراطي. فقد خرجت عدد من الأحزاب آنذاك لتؤكد على أن ذلك الاختيار يخالف المنهجية الديمقراطية. وبعد انتخابات شتنبر 2007 تم تعيين الوزير الأول من الحزب الذي حصل على المرتبة الأولى انتخابيا. لكن مسألة الثقة بين المؤسسة الملكية والأحزاب ظلت مطروحة، وخاصة في ظل تأويل معين للفصل 24 من الدستور، والذي يعطي صلاحيات للملك قصد تعيين الوزير الأول دون التنصيص هل سيعين من الحزب الفائز أولا في الانتخابات أم حتى خارج التشكيلات الحزبية.
لذلك أعتقد أنه بعد نقاشات وممارسات تبين أن الظروف والمعطيات الداخلية والخارجية تسير في اتجاه إعادة توزيع أدوار السلطة في النظام الدستوري والسياسي المغربي. وبالتالي من هذا المنطلق فالمؤسسة الملكية أخذت المبادرة وحاولت أن تقوم بإعادة هيكلة توزيع السلطة من خلال إجراءات مست أيضا مراجعة اختصاصات مؤسسة الوزير الأول. وهذا في نظري سيشكل أحد مداخيل الإصلاح. إذن فاختيار الوزير الأول من الحزب الذي سيحصل على المرتبة الأولى في الانتخابات سيعطي قيمة للعملية الانتخابية.
هنا سيظل التساؤل المطروح: كيف يمكن أن يتوفر لنا وزير أول حقيقي يعبر صدقا عن الإرادة الشعبية في ظل وضع حزبي غير مرضي؟ فمادام أن الجميع يطالب بوزير أول منبثق بطريقة ديموقراطية فلابد أن نطالب أيضا بأحزاب تختار منتخبيها بطريقة ديمقراطية. إن أسئلة الحكامة الرشيدة والشفافية والنزاهة والمسؤولية والديمقراطية الداخلية وتداول النخب داخل الحزب وبلورة خطاب جدي والإيمان بالاختلاف ملفات مطروحة على طاولة الأحزاب السياسية.
إذا قلنا إذن بأن الخطاب الملكي ل 9 مارس جاء متناغما مع مطالب سابقة للأحزاب السياسية. فلماذا طرح ورش الإصلاح الدستوري بشكل عميق وشامل وفي هذه اللحظة بالضبط؟
بالنسبة لي العامل الأساسي فيما يحدث حاليا من الرغبة في الإصلاح هو نتيجة طبيعية لعملية التراكم الحاصلة في المشهد السياسي المغربي منذ عقدين. وهو ما تجسد في حصول الثقة بين المؤسسة الملكية والأحزاب السياسية. فقبل 1998 وخاصة قبل دستور 1996 كان المشكل الذي يسم المشهد السياسي المغربي هو غياب الثقة المتبادلة بين مختلف الفاعلين السياسيين، وهو أمر لم يكن ليساعد على التقارب ونزع فتيل الصراع الذي كان يميز العلاقات بين الطرفين. لكن بعد شبه الإجماع الذي حازه دستور 1996 وتعيين عبد الرحمان اليوسفي وزيرا أولا سنة 1996 وبالتالي دخول المعارضة الاتحادية إلى مستويات من السلطة، حصل نوع من زرع الثقة بين المؤسسة الملكية والفاعلين الحزبيين.
وبالتالي يمكن القول بأنه نظرا لهذا التراكم تبين للمؤسسة الملكية بشكل ملموس بأنه يمكنها أن تلعب دور القائد الرائد أكثر من لعب دور الزعامة. دور جديد يقتضي القدرة على جمع الأدوار وعلى إعادة توزيع تلك الأدوار بحسب إمكانيات كل طرف. وقد أعطت المؤسسة الملكية في هذا السياق عدد من المؤشرات، بعيدا عن الاتجاه الكلاسيكي لإثبات مشروعيتها.
