أخنوش: نجحنا في ضبط معدل التضخم و70% من الأسر استفادت من البرنامج الحكومي    أخنوش: محظوظون بالعمل في إطار الرؤية الملكية.. والفرق بين الحكومات في القدرة على الانسجام مع توجيهاته    دوري أبطال أوربا: ريال مدريد إلى المباراة النهائية بعد مواجهة مثيرة مع البايرن    كيف تؤثر سيطرة إسرائيل على معبر رفح على المواطنين وسير مفاوضات وقف إطلاق النار؟    أخنوش: لن نبيع الوهم للمغاربة.. والدعم الاجتماعي سيصل من يستحقه فقط    اول مركز نداء لخدمة الزبائن باللغة الأمازيغية بشرع في تقديم خدماته بالحسيمة    رياض مزور..المغرب نهج استراتيجية استباقية للتحرير الاقتصادي مكنته من استقطاب استثمارات أجنبية مباشرة هامة    الريال يزيح البايرن من دوري الأبطال    فاتح ذي القعدة يوم 10 ماي بالمغرب    مليون ونصف شاب مغربي لا يدرسون ولا يستفيدون من تكوين في وضعية بطالة    بطل "فيديو" السياقة الاستعراضية في قبضة الأمن    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي    العالم يسجل ارتفاعا غير مسبوق في درجات الحرارة خلال أبريل    تواجد مدير منظمة العمل الدولية في المغرب ينال ترحيب "الباطرونا" والنقابات    توقيف خمسة أشخاص للاشتباه في تورطهم بترويج الأقراص المهلوسة في كل من القنيطرة وطنجة    وهبي.. المغرب على استعداد تام لدعم إحداث الشبكة الدولية للآليات الوطنية للتنفيذ وإعداد التقارير والتتبع في مجال حقوق الإنسان    الأمثال العامية بتطوان... (593)    ارتفاع حصيلة وفيات التسمم الغذائي بمراكش    الفيلم الأمازيغي "قارب الحب" يحصد جائزتين بمهرجان الدراما بمكناس    الإضراب يصيب مستشفيات المملكة بالشلل.. والنقابات تستعد لتصعيد أكبر    الزمالك يعترض على حكام مباراتهم أمام نهضة بركان    المؤرخ برنارد لوغان يكتب: عندما كانت تلمسان مغربية    زياش يقرر رسميا البقاء في نادي غلطة سراي التركي    زمن الجراح.. من الريف السامق إلى الحوز الباسق    دالاس.. تسليط الضوء على مؤهلات المغرب، القطب الاستراتيجي للاستثمار في إفريقيا    الذكرى 21 لميلاد مولاي الحسن.. مسار أصغر ولي عهد في العالم من المدرسة المولوية إلى الأنشطة الملكية    في كلمة مثيرة للجدل.. الرميلي تدافع عن موظفة رفض امهيدية تزكيتها    أسترازينيكا تعلن سحب لقاح كورونا من الأسواق    جلالة الملك يستقبل الأمير تركي بن محمد بن فهد بن عبد العزيز آل سعود مبعوث خادم الحرمين الشريفين حاملا رسالة لجلالته    اكتشاف مقبرة جماعية ثالثة وانتشال 49 جثة من مجمع الشفاء في غزة    حقيقة انفصال صفاء حبيركو عن زوجها    المغرب يزيد من طاقة إيواء السجون ب 5212 سريرا في إطار أنسنة ظروف الاعتقال    توقيع اتفاق تعاون بين الإيسيسكو وليبيا في المجالات التربوية    الرياض توافق على مذكرة تفاهم مع الرباط    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    الحرارة تتجاوز المعدل الموسمي بالمغرب    برنامج متنوع للنيابة العامة بمعرض الكتاب    طنجة.. ربيع جاكاراندا للمسرح المتوسطي يحتفي بتنوع الثقافات    الرباط: يوم تواصلي تحسيسي لفائدة مرضى التهاب المفاصل الروماتويدي    السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية    وسط استمرار القلق من الآثار الجانبية للقاح «أسترازينيكا»..    لوحة الجمال والعار    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    السعودية تفرض عقوبات على مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    ياسمين عبد العزيز تصدم الجميع بحديثها عن طليقها أحمد العوضي (فيديو)    2026 هو موعد تشغيل محطة تحلية المياه بالدارالبيضاء    مشاركة البطل الطنجاوي نزار بليل في بطولة العالم للقوة البدنية بهيوستن الأمريكية    الركراكي مدربا جديدا لسريع واد زم    بعد ضجة آثاره المميتة.. "أسترازينيكا" تعلن سحب لقاح كورونا من الأسواق    سحب لقاح "أسترازينيكا" من جميع أنحاء العالم    نور الدين مفتاح يكتب: ثورة الجامعات    بطولة انجلترا: رفض استئناف نوتنغهام بشأن عقوبة خصم 4 نقاط من رصيده    بطولة انجلترا: ثياغو سيلفا ينضم إلى نادي بداياته فلومينينسي في نهاية الموسم    "من المهم أن تفهم أن آخر شيء أريد فعله هو وضعك في السجن"    وقفة تضامن في الرباط تحذر من إبادة إسرائيلية جديدة متربصة بمدينة رفح    وفد من حركة "حماس" في "القاهرة"    غلاء دواء سرطان الثدي يجر "السخط" على الحكومة    وزارة الداخلية السعودية تعلن تطبيق عقوبة مخالفة أنظمة وتعليمات الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شرعية ترحيل الجنوبيين في السودان إلى دولتهم الوليدة
