الصحراء المغربية.. أكاديميون وخبراء يؤكدون بالمحمدية نجاعة مخطط الحكم الذاتي    هلال: السفير الجزائري يترك مسؤولياته العربية في مجلس الأمن لخدمة أجندته حول الصحراء في كاراكاس    لجنة ال24.. امحمد أبا يبرز دينامية التنمية الشاملة في الصحراء المغربية    المغربي محمد وسيل ينجح في تسلق أصعب جبل تقنيا في سلوفينيا    طقس الخميس حار نسبيا مع تشكل سحب وكتل ضبابية    ولاية أمن طنجة تتفاعل مع فيديو لشرطي واجه أحد مستعملي الطريق بسلاحه الوظيفي    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس بالمغرب    "أديداس" تطلق قمصانا جديدة بلمسة مغربية    رسالة اليمامة لقمة المنامة    إصدارات: كتاب" توازن بصري " من سلسلة انتباهات فن التشكيل    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    كلاب ضالة تفترس حيوانات وتهدد سلامة السكان بتطوان    من أجل خارطة طريق لهندسة الثقافة بالمغرب    أشجار عتيقة تكشف السر الذي جعل العام الماضي هو الأشد حرارة منذ 2000 عام    "إف بي آي" يوقف المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه بالمطار ويحقق معه حول مواقفه من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي    تصفيات المونديال.. طاقم تحكيمي مغربي يقود مباراة موريتانيا والسنغال    هنية: إصرار إسرائيل على عملية رفح يضع المفاوضات في مصير مجهول    مدريد في ورطة بسبب الإمارات والجزائر    نسخة جديدة من برنامج الذكاء الاصطناعي لحل المعادلات الرياضية والتفاعل مع مشاعر البشر    منتدى عربي أوروبي لمكافحة الكراهية    محكي الطفولة يغري روائيين مغاربة    أكاديمية المملكة تُسائل معايير تصنيف الأدباء الأفارقة وتُكرم المؤرخ "هامباتي با"    زيلنسكي يلغي زياراته الخارجية وبوتين يؤكد أن التقدم الروسي يسير كما هو مخطط له    بروكسيل.. معرض متنقل يحتفي بمساهمة الجالية المغربية في المجتمع البلجيكي    فتح بحث قضائي حول تعرض بعض المواطنين المغاربة للاحتجاز من طرف عصابات إجرامية ناشطة بميانمار    زعيم المعارضة في إسرائيل: عودة الرهائن أهم من شن عملية في رفح    "تسريب أسرار".. تفاصيل إقالة وزير الدفاع الروسي    الأمم المتحدة تفتح التحقيق في مقتل أول موظف دولي    المشروع العملاق بالصحراء المغربية يرى النور قريبا    الجيش والمولودية يكملان ركب المتأهلين إلى نصف نهائي كأس العرش    أخنوش يلتقي الرئيس العراقي والارتقاء بعلاقات البلدين في صدارة المباحثات    الحسيمة.. درك النكور ينهي نشاط مروج مخدرات مبحوث عنه وطنيا    النيابة العامة تدخل على خط احتجاز مغاربة بميانمار    وزير الفلاحة يفتتح الدورة الثالثة للمنتدى الدولي للصناعة السمكية بالمغرب    "بلومبيرغ": المغرب يُثبت أسعار الفائدة بينما يُواجه الفاتورة الباهضة لإعادة إعمار الزلزال    جامعة كرة القدم تصدر عقوبات تأديبية    الجيش يتأهل لنصف نهائي كأس العرش    قمصان جديدة ل"أديداس" بلمسة مغربية    قطر تستضيف النسخ الثلاث من بطولة كأس العرب لسنوات 2025 و2029 و 2033    وزير النقل يعلن عن قرب إطلاق طلبات العروض لتوسيع مطارات طنجة ومراكش وأكادير    الجيش الملكي يقتنص تأهلا مثيرا لنصف نهائي كأس العرش على حساب أولمبيك الدشيرة    الأمثال العامية بتطوان... (599)    انتخاب المحامية كريمة سلامة رئيسة للمرصد المغربي لمكافحة التشهير والابتزاز    ما حاجة البشرية للقرآن في عصر التحولات؟    