ونذكر هنا بعدد من الوقائع التي حصلت بعد .1996 فقد سعى الملك إلى الاستناد إضافة إلى مشروعية الدين والتاريخ والمواصفات الكاريزمية لشخصية الحاكم، على مشروعية الإنجاز. ونظرا لعولمة المنظومة الحقوقية وتحولات الجوار الجيوستراتيجي، تم الاقتناع بضرورة استدماج أسس جديدة للمشروعية. وبدأنا نلاحظ الاتجاه على بناء المشروعية على الإنجازات والاستجابة لحاجيات المواطنين. فظهرت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وبرزت مصطلحات مثل ملك الفقراء... كلها إذن دلالات ترسم لنا معالم تؤكد على أن قواعد اللعب لم تعد كما كانت عليه قبل ,1996 وبدأت تتبلور بالنتيجة قواعد المشروعية تنبني أيضا على الانجاز وتمكين المواطنين من حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وماذا عن عامل مسيرات 20 فبراير والثورات العربية؟
الإصلاحات الحالية لم يملها فقط الربيع العربي الديمقراطي ومسيرات 20 فبراير . ولكن ما يمكن قوله هو أنه ربما حركة 20 فبراير قد تكون عجلت بفتح ورش الإصلاح عميقا، أي أنها تدخلت في عامل الزمن. أما ما يتعلق بعامل المضمون فالجواب أن الورش جاء نتيجة تراكم تاريخي توج بحصول نوع من الثقة بين أبرز الفاعلين. ويمكن التدليل هنا بمعطيين. أولهما أن المغرب في فبراير 2007 رفع مذكرة إلى الأمم المتحدة قدم من خلالها مبادرة المغرب حول الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية. وأكيد أن هذا المعطى يعني ضمنيا أن الدولة المغربية اقتنعت منذ ذلك الوقت أن المنطق الذي يدار به الحكم لابد وأن يعرف تغيرات جوهرية. المعطى الثاني يتعلق بمبادرة الجهوية المتقدمة. ذلك أن الخطاب الملكي ل 6 نونبر 2008 والذي دشن الورش أفاد بإمكانات واسعة لإعادة توزيع السلطة في النظام الدستوري والسياسي المغربي. إنه ورش كان يقتضي إصلاحا عميقا. وكخلاصة أقول بأن تفاعلات المحيط ومسيرات 20 فبراير قد تكون ضغطت من حيث زمن الإصلاحات.
ما هو دور الأحزاب السياسية في عملية مواكبة نقاش إعادة ترتيب قواعد النظام الدستوري المغربي؟
لا أخفيك أن المشكل الأكبر الذي تعاني منه الأحزاب السياسية هو البيروقراطية المركزية. وللإشارة فإن جل الأحزاب ترفع مطلب دمقرطة الدولة، وضرورة احترام المنهجية الديمقراطية. لكن الملاحظ أن الأحزاب ذاتها لا تحترم المنهجية الديمقراطية فيما يتعلق بالاستحقاقات الكبرى وطرق تدبير شؤونها الداخلية. وأستدل هنا مثلا بماجرى خلال المشاورات التي واكبت الإعلان عن مشروع الجهوية المتقدمة، ذلك أن جل الأحزاب السياسية اكتفت فقط بمشاورات على صعيد المركز وصاغت مذكرات دون توسيع هوامش النقاش ليمتد إلى القواعد ويشمل الجهات، وهذا أحد الأمثلة التي تدل على أن سقف الإصلاح لا يتعلق فقط بمراجعة نصوص دون غيرها.
إن سقف الإصلاح مرتبط أساسا بالثقافة السياسية السائدة. ذلك أن فاقد الشيء لا يعطيه. إذ لا يمكن تكريس نظام ديمقراطي حقيقي دون وجود دعامات أساسية ممثلة في أحزاب ديمقراطية. فوجود أحزاب سياسية فاقدة للقيم الديمقراطية معناه أنه لا يمكن أن تنتج سوى العقم في السياسة ومن ثم إعادة إنتاج الديكتاتورية بصيغ أخرى.
