قيوح: المؤتمر 18 لحزب الاستقلال انتهى.. وأعضاء المجلس الوطني مطالبين بالتصويت على الأمين العام المقبل    وزان ..تحديد أفق إطلاق مشروع دار الاقتصاد الأخضر    بعد تلويحه بالاستقالة.. مظاهرات حاشدة بإسبانيا دعما لرئيس الوزراء    اتحاد العاصمة باغيين يلعبو وخايفين من الكابرانات: هددو ما يلعبوش ويرجعو فالطيارة اليوم للجزائر وفاللخر مشاو يترينيو    إندونيسيا.. زلزال بقوة 5ر6 درجات قبالة جزيرة جاوا    تعزية في وفاة خال الدكتورة إسلام أخياظ    توقيف مواطنين صينيين يشتبه تورطهما في قرصنة المكالمات الهاتفية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    أيت الطالب وأمزازي يعطيان انطلاقة خدمات 34 مؤسسة صحية بجهة سوس    صافرة كونغولية لمباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    اتحاد العاصمة يواصل تداريبه رغم تهديده بالانسحاب.. ومراقب المباراة يرفض تسجيل اعتراضهم    الملك: علاقات المغرب والطوغو متميزة    "حماس" تعلن ارتفاع عدد القتلى في غزة    وزير الصحة يدشن مستوصفات جديدة    إسبانيا تعترض 25 طنا من المخدرات    إسدال الستار على فعاليات "ليالي الفيلم السعودي" في الرباط    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    بدء أشغال المؤتمر السادس للبرلمان العربي بالقاهرة بمشاركة المغرب    التلميذة فاطمة الزهراء ضحية مدير ثانوية "التقدم" فمولاي يعقوب فتصريح ل"كود": هادي 3 سنين والمدير كيتحرش بيا وكيدير هادشي مع بزاف دالبنات    نادية فتاح: المغرب يتيح الولوج إلى سوق تضم حوالي مليار مستهلك بإفريقيا    تتويج شعري في ملتقى الشعر والفلسفة    منتوج العسل المغربي يطرق أبواب السوق الأوروبية    العلماء يعثرون على قبر أفلاطون بفضل الذكاء الاصطناعي "صورة"    جاري القروض الصغرى المستحقة يصل إلى 8,4 مليار درهم في متم 2022    وفد ألماني يطلع بتطوان على العرض البيداغوجي للمعهد المتوسطي للتدبير    مظاهرة حاشدة في مدريد لدعم رئيس الوزراء وحثه على البقاء    رحلة الجاز بطنجة .. عودة للجذور الإفريقية واندماج مع موسيقى كناوة    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون أخذ تصريح وآثم من فعل ذلك    بلغت تذاكره 1500 درهم.. حفل مراون خوري بالبيضاء يتحول إلى فوضى عارمة    الخارجية البريطانية: ملتازمين بتعزيز وحماية حقوق الإنسان فالصحرا وكنشجعو الأطراف باش يواصلوا جهودهم فهاد الصدد    المغرب يواجه واحدا من أكثر المواسم الفلاحية كارثية في تاريخه    مجلس الأمن .. حركة عدم الانحياز تشيد بجهود جلالة الملك لفائدة القضية الفلسطينية    تفاصيل وكواليس عمل فني بين لمجرد وعمور    ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء بالمغرب    مؤتمر الاستقلال يمرر تعديلات النظام الأساسي ويتجنب "تصدع" انتخاب القيادة    قناة عبرية: استقالة رئيس الأركان الإسرائيلي قريبا وجميع الضباط المسؤولين عن كارثة 7 أكتوبر سيعودون إلى ديارهم    تواصل حراك التضامن مع الشعب الفلسطيني في المغرب.. مظاهرات في 56 مدينة دعما لغزة    السعيدية.. افتتاح النسخة الثامنة من تظاهرة "أوريونتا منتجعات السعيدية – حكايات فنية"    خمسة فرق تشعل الصراع على بطاقة الصعود الثانية وأولمبيك خريبكة يهدد حلم "الكوديم"    مجلس أمناء الاتحاد العربي للثقافة الرياضية يجتمع بالدوحة لمناقشة خطة 2025    سيناريوهات الكاف الثلاث لتنظيم كأس إفريقيا 2025 بالمغرب!    مغني راب إيراني يواجه حكماً بالإعدام وسط إدانات واسعة    زفاف العائلات الكبيرة.. زواج ابنة أخنوش من نجل الملياردير الصفريوي    هجوم روسي استهدف السكك بأوكرانيا لتعطيل الإمدادات د مريكان    سامسونغ تزيح آبل عن عرش صناعة الهواتف و شاومي تتقدم إلى المركز الثالث    تطوير مبادرة "المثمر" ل6 نماذج تجريبية يَضمن مَكننة مستدامة لأنشطة فلاحين    الأكاديمية تغوص في الهندسة العمرانية المغربية الإسبانية عبر "قصر الحمراء"    الرابطة الرياضية البيضاوية يؤكد ان الوحدة الترابية قضيتنا الاولى    جمارك الجزائر تجهل قانون الجمارك    اكتشف أضرار الإفراط في تناول البطيخ    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    الأمثال العامية بتطوان... (582)    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هيأة الإنصاف والمصالحة.. الملفات العالقة
