أيوب الكعبي ضرب هاتريك على أستون فيلا وحط هو أولمبياكوس رجلهم الأولى فالفينال    ليفار ربحو نهضة بركان بالبيلانتيات وتأهلو لثمن نهائي كأس العرش    مجلس جماعة بني بوعياش يعقد دورته العادية لشهر ماي    عمور.. مونديال 2030: وزارة السياحة معبأة من أجل استضافة الفرق والجمهور في أحسن الظروف    السيد بوريطة يتباحث ببانجول مع نظيره الغابوني    تفكيك مخيّم يثير حسرة طلبة أمريكيين    الملك يعزي بن زايد في وفاة طحنون آل نهيان    كأس آسيا لكرة القدم تحت 23 عاما.. المنتخب العراقي يتأهل لأولمبياد باريس 2024    وفاة المحامي والحقوقي عبد العزيز النويضي اثر سكتة قلبية    حجز زورق ومحركات.. الديستي وأمن الحسيمة يوقفان 5 أشخاص تاجروا بالمهاجرين    العقائد النصرانية    "طاس" تكشف موعد إصدار حكمها النهائي في قضية نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    تنفيذ قانون المالية يظهر فائضا في الميزانية بلغ 16,8 مليار درهم    الأمثال العامية بتطوان... (588)    قرار بعدم اختصاص محكمة جرائم الأموال في قضية اليملاحي وإرجاع المسطرة لمحكمة تطوان    أمطار طوفانية تغرق الإمارات وتتسبب في إغلاق مدارس ومقار عمل    مركز دراسات.. لهذا ترغب واشنطن في انتصار مغربي سريع في حال وقوع حرب مع الجزائر    تركيا تعلق المعاملات التجارية مع إسرائيل    أنور الخليل: "الناظور تستحق مركبا ثقافيا كبيرا.. وهذه مشاريعي المستقبلية    أوروبا تصدم المغرب مرة أخرى بسبب خضر غير صالحة للاستهلاك    أول تعليق من حكيمي بعد السقوط أمام بوروسيا دورتموند    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة    ها التعيينات الجديدة فمناصب عليا لي دازت اليوم فمجلس الحكومة    ارتفاع حصيلة القتلى في غزة.. واعتقالات في الضفة الغربية    "الأمم المتحدة" تقدر كلفة إعادة إعمار غزة بما بين 30 إلى 40 مليار دولار    بايتاس رد على لشكر والبي جي دي: الاتفاق مع النقابات ماشي مقايضة وحنا أسسنا لمنطق جديد فالحوار الاجتماعي    فوضى «الفراشة» بالفنيدق تتحول إلى محاولة قتل    مصرع سائق دراجة نارية في حادثة سير مروعة بطنجة    المخزون المائي بسدود الشمال يناهز مليار و100 مليون متر مكعب    أزمة طلبة الطب وصلت ل4 شهور من الاحتقان..لجنة الطلبة فتهديد جديد للحكومة بسنة بيضاء: مضطرين نديرو مقاطعة شاملة    مجلس النواب يعقد الأربعاء المقبل جلسة عمومية لمناقشة الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة    ندوة بطنجة تناقش مكافحة غسل الأموال    باحثون يكتشفون آليات تحسّن فهم تشكّل الجنين البشري في أولى مراحله    المكتب الوطني للمطارات كيوجد لتصميم بناء مقر اجتماعي.. وها شنو لونصات لقلالش    بذور مقاومة للجفاف تزرع الأمل في المغرب رغم انتشارها المحدود    النفط يتراجع لليوم الرابع عالمياً    طاهرة تودع مسلسل "المختفي" بكلمات مؤثرة        رسميا.. جامعة الكرة تتوصل بقرار "الكاف" النهائي بشأن تأهل نهضة بركان    مؤسسة المبادرة الخاصة تحتفي بمهرجانها الثقافي السادس عشر    البرلمان يستعرض تدبير غنى الحضارة المغربية بالمنتدى العالمي لحوار الثقافات    تسرب الوقود من سفينة بميناء سبتة كاد يتسبب في كارثة بيئية    آبل تعتزم إجراء تكامل بين تطبيقي التقويم و التذكيرات    إلقاء القبض على إعلامية مشهورة وإيداعها السجن    بورصة الدار البيضاء : تداولات الافتتاح على وقع الانخفاض    الطيب حمضي ل"رسالة24″: ليست هناك أي علاقة سببية بين لقاح أسترازينيكا والأعراض الجانبية    مسؤولة في يونيسكو تشيد بزليج المغرب    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" يعلن عن أسماء الفائزات والفائزين بجائزة "الشاعر محمد الجيدي" الإقليمية في الشعر    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الرئيس الكولومبي يعلن قطع العلاقات مع إسرائيل    "دراسة": زيادة لياقة القلب تقلل خطر الوفاة بنحو 20 في المائة    العربية للطيران ترفع عدد رحلاتها بين أكادير والرباط    عبد الجبّار السحيمي في كل الأيام!    نادي الشباب السعودي يسعى لضم حكيم زياش    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    دراسة: مجموع السجائر المستهلكة "يلتزم بالثبات" في إنجلترا    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الأمثال العامية بتطوان... (586)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حفل الولاء بين غياب السند الدستوري وتآكل المشروعية الشعبية
نشر في المساء يوم 31 - 08 - 2012

جرت العادة على أن يخلِّد النظام السياسي المغربي مرة كل سنة ذكرى جلوس الملك على «عرش أسلافه المنعمين»، هذه الذكرى يختار لها البروتوكول الملكي بعدا كرنافاليا يتجلى في حضور «ممثلي» جهات المملكة و«ممثلي» الشعب المغربي إلى باحة أحد القصور الملكية، من أجل تقديم فروض الطاعة والولاء وتجديد العهد للعرش العلوي، والتأكيد على التمسك ب«أهداب العرش».