إضراب كتاب الضبط يؤخر محاكمة "مومو" استئنافيا    بعثة المنتخب الوطني المغربي النسوي لأقل من 17 سنة تتوجه إلى الجزائر    تطوان تستضيف الدورة 25 للمهرجان الدولي للعود    إلزامية تحرير الجماعات الترابية من « أشرار السياسة »    النقابة الوطنية للتعليم fdt وضوح وشجاعة لاستشراف المستقبل    وفاة "سيدة فن الأقصوصة المعاصر" الكندية آليس مونرو    دراسة: صيف 2023 الأكثر سخونة منذ 2000 عام    "الصحة العالمية": أمراض القلب والأوعية الدموية تقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    جمعية علمية تحذر من العواقب الصحية الوخيمة لقلة النوم    دراسة: الحر يؤدي إلى 150 ألف وفاة سنويا على مستوى العالم    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    الأمثال العامية بتطوان... (598)    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«معارضون» خرجوا من جلباب المخزن (1/2)
أغلبهم عاش تحت ظلاله واستفاد من القرب منه
نشر في المساء يوم 21 - 01 - 2013

بين دفء القصور ودسائسها، وبرودة مقاعد المعارضة ومناوراتها، مسافة بحجم كبير يصعب تحديده. لذلك تبدو الأسئلة مثيرة كيف يتحدث
أمير ابن أمير مثلا عن حال المستضعفين، وحال الملكية التي هي في حاجة لإصلاح. ويقول «بعظمة لسانه» إن الأحزاب السياسية يجب أن تتحرك، وإن شباب العشرين من فبراير مطالبون بالعودة للاحتجاج بقوة وبأدوات جديدة. إنه الأمير مولاي هشام، ابن عم الملك محمد السادس، الذي لا يخفي رغبته منذ وفاة عمه الحسن الثاني في أن يكون له رأي في كيفية تدبير شأن مملكة جده محمد الخامس. ويطرح السؤال كبيرا: كيف تحول هشام المنظري، الذي كان يدعي أنه ابن للحسن الثاني، من مدلل للملك الراحل الذي ظل يعتبر نفسه مستشارا له، إلى «زعيم» سياسي يرفع مطالب إصلاح مملكة محمد السادس إلى سقف ضرورة الإطاحة بنظام الملك بعد أن أسس تنظيما سياسيا في « المنفى» سماه تجمع الأحرار المغاربة، سينتهي مفعوله حينما سقط المنظري قتيلا في الجنوب الاسباني، فقط لأن «المغاربة الأحرار» كان بدون قواعد؟. نفس هذا الحلم بلعب دور المعارضة، راهن عليه ادريس البصري، أقوى وزراء داخلية المغرب الحديث، وعلبة أسرار الملك الراحل، حينما فضل باريس كمنفى اختياري ليوزع هناك تنبؤاته بشأن مملكة محمد السادس، التي ما كانت في حاجة لبصمة ابن الشاوية، الذي لم يتردد في وصف « المربع الذهبي» للملك بالفريق الذي يفتقد للكثير من التجربة والحنكة. وهو نفس الدور الذي يحاول أن يلعبه الناطق الرسمي السابق باسم القصر الملكي، وأحد رفاق محمد السادس في المدرسة المولوية حسن اوريد، الذي عاد ليوزع هنا وهناك صكوك المعارضة، ضد مملكة صديق دراسته بعد أن غادر مربع السلطة. هو نفس الدور الذي يلعبه اليوم كثيرون ذاقوا من قبل عسل السلطة وحلاوة نعيم القصور، قبل أن ينقلبوا مائة وثمانين درجة ليحملوا لواء المعارضة. وهي ليست معارضة القواعد الحزبية والنقابية، ولا معارضة الحركات الاحتجاجية ولا الإضرابات القطاعية أو العامة، ولكنها معارضة الصالونات المكيفة. اليوم يمكن أن نحصي هؤلاء الزعماء الجدد، الذين قضوا فترات ليست بالقصيرة بين نعيم القصر، قبل