معتقلون سياسيون سابقون لم يحصلو على تعويضات جبر الضرر ويطالبون بإدماجهم اجتماعيا
نشر في المساء يوم 08 - 03 - 2013

«لا ينحصر الأمر في تقاسم معرفة ما حدث في الماضي وإعادة تملكه, بل يتعداه
عبر الجدل البنّاء إلى التحفيز حاضرا على إبداع معايير وقواعد وفق عيش مشترَك، يسهم الجميع من خلالها في بناء المستقبل».. جملة قالها الراحل إدريس بنزكري ذات يوم، بعد تأسيس هيأة الإنصاف والمصالحة، التي كلف من طرف أعلى سلطة في البلاد برئاستها. إلى حدود اللحظة، وبعد مرور ما يناهز 9 سنوات على تنصيبها، ما زالت ملفات الاعتقال السياسي عالقة.. عدد من هؤلاء الضحايا الذين من المُفترَض أن يساهموا في بناء المستقبل، كما قال الراحل بنزكري، ما زالوا ينتظرون جبر الضرر المعنويّ وإدماجهم الاجتماعي الكامل، وبالتالي تحقيق الإنصاف الاجتماعي. في هذا التحقيق، تفتح «المساء» الملفات العالقة من ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
«لا لم ندفن الماضي، ولم نتصالح مع الدولة المغربية».. يصرُخ المعتقلون السياسيون السابقون في سجون نظام الملك الحسن الثاني.. «المغرب طوى صفحة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان».. تردّ الأصوات الرسمية التابعة لمؤسسات الدولة في الملتقيات الدولية واللقاءات الوطنية..
يقول الرسميون إنّ «أغلب توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة وجدت طريقها نحو التطبيق»، ليجيب جزء كبير من الحقوقيين والمعتقلين السياسيين السابقين بأنّ «العديد من توصيات الهيأة المتعلقة بالإدماج الاجتماعي الكامل لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ما زالت جامدة». وكأن قدَر المغرب ألا يُطوى ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وسط كل هذا الجدل بشأن إعادة الاعتبار للضحايا، ماديا ومعنويا، عبر الإنصاف.
وقد قرر هؤلاء المعتقلون السابقون تنظيم صفوفهم في إطار «لجنة ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المدمجين في أسلاك الوظيفة العمومية وشبه العمومية»، التي بلورت مذكرة مطلبية تعبّر عما يعتبرونه حقوقا لهم. يقولون إن إدماجهم في أسلاك الوظيفة العمومية لا يعني، بالضرورة، إدماجهم اجتماعيا، والذي شدّدت عليه توصيات هيأة «الإنصاف والمصالحة». كما يطالب بعض المعتقلين السياسيين السابقين بإدماجهم في الوظيفة العمومية والعمل على إنصافهم عملا بتوصيات هيأة بنزكري.. فما هي أهم الملفات العالقة بعد دخول توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة حيزَ التنفيذ؟ ألم يحنِ الوقتُ لإغلاق هذا الملف بشكل نهائي؟
الجيش يعارض توصيات الهيأة
«33 ملفا فصلت فيها هيئة الإنصاف والمصالحة، وظلت عالقة بسبب رفض الجيش إعادة ضحايا الانتهاكات إلى عملهم».. التصريح هنا ليس لفاعل حقوقيّ أو معارض سياسي، بل هو اعتراف من لدن محمد الصبار، الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان.. وأكد الأخير، خلال ندوة نظمها المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، حول «الإدماج الاجتماعي»، أن الملفات ال33 قد تعذرت تسويتها، بسبب رفض إدارة الدفاع الوطني إعادة المطرودين إلى عملهم.
ليس المحرومون من الإدماج الاجتماعي محصورين فقط في فئة العاملين السابقين في صفوف إدارة الدفاع الوطني، بل يصل هذا الحرمان إلى مجموعات أخرى لم تستفد من حقها في الشغل والإدماج المهنيّ والاجتماعي.. أبرز عناصرها المعتقلون على خلفية انتفاضة 1981 في الدار البيضاء..