في نظركم إذن الأحزاب في وضعيتها الحالية ليس بمقدورها أن تقدم شيئا لمواكبة ورش الإصلاح الدستوري ليكون فعلا شاملا وعميقا؟
خاطئ من ينكر دور الأحزاب السياسية. أنا أقول بأن الأحزاب السياسية لها دور ريادي في مجمل الحركة السياسية في أي بلد. لكن الظروف الداخلية بالنسبة لمعظم الأحزاب تجعل من المستبعد أن تقوم حاليا بدورها الدستوري الحقيقي. الأمر يحتاج إلى إصلاح أعطاب المشهد الحزبي. ويمكن أن نتذكر فقط ماحصل بعد انتخابات 2002 و2007 من أجل تشكيل حكومتي إدريس جطو وعباس الفاسي من مناورات. وكذلك طرق استوزار عدد من الأسماء التي فرضت على أحزاب معينة فرضا. معطيات كلها فضحت جوانب الخلل التي تعاني منها هذه الأحزاب. من حيث المبدأ أقول بأن للحزب السياسي دور ريادي في تغدية الديمقراطية ، لكنه دور مرتبط أساسا بطبيعة النخب التي تدير تلك الأحزاب وسؤال الديمقراطية الداخلية.
هل ترون بأن من أولويات المرحلة إعادة هيكلة المشهد الحزبي المغربي لمواكبة مرحلة ما بعد الدستور المزمع مراجعته؟
هنا أقول بأن على الأحزاب السياسية أن تحترم قانون 3604 المتعلق بالأحزاب السياسية. فإذا كانت تلك الأحزاب تطالب بضرورة دمقرطة الدولة واحترام الدستور، فالمطلوب منها أولا أن تحترم مقتضيات القانون المنظم لها.
وللإشارة، فالقانون 3604 المتعلق بتنظيم عمل الأحزاب السياسية والذي أقر سنة 2005 يتضمن عدد من قواعد تنظيمية لعقلنة المشهد الحزبي المغربي. ذلك أن الأحزاب السياسية بعد 2005 لم تعد محكومة بالقانون المتعلق بالجمعيات، بل أمست تتمتع بقانون خاص يتضمن مقتضيات تخص طرق تدبيرها، وضرورة إعمال آليات الحكامة الجيدة وشفافية المالية الحزبية، والتداول وعقد المؤتمرات في آجالها المحدودة وتوسيع صلاحيات اتخاذ القرار الحزبي الداخلي، وأيضا القانون يتضمن طرق تدبير الاستحقاقات الانتخابية من طرف الأحزاب، كطرق منح التزكيات ومنع الترحال الحزبي، وتشجيع النساء والشباب على الانخراط في دائرة اتخاذ القرار داخل الأحزاب.
لكن حين نقيم الممارسة الحزبية، نجد حقيقة أن الفعل الحزبي المغربي يغلب عليه عموما طابع الارتجالية والموسمية، بالإضافة إلى غلبة منطق الولاءات العائلية والشخصية والزبونية. وهذه كلها عوامل ساهمت، مع عوامل التدخلات فوق الحزبية، في إفقاد المشهد الحزبي مناعته ومصداقيته وقلصت ثقة المواطنين في المنظمات الحزبية.
