هكذا هو الزمن يأتي دائما في مواعيده المضبوطة. لا يتأخر ولا يعتذر عن التأخر كما يفعل البعض منا. البعض الذي يضرب لك موعدا في مقهى أو في مكان ما، ويؤكد عليك أكثر من مرة على المكان والساعة، بل والدقيقة والثانية، وحتى وأنت تدير وجهك موليا، يصيح فيك «انتبه لا تتركني أنتظرك سأكون في الموعد وفي المكان.لا تتأخر. عندي مواعيد. نجلس ونتحدث». تمر عليك الساعات ثقيلة تعد الدقائق والثواني، وتكتب في أجندة المواعيد «يوم كذا عندي موعد هام مع فلان الفرتلان، على الساعة كذا في المكان كذا». أحيانا تحسب أنك أخلفت الموعد أو أنك قد تخلف الموعد الهام لسبب طارئ، فتنزل على نفسك بما لا ينتهي من سياط اللوم والعتاب، بل تسب أحيانا هذا العربي الذي لم يتعلم بعد وهو في القرن الواحد والعشرين كيف يضبط ساعته ولا يخلف مواعيده. تقول هذا العربي لم يتعلم، وأرى أنه لن يُقدر قيمة الزمن وكيف يستغلها بالطريقة المثلى التي تسمح له بالاستفادة من هذه الثروة. لكن حينما تعود إلى أجندة المواعيد تجد أن الموعد الهام مع فرتلان الهام جدا لم يأت بعد، فتحمد الله أن إخلافك للموعد لم يكن سوى أوهام. في الساعة المحددة وفي المكان المحدد وفي الزاوية المعروفة تكون جالسا، حتى لا يمنعك طارئ ما، لكن كلما تقدم الوقت ازدادت حيرتك وحنقك على العربي الذي يضرب معك موعدا ويخلفه، تقول مع نفسك: كيف يمكن أن يُحْتَرم من يخلف المواعيد دائما ولا يقدر الزمن؟ تنتظر وتنتظر عل وعسى يظهر لصاحبك أثر. وكلما زاد الوقت في التقدم يزداد خوفك على نفسك أن تتحول أنت أيضا مثل صاحبك وتصبح مخالفا للمواعيد ومستهترا بالوقت. تنتظر وتنتظر، لكن صاحبك لا يأتي، فيصبح الشك عندك يقينا بأن صاحبك غير جدير بأن تحترمه. وتصيح كالمجنون: ليذهب إلى الجحيم. ثم ترمي بعضا من أوراقه في سلة المهملات التي توجد بالقرب منك في زاوية المقهى، وتلتفت إلى الذي يجلس بجانبك لتعرف ما إن كان هو الآخر ينتظر أحدا، وقبل أن يجيب تقول: إنه لن يأتي، فيجيبك بأن هذه هي عادة صاحبه، وبأنه شخص لا يعطي قيمة للوقت ولا يضبط مواعيده، ثم يضع هو الآخر أوراقا ما في سلة المهملات التي توجد في الزاوية. وحده الزمن لا يخلف الموعد. فبعد يوم واحد يأتي 2014.أهلا بالقادم الجديد ولا أهلا بالذين يخلفون المواعيد.