حبيب جمال الدين واحد من هؤلاء، يقول إنه «من ضحايا انتفاضة 20 يونيو 1981، حامل للبطاقة الوطنية رقم G92331، من مواليد سنة 1959 في العاصمة الاقتصادية، ساكن بحي زكية وحاصل على شهادة الماستر في الفلسفة».. يسرد قصته علينا من البداية، لحظة اعتقاله «تعسفيا»، كما يقول، يوم 24 يونيو 1981، من «طرف فرقة من رجال الأمن، مكونة من خمسة عناصر، والتي داهمت المنزل الذي كنتُ أقطن به مع عائلتي في شارع 2 مارس، على الساعة الثالثة والنصف صباحا، وقامت بترهيب عائلتي وتم اقتيادي، بمعية أخي بطريقة وحشية، إلى كوميسارية «المعاريف»، حيث تعرّضنا لشتى أنواع التنكيل والشتم والتعذيب الجسدي والنفسي».. يتوقف جمال الدين برهة، قبل أن يكمل قصة تعرّضه للتعذيب والسجن، ليشير إلى أنه «أحيل على المحاكمة، التي أدانته بالحبس النافذ، ليفرَج عنه بعد قضائه خمس سنوات في السجن، بتاريخ 24 يونيو 1986»..
كانت تجربة السجن مريرة في حياة جمال الدين، إذ خلفت أضرارا صحية ونفسية واجتماعية ومرضين مزمنين.. يعلق على ذلك بقوله: «طالبتُ الجهات المسؤولة بتعويضي وجبر أضراري المادية والمعنوية، وعليه توصلت من المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، في 30 نونبر 2005، بمقرر تحكيميّ يحمل رقم 3119، ارتأت فيه هيئة الإنصاف والمصالحة أن تعوضني بتعويض مادي «هزيل» لا يمكن من خلق فرصة للعيش، ناهيك عن تأمين التقاعد، غاضّة الطرف عن أي توصية بإدماجي».
خلاصة الحكاية أنّ جمال الدين لم يُنصَف اجتماعيا ولم يتم إدماجُه في سوق الشغل، كما تنصّ على ذلك توصيات هيأة بنزكري.. لهذا السبب راسل «المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان» عدة مرات، ملتمسا «حقه في الاستفادة من الإدماج الاجتماعيّ»، وفي ما بعد راسل المجلس الوطني لحقوق الإنسان (الذي حل محل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان) من أجل استصدار توصية بالإدماج.
اليوم، يقول جمال الدين بحرقة: «أعيش في وضع زاد استفحالا مع تقدّمي في السن، فأنا من دون شغل ولا أستطيع إعالة أسرتي، المكونة من زوجة وابن».
حالة جمال الدين ليست وحيدة أو منفردة، بل هناك العديد من الحالات المشابهة والملفات العالقة في باب جبر الضرر المادي والمعنوي. للوقوف على هذه النقط بالتفصيل، لا بد أن نعود بضع سنوات إلى الوراء، وبالضبط إلى يوم 7 يناير 2004، عندما استقبل الملك محمد السادس في مدينة أكادير أعضاء «هيأة الإنصاف والمصالحة». كان الخطاب الملكي بهذه المناسبة واضحا بشأن مهامّ الهيأة ونظامها الأساسي، مع التشديد بين ثناياه على ضرورة «جبر الأضرار من حيث التعويض المادي وإعادة التأهيل والإدماج والاسترداد ورد الاعتبار وكل أشكال جبر الضرر الملائمة، حسب التحريات والأبحاث في نطاق الكشف عن الحقيقة». مرت سنة واحدة، ليلقيّ الملك خطابا ثانيا، بعد انتهاء أعضاء الهيأة من العمل الذي أنيط بهم، يوم 6 يناير 2005. لم يعتذر الملك للضحايا وفضّل بدل ذلك، استعمال مصطلح «الصفح الجماعي» بقوله: «وإني لواثق أنّ هذه المصالحة الصادقة التي أنجزناها لا تعني نسيان الماضي، فالتاريخ لا يُنسى.. وإنما تعتبر بمثابة استجابة لقوله تعالى: «فاصفح الصفح الجميل».. وإنه لصفح جماعيّ، من شأنه أن يشكل دعامة للإصلاح المؤسسيّ».
محرومون من الإدماج الاجتماعي
بعيدا عن الجدل بشأن اعتذار الدولة للضحايا، أوكل الملك إلى «المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان» مهمة تفعيل توصيات الهيأة، داعيا «كافة السلطات العمومية إلى مواصلة التعاون المثمر مع المجلس، لتجسيد حرصنا الرّاسخ على تعزيز الحقيقة والإنصاف والمصالحة»، يقول الخطاب الملكي.. توصيات ظل بعضها عالقا، خصوصا أن الشق المتعلق بالإدماج الاجتماعي للضحايا تشوبه العديد من الإشكاليات، رغم تعويض الضحايا ماديا سنة 2007 من طرف مجلس أحمد حرزني، كما نصّت على ذلك التوصيات. هنا، تتناسل القصص الإنسانية المتعددة، قصص شبيهة بحكاية حبيب جمال الدين، تكون في أحيان كثيرة في صورة أكثر مأساوية.. صحيح أن هؤلاء استفادوا من تعويض مادي بناء على مقررات تحكيمية لهيأة الإنصاف والمصالحة سنة 2007، لكنّ هذا التعويض المادي لم يُنصفهم اجتماعيا، ولم يحُلّ مشاكلهم، خصوصا أنهم لم يُدمَجوا في الوظيفة العمومية.