أن يغيروا الوجهة أكيدا ليس حبا في هموم الشعب ولا في قضاياه المصيرية، ولكن ربما لأن دسائس القصور رمت بهم بعيدا. منهم الأمير الحقيقي والأمير المزور. ومنهم صديق الملك وأول ناطق رسمي باسمه. ومنهم رجل ثقة الملك الراحل، ورجال مال وأعمال، ورجال إعلام أيضا. هي لذة السلطة، التي يطاردها هؤلاء، سواء وهم بداخل المربعات الذهبية للملك أو خارجها. يشرح «ماكس فيبر» على أن السلطة «هي مفهوم يرتبط بمجموعة من المؤسسات، وهو مرتبط بما يصطلح عليه بالعنف المشروع. أما القوة فهي في نظره طريقة أو فرصة الفرد بأن يفرض إرادته على الآخر وجعل هذه الإرادة تنتصر في قلب العلاقة الاجتماعية، مع وجود أشخاص مستعدين للخضوع والطاعة، خصوصا وأنه في كل سيطرة سياسية هناك علاقة أساسية بين طرفين حاكم ومحكوم، وهناك أسباب متعددة تتحكم في هذه العلاقة مثل الاحترام، والخوف، والمنفعة، والانتصار والعرف. أما النفوذ كمفهوم فهو أساسي لكل سلطة سياسية، فلأن كل سلطة سياسية هي سعي بالقوة إلى النفوذ الذي يجلب نوعا من الشعور بالأنفة والكبرياء. وكل قوة سياسية هي سعي إلى النفوذ لأن الوحدات والمؤسسات السياسية تلجأ إلى المنافسة أو الصراع والخصومة من أجل فرض نفوذها والسيطرة على الآخرين. ويقسم فيبر الأمر إلى ثلاثة نماذج للسيطرة، تتمثل الأولى في السيطرة الشرعية ذات الطابع العقلي، التي تقوم على أساس الاعتقاد بصحة وشرعية السيطرة داخل المؤسسات السياسية، لأن من يمارس هذه السلطة يمارسها طبقا للقوانين. فهي ذات طبيعة عقلانية مبنية على الاعتقاد في مشروعية السيطرة وفي شرعية الممارسين لهذه السيطرة. وتتمثل الثانية في السيطرة العرفية، والتي تقوم على أساس الاعتقاد بقداسة الأعراف السائدة، وهي ذات طبيعة تقليدية، لأن من يصل إلى السلطة يصل إليها بفضل العادات والتقاليد القديمة المبنية على المعتقدات والأعراف. أما الثالثة، فهي السيطرة الكاريزمية أو الروحية التي تتميز بالقوة الخارقة والخاصة المقدسة لشخص الزعيم وبالنظام المبني على هذه القداسة، التي تدفع الأعضاء إلى التسليم بالقيمة الخارقة لرجل أو لفرد يتميز بهذه السلطة. من بين كل هؤلاء الذين ظلوا مقربين من قصور الملك قبل أن يجربوا اليوم مقاعد المعارضة، يوجد نموذج من بين هذه النماذج التي يتحدث عنها هذا المفكر الألماني، الذي عشق علم الاجتماع السياسي.

الأمير الذي انتقل من دار المخزن إلى المعارضة
لقد ظل ابن الأمير مولاي عبد الله يعتبر نفسه واحدا من المؤهلين ليكون ضمن القيادة، وأحد الذين يجب أن يؤخذ رأيهم ويستشاروا في تدبير شؤون مملكة ما بعد عمه الحسن الثاني. لم يكن معارضا للنظام الملكي، الذي يعتبره أساسيا لبلد مثل المغرب، ولكنه كان ولا يزال يرى أن مواطن ضعف هذا النظام هي التي تهدده. لذلك سيقول ب»عظمة لسانه» إنه مع حركة «عشرين فبراير»، التي تطالب بالإصلاح، قبل أن يضيف في الشرح أن ما عاشته مصر وتونس هو ما يعيشه المغاربة من فساد ورشوة وريع. اختار الأمير الأحمر، كما تطلق عليه وسائل الإعلام، في آخر أيام حكم عمه الحسن الثاني أن يعلن عن غضبه مما يقع. وقبيل الإعلان عن وفاة الملك الراحل، كان الأمير مولاي هشام يشق لنفسه طريقا آخر فيه خليط من العمل الديبلوماسي والعلمي. وظل بين الفينة والأخرى يخرج إلى العلن لينتقد أسلوب تدبير الكثير من الملفات