بنك المغرب : سوق الصرف (25 أبريل فاتح ماي).. الدرهم يرتفع بنسبة 0.51 في المائة مقابل الدولار    إبراهيم دياز: في ريال مدريد نطمح دائما لتحقيق الألقاب    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    هل زيادة 1000 درهم في الأجور قادرة على مواكبة نفقات الأسر المغربية؟    عشرات آلاف الإسرائيليين يتظاهرون في تل أبيب لإتمام صفقة الرهائن بالتزامن مع استمرار المفاوضات    الأرصاد تحذر من موجة حى تصل الى 44 درجة    بانجول: توقيع اتفاق الإعفاء من التأشيرة لحاملي الجوازات العادية بين المغرب وأذربيجان    ‪أخرباش تحذر من سطوة المنصات الرقمية    قلعة مكونة تحتضن الدورة 59 للمعرض الدولي للورد العطري    وضعية الماء فالمغرب باقا فمرحلة "الإنعاش".. نسبة ملء السدود وصلت ل32 فالمية وبدات فالتراجع    مسؤولونا ما عندهمش مع لمرا. ها شكون خدا بلاصة شكون فالهاكا. ها اللي دخلو جداد: غربال وعادل وبنحمزة ولعروسي وها فبلاصة من ورئيسا النواب والمستشارين ختارو غير الرجالة    رشق إيريك زمور بالبيض خلال حملته الانتخابية    حموشي صدر قرار تأديبي فحق رئيس مصلحة المواصلات بولاية أمن فاس    مُذكِّرات    ڤيديوهات    زلزال يضرب دولة عربية    تفتيش شابة بمحطة قطار أصيلة يسفر عن مفاجأة مثيرة    لشكر يدعو لتمتيع أقاليم درعة بامتيازات الصحراء ويشبه عطش زاكورة بحراك الريف    موعد خروج زوجة الدكتور التازي من السجن    الفنان الجم يكشف حقيقة إشاعة وفاته    مهرجان سينما المتوسط بتطوان يعلن أسماء الفائزين بجوائز دورته ال29    أكثر من 70 ألف شخص غادروا منازلهم بسبب الفيضانات في البرازيل وأكثر من مليون مسكن بات بلا مياه    استئناف مرتقب لجولة المحادثات بالقاهرة حول الهدنة في غز    البطولة الإفريقية ال18 للجمباز الفني بمراكش: المغرب يحتل المرتبة الثانية في ترتيب الفرق في فئة الذكور    بطولة السعودية.. ثلاثية ال "دون" تخرق بريق الصدارة الهلالية    طنجة.. مهرجان "هاوس أوف بيوتيفول بيزنيس" يرفع شعار الإبداع والتلاقح الفني        قاتل والده بدوار الغضبان يحاول الانتحار بسجن سيدي موسى بالجديدة    فيتنام تسجل درجات حرارة قياسية فأبريل    رئيس أساقفة القدس المطران عطا الله حنا يوجه رسالة إلى مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي الدكالي    السعودية حكمات بالحبس 11 العام على مناهل العتيبي غير حيت دعمات حقوق المرا.. و"امنيستي" كتطالب بإطلاق سراحها    لشكر ينتقد "عقلية العنف" لنظام الجزائر ويطالب الحكومة بالعناية بجهة درعة    بطولة انجلترا: إيبسويتش تاون يعود للدوري الممتاز بعد 22 عاما    جائزة ميامي للفورمولا واحد : فيرستابن يفوز بسباق السرعة    اللعابا د فريق هولندي تبرعو بصاليراتهم لإنقاذ الفرقة ديالهم    من هو الشاعر والأمير السعودي بدر بن عبد المحسن؟    رئيس بلدية لندن العمّالي صادق خان ربح ولاية ثالثة تاريخية    أخبار سارة لنهضة بركان قبل مواجهة الزمالك المصري    إدارة المغرب التطواني تناشد الجمهور بالعودة للمدرجات    موريتانيا حذرات مالي بعدما تعاودات الإعتداءات على مواطنيها.. ودارت مناورات عسكرية على الحدود    أسواق أضاحي العيد ملتهبة والمغاربة أمام تغول "الشناقة"    لمجرد يقطع صمته الطويل..