في هذا الإطار، قال عبد الكريم بيقاري ل»المساء»: «اعتُقلت سنة 1984 ضمن مجموعة مراكش وحُوكمت في شهر ماي من السنة نفسها، إثر انتفاضة مراكش، بثمان سنوات نافذة وغرامة مالية قدْرُها 1000 درهم، وبعد سُجننا.. نفذنا إضرابا مفتوحا عن الطعام دام حوالي 62 يوما، توفي إثره الشهيدين بوبكر الدريدي ومصطفى بلهواري، وأصبتُ أنا بانهيار عصبيّ جراء تدهور وضعيتي
الصحية»..
ويتابع المتحدث نفسه قائلا: «في سنة 1992 أفرج عني بعد انتهاء العقوبة السجنية. وبتاريخ 11 فبراير 1992 وَضعت طلبي للحصول على جواز السفر، حتى أتمكن من متابعة العلاج خارج الوطن، لكنّ وزارة الداخلية رفضت طلبي، وبعد ست سنوات من الاحتجاج تسلمتُ هذه الوثيقة، لكنْ بعد فوات الأوان، لأنتقل في سنة 2000 إلى الدار البيضاء، لأستقرّ مع شقيقتي في ظل شروط قاسية، ما أدى إلى تدهور وضعيتي الصحية»..
دخل أعضاء المكتب التنفيذي لمنتدى الحقيقة والإنصاف على الخط، وتمكنوا من إيداع عبد الكريم بيقاري في مستشفى ابن رشد -جناح 36- إلى حين إيجاد مَخرَج لهذه الحالة الإنسانية، خصوصا أن المنتدى لحظتها كان في حوار مع الدولة حول ملفات الاعتقال السياسي.
بعد تأسيس هيأة «الإنصاف والمصالحة» تقدَّم شاهد «المساء» هذا بطلب التعويض وجبر الضرر، وككل المعتقلين السياسيين السابقين، توصل بيقاري بتعويض مادي خلال سنة 2007، مع وعد بتوفير سكن لائق والإدماج الاجتماعي، وهما الوعدان اللذان لم يتمَّ الوفاء بهمها، رغم أن المتحدّث لا يُخفي أن العديد من أعضاء الهيأة كانوا على علم بوضعيته الصحية والاجتماعية، بل يقول إن «الرئيس السابق للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان اعترف بنفسه أنني كنت قابعا في المستشفى منذ سبع سنوات، ورغم ذلك حين انطلق في تسوية ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان لم يُدرج المجلس ملفي قصد التسوية، ما دفعني إلى زيارة المجلس مرات متعددة من أجل تحقيق مطالبي، لكنْ دون جدوى».. بعد 12 سنة، غادر بيقاري مستشفى ابن رشد، بتاريخ 20 أبريل 2012، «غادرت المستشفى بفضل رخصة مؤقتة يتم تجديدها كل أسبوع كي أستقر لدى شقيقتي في انتظار تسوية وضعيتي»، يقول محدثنا، مضيفا: «لكي أخرج من هذا الوضع، اقترحتْ عليّ شقيقتي أن أتزوج وأقطن معها في منزلها في حي البرنوصي، وهذا ما تم بالفعل في أواخر شهر يونيو 2012، حتى أجد شخصا يهتمّ بوضعيتي عن قرب، بعيدا مؤقتا عن المستشفى، مع العلم أنني قانونيا وإداريا ما زلتُ محسوبا على المستشفى، إذ إنني أتوجه كل يوم خميس إلى ابن رشد من أجل تجديد الرخصة التي تثبت أنني ما زلت في المستشفى!»..
هي قصص تكاد لا تنتهي لمعتقلين سياسيين سابقين لم يستفيدوا إلى اليوم من حقهم في التوظيف في القطاع العام. وتتوفر «المساء» على لائحة بأسمائهم..
مصطفى فجاج، هو أيضا واحد من هؤلاء. انتمى هذا المعتقل السياسي السابق، الذي اعتقل سنة 1985 إثر حملة الاعتقالات التي مسّت أطر ومناضلي منظمة «إلى الأمام»، الماركسية اللينينية، سنة 1985، إلى ما يسمى «المجموعة 15»، وغادر أسوار السجن في شهر أكتوبر 1989 والتحق بمركز تكوين المعلمين، الذي تخرَّج منه سنة 1993، قبل أن يلتحق بعمله، لكنه تعرّض للتوقيف سنة 2004 بسبب نشاطه النقابيّ، ولم يعد إلى عمله منذ هذا التاريخ، رغم استفحال وضعه الصحي وتدهور حالته الاجتماعية..
