القوات المسلحة الملكية تخلد بالعيون والداخلة الذكرى الثامنة والستين لتأسيسها    توقيع عقد للتنزيل الجهوي لخارطة طريق السياحة بجة الشمال    على هامش القمة العربية.. بوريطة يعقد بالمنامة محادثات مع رئيس الوزراء الفلسطيني    عميد المنتخب المغربي يتوج هدافا للدوري الفرنسي    وزارة السياحة توقع عقدين لتسريع تنفيذ خارطة طريق السياحة في جهتي طنجة ودرعة    افتتاح خط جوي مباشر جديد بين مطاري تطوان وأمستردام    الأمثال العامية بتطوان... (598)    مستشارون ينتقدون اللغة "الانتقامية" لميراوي في مواجهة أزمة طلبة الطب    رئيس "الليغا" يؤكد انضمام مبابي لريال مدريد بعقد مدته 5 سنوات    وزير التجهيز: 3000 كلم طرق سيّارة ستواكب تنظيم المغرب لكأس العالم    كيف يمكن الاستعداد لامتحانات البكالوريا بهدوء وفعالية؟    تاريخها يعود ل400 مليون سنة.. الشيلي تعيد للمغرب 117 قطعة أحفورية مهربة    بعد استئنافه الحكم.. حامي الدين يمثل أمام محكمة فاس في هذا التاريخ    القضاء يتابع مُقتحم مباراة نهضة بركان والزمالك    الجامعة تعين مساعدا جديدا لطارق السكتيوي    التوقيع على مذكرة إنشاء المركز الدولي للبحث والتكوين في الذكاء الاقتصادي بالداخلة    الاتحاد الأوروبي يمنح الضوء الأخضر النهائي لميثاق الهجرة واللجوء الجديد    340 نقطة سوداء على مستوى الطرق الوطنية تتسبب في حوادث السير    تنسيقيات التعليم تؤكد رفضها القاطع ل"عقوبات" الأساتذة وتحذر من شبح احتقان جديد    "الطابع" لرشيد الوالي يكشف عن مأساة مهاجر مغربي في رحلة بحث عن الهوية    قيمة منتجات الصيد الساحلي والتقليدي المسوقة ارتفعت لأزيد من 3,5 مليار درهم    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    جماعة طنجة ترصد نصف مليار لتثبيت مئات الكاميرات لمراقبة شوارع المدينة    دار الشعر بمراكش تواصل الانفتاح على التعدد اللساني والتنوع الثقافي المغربي    حيتان "الأوركا" تحطم قاربا شراعيا بسواحل طنجة.. وتنسيق مغربي إسباني ينقذ طاقمه    إدارة السجن المحلي بتطوان تنفي تعرض سجين لأي اعتداء من طرف الموظفين أو السجناء    الخط الأخضر للتبليغ عن الفساد يسقط 299 شخصا    بسبب إياب نهائي الكونفدرالية.. تأجيل مواجهة نهضة بركان والرجاء إلى يوم 23 ماي القادم    "أكديطال" تفتتح مستشفى ابن النفيس    ارتفاع حصيلة قتلى العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 35173 منذ بدء الحرب        طبعة ثانية من « أوراق من دفاتر حقوقي «مهنة الحرية « للنقيب محمد الصديقي    "أطلنطا سند" تطلق التأمين المتعدد المخاطر منتوج "برو + المكتب"    قُصاصة حول إصدار    الباحث البحريني نوح خليفة: جهود المغرب تأتي موازية لتطلعات العالم الإنساني وعالم الطبيعة    بعد القضاء.. نواب يحاصرون وزير الصحة بعد ضجة لقاح "أسترازينيكا"    هاشم تقدم مؤلف "مدن وقرى المغرب"    دعوات متزايدة عبر الإنترنت لمقاطعة مشاهير يلتزمون الصمت حيال الحرب على غزة    بيع لوحة رسمها الفنان فرنسيس بايكن مقابل 27.7 مليون دولار    المغرب يفكك خلية إرهابية موالية ل"داعش" ينشط أعضاؤها بتزنيت وسيدي سليمان    10 لاعبين يحرجون ريال مدريد قبل انطلاق الميركاتو    الصين تدعو لعلاقات سليمة ومستقرة مع كوريا    أسعار النفط تواصل الارتفاع وسط توقعات شح الإمدادات    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    هل تكون إسبانيا القاطرة الجديدة للاقتصاد الأوروبي ؟    