السياسية في البلد. لكن حينما جاءه خبر وفاة عمه، كان من الأوائل الذين حضروا أولا لتقديم وتلقي التعازي، ولكي يساهم في الانتقال السلس للعرش. لذلك كان من أشد المتحمسين لإبعاد إدريس البصري، رجل الداخلية القوي على عهد عمه الحسن الثاني. بل إن مولاي هشام هو الذي حكى ما الذي عاشه البصري ليلة وفاة الحسن الثاني، وكيف تم «اعتقاله» داخل قاعة صغيرة من قاعات القصر الملكي تحت حراسة مشددة من ضباط الجيش. كما تحفظ مولاي هشام بخصوص حضور الجيش للبيعة، التي تقرر أن تتم علنا وبمشاركة وزراء الحكومة وفي مقدمتهم الوزير الأول وقتها عبد الرحمان اليوسفي. قبل أن يدرك الأمير أن الملك محمد السادس كان يرغب في أن يكون هناك إجماع تام على بيعته، إذ من المعلوم أن تأثير الجيش، بعد خلع إدريس البصري، قد تقوى بعد أن تخلص من مراقبة الوزير المخلوع، وبعد أن أصبح الجيش يراقب جملة من مصالح المخابرات التي كانت مرتبطة، بشكل أو بآخر بالبصري. مولاي هشام هو ابن دار المخزن. ووالده الأمير مولاي عبد الله ظل مبعدا من تدبير الشأن السياسي بتواجد أخيه الحسن الثاني، الذي كان متحمسا للحكم حتى وهو لا يزال وليا للعهد. بل إنه كان من أقوى المقربين لوالده محمد الخامس، في الوقت الذي كان فيه مولاي عبد الله أميرا عاديا. سيعيش الأمير الأحمر في كنف القصر الملكي. وسيخضع لنفس الطقوس المرعية، ولنفس التربية الأميرية. لكنه سيختار سنوات قبيل موت عمه أن يحلق بعيدا عن عالم القصور، قبل أن يعلن صراحة مباشرة بعد تولي محمد السادس الملك ما يشبه «المعارضة»، التي ظلت تتقوى سنة بعد أخرى. معارضة تمثلت في دعمه لعدد من الوجوه السياسية والعسكرية التي شقت عصا الطاعة على مخزن محمد السادس. كما تمثلت في خرجاته الإعلامية وفي محاضراته التي ظل يتحدث فيها عن الأنظمة الملكية في العالم العربي، ليتوقف كثيرا عند مملكة محمد السادس، التي يرى أنها في حاجة إلى ثورة داخلية ليس لإسقاطها، ولكن لإسقاط مظاهر الفساد التي عششت في جسدها، حسب قوله. اليوم يصنف مولاي هشام على أنه واحد ممن يحمل جينات المخزن بصفته الأميرية، ويحمل في المقابل صوت المعارضة. حتى وإن كانت معارضة من خارج السرب. لذلك كثيرا ما تعرض للانتقاد من قبل عدد من الفاعلين السياسيين الذين قالوا بضرورة أن يكشف مولاي هشام عن وجهه الحقيقي، ويقول للمغاربة ما الذي يريده.

رجل القصر الذي انتقد «عبودية السلطة»
رغم العفو الملكي الذي استفاد منه خالد الودغيري، المسؤول السابق في «التجاري وفابنك»، الذي يطلق عليه البنك الملكي، والذي كان قد أدين بعشرين سنة سجنا، وصدرت في حقه مذكرة بحث دولية بتهمة ممارسة ضغوطات على أحد رجال الأعمال لتقديم رشوة إلى مسؤول بنكي، إلا أن الرجل عاد ليتحدث لغة «معارضة النظام في المغرب»، مهددا بالكشف عن الكثير من الخبايا في مذكراته التي قرر أن يطلقها قريبا. وكان كتاب «الملك المستحوذ»، الذي صدر في فرنسا في شهر مارس الماضي، قد قدم فصلا كاملا عن قصة الودغيري حمل عنوان «كيف يمكن صناعة متهم»، وهي تفاصيل تروى لأول مرة على لسانه، بخصوص القضية التي قال عنها الودغيري نفسه في الكتاب إنها «قصة مؤسفة، تظهر قبل كل شيء هرم العبودية الذي تقوم عليه السلطة في المغرب». ظل الودغيري من أقرب المقربين إلى المربع الذهبي للقصر، لذلك سيتم اختياره لمهمة