راسل فجاج المجلس الوطني لحقوق الإنسان من أجل إثارة الانتباه إلى وضعيته، وقال في مراسلته، التي تتوفر «المساء» على نسخة منها: «يؤسفني، السيد الكاتب العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن ألفت انتباه هيأتكم من جديد، للضرورة الملحّة، إلى التعامل الجدي مع موضوعي، والذي كاتبت من أجله المجلس منذ سنين وراسلته وزرته مرارا، واتصلت بمصالحه مرارا ومرارا، لكن دون جدوى». وأضاف فجاج في رسالته: «بخصوص موضوع شكواي هذا، ويتعلق بتضمين وتطبيق توصيات المقرر التحكيمي للملف «32577»، حيث استفدتُ من تعويض لا يُسمن ولا يُغني من جوع منذ أكثر من سنة، وهو كذلك لا يشكل نهاية المبتغى والواجب».
وكشف فجاج، أيضا، أنه تلقى وعودا شفوية وكتابية بإرجاعه إلى سلك التعليم، قائلا: «سيدي الكاتب العامّ، إنني إذ أكاتبكم أنتظر منكم تفعيل التوصيات ليس إلا، وتسريع وتيرة التفعيل لأنّ الرأس اشتعل شيبا ولأنني تهتُ في متاهات الانتظار والعطالة والمرض». هذا الوضع, هو الذي دفع خوان مانديز, المقرر الأممي الخاص بالتعذيب أن يقول في تقريره الأخير عن المغرب إن: «ضحايا سنوات الرصاص وعائلاتهم لم يحصلوا جميعا عن التعويضات المرتبطة بالتجاوزات التي تعرضوا لها», مشيرا إلى أن التعويضات لم توزع بشكل كاف وعادل وفعلي.

التقاعد.. عقبة في طريق المصالحة
هذا حال من لم يتمَّ إنصافهم وإدماجهم في الوظيفة العمومية. أما الذين أدمجوا في الوظيفة العمومية أو شبه العمومية فيقولون إن ولوجهم إلى سوق الشغل تشوبه العديد من الإشكاليات، رغم أنه تم بناء على رسالة الوزير الأول، تحت عدد 00418/2011 الصادر بتاريخ 28 فبراير 2011، والتي بموجبها تم إدماج الضحايا حاملي توصيات الإدماج في أسلاك الوظيفة العمومية وشبه العمومية، بعد «معركة» قادها هؤلاء ابتداء من تاريخ توصلهم بالتعويض المادي من طرف الدولة في سنة 2007. أهم هذه الإشكاليات، على الإطلاق هي تسوية وضعيتهم مع الصندوق الوطني للتقاعد. فبعد لقاءات ماراطونية مع الضحايا في مختلف المدن، من خلال لجن إقليمية، ممثلة فيها الجهات الحكومية المسؤولة، وبعد أن تم إحصاء عدد الضحايا ووضع جداول تخصّ أوضاعهم الاجتماعية والصحية ومستواهم الدراسي، وُضعت رهن إشارة اللجنة الوطنية المركزية، التي عملت على تدقيق تلك اللوائح وتحديد وحصر المستفيدين من التوظيف المباشر في عدد لا يتجاوز المائة، قررت الدولة توظيفهم في الوظيفة العمومية، لكنها أغفلت إشكالية تقاعدهم بعد سنوات قليلة من العمل..
تعتبر «لجنة المتابعة لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المُدمَجين في أسلاك الوظيفة العمومية وشبه العمومية»، أن نتائجَ إدماجهم كانت محدودة، ما أثّر سلبا على الضحايا، وهذا «يستدعي من الجهات المسؤولة اتخاذ تدابير استعجالية، وفي الحد الأدنى احترام المقاربة المُعتمَدة من طرف المجلس الاستشاري سابقا في تنفيذ توصيات الإدماج الاجتماعي، والتي تهدف إلى تأهيل الضحية لإخراجه من وضعية الهشاشة والتهميش والإحساس به، وتمكينه من الاندماج باسترجاع وضعه كفاعل في المجتمع».
وتطالب اللجنة ب»إعادة إدماج الضحايا بأثر رجعي انطلاقا من سن ال40 بناء على الشهادة المُحصَّل عليها، مع إعادة ترتيب الحياة الإدارية بكل مستلزماتها المالية ومسارها الإداري، وأن تتكفل الدولة، إضافة إلى أنظمة المعاشات المدنية، بصرف معاش إضافيّ أو تكميلي للضحايا وألا يَقلّ، أي المعاش الأساسي والإضافي أو التكميلي، عند الإحالة على التقاعد برسم حد السن، على نسبة 80 في المائة من آخر أجرة نظامية».
