حكاية أبناء البصري وبقية آله ترتبط بحياة البصري نفسه. هو من صنع اسم العائلة ودونه بحديد ونار في سجل العائلات المغربية الأكثر ثراء وجاها. البصري أورث عائلته العز كما أورثها أوجاعا مزمنة. بانحداره من هرم الدولة سريعا وسقوطه سقوطا مدويا على الأرض سقط آله في بحر متلاطم الأمواج. حكاية أبناء البصري نبدؤها من أصلها.. من إدريس البصري. كيف يرث «عروبي» وزارة الداخلية من سليل عائلة مسفيوية ذات جذور في دار المخزن؟ هذا هو السؤال الذي تم طرحه في نونبر 1981 عندما تسلم إدريس البصري مهام الداخلية من سابقه الدكتور محمد بنهيمة. يجمع العارفون بخبايا تلك المرحلة، بأن ذكاء وحركية ابن الشاوية، إدريس البصري ما كانت لتقوده إلى التربع على أم الوزارات، كما كانت تسمى وزارة الداخلية، لولا عطف من الجنرال الدليمي الذي كان البصري ظله وذراعه اليمنى. كما أن العطف على البصري الوفي لم يكن وحده ما دفع الدليمي إلى اقتراح البصري على الحسن الثاني، بل إن سياسة الدليمي في خلق توازن إثني جغرافي واجتماعي داخل دواليب السلطة هو الذي دفعه في البحث عن «عروبي» ليكون ندا للفاسيين والرباطيين والأمازيغ. الداعمون لهذه الأطروحة، يقرنون حدث تعيين ادريس البصري في بداية الثمانينيات ليكون على رأس وزارة الداخلية، بحدث شق حزب صهر الحسن الثاني، إلى حزبين، عندما تقرر إخراج الحزب الوطني الديمقراطي، الذي سيعرف ب«حزب العروبية» من حزب التجمع الوطني للأحرار، حيث سيتم إسناد الحزب إلى النقابي الدكالي محمد أرسلان الجديدي، وإلى جانبه نخبة من «العروبية» من طينة محمد جلال السعيد وأحمد بلحاج وعبد القادر بن سليمان، ثم لا حقا عبد الله القادري. «عروبي» في كنف السلطة لم يكن يضير ادريس البصري أن يتفكه الفاسيون والرباطيون على لكنته العروبية، ولا أن يستدعي الجنرال الدليمي فكاهيين ليطلب منهم تقليد طريقة حديث ادريس، كما لم يكن يزعج زعيم حزب العروبية أن يلتقط المغاربة تصريحات محسوبين عليه قال فيها أحدهم، عندما كان وزيرا للشغل: «صيفطني صاحب الجلالة»، ويحولوها إلى نكات عديدة منها: وقول سياسي آخر «المغرب ولاَّ كُلو بقر»، وكان يقصد أن تربية البقر تعرف تقدما في المغرب. وقد استمر الأمر كذلك، بحيث لم يكن البصري يتوانى في التباهي بعروبيته، حتى عندما كانت العروبية تظهره في مظهر الجاهل، كما حدث في خرجاته الأخيرة في القنوات العربية وهو يردد كلمات من قبيل «أكناك» جمع «كنك» أي رأس. هل ترك البصري لأبنائه فقط هذه الشخصية التي شقت طريقها وسط عتاة البورجوازية الفاسية والرباطية والسوسية، جاعلة من العفوية رأس مال لا يفنى، ومن الوفاء الأعمى للحسن الثاني، الذي كان البصري يتحدث عنه بالقول: أنا قفل ساروتو عند الحسن الثاني» علامة صارخة التميز؟ أم أن شخصية العروبي العفوي والوفي، كانت تخفي وراءها نزوعا إلى الثروة والبذخ؟ بعد وفاة البصري تحدثت الصحافة الفرنسية على أن البصري، الذي عرف كرجل لا تغريه سلطة المال كما أغرته سلطة الأمن، ترك ثروة تتعدى 10 ملايير درهم مغربي، ناهيك عن عشرات العقارات والمقاولات، وبمعزل أيضا عن الثروات التي راكمها أبناؤه وفي طليعتهم، ابنه البكر هشام، الذي فتح الحسن الثاني في وجهه باب الاستثمار العقاري، عندما كلف صهره السابق فؤاد الفيلالي بتمكينه من أراض، وتسهيل المساطر الإدارية له. وبالفعل فقد أصبح هشام البصري، خريج المعهد العالي للتجارة وتسيير المقاولات، يتربع فوق مجموعة من كبريات الشركات المغربية من قبيل شركة «أفيفون». غير أن البصري، وبالقدر الذي ترك لأبنائه ثروة، وشبكة واسعة من العلاقات، ترك لهم اسما يضيق به صدر العديد من ماسكي السلطة الجدد في المغرب، والذين دخلوا في مواجهة مع ادريس البصري في أواخر أيامه مازالت مستمرة مع أبنائه إلى الآن. اندلاع حرب كانت شرارة الحرب الأولى التي تفسر الصراع الخفي بين آل البصري ومن كان يسميهم إدريس البصري