إدارة البنك الملكي، خصوصا وأن منير الماجدي، المسؤول عن تدبير ثروة الملك، ظل يسعى إلى تكوين «فريق الأحلام» من ألمع التقنوقراط لإدارة الثروة الملكية التي كلف بتنمية أنشطتها وتطوير أرباحها. كان الودغيري آنذاك يبلغ من العمر 44 سنة، وكان حديث العهد بتقاليد المخزن، وهو القادم من ثقافة الجمهورية الفرنسية. ومباشرة بعد توقيع عقد عمله عام 2003، سيكتشف الودغيري أن البنك يفتقد خطة عمل واضحة. وسيعترف بأنه كان يعتقد أنه يدير مؤسسة مصرفية خاصة قبل أن يتضح له أن كل شيء داخلها مرتبط بالإرادة الملكية. وفي 2003 سيتمكن البنك، التابع للهولدينغ الملكي، من إبرام اتفاق اندماج مع بنك آخر هو «وفا بنك»، وقد جرت المفاوضات في سرية تامة. إلى درجة أن الرئيس المدير العام لبنك «وفا التجاري»، المملوك لأسرة الكتاني، لم يعلم بالخبر إلا دقائق قبل التوقيع على الاتفاق، فقد أدار المفاوضات عن جانب «وفا بنك» سعد الكتاني، الوريث البكر للأسرة الفاسية الثرية المالكة للبنك. ظل الودغيري يقول إنه هو صاحب فكرة اندماج البنكين، بل إن مقربين من القصر حذروه من أن سعد الكتاني سيأخذه معه في مركبه، أي أنه سيتفوق عليه في مفاوضاتهما. وكان طموح الودغيري هو تحويل البنك الذي أسندت إليه إدارته إلى أول مصرف على المستوى الوطني والإقليمي، لذلك بادر إلى فتح مفاوضات لشراء بنك الجنوب في تونس، وبنك آخر في السنغال، وبعض فروع القرض الفلاحي. وفي ظرف وجيز أصبح البنك الجديد «التجاري وفابنك» أكبر مؤسسة بنكية في المغرب، وفي 2005 حقق مليار درهم كأرباح صافية، وفي العام الموالي ضاعف رقم أرباحه. ويرى مراقبون أن النجاح الذي حققه الودغيري كان لابد أن يتسبب له في مشاكل مع بعض المقربين من القصر، الذين بدؤوا يخططون للتخلص منه بدعوى أنه «رجل فرنسا». ورغم أن الودغيري و«خصومه» كانوا يشتركون في هدف واحد هو وجود مؤسسات وطنية قوية قادرة على المنافسة الدولية، إلا أن الودغيري كان يسعى إلى إعادة هيكلة معقدة تتيح إمكانية بروز أقطاب اقتصادية قوية، مع انسحاب تدريجي للملك والأسرة الملكية من الاقتصاد الوطني تفاديا لأي خلط بين ما هو سياسي واقتصادي. بينما كان الآخرون يسعون من وراء الدفاع عن خلق أقطاب اقتصادية وطنية رائدة إلى إخفاء الهيمنة على الاقتصاد أمام الرأي العام المغربي، لذلك سيضطر الودغيري إلى مغادرة البنك. لم تنته متاعب الودغيري بعد مغادرته المغرب إلى فرنسا، فبعد التحاقه بأحد البنوك السعودية، وفي بداية شهر غشت 2008 ستقدم ضده شكاية من طرف رجل الأعمال عبد الكريم بوفتاس يتهمه فيها بابتزازه وإرغامه على دفع رشوة بقيمة 13 مليون درهم مقابل تسوية دين له لدى البنك. وسينتصب محمد الناصري، محامي الملك، للدفاع عن بوفتاس، وظل مكتبه يتولى الدفاع عنه حتى بعد تعيينه وزيرا للعدل سنتين بعد ذلك. لم يكتف الودغيري بالصمت بعد الذي حدث، واختار أن يفصح عما اعتبره ظلما تعرض له فقط لأنه كان يسعى إلى خدمة البنك الملكي، ليحكي في كتاب «الملك المستحوذ» بعضا من تفاصيل قضية صدر في حقه بشأنها حكم بعشرين سنة سجنا قبل أن يستفيد من عفو ملكي. واليوم يتحدث الودغيري عن مذكرات ستميط اللثام عن حقائق جديدة وقصص أكثر إثارة، بعد قضيته التي يقول إنها «قصة مؤسفة، تظهر قبل كل شيء هرم العبودية الذي تقوم عليه السلطة في المغرب».