لمواجهة هذا المشكل المتعلق بتقاعد المعتقلين السياسيين السابقين دخل «منتدى الحقيقة والإنصاف» على الخط، وطالب ب»تمكين كافة الضحايا المدمَجين في الوظيفة العمومية أو شبه العمومية من حقهم في معاش كامل بعد إحالتهم على التقاعد، عملا بمبدأ الحق في استدراك الفرص المفوتة عن طريق احتساب سنوات الأقدمية، وما يترتب عنها من ترقيات في الدرجات والسلالم منذ تاريخ الحصول على الشهادة وبأثر رجعيّ».
لا يتضمن الملف المطلبي للمعتقلين المدمجين فقط إشكالية تقاعد المعتقلين السياسيين السابقين، بل أيضا «ضرورة وضع حد للوضعية المُجحفة التي يعيشها المُدمَجون في سلك الوظيفة العمومية في سلالم إدارية لا تتلاءم والشهادات المدلى بها في ملف التوظيف منذ سنة 2003، بالإسراع بتصحيح الوضعية الإدارية والتسوية المالية منذ تاريخ الإدماج كإجراء استعجاليّ، وفي أفق التسوية الشاملة»، حسب مراسلة بعثها «منتدى الحقيقة والإنصاف» إلى الكاتب العام ل«المجلس الوطني لحقوق الإنسان». وطالب المنتدى في هذه المراسلة، التي تتوفر «المساء» على نسخة منها، ب«إعطائهم الأولوية في الاستفادة من المشاريع السكنية القائمة ومن الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة والتخفيض من فائدة القروض الممنوحة من المؤسسة البنكية، إضافة إلى وضع أجندة تحدّد سقفا زمنيا لتسوية وطيّ نهائيّ لهذا الملف».
وحتى نقترب أكثر من الصورة لا بدّ من توضيح أنه بعد سنتين من تاريخ توظيف المعتقلين السياسيين السابقين، اتّضح أن أغلب المدمَجين سيتقاعدون في غضون السنوات القادمة، ولن يستفيدوا إلا من نسب تتراوح بين 1 و22 في المائة من رواتبهم الوظيفية، بالنسبة إلى ربع المدمجين، والربع الآخر بنسبة تتجاوز 30 في المائة من مرتباتهم، فيما ستستفيد فئة قليلة من المعتقلين المدمَجين من نسبة تتراوح بين 50 و60 في المائة من رواتبهم، نظرا إلى حداثة سنهم..
فتاح عبد المجيد واحد من ضحايا هذا الوضع الملتبس، إذ تترجم حالة هذا المعتقل السياسي السابق مثالا لما ينتظر المُدمجين المائة بعد حصولهم على التقاعد.. لم يتسلم فتاح عبد المجيد بعد مغادرة الوظيفة وإحالته على التقاعد إلا مبلغ 1000 درهم، وينطبق الوضع نفسُه على حالة علول المتوفى، الذي حصلت عائلته فقط على تعويض الوفاة. ووفق تقرير للجنة «المتابعة لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المُدمَجين في أسلاك الوظيفة العمومية وشبه العمومية»، فإن المجلس السابق على عهد أحمد حرزني تبنى مقترحا يروم احتساب تاريخ التوظيف انطلاقا من سن الأربعين بدون أثر رجعيّ، ما يعني أنّ الضحايا سيتقاعدون بأجر لا يتجاوز 50 في المائة.. لكنْ «مع مجيء المجلس الوطني تحت إشراف إدريس اليزمي ومحمد الصبار فقد تم التنكر لهذا المقترح، رغم أنّ الضحايا رفضوه في السابق، وكانوا يأملون -مع مجيء الرئيس السابق للمنتدى- إلى تحسين هذا المُقترَح والعمل على استكمال إدماجهم الاجتماعي على أحسن وجه»، وفق تقرير اللجنة.

200 مليار درهم.. كلفة مصالحة غير مُكتملة

سبق لمحمد الصبار، الكاتب العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، أنْ أكد أنّ الكلفة المالية لتدبير مرحلة العدالة الانتقالية كانت مرتفعة بالنسبة إلى المغرب مقارنة بتجارب دول أخرى، كتجربة جنوب إفريقيا، ووصلت إلى 200 مليار درهم. وأوضح الصبار أنّ للمجلس الوطني لحقوق الإنسان إرادة قوية في طيّ ملف التعويضات من أجل الانتقال إلى المرحلة الموالية المتعلقة بالكشف عن الحقيقة.. وجهة نظر لا يتقاسمها مع الصباح حسن العلوي، عضو المكتب التنفيذي للمنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف.. ويعتبر هذا الأخير أنّ التعويضات التي قدّمت لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في إطار تجربة العدالة الانتقالية لا تتناسب والكسب المالي والسياسي الذي حققته الدولة من خلال ترويجها لملف المصالحة، لأنّ ما تلقته من أموال من طرف الاتحاد الأوربي يفوق بكثير ما صرفته للضحايا من تعويضات في إطار برنامج جبر الضرر المادي..
