عادت المواجهات لتشتعل، من جديد، بين أفراد القوات العمومية ومواطنين في منطقة «العوامة»، في مقاطعة بني مكادة، بشكل أعنف بكثير من السابق، بعدما أقدمت عناصر الأمن والقوات المساعدة، أول أمس الأربعاء، على تنفيذ عملية هدم واسعة لمنازل بُنيّت بشكل عشوائي. وقد أدت هذه العملية إلى اندلاع أعمال شغب كبيرة، أدت إلى إصابة 57 عنصر أمن واعتقال العشرات. وحسب روايات شهود عيان، فإن السلطات الولائية أشرفت، منذ الساعة السادسة صباحا، على عملية هدم طالت 10 منازل تم بناؤها بشكل غير قانوني في منطقة العوامة، الأمر الذي أثار احتجاجات «غاضبة» اشترك فيها المئات من سكان المنطقة، وانطلقت برفع شعارات احتجاجية مستنكرة عملية الهدم، قبل أن تتطور إلى مواجهات مباشرة مع القوات المساعدة، التي رُشِقت بوابل من الحجارة، أدت إلى إصابة العشرات بجروح متفاوتة الخطورة، إلى جانب إلحاق أضرار بمجموعة من سيارات الأمن.. وأمام هذا الاحتقان، الذي ما فتئ يتصاعد، اضطرت القوات العمومية إلى استخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين، كما لجأت إلى استخدام الهراوات وبتوقيف العشرات من المحتجين. وحسب تصريحات مصدر مخول من ولاية جهة طنجة تطوان، فإن هذه العملية، التي تدخل في إطار حملة محاربة السكن العشوائي في طنجة، همّت هدم المنازل التي بنيت بدون ترخيص فوق قطع أرضية مخصصة لإنشاء مؤسسات عمومية، مثل المدارس والمستوصفات، أو فوق مساحات مخصصة لتمرير الطريق العام، ما جعل من غير الممكن أن تتم تسوية الوضعية القانونية لتلك البنايات، على غرار مئات البنايات الأخرى التي منحت ترخيصا في الأيام القليلة الماضية، لوقوعها في مناطق مسموح البناء فيها. وحسب المصدر نفسه، فإن قوات الأمن والقوات المساعدة كانت قد تلقت أوامر بعدم الرد بعنف على احتجاجات سكان المنطقة وأصحاب تلك المنازل، وهو ما استغله هؤلاء، معتقدين أنهم تمكنوا من التغلب على عناصر القوة العمومية، حسب تصريحات المصدر نفسه، حيث قاموا برشقهم بالحجارة، الأمر الذي أدى إلى إصابة 57 عنصرا، من بينهم رجل سلطة، فيما أكد المتحدث أن إصابة أحد أفراد القوات المساعدة خطيرة للغاية، مضيفا أن القوات العمومية التزمت بتعليمات مشددة وجهت لها بعدم استخدام العنف نهائيا، رغم ردة الفعل العنيفة للمحتجين. وتعرف منطقتا «العوامة» و»بئر الشفا»، الهامشيتين في مدينة طنجة، منذ حوالي شهر، موجة بناء عشوائي غير مسبوقة، حيث إن المئات من المواطنين القادمين من مناطق نائية -وبعضهم قادمون من خارج طنجة- قاموا بالاستيلاء على أراضٍ في ملكية عمومية، حتى إن بعضهم شرعوا في البناء فوق مقابر بعدما استخرجوا عظام الأموات، بينما بنى آخرون وسط مجرى وادٍ، متجاهلين خطورة امتلائه بمياه الأمطار في فصل الشتاء. وقد تسبب في عملية البناء العشوائي هذه تسريب إشاعة انتشرت كالنار في الهشيم، مفادها أن السلطات ستسمح بالبناء لأي كان فوق أي قطعة أرضية غير شاغرة «تمكّنَ من الحصول عليها»، مع السماح بالبناء ولو بدون ترخيص، وهذه الإشاعة هي تحريف لقرار السلطات العمومية بمنح رخص البناء عبر مسطرة استثنائية لا تتجاوز يوما واحدا لكل من يملك قطعة أرضية في تلك المناطق، بعدما تم إنجاز تصميم تهيئة جديد لها عقب دخولها المجال الحضري، الأمر الذي دفع السلطات إلى القيام بعملية هدم واسعة للبناء غير المرخص له، غير أن عدم تقبل البعض لذلك دفعهم إلى خوض اعتصامات ومسيرات احتجاجية، كانت تتطور أحيانا إلى مواجهات مباشرة مع قوات الأمن، غير أن المواجهات الأعنف هي تلك التي وقعت يوم الأربعاء، والتي كانت حدتها غير متوقعة.