دراسة: البكتيريا الموجودة في الهواء البحري تقوي المناعة وتعزز القدرة على مقاومة الأمراض    جامعة شعيب الدكالي تنظم الدورة 13 للقاءات المغربية حول كيمياء الحالة الصلبة    تبون يلتقي قادة الأحزاب السياسية.. هل هي خطوة لضمان دعمها في الاستحقاقات الرئاسية؟    بطولة فرنسا: مبابي يتوج بجائزة أفضل لاعب للمرة الخامسة على التوالي    اعتقالات و"اقتحام" وإضراب عام تعيشه تونس قبيل الاستحقاق الانتخابي    إسبانيا ترد على التهديد الجزائري بتحذير آخر    قناة أرضية تعلن نقلها مباراة الإياب بين بركان والزمالك    لماذا يجب تجنب شرب الماء من زجاجة بلاستيكية خصوصا في الصيف؟    الأمثال العامية بتطوان... (597)    نقابة تُطالب بفتح تحقيق بعد مصرع عامل في مصنع لتصبير السمك بآسفي وتُندد بظروف العمل المأساوية    وفاة أول مريض يخضع لزرع كلية خنزير معدل وراثيا    الأمثال العامية بتطوان... (596)    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المدن.. كائنات بأذرع من فولاذ, تجنب منازلتها
نشر في المساء يوم 05 - 11 - 2008

ما هي المدن؟ وما هو قدر كفايتنا من المدن؟ هل هو شارع مار من طريق الطفولة؟ أم هو مقهى في زاوية؟ أم هو خريطة في يد السائح المشدوه؟ ولماذا حين تكبر المدن تفقد براءتها الأولى، سحرها الذي يتحول إلى مجرد أحاديث عن الماضي الجميل، وتخسر معناها في جشعها اليومي وتمددها في الجغرافيا.
المدن صنيعة البشر، فهم وحدهم الذين يقسمونها إلى خرائط، ومناطق للجمال وأخرى للخوف. في المدينة يتحرك الشريف والمرابي، الشرطي واللص، المرأة والرجل، الليل والنهار، الحي الراقي المحروس والجيوب السوداء، السلم والجريمة.
بينما تظل المدينة الفاضلة التي بشر بها أفلاطون، لا توجد إلا في المخيلة «جيش من البشر ومن الرغبات ومن الشر الذي يتحرك تحت أستار من الورع والتقوى».
جاءت الفلسفة كي تحل معضلة المدينة، أرسطو ابتكر الأكروبول، هنا في هذا «النادي الإنساني» يمكن أن نتحاور وأن نختلف وأن نتنازل أيضا، فالأقوياء الذين لا يؤمنون بقانون اللعبة، ابتكرت لهم المدينة الحل: ساحة الأكروبول للنزال الشريف، والمحكمون من خاصة الخاصة وعقلاء القوم، والشعب للتهييج وإثارة الحماس.
هذه هي المدينة التي لم نبتعد كثيرا عن مصممها الأول وعقلها اليوناني، فلقد اتسعت وأصبحت المدينة الواحدة مدنا كثيرة، وقبائل تتناحر وأحزاباً من كل ملة ونحلة. ولكي تسلك مدينة عليك أن تفقه عقلها الباطني وحياتها السرية و«كهنتها» الجدد.. عمداء، مجالس، بلديات، مقاطعات، أحياء تلحق بأخرى، أحياء تمزق وتكسر شوكتها وتوزعها رقعا انتخابية.
وفوق هذا وذاك هناك عقل السلطة، الذي يدفع بقرى هادئة إلى «فجيعة»مدن ناشئة، فينشأ الجشع، ويغيب العقل ويتوارى الجمال، وتصبح القرية مجرد ذكرى بعيدة وحنينا مركزا في العاطفة مثل عمود
ملح.