ويعتبر المعتقل السياسي السابق أنّ تجربة جنوب إفريقيا قامت على منح الضحايا، بشكل متساوٍ، مبلغ 4 آلاف دولار، تركت الباب مفتوحا أمامهم من أجل متابعة الجلادين الذي ارتكبوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وهو الأمر الذي لم يحدث في المغرب، الذي تلقى فيه الضحايا تعويضات مالية مقابل عدم متابعة المتسبّبين في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.. واعتبر العلوي أنّ هناك عدم تطابق واضح في الأرقام المتعلقة بملفات الضحايا بالنسبة إلى كل من هيئة الإنصاف والمصالحة والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان و«خليفته» المجلس الوطني لحقوق الإنسان، متهما في الوقت ذاته المجلسَ الاستشاريّ ب«الانفراد» بوضع مقاربة لإدماج الضحايا، في غياب تام لباقي الفاعلين الذين يُمثّلون الضحايا.

الاختفاء القسري.. 66 حالة لم تكشف حقيقتها

حصرت هيئة الإنصاف والمصالحة، في تقريرها الختاميّ، حالات الأشخاص مجهولي المصير، التي لم تتمكن من استجلاء الحقيقة كاملة بشأنها في 66 حالة، وأوصت باستكمال التحريات بخصوصها للكشف عن مصير الأشخاص المعنيين بها.. واصل «المجلس الوطني لحقوق الإنسان» تحرياته في هذا الموضوع وتحليل المعطيات الواردة من السلطات عشية انتهاء أشغال هيئة «الإنصاف والمصالحة»، وخلص المجلس إلى وجود حالات تأكدت لجنة المتابعة من كون اختفاء أصحابها كان لأسباب سياسية، ويتعلق الأمر ب49 حالة، من بينها حالة شخص على قيد الحياة كان قد اضطر إلى الاغتراب السياسي في الجزائر، ثم في يوغوسلافيا سابقا، وهو عبروق العلمي، الذي اختفى منذ سنة 1964، ولم تتلق عائلته طيلة هذه المدة أي خبر عنه.. وهناك حالة ثانية تتعلق بمحمد البعقلي، المزداد سنة 1931، والذي تعرّض لاعتقال تعسفي إثر أحداث مارس 1973، حيث احتُجِز لمدة سنة في مطار آنفا «الكوربيس»، قبل أن يحال إلى السجن المدني في الدار البيضاء. وبعد الإفراج عنه، ظل يعاني من مرض نفسيّ بسبب ما تعرّض له من تعذيب، وفي سنة 1980 اختفى عندما غادر منزله في الساعة الخامسة صباحا، وبقي مصيره مجهولا إلى غاية سنة 1983، تاريخ عودته إلى بيته في وضعية صحية متدهورة.. وبعد مرور أربعة أشهر غادر بيته ل»يختفيّ» مجددا بسبب المرض النفسي الذي كان يعاني منه..
أما الحالات الأخرى، وعددها 47، فهي لأشخاص من بينهم ثلاث طفلات وامرأتان تأكدت وفاتهنّ جميعا أثناء احتجازهنّ في مراكز مختلفة. في المقابل، تأكد للمجلس الوطني لحقوق الإنسان وجود حالات ينتفي الدافع السياسي وراء اختفاء الأشخاص المعنيين بها، ويتعلق الأمر بتسع حالات، من بينها حالتان لشخصين توفيا في حادثتي غرق، وهما مصطفى العمراني وأهل السيد سيد أحمد، بينما تأكد للجنة المتابعة، من خلال تحليل المعلومات التي توصلت بها، انتفاء أي دافع سياسيّ وراء اختفاء الأشخاص المعنيين بسبع حالات أخرى.
وسبق لمحمد الصبار، مباشرة بعد تعيينه كاتبا عاما للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن أكد أنه سيواصل الاشتغال على الملفات العالقة، في مقدمتها ملف المهدي بنبركة والحالات العالقة المرتبطة بالاختفاء القسري، مؤكدا أن لدى المجلس التزاما تجاه عائلات المختفين، ومُعبّرا عن أمله في أن يتم التوصل إلى الحقيقة بشأن الحالات التسع المتبقية، مؤكدا أنه إذا تعذر على المجلس ذلك، فإنه سيُصرح به، مع ذكر الأسباب.

الدولة وظفت ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان سياسيا
4 أسئلة ل: حسن الصعيب

في هذا الحوار يقول حسن الصعيب إن ملف طي صفحة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان يسير ب»بطء السلحفاة»، مشيرا إلى أن الدولة لا تتوفر على الإرادة السياسية لإغلاق هذا الملف بشكل نهائيّ والاستجابة لمطالب الضحايا.. وفي الجانب المتعلق بكشف حقيقة اختطاف مجهولي المصير، قال الصعيب إن «أكبر ملف بهذا الشأن -على ما أعتقد- هو ملف المهدي بنبركة، الذي أعتبره مؤشرا كبيرا على أنّ الدولة غير قادرة على الكشف عن الحقيقة، وإذا أميط اللثام عن هذا الملف فسيتم كشف ملفات أخرى»..