قائلا "أريد العودة إلى المغرب"    التوقيع على ثلاث اتفاقيات للتنمية المجالية لإقليمي تنغير وورزازات    دراسة.. نمط الحياة الصحي يمكن أن يضيف 5 سنوات إلى العمر    افتتاح معرض يوسف سعدون "موج أزرق" بمدينة طنجة    ارتفاع حركة النقل الجوي بمطار الداخلة    هل تبخر وعد الحكومة بإحداث مليون منصب شغل؟    بمشاركة مجموعة من الفنانين.. انطلاق الدورة الأولى لمهرجان البهجة للموسيقى    أزيلال.. افتتاح المهرجان الوطني الثالث للمسرح وفنون الشارع لإثران آيت عتاب    خبير تغذية يوصي بتناول هذا الخضار قبل النوم: فوائده مذهلة    الأمثال العامية بتطوان... (589)    دراسة… الأطفال المولودون بعد حمل بمساعدة طبية لا يواجهون خطر الإصابة بالسرطان    المغرب يسجل 13 إصابة جديدة بكورونا    دراسة تربط الغضب المتكرر بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب    العقائد النصرانية    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ابتسم القذافي مسرورا عندما بلغه خبر وفاة الملك فيصل
اضطربت الحياة واستاء الناس والملاك والحرفيون وتجهم الجو عقب صدور «الكتاب الأخضر»
نشر في المساء يوم 21 - 12 - 2011

كان قراري أن أدوّن بصدق كل الأحداث التي عشتها، وعلى الأخص تلك المتعلقة بالفترة الممتدة من سنة 1971 إلى سنة 1984 (ثلاثة عشر عاما) لصيقاً
بالعقيد معمر القذافي، إذ كنت طبيبه الخاص. تلك الفترة التي أدخلتني قصوراً ودهاليز لم تتح لغيري، وحضرت لقاءات واطلعتُ على أسرارٍ لم يكن من المفروض على مثلي حضورها أو معرفتها.
هذا الكتاب يهتم بتسجيل جزء هام من هذه المرحلة، وهي على سبيل التحديد، فترة ثلاثة عشر عاما من حياة القذافي، بما أثار من تساؤلات عن شخصيته وتصرفاته وأُسُس وأهداف سياسته.
من الطرائف التي أرى أنه لا بد من ذكرها ما حدث بعد أن أعلن العقيد القذافي نظريته العالمية الثالثة في كتابه الأخضر، إذ اضطربت الحياة واستاء الناس والملاك والحرفيون وتجهم الجو بشكل أثر على الجميع، فمنهم من ترك البلاد ومنهم من فقد أملاكه وحانوته. وبينما كنت جالسا في العيادة الخارجية لقسم القلب (الذي كنت على رأسه)، ويحيط بي الأطباء العاملون في القسم، حضر قاض مصري وعضوٌ في المحكمة العليا الليبية، كان يتردد على العيادة بانتظام. في هذه الزيارة همس في أذني قائلاً: «إنني مصاب بمرض ال «إيه إيه» (A.A). لم أفهم ما قصده، ولكن أول ما خطر ببالي أنه مصاب بمرض جنسي. استغربت كيف يمكن لرجل في هذه السن وهذا المقام أن ينحدر إلى هذا المستوى. طلبت من الأطباء أن لايرافقوني عندما أقوم بفحصه. وتوجهت إليه بالسؤال قائلا: «لقد ذكرت لي بأنك مصاب بمرض «إيه إيه» ولم أفهم قصدك . بادر بالإجابة «أنا مصاب بمرض «أَقيدس أَرافيلس (Aqidis Arafilis). زادني جهلاً على جهل، فقلت له: «سامحني لم أفهم». أجاب ضاحكاً «أنا مصاب بمرض القرف من العقيد» وتفسير ما قاله ال«A» الأولى تعني العقيد وعندما تلفظ باللاتينية تصبح «أَقيدس»، وأما ال«A» الثانية فتدل على القرف وعندما تحور إلى اللغة اللاتينية تصبح «أَرافيلس». هنا انفجرت ضاحكا، وتذكرت أنه مصري وأن خفة الدم المصرية لا تفارق أهلها. ذكرت هذه الملحة لأوضح كيف تبدلت الحالة النفسية للشعب الليبي والعاملين في ليبيا بين ليلة وضحاها، بعد أن قلب فكر العقيد أُمور حياتهم رأساً على عقب. منذ ذلك اليوم انتهى شهر العسل بين الثورة عامة والعقيد خاصة من جهة، وبين الشعب الليبي من جهة أخرى، واستمرت الأزمات تتكرر، خصوصا بعد إلغاء الدعم الزراعي للفلاحين.
