قررت عشر جمعيات حقوقية، رفع مشروع المذكرة التي أعدتها حول «إصلاح القضاء بالمغرب»، إلى الديوان الملكي والحكومة في شخص وزير العدل والبرلمان والأحزاب السياسية، وذلك في سياق برنامج تحركها المستقبلي لفتح حوار وطني حول المذكرة والترافع بشأنها أمام المؤسسات الدستورية المعنية بملف إصلاح القضاء. كما قرر رؤساء تلك الجمعيات، في لقاء خاص جمعهم أول أمس بالرباط على هامش حفل توقيع مشروع المذكرة، تنظيم ندوة صحافية من أجل إطلاق حملة الترافع، وبرمجة ندوات جهوية للتعريف بالمذكرة التي تتضمن إلى جانب تشخيص وضعية القضاء المغربي، توصيات تهم بالأساس الإصلاحات التشريعية الضامنة لاستقلال القضاء، وتقوية الضمانات وحقوق الدفاع واستقلال ونزاهة المحامين. وقال عبد العزيز النويضي، رئيس جمعية عدالة، في تصريح ل«المساء» إن إصلاح القضاء لا يمكن أن يكون نابعا من المجتمع فقط أو صادرا عن الدولة وحدها، وإنما يتعين أن يتم بتشارك بين المعنيين بالأمر والمجتمع، وهو ما تأكدت فعاليته بمناسبة مدونة الأسرة وقانون المحاماة، مضيفا: «إصلاح الدولة للقضاء يجب ألا يتم بمعزل عن المجتمع وخلف الأبواب المغلقة، وإنما يتعين أن يكون موضوع حوار مع المجتمع وإنصات إلى حاجاته ومطالبه، الجمعيات العشر لم تضع هذه المذكرة في مواجهة أي مقترح للسلطات العمومية، بل وضعناه من منظورنا كقوة اقتراحية، وأيدينا ممدودة للتعاون من أجل إنجاح الإصلاح، ونتمنى عليهم موافاتنا بمقترحاتهم حتى نبدي رأينا فيها». وكانت كل من جمعية هيئات المحامين، والعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، والجمعية المغربية لمحاربة الرشوة، والمنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، وجمعية عدالة، والجمعية المغربية للدفاع عن استقلال القضاء، ومنظمة العفو الدولية- فرع المغرب، والمرصد المغربي للسجون، قد وقعت أول أمس بنادي المحامين بالرباط على مشروع المذكرة، الذي تعتبره أرضية نقاش قابلة للإغناء من قبل منظمات المجتمع والجهات الرسمية. من جهته، قال عبد الحميد أمين، نائب رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إن العدالة في المغرب تعد عرقلة حقيقية أمام تكافؤ الفرص بين المتقاضين، وإنها غير قادرة بتاتا على جعل القضاء أداة إنصاف بالنسبة لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ولتعسف السلطات، مشيرا في كلمة خلال حفل التوقيع على المذكرة، إلى أن «القضاء استخدم من طرف الدولة لشرعنة تلك الانتهاكات وتبييضها». واتهم أمين القضاء المغربي بأنه «يلعب نفس الدور المشين الذي كان يلعبه في سنوات الرصاص، في المحاكمات ذات الطابع السياسي أو المتعلقة بقضايا المخدرات أو نهب المال العام، وفي العديد من ملفات المساس بالمقدسات». إلى ذلك، وقفت المذكرة على الاختلالات التي يعرفها القضاء بالمغرب، وفي مقدمتها محدودية استقلال القضاء في القانون والواقع، من خلال التحكم في الحياة المهنية للقضاة وتسخير أعضاء النيابة العامة كهيئة خاضعة للتسلسل الإداري ومقيدة بالتعليمات دون إمكانية مناقشة ملاءمتها أو شرعيتها. كما رصدت المذكرة ثغرات في تنظيم الهيئات القضائية وسير الجلسات العمومية والقرارات القضائية، ووجود نقص في ضمانات الدفاع. ولتجاوز تلك الاختلالات، أوصت مذكرة الجمعيات العشر بتوضيح مهام المجلس الأعلى للقضاء باعتباره الممثل الدستوري الضامن لاستقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتوسيع اختصاصاته قصد تمكينه من سلطة تقرير حقيقية، وبالرفع من عدد المحاكم الابتدائية والمحاكم الاستئنافية والتجارية بدرجتيها حتى يمكن تخفيف على المحاكم القائمة حاليا، وكذا بإنشاء محاكم اجتماعية مختصة في قضايا الشغل والضمان الاجتماعي. كما تضمنت توصيات بخصوص تقوية الضمانات وحقوق الدفاع واستقلال ونزاهة المحامين ومحاربة الإفلات من العقاب، منها تكريس مبدأ قرينة البراءة ومجموع ضمانات المحاكمة العادلة في الدستور، وتأمين كل التسهيلات الضرورية للمحامين للنهوض بواجباتهم ورسالتهم في الدفاع عن موكليهم، فضلا عن تفعيل مقتضيات اتفاقية مناهضة التعذيب وتجريم الاختفاء القسري وتطوير التشريع المغربي لضمان تفعيل مبدأ عدم الإفلات من العقاب. أما في ما يخص أوضاع السجون، فقد أوصت المذكرة بإعادة النظر في قانون المؤسسات السجنية لسنة 1998، وفتحها في وجه الهيئات الحقوقية، ووضع مقرات الحراسة النظرية ببنيات المحاكم حتى يمكن تسهيل عملية مراقبة النيابة العامة والمجتمع عن قرب لوضعية المضبوطين مع ما يمكن أن يمارس عليهم من تعذيب وممارسات مشينة، وكذا ربط الشرطة القضائية مباشرة بالجهاز القضائي وليس بإدارة الأمن الوطني. من جهة أخرى، أوصت المذكرة بإنشاء لجنة من الحقوقيين قصد وضع خطة عمل تتضمن صياغة كتاب أبيض مشترك حول الإصلاح القضائي، يتضمن اقتراحات ومبادرات للترافع لدى السلطات العمومية والممولين والمجتمع المغربي.