وتعتبر هذه المناسبة أيضا فرصة للتنافس بين الجهات والأشخاص النافذة على من الأقدر على تقديم أحسن الفروض وأكثرها تقريبا إلى فرس الملك ومظلمته «الشريفة».
وأما الطريقة التي يتم بها تقديم الولاء فهي محط حديثنا وحديث أغلب الناس في الداخل والخارج، بل أصبحت أكبر خبر يتداوله الإعلام المحلي والدولي. والسبب في ذلك يعود إلى غرابة تلك الطقوس المعتمدة من قبل البروتوكول الملكي، إذ يتجلى المشهد كالآتي: ملك يرتدي جلبابا أبيض ويمتطي صهوة حصان، في الغالب أسود، مع مظلة كبيرة يستظل بها الملك محمولة من طرف شخص أسود البشرة، يصفه جزء من الشعب بالعبد، ثم تتقدم أفواج من البشر، يكسوها البياض في صفوف متراصة وكأنهم في صلاة الجمعة، لتأدية التحية للملك وفرسه ومظلته عبر انحناءات كبيرة ومتكررة ومتتالية تشبه الانحناء للركوع في الصلاة، وعندما ينتهي الفوج الأول من انحناءاته/ركوعه يخلى المكان للأفواج الأخرى وتستمر الطقوس حتى آخر فوج، مع صيحات عالية يطلقها صوت فخيم لرجل غليظ ينوب عن الملك بقوله: «الله ينصر سيدنا قال لكم سيدنا الله يرضي عليكم»، ثم ينتهي الحفل الأكبر الذي يُجرى في باحة القصر لينتقل جزء من الحضور إلى داخل القصر لتقديم الولاء، ولكن هذه المرة عبر تقبيل يد الملك.
غير أن السؤال المطروح هنا هو: ما الذي يجنيه النظام السياسي المغربي من هذه الطقوس؟ ولماذا يعرض نفسه لانتقادات وسخرية الإعلام الخارجي والداخلي؟ ولماذا يسبب ل«خدامه الأوفياء» كل هذا الحرج، خاصة في ظل حكومة بنكيران الذي سبق له أن طلب من الملك تغيير تلك الطقوس عندما قال في حلقة سابقة من برنامج «حوار»: «هذيك الطقوس ديال حفل الولاء حشومة تستمر»؟ وهل يتعلق الأمر بالبيعة بالمفهوم الشرعي؟ أم إن الأمر متعلق بركوع لا مبرر له، حسب الريسوني؟ أم هي طقوس قديمة تحفظ الهالة والمهابة للسلطان، حسب الفيزازي؟
بالوقوف على مفهوم البيعة في الإسلام، نجد أنها بعيدة كل البعد عن طقوس 31 يوليوز، فالبيعة هي إعطاء العهد من المبايع على السمع والطاعة للإمام في غير معصية، في المنشط والمكره واليسر والعسر وعدم منازعته الأمر وتفويض الأمور إليه، وقد قال ابن خلدون في مقدمته: «اعلم أن البيعة هي العهد على الطاعة، كأن المبايع يعاهد أميره على أن يسلم له النظر في أمور نفسه وأمور المسلمين، لا ينازعه في شيء من ذلك، ويطيعه في ما يكلفه به من أمر على المنشط والمكره، وكانوا إذ بايعوا الأمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده تأكيدا للعهد، فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري، فسمي بيعة مصدر باع، وصارت البيعة مصافحة بالأيدي، هذا مدلولها في عرف اللغة ومعهود الشرع، وهو المراد في الحديث في بيعة النبي عليه السلام، ليلة العقبة وعند الشجرة».
البيعة بهذا المعنى هي ميثاق الولاء للنظام السياسي الإسلامي أو الخلافة الإسلامية والالتزام بجماعة المسلمين والطاعة لإمامهم، فهي ميثاق إنساني، لكنه يتأسس على رؤية عقيدية، ويتضمن ثلاثة أطراف هي: الخليفة نفسه والقائمون بالبيعة، أي الأمة، والرقابة على الحاكم، ونصحه إذا حاد، وعزله إذا لزم الأمر واقتضت المصلحة العليا للبلاد والعباد (أحمد صديق عبد الرحمان: البيعة في النظام السياسي الإسلامي وتطبيقاتها في الحياة السياسية المعاصرة).