عايشت تأليف الكتاب الأخضر ملزمةً ملزمة. ففي كل زيارة للعقيد كنت أجده منهمكاً في التأليف والنقل من المراجع التي تحيط به من كل جانب، أو تَصَفُح ما صُحِحَ. ومن الطرائف التي لا بد من ذكرها هنا، أنه بعد صدور الجزء الثالث من الكتاب الأخضر، كثف من أسئلته في أمور الطب، لدرجة أنني في أحد الأيام لم أتمالك نفسي من سؤاله قائلاً: «الأخ القائد، شوره الجزء الرابع من الكتاب الأخضر سيبحث في الطب»، ثم أضفت «إن كان هِكّي راهو نبي نصف ثمن النسخة»، حيث كانت تباع النسخة بدينار ليبي. ضحكنا وذهب كل منا إلى حال سبيله.
في أكتوبر 1973، عندما بدأت الحرب بين مصر وسوريا من ناحية وإسرائيل من ناحية أخرى، طلب العقيد أن يلقي خطابا على الإذاعات الثلاث المصرية والسورية والليبية، وأن يذاع خطابه على الهواء مباشرة. لشدة استغراب الجميع، ألقى خطاباً انهزامياً وطلب من جميع العرب التحضير لما بعد الهزيمة. استُهجِنَ هذا الخطاب وفسره الجميع بأنه حماقة من حماقاته المعتادة ودليل قلة خبرته وحنكته الدبلوماسية. أُشيع بعد ذلك أن ليبيا كانت البلد العربي الوحيد الذي لم يقطع إمدادات النفط، بل على العكس زادت من الضخ والتصدير، وخصوصا إلى هولندا التي لم تخف انحيازها لإسرائيل، شاذاً بهذا عن الإجماع العربي، ومتخذاً قراراً من الصعب فهمه في خضم مواقفه المعلنة.وقد أضافت هذه الحادثة مؤشراً آخر لما وراء الكواليس.
في عام 1974، تحسنت العلاقات بين ليبيا وتونس، مما أدى بوزير خارجية تونس المصمودي آنذاك إلى ترتيب لقاء بين العقيد والحبيب بورقيبة في جزيرة جربة، حيث توجهنا إلى هناك ودارت مباحثات انتهت بإعلان «بيان جربة» عن مشروع الوحدة بين ليبيا وتونس. لم يكن في ذلك الوقت رئيس الوزراء التونسي الهادي نويرة حاضراً لأنه كان في زيارة لطهران. أقفلنا راجعين، وما أن سمع الهادي نويرة بالحدث حتى عاد على وجه السرعة وتوجه إلى الجزائر حيث رَتَبَ انقلابا على الاتفاقية. هرب المصمودي من تونس وساءت العلاقات بين تونس وليبيا وبدأت الشتائم والاتهامات تكال جزافا من كلا الطرفين.
في شهر ماي من نفس العام كنت في عيادة قسم القلب، وزارني للعلاج المستشار محمود التل (سوري الجنسية)، رئيس دائرة قضايا الحكومة، وأبلغني أنه استلم ملفا به تهمة لسيد قذاف الدم (ابن خال العقيد والأخ الأكبر لأحمد قذاف الدم) والوزير عبد المجيد القعود، باختلاس مليار دولار، وَطُلِبَ من دائرته التحقيق فيه واتخاذ الإجراء المناسب ضدهما.
طلبت منه إجراء فحوص الدم اللازمة والعودة في الأسبوع المقبل. وعند عودته للمتابعة، ذكر لي بأن الملف الخاص بقضية سيد قذاف الدم والقعود قد اختفى بكل ما يحوي من وثائق ولم يعد له أثر.