لم يهرب الأدب المغربي من «قدره المديني»، إنه قدر لا مفر منه، لذلك انكتب في الأعمال القصصية والروائية والشعرية بما يمكن أن نسميه ب«صدمة الكتابة عن المدينة «أو صدمة العيش في أخلاق المدينة، وانتهى الأمر إلى تشكيل نوع من الصورة الجاهزة النمطية عن الفضاء المديني، في حين اعتبرت الأجيال الجديدة من أهل الفكر والأدب أن لا مناص من تفكيك خطاب المدينة المغربية اليوم، والتي تختلف كثيرا عن مدينة بداية الاستقلال.. لكن إذا كان نمط الإنتاج يفرز وعيه، فإن التمثلات ظلت هي هي، في مدينة مغربية تحتاج إلى الحرية والديمقراطية والعدالة كي تكون وتتحقق، وتلك هي
المفارقة.
الناقد عبد الفتاح الحجمري: الروائي ينقل فكرة المدينة
يبدو لي أن الرواية لا تصلح إلا للكتابة عن المدينة، أي عن التشتت والاندثار.
من هذا المنظور، يمكن إنجاز نمدجة نصية وتاريخية لعلاقة الرواية بالمدينة بحسب تشخيصاتها الحكائية منذ القرن التاسع عشر وصعدا، وفي اقتران بسؤال النهضة الكاشف عن تحولات ثقافية واجتماعية وسياسية مغربا ومشرقا، وإن بدرجات متفاوتة من قطر إلى آخر. وهذا يعني أن موقع التخييل الروائي – بخصوص هذه العلاقة التي تربط المدينة بالرواية – يحمل في ثناياه «رؤية نقدية «أساسها نصوص حاملة لملمح الابتكار وتجاوز الواقعية المباشرة. ولذلك، فإن قيمة الأدب الروائي الراصد لأحوال المدينة العربية ليست واحدة ومتماثلة في جميع المجتمعات العربية رغم العديد من القواسم المشتركة، تاريخيا واجتماعيا وسياسيا. وعليه، فإن مواقع المدينة متفاوتة ومن الصعب تعميمها، على أن معيار التنسيب يقترن بمختلف القيم الفكرية وأنماط الوعي التي يعبر عنها الروائيون أنفسهم بصدد الحداثة والديمقراطية والحرية...
المدينة خلق للعالم قبل أن تكون تصويرا له. إنها تخيّل، وما ينقله الروائي هو فكرة عن المدينة وليس المدينة ذاتها، وهذا يعني أن المدينة الروائية هي مدينة خيالية. من هنا يمكن الحديث عن ذاكرة للمدن تستدعي مدنا خاصة بالمؤلفين؛ فتكون لنجيب محفوظ قاهرته، وليوسف القعيد وإبراهيم أصلان وجمال الغيطاني قاهرتهم، مثلما يكون لعبد الكريم غلاب فاسه، وللطاهر بن جلون وأحمد المديني ومحمد برادة وعز الدين التازي فاسهم الخاصة. إن تشييد مدينة روائية يتأسس على مدينة واقعية عادة ما أغرت النوع الأدبي وحقوقه الخاصة بإعادة الإنتاج، مع مراعاة أحوال الأفراد والمجتمعات ومقتضيات التاريخ والفكر والأنثروبولوجيا. مهما يكن من أمر، تبدو المدينة الروائية عالما من الكلام، وهي بهذا قريبة من الشخصية الروائية: إنها فضاء تبتدعه الكلمات.
من هنا إمكانية إبراز صور لسرد المدينة بوصفها عالما:
1. مليئا بالتوتر : بحيث تفصح تعقيدات الحياة اليومية عن طابع الطوية في علاقة الشخصيات الروائية بالمدينة، وإن بدت علاقة مجلية لتاريخ الأنا مصدره تفكير داخلي وتأمل جواني: (مدينة براقش) لأحمد المديني، (عمارة يعقوبيان) لعلاء الأسواني...
2. مثقلا بالمهمش : تظهر نصوص من الرواية العربية ميلها نحو تشخيص عوالم المهمشين، تبدو علاقة الشخصيات بالمدينة حادة ومتوترة تحمل أثر الأحلام المنكسرة أو المؤجلة :
(أرصفة وجدران ) لمحمد زفزاف، (مالك الحزين) لإبراهيم أصلان، وكالة عطية) لخيري شلبي ...
3. راصدا للتحول : ذلك أن علاقة الشخصية بالمدينة يمكن أن يحكمها وعي بقيم جديدة تسود بدل أخرى تتوارى. والعلاقة هنا تعادل «رؤية نقدية» أساسها أزمة اجتماعية أو فكرية:
(القاهرة الجديدة ) لنجيب محفوظ، (الشراع والعاصفة) لحنا مينه،( شرق المتوسط ) لعبد الرحمان منيف.