ابن القصر الذي تزعم «تجمع المغاربة الأحرار»
لم يكن الأمر مفاجئا أن يتحرك هشام المنظري ببطاقة تعريف تحمل اسم هشام بن الحسن العلوي. ولم يكن غريبا أن يستثمر هذا الاسم، سواء بعد أن قرر الهجرة إلى أمريكا أو إلى فرنسا، التي سيؤسس بها «حزبا» معارضا لنظام محمد السادس. انطلقت حكاية هشام المنظري من داخل القصر الملكي. من هناك، وخلف أسواره تربى هشام، ابن فريدة، التي قيل إنها كانت مكلفة بمهمة إلى جوار الحسن الثاني، وكانت من أقرب المقربات إليه. عاش هشام حياة الأمراء، وكسب ما يكفي من تجارب إلى جانب بقية الأمراء والأميرات, حيث ظل يقضي بياض يومه رفقتهم. كما تعلم، بعد أن اشتد عوده وبدأ يقوم ببعض المهام الكبيرة باسم الحسن الثاني، دسائس القصور. لذلك لن يتردد في الاستيلاء على بعض النفائس التي كانت تحتويها الخزانة الخاصة للملك الراحل. وهي نفائس سيوظفها هشام وهو في « منفاه الاختياري» مرة في أمريكا وثانية في فرنسا. استغل هشام المنظري اللحظات الحرجة التي كان يعيشها الحسن الثاني في آخر أيامه في 1999 ليستولي على مبالغ مالية ضخمة من القصر الملكي تمكن منها عبر والدته فريدة، التي كانت موضع ثقة لدى الملك الراحل وغادر المغرب في اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية، التي وجه منها عبر جريدة «واشنطن بوست» رسالة إلى الملك الراحل يهدده فيها بالكشف عن ملفات تتضمن معلومات ستسيء لصورة ملك المغرب في العالم. وبعد شهرين من نشر تلك الرسالة، تم القبض عليه بفعل مذكرة دولية لاعتقاله وزعتها السلطات القضائية الفرنسية بتهمة تزوير 350 مليون أورو من العملة البحرينية في الأرجنتين مع شركاء آخرين، حيث سيقضي في السجن سنتين، قبل أن تقرر أمريكا طرده من ترابها. وفي فرنسا التي قصدها، ظل هشام المنظري يقدم نفسه بأسماء متعددة كمستشار اقتصادي للملك الراحل تارة، وأمير مغربي تارة أخرى، ومقرب من العائلة الحاكمة تارة ثالثة، وهو ما مكنه من نسج علاقات على مستوى كبيرا مع رجال أعمال في عدة بلدان أوروبية كانوا ضحية ابتزازه. لكنه سيختار، قبل أن يقتل بمدينة ماربيا الإسبانية في ظروف لا تزال غامضة، لعب أدوار سياسية، وتقديم نفسه على أنه معارض مغربي، حيث سيؤسس مع مغاربة آخرين في الخارج تنظيما سياسيا أطلق عليه «حزب الأحرار المغاربة»، خصوصا أن محاولتي الاغتيال اللتين تعرض لهما في 2002 و2003 منحتاه بعض الدعم الرمزي كمعارض للنظام الملكي، لم يتردد في الحلم بالقيام بمحاولة انقلابية ضده. ولذلك كانت أولى الخطوات هي إنشاء قناة تلفزية تبث من إسبانيا وتوجه خطابها وبرامجها لمغرب محمد السادس. سيسقط ميتا بداخل مرأب للسيارات بإسبانيا وهو في ربيعه السادس والثلاثين. وستكشف السلطات الإسبانية أن الرجل يحمل معه رخصة سياقة تحمل اسم هشام بن حسن العلوي، دون أن تحسم فيمن كان وراء عملية القتل، خصوصا وأن تجارب المنظري في تزوير العملة كانت تلاحقه لدرجة أنه ترك خلفه ثروة مالية تقدر ب140 مليون أورو. ظل المنظري، بعد أن أسقط القضاء الفرنسي عنه كل التهم، وسمح له بتأسيس حزب معارض، يطلق التصريحات هنا وهناك، خصوصا في بعض وسائل الإعلام الإسبانية والجزائرية، التي ستنشر استجوابا مطولا معه لم يتردد في أن يقول فيه إن «القصر الملكي المغربي يدعم الإرهاب في الجزائر». وبدا أن هشام المنظري تحول مائة وثمانين درجة من مطارد بأكثر من تهمة، إلى زعيم حزب سياسي معارض اسمه «المجلس الوطني للمغاربة الأحرار»، يتحدث عن إصلاح حال الملكية بالمغرب. هي حكاية «أمير» مزور عاش في كنف قصور الحسن الثاني قبل أن يشتد عوده ليجرب حظه بعد ذلك في أكثر من واجهة، وقبل أن يختار وجهة «العمل السياسي»، ويؤسس «حزبا» معارضا في الخارج، كان من سوء حظ المنظري أنه حزب بدون قواعد لأنه سقط يوم سقط زعيمه ميتا بمرأب سيارات بإحدى مدن الجنوب الإسباني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.