نشر في المساء يوم 29 - 05 - 2012

خضع السودان للحكم الثنائي بين مصر وبريطانيا على مدى ستين عاما، وعلى الرغم من وجود قوات مصرية في «قشلاق عباس»، وكذلك قوات بريطانية في الثكنات تحت كبرى النيل الأزرق،
فلم يكن هناك ظهور لهذه القوات في شوارع الخرطوم، بل إن الانجليز كانوا يسكنون في منازلهم في شارع الجامعة وفي منطقة المطار دون أن يتعرض لهم أحد، لأن الناس كانوا يشعرون بأن الإنجليز ظلوا يؤدون خدمات للسودان يحتاج إليها في ذلك الوقت، فقد أنشأ الإنجليز مشروع الجزيرة الذي كان ينتج القطن، المصدر الرئيسي للعملات الصعبة في البلاد، وقسموا السودان إلى تسع مديريات على رأس كل مديرية مسؤول إنجليزي يعاونه موظفون سودانيون، وكان نظام الحكم فيدراليا، وهو ما حافظ على وحدة البلاد. وقد أنشأ الإنجليز شبكة للسكك الحديدية لا تقل في مستواها عن السكك الحديدية اليوم في بريطانيا، وبلغ طول تلك الشبكة نحو ثلاثة آلاف كيلومتر تمتد من الخرطوم إلى حلفا على الحدود المصرية، ومن الخرطوم إلى بورتسودان، ميناء السودان، على البحر الأحمر، ومن الخرطوم إلى كريمة في شمال السودان، ومن الخرطوم إلى الأبيض في غرب السودان، أما الجنوب فقد اكتفوا بالبواخر النيلية، وذلك لأسباب سياسية. وقد وضع الإنجليز أساسا للتعليم الحديث، إذ كان التعليم الأولي متاحا لكل أفراد المجتمع، أما المتوسط والثانوي والجامعي فكان يعتمد على المنافسة في ما يعرف باللجان. وخلال حكم الإنجليز، كان البلد موحدا وكان يطلق على السودان تارة سلة غذاء العالم وتارة سلة غذاء العالم العربي لأنه كان يحتوي على نهرين كبيرين يسيران آلاف الكيلومترات، وفيه مائتا مليون فدان صالحة للزراعة ومائتا مليون رأس من الماشية، والمهم في كل ذلك هو أن السودان حافظ على وحدته خلال فترة الحكم الإنجليزي.
وكان للمصريين دورهم في النظام التعليمي وفي تحسين العلاقات بين الشعب المصري والشعب السوداني، مما جعل الكثيرين في السودان يؤمنون بما أطلقوا عليه في ذلك الوقت وحدة وادي النيل، وهي الوحدة التي انتهت شعاراتها مع نيل السودان استقلاله في عام ألف وتسعمائة وستة وخمسين..
ومع بداية الحكم الوطني، دخل السودان مرحلة جديدة لأنه لم يكن مستعدا لبناء دولة الوحدة والنظام الحديث، فكان طموح معظم السياسيين مركزا على السلطة، وبالتالي بدأ الحكم الوطني بقوى طائفية، فمن ناحية كانت طائفة الختمية تسيطر على الحزب الوطني الاتحادي، وكانت طائفة الأنصار تسيطر على حزب الأمة إلى جانب حزب الشعب الديمقراطي الذي انشق عن الحزب الاتحادي ليتمسك بوحدة وادي النيل ويستمر في ولائه لطائفة الختمية. وأدرك الجميع أن هذا الوضع غير قابل للاستمرار، لذلك سلم عبد الله خليل، رئيس وزراء حزب الأمة، الحكم في عام 1958 إلى أول حكومة عسكرية برئاسة الفريق إبراهيم عبود الذي أعلن منذ أول يوم أنه يريد إزالة الجفوة المفتعلة بين مصر والسودان. وعلى الرغم من أن حكم الفريق عبود تميز بطهارة اليد فقد أسهم في تعميق قضية جنوب السودان لأنه لم يسع إلى حل سياسي، بل آثر الحل العسكري الذي خلف جراحا بين الشماليين والجنوبيين؛ وقد أسقط نظام الفريق عبود بثورة بدأها طلاب الجامعة في عام ألف وتسعمائة وأربعة وستين وشاركت فيها جبهة الهيئات، ولكن الثورة لم تسفر عن نظام جديد بل أعادت الوجه الطائفي مرة أخرى، وذلك ما جعل جعفر النميري يقوم بانقلابه في عام 1969، ولم تكن له أي رؤية سياسية غير تلك الشعارات