في المرتكز الخامس من مرتكزات الإصلاح المعلن عنه في خطاب 9 مارس، تم التأكيد على ضرورة تعزيز دور الآليات الدستورية لتأطير المواطنين وتقوية دور الأحزاب السياسية في نطاق تعددية حقيقية وتكريس مكانة المعارضة البرلمانية. هل هذا إعلان عن تمتيع الأحزاب السياسية بدورها الطبيعي في تأطير المواطنين والتداول على الحكم؟
كما قلت سابقا واهم من يعتقد أنه يمكن إنجاح ورش الانتقال الديمقراطي في المغرب دون الاعتماد على أحزاب ديمقراطية قوية(خطابا وممارسة). ذلك أن صلابة أية ديمقراطية تنتج أصلا عن صلابة المشهد الحزبي. لذلك فالأحزاب السياسية الوطنية محتاجة أكثر من أي وقت مضى إلى تأهيل وتقوية قدراتها. فهي من يعطي التزكيات للانتخابات، وهي من يقدم النخب للاستوزار وعضوية مختلف المجالس والمؤسسات من برلمان ومجلس دستوري ومجلس اقتصادي واجتماعي.... لذلك أعتقد أن نجاح التطور الدستوري في المغرب سيظل مرتهنا بأن يجتاز المشهد الحزبي الأزمة التي يتخبط فيها. المطلوب في نظري هو تكريس مبادئ الشفافية والكفاءة داخل الأحزاب. والهدف تقديم الأفضل لتكون في مستوى الرهانات والتحديات التي يطرحها مسلسل الإصلاح الشامل.
لعبت وزارة الداخلية في التاريخ السياسي والحزبي المغربي المعاصر أدوارا محورية في خلق توازنات مدروسة وخلخلة عدد من وقائع المشهد الحزبي على مر فترات. فكيف يمكن التعامل مع هذا المعطى في ظل الرهانات المطروحة على الأحزاب السياسية لإنجاح استحقاقات ما بعد إقرار التعديلات الدستورية؟
المطلوب في نظري هو أن على الجميع أن يقر بضرورة أن يعاد النظر في وظائف وزارة الداخلية في المشهد السياسي المغربي، من خلال رفع يدها على عدد من الملفات وأن تهتم أساسا بضمان الأمن للمواطنين. أما القضايا التي تتعلق بتفاعل المشهد الحزبي فأعتقد أنه حان الوقت لنزعها من اختصاصات تلك الوزارة. كما أنه يجب إعادة تدوير عدد من الاختصاصات قصد أن تتولى وزارات أخرى بعض الملفات التي هي من اختصاص تدخلات وزارة الداخلية بشكلها واختصاصاتها الحالية.
لقد أبانت وزارة الداخلية في كثير من الوقائع عن فشلها في إدارة ملف الأحزاب السياسية. الوزارة ارتكبت أخطاء جسيمة وفادحة في إدارة الملف وانتهجت سياسات لم تخدم في شيء بناء مشهد حزبي سليم قادر على المنافسة من خلال تكافؤ الفرص ووفق برامج واضحة ومضبوطة. لذلك في نظري بات الوقت يسمح أكثر من أي وقت مضى بإبعاد وزارة الداخلية عن التدخل في تضاريس المشهد الحزبي من أجل خلق توازنات معينة، كما حان الوقت لإبعاد الوزارة عن التدخل في كل ما يتصل بملف الانتخابات. ومن باب الإنصاف واحترام مبدأ تكافؤ الفرص يجب تمتيع هذه الملفات الإستراتيجية بضمانات أكبر لتدبيرها بشكل حيادي وأكثر مصداقية.
ما هي أبرز التعديلات التي يجب إدخالها على الدستور لتعزيز فرص أكبر لكي تؤدي الأحزاب السياسية الأدوار التي تتطلبها التعديلات الدستورية المنتظرة خاصة فيما يتعلق بإنتاج النخب؟
بداية أنا لست من المتحمسين لمسألة التنصيص الدستوري على أن الوزير الأول يجب أن يختار من الحزب الحائز على المرتبة الأولى في الانتخابات. ليس بالضرورة ربط التعيين بالتنصيص الدستوري. وهنا يمكن أن نستحضر الفصل الثامن من الدستور الفرنسي الحالي، والذي ينص فقط على أن رئيس الدولة الفرنسية يعين الوزير الأول. دون التنصيص دستوريا على كون الوزير الأول يجب أن ينتمي إلى الأغلبية أم هو عضو في الأقلية البرلمانية، أم أنه خارج التشكيلات الحزبية. ولكن بطبيعة الحال الثقافة السياسية في التجربة الفرنسية وكذلك طبيعة الأعراف الدستورية المترسخة في المشهد السياسي والحزبي الفرنسي يجعل من المستحيل على رئيس الدولة أن يختار الوزير الأول من خارج الحزب الفائز في الانتخابات. لماذا؟ لأنه ليس بمقدور رئيس الجمهورية الانحراف عن مبدأ التطابق في قراره مع الإرادة الشعبية.