- هل تعتقدون أن الدولة وظفت بشكل من الأشكال ملفكم في إطار سياسي
-أكيد أنّ الدولة وظفت سياسيا ملف المعتقلين السياسيين وضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.. فقد أرادت الدولة، منذ فتح هذا الملف، أن تكرّس انطباعا لدى الرأي العامّ الوطني والدولي، مؤداه أنّ المغرب هو في طور الانتقال إلى الديمقراطية والقطع مع مرحلة الحسن الثاني، التي اتسمت بالاستبداد.. كما فتح النظام ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في الفترة الفاصلة ما بين 1956 و1999، وكان الهدف السياسي من وراء هذه العملية هو محاولة وضع «طلاء ديمقراطيّ» للنظام الحالي.. عندما حل «الربيع العربي» تزعزع بناء الدولة وتوجّهت نحو إعطاء صورة مزيَّفة عن واقع الديمقراطية والحريات في البلاد وإيهام الرأي العام بأننا قطعنا مع المرحلة السابقة.. وتمخّض عن هذا الربيع دستور 2011، وإنشاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وإعطاء جرعة ونفَس جديدَين للنظام السياسي، ولا يجب أن نغفل أنّ كل هذا غير منفصل عن الدعم غير المشروط من طرف الاتحاد الأوربي، الذي يتمتّع معه المغرب بصفة «الوضع المتقدم».. وكذا الولايات المتحدة الأمريكية، بما يوفره هذا الدعم من مساعدات مالية للمغرب للقطع مع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان مقابل اتفاقيات التبادل الحر والاستثمار في ثروات المغرب.
- هل تعتقد أنّ الدولة تملك الإرادة السياسية لطيّ هذا الملف بشكل نهائي؟
من المفترض أن الملف المتعلق بإنصاف الضحايا أقرّت به توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة، التي شدّدتْ على جبر الضرر الجماعي والفردي، وخطاب 9 مارس، الذي شدّد على دسترة توصيات الهيأة، وبالتالي فإن الدولة وقعت، من طرف أعلى سلطة في البلاد، على كل ما ورد في التوصيات، لكنّ الدولة تتلكأ في ترجمة العديد من التوصيات لصالح الضحايا، وفي الوقت نفسه لم تصدر في حقه أي توصية بخصوص الإدماج الاجتماعي، وبعض هؤلاء الضحايا هم مشرّدون بينما توفي آخرون.. خلاصة ما سبق أنّ الإدماج الاجتماعي لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان شابه نوع من الانتقائية في التعامل مع الضحايا، شمل إدماج أشخاص معينين دون غيرهم، وحتى مَن تم إدماجهم في الوظيفة العمومية فإن إدماجهم لم يكن مكتملا..
تتوفر الدولة هلى إمكانيات لإنصاف هؤلاء الضحايا، والسؤال مطروح بهذا الشأن على كافة المسؤولين، من أعلى هرم الدولة وصولا إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والدليل على ذلك أنّ هذا الملف كان دائما يسير ببطء السلحفاة.. وكان يتم تحريكه كلما خاض الضحايا أشكالا احتجاجية.
- هذا عن الجزء المتعلق بالإنصاف.. فماذا عن الجانب المتعلق بالحقيقة في ما يتعلق بحفظ الذاكرة وكشف الحقيقة؟
أكبر ملف بهذا الشأن، على ما أعتقد، هو ملف المهدي بنبركة، الذي أعتبره مؤشرا كبيرا على أن الدولة غير قادرة على الكشف عن الحقيقة، وإذا أميط اللثام عن هذا الملف فسيتم الكشف عن ملفات أخرى.. وجدير بنا في هذا الإطار التذكير بالنضال الذي خاضته عائلة المهدي بنبركة، وبفاجعة اليأس الذي استشعرته العائلة إزاء سلوك قادة اتحاديين عايشوا مع المهدي بنبركة، وخيبة أمل العائلة في الحزب بعد خيانة قياديين فيه للمبادئ التي كان يدافع عنها.
- هل تعتقد أنّ هناك جهات داخل الدولة لا ترغب في طي هذا الملف بشكل نهائيّ؟
هذا تحليل يمكن أن يُجريّه حزب سياسي، أما أنا فأقول إن الدولة تتحمل المسؤولية الأولى في تدبير الملف، بتناقضاتها وتشعباتها.. فمن الذي يمنع الملك من اتخاذ قرار لتسوية هذا الملف؟.. خصوصا أن العديد من المطالب التي نرفعها تتعلق بقضايا معنوية، وخذ مثالا على ذلك إشكالية الصندوق الوطني للتقاعد.
* عضو لجنة «ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المدمجين في أسلاك الوظيفة العمومية»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.