هذا ما يتعلق بالرؤية الدينية لمفهوم البيعة، أما إذا أردنا البحث عنها في الفكر السياسي المعاصر، فإن البيعة كتقليد سياسي استمرت حاضرة في الممارسة السياسية التاريخية، وإن ظلت إجراء صوريا مجردا من صفته التعاقدية الفعلية، بحيث كانت حيازة السلطة تتم وفق معيار ثابت هو معيار القوة والغلبة، ولم يكن لمبدأ البيعة خارج هذا المعيار من دلالة سياسية أكثر من تأكيد سلطة المتغلب والإشهار الرسمي لخضوع أهل الحل والعقد لسياسة الأمر الواقع (محمد أمزيان، في الفقه السياسي).
ولما كان الأمر كذلك بالنسبة إلى دلالة البيعة عبر الممارسة السياسية التاريخية، ولما كانت البيعة غير منشئة للسلطة بل مجرد تأكيد لسياسة الأمر الواقع، فما هي قيمة تجديد البيعة في إطار علاقة الحاكم بالمحكومين؟ وما هي دلالات حفل الولاء كتقليد سياسي في الممارسة السياسية المغربية؟
إنه إذا كانت أغلب الأنظمة السياسية تعتمد مجموعة من الطقوس السياسية ترمز إلى استمراريتها -رغم اختلاف تلك الطقوس بين طقوس ديمقراطية وطقوس استبدادية- فإن تلك الطقوس في الأنظمة العربية تذهب بعيدا نحو التخلف، إلى درجة محاولة طمس آدمية المواطن واستعباده، من خلال إضفاء شحنة عاطفية ونفسية على النظام ترمز إلى تجدده الموسمي المتواتر، حيث يمكن اعتبار البيعة بمثابة رمز للتجدد السياسي (محمد شقير أواليات الشرعنة).
غير أن الواقع المغربي يثبت أن البيعة استحالت إلى مجرد أداة تزكية وشرعنة للسلطة القائمة، وذلك من خلال مجموعة من الطقوس التي جعلت البيعة عبارة عن مسطرة شكلية تؤكد الواقع ولا تؤثر فيه. واقع دفع أحد المشاركين في كتابة الدستور الحالي إلى وصف البيعة بكونها تهدف إلى تقليص أثر القانون الوضعي على شرعية النظام، وجعله مجرد سند إضافي لتأكيد الأحقية التاريخية في التسيير والتدبير (الطوزي، الملكية والإسلام السياسي في المغرب، ص: 11).
إن الدافع إلى طرحنا لهذا الموضوع هو استغرابنا تمسك النظام السياسي المغربي بمجموعة من الطقوس والأساليب التاريخية في الحكم، رغم إقرار دستور ينظم انتقال الحكم بين الملك وولي عهده (بغض النظر عن الموقف من هذا الدستور)، ورغم عدم وجود أي إشارة دستورية إلى هذا الحفل أو إلى كيفية انعقاد البيعة باستثناء التنصيص على طريقة انتقال الحكم، حيث جاء في الفصل 43 من الدستور أن «عرش المغرب وحقوقه الدستورية تنتقل بالوراثة إلى الولد الذكر الأكبر سنا من ذرية الملك محمد السادس»، علاوة على افتقاد طقوس حفل الولاء المشروعية الشعبية التي تآكلت يوما بعد يوم، خاصة ما بعد الربيع الثوري، وما حجم المقالات والدراسات الصادرة في الجرائد والمواقع الإلكترونية والمساهمات في فيسبوك وتويتر إلا دليل إضافي على ذلك، فضلا عن وجود احتجاجات ميدانية وعرائض من المثقفين تعبر عن رفضها لحفل الولاء وطقوسه الغريبة.
فإذا كان الدستور قد قنن عملية انتقال السلطة عبر توارث الحكم، وأن البيعة أو الولاء لن ينشئا حاكما جديدا وإنما شرعنة واقع قائم، فلماذا يصر البروتوكول الملكي على تلك الكرنافالات التمظهرية التي تزيد الواقع السياسي المغربي تأزما وتعكس صورة سلبية عن المغرب في الخارج، وتجعل المغاربة عرضة للفرجة والتنكيت؟ وهل يبرر الارتكاز على مفهوم البيعة، للتدليل على مغربية الصحراء أو استمرارية الدولة، كلَّ تلك الطقوس الضاربة في الرجعية؟ ولماذا توافق «النخبة» السياسية على المشاركة في مثل هذه المشاهد الحاطة بالكرامة (نقصد مظاهر الركوع أثناء حفل الولاء) رغم عدم التنصيص الدستوري على حفل الولاء ورغم عدم مشروعيته الشعبية؟
باحث في العلوم السياسي


عبد الرحيم العلام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.