التي سادت في العالم العربي وهي شعارات الاشتراكية والميل نحو اليسار على الرغم من اختلافه مع الشيوعيين، وانتهى وضع النميري بثورة شعبية أعادت الوجه الطائفي من جديد إلى أن قام الرئيس عمر البشير بانقلابه في عام 1989 وهو الانقلاب الذي يستمر في حكم البلاد حتى اليوم رافعا شعارات إسلامية، ولكنه لم يستطع أن يحقق الدولة الإسلامية حتى الآن بعد اثنين وعشرين عاما من بداية الحكم، وخلال حكم ثورة الإنقاذ التي قادها الرئيس البشير احتدمت حرب الجنوب، مما أدى إلى تدخل الحكومة الأمريكية من أجل توقيع اتفاقية نيفاشا التي منحت الجنوبيين التصويت في استفتاء من أجل الاختيار بين الوحدة والانفصال، وكان واضحا أن هناك أيادي خارجية تتدخل في شؤون السودان، ويرجح الكثيرون أن إسرائيل لعبت دورا مهما في تحقيق الانفصال لأنها لم تكن تريد لمصر أن تكون دولة قوية في المستقبل، وهي تعرف أن مصدر قوة مصر سيكون دائما رهنا بتدفق مياه النيل إليها. ولكن تحقيق جنوب السودان لاستقلاله لم يوقف طموحات الجنوبيين بل شجع أيضا بعض القوى الجهوية لتقوم بتحركات من أجل تحقيق انفصال كانفصال جنوب السودان دون إدراك لأن وحدة السودان وحدة جغرافية وليست وحدة سياسية فقط، وقد ظهر ذلك في الوقت الحاضر في الخلافات بين الشمال والجنوب، وهي الخلافات التي سببها أن الجنوب أدرك في هذه المرحلة أنه غير قادر على التعامل مع العالم الخارجي عبر بوابة الشمال، ولكن كل هذه التطورات لم تجعل المسؤولين في السودان يتوقفون لمعرفة حقيقة الأحوال في بلدهم، فقد رأينا الدكتور حسن الترابي يعيد شعاراته القديمة في إقامة نظام إسلامي بعد الإطاحة بالنظام الحالي، مشيرا إلى أن الوقت أصبح مناسبا بعد ثورات الربيع العربي الذي أتى بقوى إسلامية في كل البلاد التي نجحت فيها الثورات واستخلص درسا واحدا وهو أن إقامة النظام الإسلامي تحتاج إلى اكتساب الحرية أولا، وذلك -من وجهة نظره- ما حدث في البلاد التي نجحت فيها الثورات دون أن يشير إلى أن صعود الإسلاميين كان بسبب عدم وجود تنظيمات سياسية أو نظم دولة في دول العالم العربي، وكانت القوى الإسلامية هي القوى الوحيدة التي تمتلك درجة من التنظيم تمكنها من الصعود إلى السلطة في هذه المرحلة، كما أن الشيخ حسن الترابي في ظل وضعه الحالي نسي أنه هو مؤسس نظام الإنقاذ الحالي واختلافه مع النظام لا يجعله بعيدا عن خطه السياسي.
والمهم في هذه المرحلة هو العلاقة بين شمال السودان وجنوبه لأنها هي التي ستحدد وضع السودان في المرحلة المقبلة، وكما ارتكب السودان أخطاء هي التي أدت إلى فصل جنوب السودان فهو يرتكب خطأ جديدا باعتبار الجنوبيين الذين يقيمون في شمال السودان أجانب ويجب أن يرحلوا إلى ما يقول إنها بلادهم الأصلية، وذلك مخالف لكل الشرائع الدولية، ذلك أن معظم الجنوبيين الذين يقيمون في شمال السودان ولدوا فيه ولا يعرفون عن الجنوب شيئا، كما أن الظروف في الجنوب في الوقت الحاضر لا تستوعبهم، ونحن نعرف أن الذين يقيمون في بلاد العالم الغربي خمس سنوات يحصلون على جنسيتها، فكيف يعتبر الجنوبي الذي ولد في الشمال وبلغ الستين من عمره أجنبيا، مع أن بقاء الجنوبيين في الشمال سوف يقوي الأواصر بين الشمال والجنوب وترحيلهم إلى الجنوب سوف يولد المرارة في نفوسهم التي ستنقلب إلى عداوة. وإذا كان الشمال يفكر في عودة الوحدة من جديد، فالأفضل أن يبقي على الجنوبيين الذين هم في الشمال في مواقعهم، خاصة أن علاقات الشمال والجنوب الاثنية أقوى مما يعتقده الكثيرون، وسيضمن هذا النوع من السلوك عودة الاستقرار إلى السودان وسيبطل سائر المحاولات التي تقف القوى الأجنبية وراءها. وهنا لا بد أن يكون هناك تعاون حقيقي بين مصر والسودان، خاصة في ما يخص مصالحهما في مياه النيل بعد أن ارتفعت أصوات دول المنبع تطالب بإعادة التقسيم، وأخيرا برز صوت ملس زيناوي، رئيس وزراء إثيوبيا، الذي يطالب حكومة مصر الجديدة بأن تصل إلى اتفاق مع إثيوبيا بشأن مياه النيل.



يوسف نور عوض


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.