ب«الجهات» عند خروج البصري، بشكل مخز، من وزارة الداخلية التي استقر على عرشها لعقود. خرج البصري ولم يعد. عند خروجه سرا بين الناس راج حديث علني حول ضلوعه في جرائم ارتكبت خلال سنوات الرصاص. كان البصري حين شيوع هذه الانتقادات، التي مسحت فيه سيئات العهد القديم كلها، يقضي أوقات استجمام على متن قارب ابنه توفيق المسمى «عزيزة» بالمضيق. البصري سيقطع استجمامه، سيستشيط غضبا وينفي نفسه مختارا إلى فرنسا، طلبا للعلاج ولأرض محايدة يطلق منها صواريخ وقذائف عبارة عن تصريحات صحافية نارية. بدأت الأنباء تدور حول تملكه لأرشيف يضم وثائق حساسة. تم إتلاف هذا الأرشيف ولم تبق سوى مذكرات راجت أخبار بان إدريس البصري يخطها. بين كل صفحة وصفحة يكتبها بمذكرته وبعد كل جرعة دواء يتناولها كان البصري يطلق تصريحات نارية. ظل ينتقد المحيطين بالملك ورموز العهد الجديد، وعبر عن عدم رضاه عن التحول الذي عرفه مسلسل الدفاع عن مغربية الصحراء. هل كانت كل هذه التصريحات محض تخاريف من رجل شارف على نهاية العمر؟ أم كانت صوتا مبحوحا من مسؤول مذبوح صال وجال قبل أن يجد نفسه عاطلا عاجزا بلا عمل؟ أيا كانت الأجوبة، فالجواب كان واضحا وهو أن ما قاله البصري جر عليه وعلى أهله سخطا بالغا. لعنة «المخزن» قبل خمسة أشهر، اختار توفيق البصري، ثاني أبناء وزير داخلية الحسن الثاني، اسم إدريس لمولوده الجديد. توفيق الذي يعتبر أقرب أبناء إدريس البصري إلى نفسه، كان هو الذي صاحبه إلى مقر وزارة الداخلية يوم 9 نونبر 1999 لتسليم سلطه «المطلقة» إلى أحمد الميداوي الذي جيء به من وزارة المالية إلى الإدارة العامة للأمن الوطني ثم إلى خلافة البصري على رأس أم الوزارات. كما تصدى توفيق البصري بشراسة لتصريح كان فؤاد عالي الهمة، قد أدلى به لمجلة «تيل كيل»، حين ربط الهمة بين مواقف ناقمة أدلى بها القبطان أديب في حق الجنرالين بنسليمان وبناني، وبين مواقف سابقة لإدريس البصري. حيث قال الهمة بأنه سمع البصري يردد نفس عبارات «الكراهية» في حق بنسليمان وبناني، وذلك عندما كان بصحبة البصري داخل سيارته يوم ذهب إلى وزارة الداخلية لتسليم سلطاته إلى الميداوي. وقد قال توفيق البصري ردا على فؤاد عالي الهمة ابحث لك عن مشجب آخر غير ادريس البصري لتعلق عليه مثل هذه الأشياء، واحترم تعاليم الإسلام التي تقول «اذكرو أمواتكم بخير» مضيفا بأنه لم يفارق والده ادريس البصري، يوم توجه إلى مقر وزارة الداخلية لتسليم السلط، وأن الهمة لم يكن حاضرا. عندما سلم ادريس البصري مفاتيحه إلى الميداوي، واحتفظ في صدره بكل الأسرار غير المكتوبة عن علاقات الراحل الحسن الثاني الدولية والوطنية، بقي توفيق ملازما له. وحتى عندما كان ادريس البصري يريد أن ينفلت من قبضة العائلة للخروج إلى الأماكن العمومية، كشاب عنيد، كان توفيق يكلف أصدقاءه المقربين بتعقب سيارة ابيه الذي لم يعد له حراس شخصيون. عندما اشتد المرض بإدريس البصري وضاقت به العزلة الباريسية وتنكر له الأصحاب، وجد إلى جانبه توفيق ابنا بارا يعتني به ويُروح عنه، وكذلك لازمه إلى أن أسلم الروح إلى باريها. وقد كان توفيق البصري هو أول من تلقى تعزية من محيط الملك الأقرب، من طرف زميله في الدراسة وصديقه الأمير مولاي رشيد. حيث كان تغلب هول المصاب وصدمة الفراق على كل الحزازات التي كانت قد نشأت بين آل البصري ومحيط الملك محمد السادس. سنتان بعد رحيل إدريس البصري، وبوفاء نادر، سيكرم فريق النهضة السطاتية داعمه وراعيه الأول، ورئيسه الشرفي الراحل إدريس البصري، وسيكون هذا التكريم عبر تنصيب أقرب أبنائه إلى نفسه، توفيق البصري، رئيسا شرفيا للنهضة، بالرغم من أن «النهضاويين» يعلمون بأن تشريف توفيق البصري لن يدر على الفريق أموالا وهبات كالتي كان يدرها والده، ولن يضع على أقمصة اللاعبين رمز شركة الخطوط الجوية، مقابل سندات مالية لم توفر لأكبر فرق مركز الدارالبيضاء والرباط.