استمرت العلاقات فاترة بين ليبيا وتونس حتى عيد المولد النبوي، الذي صادف شهر مارس من العام 1975. رُتِّبَ لقاء مصالحة بين العقيد والحبيب بورقيبة، وتوجهنا إلى تونس، وبالتحديد إلى مدينة القيروان لنشهد الاحتفال بالمولد النبوي الشريف. أود أن أذكر حادثتين لهما علاقة بهذه الرحلة. الحادثة الأولى تدل على شخصية وتربية العقيد، فقد استدعاني قبل السفر إلى تونس.كان يشكو من بعض الأعراض التي احتجت معها لفحص منطقة أعضائه التناسلية من أجل معرفة سبب الشكوى، وكان لا بد من فحص تلك المنطقة. احمر وجهه خجلا وبدأ يتصبب عرقا وأصر على عدم الكشف، وأبلغني أنه يعرف السبب. قلت له إنني لا أملك إلا أن أعطيه علاجا تخمينيا. وافق على هذا الرأي وأبلغني أننا مسافرون غداً إلى تونس وعليَّ الاستعداد وأخذ ما يلزم معي. في اليوم الثاني توجهنا إلى تونس في طائره صغيرة تحمل 6 أفراد (العقيد وأنا ومسعود الزغرات وأحمد رمضان وطه الشريف بن عامر، الوزير المكلف بشؤون مجلس الوزراء وأحمد أبو شاقور مدير التشريفات في وزارة الخارجية، عند استعراض حرس الشرف ظهر مليا أن العقيد كان مريضا وكانت خطواته متثاقلة. من مطار المنستير، ركبنا طائرات عمودية أقلتنا إلى مدينة القيروان. وعندما وصلنا إلى مكان الإقامة، استدعاني وطلب علاجا، وبسبب اشتداد المرض عليه وافق على أن أقوم بالكشف الدقيق عليه.كان مصاباً بشيء بسيط، وعندما سألته عن السبب صرح بأنه ناتج عن «مزاولة رياضة ركوب الخيل»، طمأنته وأفهمته بأن الراحة لمدة أربع وعشرين ساعة كافيه لعلاج ما لديه، لكنه اعتذر عن عدم إمكانية الراحة بسبب الزيارة وما يترتب عنها من واجبات. توجهنا إلى جامع القيروان حيث تم الاحتفال بالمولد النبوي، وبعد ذلك أمضى ليلته في الفراش بناء على نصيحتي ليستطيع الوفاء بالتزاماته في اليوم التالي. تبادلنا أطراف الحديث في شؤون عامة، خصوصا ما يهم مسيرة الطب في ليبيا وكيف يمكن أن نرتقي بمستواها.
في اليوم التالي اتجهنا إلى مقر الحبيب بورقيبة. كان عبارة عن فيلا صغيرة، ومُنِعَ المرافقون من الدخول إلا طبيب بورقيبة الخاص، الذي كان اختصاصي أمراض قلب وأنا. اجتمع العقيد ببورقيبة على انفراد، بينما جلست وطبيبه خارج غرفة الاجتماع. أخذ العقيد يعاتب بورقيبة على ما جرى في الأشهر التي تلت «إعلان جربة» بصوت مرتفع مكننا من سماع كل ما دار في الحديث. لحظات بعد ذلك، خفتت حدة النقاش ثم خمدت الأصوات ثم انتهى الاجتماع. دعيت وطبيبه الخاص إلى مأدبة الغداء. كانت الأجواء ما زالت غير صافية أثناء تناولنا وجبة الغداء، لذا كنت محرجاً وأحاول أن آكل أقل ما يمكن، وإذا بالعقيد يقول لي: «كل يا دكتور كل، راهو التوانسه حسبوها علينا». ابتسم بورقيبة وأضاف «يعيشك راك إنت والدكتور في بلادكم». تلطف الجو بعض الشيء وانتهت الجلسة. اتجهنا بعد ذلك إلى أماكن الطائرات العمودية للعودة إلى مطار المنستير. ركب العقيد في سيارة بورقيبة وركبت أنا سيارة أخرى من سيارات التشريفات التونسية، وأثناء توجهنا إلى المطار، أُعلن نبأ اغتيال الملك فيصل، ملك المملكة العربية السعودية. طلبت من سائقي أن يسرع ويبقى ملتصقا بسيارة الرؤساء حتى أتمكن من نقل الخبر للعقيد عند هبوطه من السيارة، فلم يستطع بسبب تزاحم سيارات الحراسة والمرافقين للحبيب بورقيبة. ولنفس السبب لم أستطع استقلال الطائرة العمودية الرئاسية. وعندما حطت الطائرات في مطار المنستير اتجهت مسرعا نحوه لأبلغه النبأ، لكنني لم أتمكن بسبب بدء استعراض حرس الشرف. طُلِبَ مني أن أتجه إلى الطائرة فورا لأننا سنغادر فور انتهاء الاستعراض. جلست بالطائرة في انتظار حضور العقيد، وما هي إلا بضع دقائق حتى وصل العقيد إلى الطائرة، وما أن دخل حتى توجه إلينا بالكلام قائلا: «سمعتو شن صار»، فأجبته باللهجة الليبية: «الملك فيصل عوا»، أي أن الملك فيصل مات. ارتسمت ابتسامة على شفتي العقيد وبان عليه السرور بشكل لم أعهده فيه منذ زمن طويل، وكأنه تحقق له حلم عظيم أو زالت عنه غمة كأداء. استطعت أن أفهم شعور العقيد، لأن الملك فيصل كان قوي الشخصية، محبوباً من قبل الجميع، مهاب الجانب، ومسموع الكلمة في مختلف المحافل.
د. الإدريسي الخيري خالد - أستاذ أمراض القلب والطبيب الخاص لمعمر القذافي سابقا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.