قُتل منذ بدأت الانتفاضة الثانية 650 إسرائيليا، وأُنشئت 7 لجان حكومية وخُطط ما لا يحصى من خطط جهاز الأمن ولم تنفذ خمسة قرارات حكومية، إلى أن اتُخذ في مثل هذا الأسبوع قبل عشر سنين قرار حكومي ببدء بناء عائق الفصل في الضفة. وقد بُني اليوم 60 في المائة من المسار المخطط له وطوله 815 كلم -أطول من الخط الأخضر بثلاثة أضعاف تقريبا- بكلفة تزيد على 11 مليار شيكل، ويُصان بكلفة سنوية تبلغ مليار شيكل. وبقيت ثلاثة منافذ كبيرة على طول الخط الأخضر وأكثر «الكتل» الاستيطانية وهي: غوش عصيون ومعاليه أدوميم وأريئيل كدوميم، توجد خارج العائق المبني. إذا كان الأمر كذلك، فماذا نتعلم من واحد من أطول وأبهظ المشروعات كلفة في تاريخ دولة إسرائيل؟ نتعلم، أولا، أن إسرائيل تحتاج إلى عائق مادي بينها وبين الأراضي الفلسطينية في كل سيناريو، سواء أكان مواجهة عسكرية أم تسوية. ومصدر هذه الحاجة هو تهديد الإرهاب بمستوى تختلف كثافته، لكنه دائم في الجانبين. وتنبع الحاجة بقدر لا يقل عن ذلك من الفرق الاقتصادي بين الجانبين الذي يبلغ 15: 1 من جهة الإنتاج المحلي الخام للفرد، وهو شيء لا مثيل له في العالم يحث عشرات الآلاف من الفلسطينيين على ابتغاء العمل في إسرائيل بصورة غير قانونية أيضا ويحقق في بطء «العودة» إلى إسرائيل. يجب أن يكون عائق على حدود متفق عليها لمصلحة لإسرائيل لأنها ستستطيع آنذاك أن تضمن نظام حدود «متنفسا» بينها وبين فلسطين يشتمل على مرور مراقب للسلع والسياح والعمال والسيارات. وسيسهل إتمام العائق في مسار أمني على إسرائيل في يوم التوقيع على اتفاق أن تمنع معارضيه من الطرفين المس بتحقيقه بأحداث عنيفة ومسيرات جماعية وغير ذلك. ونتعلم، ثانيا، أن الجمهور في إسرائيل كان قادرا على حسم المعارضة الشديدة لبناء العائق من قبل رئيس الوزراء اريئيل شارون ووزير الدفاع بنيامين بن أليعيزر ورئيس الأركان شاؤول موفاز ونائبه بوغي يعلون، ورؤساء المستوطنين وممثليهم في الكنيست. وكان قادرا أيضا على أن يغير بواسطة المحكمة العليا مسار العائق تغييرا حادا وهو الذي أراد في البدء أن يضم نحوا من 20 في المائة من مساحة الضفة، وتقلص ليصبح 8 في المائة من المخطط لها و5 في المائة بالفعل، وأصبح بذلك أكثر أمنا. ونتعلم أيضا أن جميع حكومات إسرائيل، منذ كانت، فضلت أن تحدد مسار العائق بحسب اعتبارات سياسية واستيطانية غريبة عن الحاجة والتسويغ الأمنيين، وحتى لو كان ثمن ذلك إبقاء منافذ دخل منها منفذو عمليات وماكثون غير قانونيين، وتحديد مسار «يعرض للخطر القوات التي تجري دوريات على طوله» كما قضت المحكمة العليا، وعدم وجود «تقدير عميق ووزن لجميع التقديرات الأمنية والاقتصادية»، كما ورد في تقرير برودت؛ وخسارة نحو من ملياري شيكل في تخطيط وبناء مكرر وإضرار مكرر بنسيج الحياة الفلسطيني وبقيم التاريخ وبالبيئة والمناظر الطبيعية. ونتعلم أيضا أن مسار العائق الذي يشابه مسار الحدود الدائمة التي اقترحها إيهود باراك في طابا في 2001 وإيهود أولمرت في 2008 أحدث لدى الجمهور الإسرائيلي وهم ان الفلسطينيين يوافقون عليه أيضا، وهو شيء أنتج توجهين متناقضين أو متكاملين: الأول أفكار لإعادة تنظيم وجمع المستوطنات المفرقة إلى داخل مسار الجدار مع توسيع المستوطنات الموجودة في داخله؛ والثاني بناء مكثف في المستوطنات المفرقة وإنشاء عشرات البؤر الاستيطانية غير القانونية عن قصد إلى إنشاء «ممر» يهودي مبني بينها وبين «الكتل الاستيطانية». وتلاشت الفكرة السياسية المؤسسة لبناء العائق وهي «نحن هنا وهم هناك».