4. مُجلّياٌ للسلطة : تجسد نصوص من الرواية العربية حقبا عنيفة من التاريخ الاجتماعي والسياسي العربي، ولدت الرغبة لدى الشخصيات الروائية في التحرر من ضغط السلطة وبؤس حاضر مفجع :
(تلك الرائحة) لصنع الله إبراهيم، (عو) لإبراهيم نصر الله، (سمر الليالي) لنبيل سليمان.
5. تعبيرا عن السقوط : حين تقدم الرواية العربية وصفا دقيقا لانهيار العديد من المدن من جراء حروب أهلية أو اعتداء أجنبي. وتحمل المدينة في هذه الروايات إما صورة هوية مفتقدة، أو صورة فضاء لتعرية أوهام الوطن:
(الوجوه البيضاء) لإلياس خوري، (المخطوطة الشرقية) لواسيني الأعرج،
(ثلاثية غرناطة) لرضوى عاشور...
الروائي شعيب حليفي: البيضاء رواية لا تنتهي
في مقاربة شخصية، وانطلاقا من تجربته في الكتابة، يرى الروائي المغربي شعيب حليفي أن المكان جوهري في الرواية، يقول: لا يمكن لشيء أن يوجد ويتحقق، في عصرنا دون مدينة ووعي مديني، خصوصا في مجال المؤسسات والآداب بكل أشكاله التعبيرية وتحديدا المسرح والرواية والمحكي البوليسي والخيال العلمي وغير ذلك. من قبل كان الفلاحون وأهل البادية يختلقون فضاء مختلفا يتشبه بالمدينة ويسمونه المركز أو الفيلاج.
علاقتي بالمدينة مثل علاقة كل الكائنات بفضاءاتها التي تحقق لها نوعا من التوازن النفسي والروحي. ولا يمكن تحقيق وجود وهوية وثقافة بمعنى ما دون مكان، بل دون ارتباط حقيقي به ..حتى إن النصوص الإنسانية الكبرى يشكل المكان فيها جوهرا محركا لكافة القضايا الأخرى. علاقتي بالدار البيضاء، كمدينة تختزل المغرب بامتياز، جاءت بعد علاقتي بمدينة (سطات) المجاورة لها، وهي فضاء صغير يغلب عليه الطابع الفلاحي وإن عرف في العقدين الأخيرين تحولات كبيرة .لكن الدار البيضاء تبقى ذلك الشريان الذي يمد الكاتب بالحياة... فكأننا فيها نحيا داخل رواية لا تنتهي أبدا عامرة بالدلالات والمفارقات، ورغم ذلك نجد أصدقاءنا من مدن أخرى يغبطوننا على أننا نقطن داخل مدينة مثل الدار البيضاء لا يعرف ساكنها الملل أو الراحة أبدا ..يجد فيها كل ما يريد.. ويفقد فيها أشياء كثيرة .
ولعل أول عمل إبداعي لي، رواية «مساء الشوق»، لم أستطع فيه تغييب المدينة، فاستحضرت مدينة الدار البيضاء بوجهها العنيف؛ صورة الطبقة العاملة والحركات الاحتجاجية وما رافق ذلك من عذاب وقتل وتحول في حيوات الناس. ومازلت أعتبر هذه المدينة فضاء لخلق مواضيع وأشكال جديدة، وإطارا مفتوحا للمساهمة في تقدم العلوم والآداب بفعل وجود كل الشروط المساعدة على ذلك. إن علاقة الكاتب أو أي إنسان بمدينة ما لا تكتمل إلا بما تحمله الذاكرة في الماضي وما يحققه الحاضر من أحلام وهي إن كانت موقعا بعمرانه فإنها ما تحمله في تاريخها وجغرافيتها. ولا توجد المدينة في متخيل الكاتب إلا بالذاكرة والحاضر والحلم، وأيضا ذلك النسيج الذي لايقاس بالسنوات أو الأرقام من علاقات بأصدقاء وأمكنة بعينها بأحداث.. كلها مع غيرها تشكل الحياة والرواية داخل دورة
المدينة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.