وأقول إنه حتى لو ذهبنا في اتجاه الإجبارية والتنصيص دستوريا على كون الوزير الأول يجب أن يتم تعيينه من الحزب السياسي الحاصل على الأغلبية في الانتخابات التشريعية لمجلس النواب، فهذا الأمر في نظري لايمكن أن يحل الإشكال نهائيا في ظل استحضار طبيعة الثقافة السياسية في التجربة المغربية. أكيد أنه ما حصل بعد انتخابات شتنبر 2007 تعطينا دروسا في كيفية تدبير عدد من الملفات السياسية. ألم تفرض عدد من الوجوه على بعض الأحزاب السياسية عشية الانتخابات ليتم استوزارها فيما بعد؟ وبالتالي أعتقد أنه من الممكن وبنفس الطريقة أن يتم فرض غدا وزير أول على الحزب الحاصل على المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية ليتم منحه بعد ذلك حقيبة الوزارة الأولى.
من هنا أشدد على ضرورة إعادة النظر في كثير من الجوانب المشكلة لثقافتنا السياسية، أيضا أولوية تكريس أعراف سياسية تحترم إرادة الناخبين وتقدس أصواتهم. والهدف الوصول إلى تجسيد مصداقية الاستشارات الشعبية والانتخابات. وهذا مدخل أساسي في تكريس دمقرطة البناء المؤسساتي لمغرب الغد.
وما هي التعديلات الدستورية المطلوبة لتكريس دور النخب الحزبية؟
من الأمور الأساسية التي لابد منها في أي تعديل دستوري، هو ضرورة تقوية صلاحيات المجلس الدستوري. وذلك من خلال تمتيعه بصلاحيات الإحالة التلقائية. أي أنه عندما يرى المجلس الدستوري بأن قانونا ما يتنافى أو يتعارض في جوانب منه مع روح الدستور، فإنه يتوجب عليه التدخل، حتى ولو لم تحيله عليه الحكومة أو البرلمان. وذلك احتراما لمبدأ سمو الدستور.
أشير أيضا إلى ضرورة تقوية دور لجان التقصي البرلمانية من أجل منحها دورا سياسيا. ذلك أنه في ظل مبدأ الفصل بين السلط الذي ينبغي تكريسه دستوريا، يمكن التأكيد على أن التحقيق المشار إليه في الفصل 42 من الدستور الحالي هو تحقيق سياسي وليس قضائي. لذلك فإنه لا ينبغي توقيف عمل أية لجنة لتقصي الحقائق البرلمانية حتى مع وجود التحقيق القضائي.تحقيق البرلمان ذو طبيعة سياسية وليست قضائية. وبالتالي ففتح تحقيق قضائي في نازلة ما لا يلغي البتة التحقيق السياسي الذي يمكن أن يباشره البرلمان.
إن تعديل الدستور بشكل شامل وعميق يتطلب أيضا إعادة النظر في كثير من النصوص القانونية لكي تواكب التحولات الجارية، كذلك المطلوب عدم الاستهانة بعدد من الممارسات السياسية المنحرفة عن الديمقراطية والحكامة الرشيدة والتي يمكنها أن تفرغ عدد من قواعد الإصلاح من مضمونها الحقيقي. وأعتقد أن للأحزاب السياسية في هذا الصدد فرصة تاريخية لإصلاح ذواتها الداخلية لكي تلعب دور القاطرة في مغرب ما بعد إقرار الجهوية المتقدمة وإقرار دستور شامل وعميق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.